إعادة تدوير البولي يوريثان يمكن أنْ تصبح ممكنةً
طريقة جديدة مبتكرة لإنتاج البلاستيك من ثاني أكسيد الكربون
إعادة تدوير البولي يوريثان يمكن أنْ تصبح ممكنةً
طريقة جديدة مبتكرة لإنتاج البلاستيك من ثاني أكسيد الكربون
قام فريق من الكيميائيين في جامعة “لييج” الفرنسية بتطوير تقنية جديدة لإنتاج مادة البولي يوريثان باستخدام ثاني أكسيد الكربون، وهي طريقة جديدة يمكن استخدامها لإنتاج أنواع مختلفة من المواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير بسهولة. وقد نُشِرتْ هذه الدراسة المثيرة للاهتمام في دورية جمعية الكيمياء الأمريكية – Journal of the American Chemistry Society.
البلاستيك في حياتنا
لا شكَّ في أنَّ الموادَ البلاستيكيةَ المستخدَمةَ في مختلف السلع قد قادتْ تحولًا كبيرًا في الصناعة العالمية؛ لذا أصبحنا نجد هذه المواد البلاستيكية في كل مكان من حياتنا اليومية، لدرجة أنَّ استخدامها العالميّ قُدِّر بحوالي 460 مليون طن في عام 2019 فقط.
الرقم السابق -بكل تأكيد- مذهل، لكنه ليس مفاجئًا؛ لأنَّ البلاستيكَ -المعروف أيضًا باسم البوليمرات الاصطناعية- قد حقق نجاحًا كبيرًا بفضل خصائصه الفريدة، التي لا يمكن الاستغناء عنها؛ فهو مادة خفيفة ورخيصة ومتعددة الاستخدامات بشكل لا يصدق، ولكن حقيقة أنَّ إعادةَ تدويرها تُعتبر عمليةً صعبةً -وفي بعض الأحيان مستحيلة- جعلتِ المجتمعَ العلميّ نهمًا للوصول إلى حلول مستدامة في هذه الصناعة الحيوية.
يشكل البلاستيك -في المتوسط- حوالي 15% من إجماليّ وزن مواد تصنيع السيارات، وربع وزن مواد تصنيع الهواتف الذكية، ونصف وزن الطائرة، إضافةً إلى أنَّه عنصر أساسيّ في كثير مِن سلاسل القيمة المضافة، بما في هذا التعبئة والتغليف، الرعاية الصحية، البناء، الخدمات اللوجستية، الملابس، الأدوات المنزلية والأثاث، أدوات السباكة الحديثة والمواسير.
وللبلاستيك دور حيويّ في دفع عجلة التنمية الصناعية نحو خلق فرص عمل، وتطوير منتجات جديدة؛ ذلك كله من أجل تحسين حياة البشرية، إلا إنه كلما زاد استخدام البلاستيك زادت التكاليف والأعباء البيئية والاجتماعية.
العوائق التي نواجهها في إعادة تدوير البلاستيك لا تؤدي فقط إلى استنفاد الموارد الأحفورية المستخدَمة في تصنيعها، وإنما تؤدي إلى تراكم كميات ضخمة من مخلفات البلاستيك على المدى البعيد في الطبيعة والمحيطات؛ لذا كان من الضروريّ لمجتمعنا أنْ يتخذَ خطواتٍ متسارعة نحو تحسين عمليات تصميم وتصنيع المواد البلاستيكية، حيث يمكن إعادة تدويرها بسهولة في نهاية عمرها الافتراضيّ.
وفي هذا السياق، كشفتِ الدراسةُ التي أجراها باحثون في جامعة لييج -بالتعاون بينها وبين جامعة مونس وجامعة إقليم الباسك- عن تقنية جديدة لإنتاج البولي يوريثان القابل لإعادة التدوير بسهولة.
تحويل المشكلة إلى حل
لمَن لا يعلم، فالبولي يوريثان أحد أشهر أنواع البلاستيك، ويدخل في تطبيقات متعددة، ومِن أبرزها الاستخدام في عمليات العزل؛ لتوفير المتانة والحماية من الحرارة والبرودة والتآكل لمختلف الأجسام والأسطح.
ما يجعل هذه الدراسة مثيرةً للاهتمام هو الطريقة التي استطاع بها الباحثون إنتاج البولي يوريثان، وهي من خلال استخدام ثاني أكسيد الكربون (CO2) -الذي يمثل مشكلةً رئيسيةً لعالمنا- باعتباره المادة الخام لإنتاج المونومرات (وحدة البناء الأساسية للبوليمر) اللازمة لتصنيع هذا البوليمر؛ مما يعني أنهم استطاعوا تحويلَ مشكلة كبيرة متمثلة في غازٍ دَفِيءٍ مثل ثاني أكسيد الكربون إلى حل مستدام في إنتاج البلاستيك.
الطريقة المبتكرة تتيح للباحثين تعديل التركيب الكيميائيّ للمونومرات؛ مما يجعل من الممكن إنتاج مواد بلاستيكية أخرى ذات نطاق واسع من الخصائص، بدءًا من المواد المرنة للغاية مثل السيليكون، إلى المواد الأكثر صلابةً مثل البولي ستايرين.
المشكلة التي تواجه إعادة تدوير البولي يوريثان في الوقت الحاليّ، هي بنيته الكيميائية المعقدة، التي تحتوي على روابط كيميائية شبكية ثلاثية الأبعاد، وهو ما يكسبها خصائصها الفريدة للاستخدام في عمليات العزل الحراريّ، ولكن هذا يعني -أيضًا- أنَّ الحرارةَ اللازمةَ لفك شبكة الروابط المعقدة هذه ستؤدي إلى احتراق المادة، وهذا على عكس البوليمرات التي تتميز بنيتُها بسلاسل خطية طويلة، يسهل فكها -صهرها- وإعادة تشكيلها.
استطاعتِ الطريقةُ الجديدةُ لإنتاج البولي يوريثانات أنْ تحول شبكة الروابط الكيميائية المعقدة إلى روابطَ ديناميكيةٍ؛ مما يعني أنه تُمكن إعادةُ تشكيل هذه المادة بعد إنتاجها، وهذا عن طريق تبادل الروابطِ الكيميائيةِ في ظل ظروف تفاعل خفيفة نسبيًّا.
طرق متعددة لإعادة التدوير
تكمن الميزة الكبرى لهذه التقنية الجديدة -كما قلنا سابقًا- في قدرتها على إنتاج مواد بلاستيكية ذات نطاق واسع من الخصائص المميزة، بالإضافة إلى توفير طرق متعددة لإعادة تدوير هذه المواد في نهاية عمرها الافتراضيّ؛ إمَّا عن طريق صهرها وإعادة تشكيلها، وإمَّا عن طريق خلط أنواع مختلفة من البلاستيك لإنشاء مواد هجينة ذات خصائص جديدة، وإمَّا عن طريق تفكيكها إلى مونومراتها الأولية. وتُعتبر الطريقةُ الأخيرةُ مثاليةً للتخلص من الإضافات التي تُستخدم في خلال عمليات تصنيع البلاستيك مثل الأصباغ.
وفي ضوء البحث عن حلول لاستغلال الكميات الهائلة من ثاني أكسيد الكربون، توضح هذه الدراسةُ أنه يمكن استخدام نفايات ثاني أكسيد الكربون مباشرةً باعتبارها موادَّ خامٍ لتصنيع البلاستيك مع مجموعة واسعة من الخصائص، مشابهة لتلك الموجودة في بعض المواد البلاستيكية التقليدية، التي تُصنع من المصادر الأحفورية.
تمثل التقنيةُ الجديدةُ لإنتاج البلاستيك خطوةً كبيرةً نحو التحول بصناعة البلاستيك إلى الاستدامة، بالإضافة إلى تقديمها حلًّا مستقبليًّا للتخلص من نسبة معتبرة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون؛ مما يعني الحد من ظاهرة تغيُّر المناخ، والسماح لمجتمعاتنا باستمرار الاعتماد على هذه المادة الفريدة -البلاستيك- في مختلف التطبيقات والأغراض التنموية.