خارج الصندوق.. براءة اختراع جديدة لفصل البوليستر عن القطن
خارج الصندوق.. براءة اختراع جديدة لفصل البوليستر عن القطن
خلقتِ التحدياتُ المناخيةُ التي يعيشها كوكبنا في الوقت الراهن -بسبب معدلات النمو المتزايدة، واتساع الرقعة الصناعية والزراعية- الحاجَةَ إلى إيجاد حلول مبتكرة للتحول بأنشطتنا المختلفة إلى الاستدامة؛ وهي الحلول التي نحاول تسليط الضوء عليها في سلسلة مقالات “خارج الصندوق“.
ولعل من بين الصناعات التي تستهلك طاقةً وموادًّا كثيفةً: صناعةُ الملابس والمنسوجات؛ فبخلاف كونها صناعةً حيويةً ذات أهميةٍ كبيرةٍ في حياتنا اليومية، إلا إنَّ تأثيراتها البيئية الوخيمة لَفَتَتِ الانتباه إلى ضرورة التحول بها إلى الاستدامة، سواء بزيادة كفاءة عملياتها الإنتاجية، أم بالاستغلال الأمثل لمخلفاتها الكثيرة التي تنتج عنها.
وفي هذا السياق، قامت شركة CIRC -مقرها في الولايات المتحدة- باختراع طريقة مبتكرة لإعادة تدوير الأقمشة المصنوعة من البوليستر المخلوط بالقطن، التي تشكل نسبةً تصل إلى 50% من إجماليّ مخلفات الملابس حول العالم.
البصمة البيئية لصناعة الملابس
ولمعرفة مدى خطورة مخلفات الملابس يكفي القول: إنَّ صناعةَ الأزياء والموضة مسئولةٌ عن توليد 92 مليون طن من النفايات كل عامٍ، وهي النفايات التي يتم حرقها أو حتى التخلص منها بشكل عشوائيّ، حيث تتم إعادة تدوير أقل من 1% فقط من هذه الكمية الضخمة.
المشكلة الأخرى هنا، هي أنَّ عمليةَ تصنيع المنسوجات الجديدة تعتبر عمليةً كثيفةَ الاستهلاكِ للموارد والطاقة؛ فعلَى سبيل المثال، يتطلب إنتاج القطن حول العالم -سنويًّا- 3.3 مليون فدان من الأراضي وستة مليارات متر مكعب من المياه، في حين أنَّ إنتاجَ البوليستر يستهلك 70 مليون برميل من النفط كل عامٍ.
وعلَى الرغم من أنَّ الإفراطَ في استهلاك المنسوجات -خصوصًا في عصر الموضة السريعة الذي نعيشه- ما يزال تحديًا كبيرًا أمام تحويل صناعة الموضة والأزياء إلى الاستدامة؛ فإننا نجد تحديًا أكبر، يتمثل في العوائق الفنية التي تقف أمام عمليات إعادة تدوير مخلفات الملابس.
أحد الأمثلة علَى العوائق التي تواجه إعادة التدوير هو مخلفات البولي قطن “Polycotton”، وهو مزيج صناعيّ من ألياف القطن الطبيعية والبوليمرات البلاستيكية الصناعية. وتستغرق مخلفات البولي قطن حوالي 200 عامٍ لتتحلل -بيولوجيًّا- في الطبيعة، في حين أنَّ التخلصَ من هذه المخلفات عن طريق الحرق يُنتج موادًّا كيميائيةً، مثل: أول أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكربون، ومُركبات سامة أخرى.
طريقة ثورية لإعادة التدوير
ولمواجهة التحدي السابق، قامت شركة CIRC الأمريكية بتطوير طريقة ثورية؛ لإعادة تدوير البولي قطن. والطريقة الجديدة تقوم بفصل البوليستر تمامًا عن ألياف القطن بشكل آمن، وهذا عن طريق عملية حرارية تستخدم المياه لتحويل البوليستر إلى سائل يتم فصله بشكل تام، في حين تبقى الألياف القطنية سليمةً.
هذه الطريقة الثورية الحاصلة علَى براءة اختراع تُقدم حلًّا نموذجيًّا لصناعة الملابس والمنسوجات، حيث يمكننا إعادة استخدام البوليستر المفصول مرَّةً أخرى، لإنتاج ملابس جديدة، وكذلك القطن؛ مما يعني خفض الطلب المتزايد علَى الموارد البكر، وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون بشكل كبير.
وعلَى ما يبدو فإنَّ التقنيةَ الجديدةَ تحقق نجاحًا كبيرًا، حيث قامتِ الشركةُ بتحويل ما يزيد عن 103 أطنان من نفايات المنسوجات إلى مواد خام مرَّةً أخرى، وهو ما منع بدوره انبعاثَ كمية تصل إلى 130 ألف كيلوجرام من ثاني أكسيد الكربون.
وفي غضون السنوات الثلاث المقبلة تخطط CIRC لإنشاء مصنع إعادة تدويرٍ، بقدرة 60 ألف طن -سنويًّا- من مخلفات المنسوجات. وبحلول عام 2030 ستكون الشركة قد ضاعفت قدرتها الإنتاجية إلى 300 ألف طن؛ مما يساهم في وضع صناعة المنسوجات علَى الطريق نحو الاقتصاد الدائريّ.
لقد أصبحنا في أَمَسِّ الحاجَةِ إلى مثل هذه الابتكارات، التي تستطيع التعامل -بشكل فوريّ وعاجل- مع مشكلاتنا المناخية. ولعل النموذج الذي طرحناه في هذا المقال هو واحد من النماذج الملهِمة، التي تستطيع تحويل المخلفات من عبءٍ بيئيّ ثقيل إلى مورد متجدد.
إننا في حماة الأرض نؤمن بأهمية وضرورة تشجيع الابتكار في جميع المجالات، وعلَى الأخص عند معالجة قضايا المناخ، ولا شكَّ في أنَّ التحولَ بصناعة الملابس والمنسوجات إلى الاستدامة أمرٌ يجب أنْ نسعى إلى تحقيقه في وطننا الغالي.