CSS .. قبل أن تتحول الحلول الصديقة للبيئة إلى كوارث لا تحمد عقباها
CSS .. قبل أن تتحول الحلول الصديقة للبيئة إلى كوارث لا تحمد عقباها
فـي الآونةِ الأخيرةِ تصدَّرَ المشهدَ البيئيَّ فـي مصرَ قضيَّةُ إمكانيَّةِ الاعتمادِ على ما سُمِّيَ مَجازًا بمادةِ الـ «CSS» كوَقودٍ بديلٍ صديقٍ للبيئةِ فـي أفرانِ مصانعِ الأسمنتِ بدلًا منِ استخدامِ الفحم، دونَ أنْ يتعرَّضَ أحدٌ لِمَا قدْ يُشكِّلُهُ هذَا الأمرُ منْ خطرٍ بالغٍ علـى البيئةِ المِصريَّة، ففي واقعِ الأمرِ هُناكَ العديدُ مِنَ الجوانبِ البيئيةِ والاقتصاديةِ والتِّجاريةِ التي لا بُدَّ وأنْ تُؤخذَ بعينِ الاعتبار.
فمَا هذِه المادَّةُ وهلْ هي مادةٌ صديقةٌ للبيئةِ بحقٍّ دونَ أيِّ خطرٍ قدْ تُشكِّلُهُ عليها؟
الوقود البديل
الوَقودُ البديلُ هوَ أيُّ نَوْعٍ مِنَ الموادِّ التي يُمكنُ حرقُها لتوليدِ الطاقةِ واستخدامِها كوَقود، بخِلافِ الوَقودِ التقليديِّ كالوَقودِ الأُحفوريِّ بأنواعِه أوِ الموادِّ النوويَّةِ مثلَ اليورانيوم والثوريوم.
وتتعدَّدُ أنواعُ الوَقودِ البديلِ بينَ المُخلَّفاتِ الزراعيَّةِ والوَقودِ المُشتقِّ مِنَ المُخلفات «RDF»، أوِ الإطاراتِ الهالكة «TDF»، أوِ الوَقودِ الثَّانوي المُستعاد «SRF».
الوقودُ الثانويُّ المُستعاد «SRF»
الوَقودُ الثانويُّ المُستعاد «Secondary Recovered Fuel» والذي يُرمَزُ لهُ اختصارًا بـ «SRF»، هو أحدُ الأنواعِ الواعدةِ للوقودِ البديلِ والذي يُمكنُ أنْ يُمثِّلَ خِيارًا عالـيَ الجودةِ كبديلٍ للوَقودِ الأُحفوريِّ فـي العديدِ مِنَ الصناعات.
يتمُّ إنتاجُ الـ «SRF» بشكلٍ أساسيٍّ عنْ طريقِ مُعالجةِ النُّفاياتِ غيرِ الخَطرة، بِمَا فـي ذلكَ النُّفاياتُ التِّجاريةُ والمُخلفاتُ البَلديةُ المختلفةُ كالورق، والكرتون، والخشب، والمَنسوجات، والبلاستيك، وكذلكَ المُخلفاتُ الصناعيةُ ومخلفاتُ الهدمِ والبِناء.
CSS
يُطلَقُ علـى الوَقودِ الثانويِّ المُستعــاد «SRF» فـي بعضِ البُلدانِ مثلَ إيطاليا اسم «الوَقودُ الصَّلبُ الثانوي» وبالإيطالية «Combustibile Solido Secondario» ويُرمَزُ لهُ اختصارًا بـ «CSS»، وفـي فرنسا يُطلَقُ عليهِ اسم «Combustibles Solides de Recuperation» ويُرمَزُ لهُ اختصارًا بـ «CSR»، ولكنْ فـي حقيقةِ الأمرِ كلُّها مُجرَّدُ تَرْجماتٍ مُختلفةٍ للـ «SRF».
الفائدةُ المُتوقَّعةُ للاعتمادِ على «SRF/CSS» بشكلٍ عامٍّ في مِصر
يَختلفُ سعرُ الطنِّ من الـ «SRF/CSS» حسْبِ مدَى جودتِه وبلدِ المَنشأِ ولكنَّهُ فـي كلِّ الأحوالِ يُعتبرُ أفضلَ سعرًا إذا مَا قُورِنَ ببدائلِ الوَقودِ الأُخرى وعلـى رأسِها «الفحم» الذي يتمُّ الاعتمادُ عليهِ علـى نِطاقٍ واسعٍ فـي صناعةِ الأسمنت المِصريةِ ويتمُّ استيرادُهُ مِنَ الخارج، لذا فإنَّ الـ «SRF» -حتَّى عندَ استيرادِه- يُمكنُ أنْ يُساعِدَ بشكلٍ كبيرٍ فـي توفيرِ النقدِ الأجنبي، وتَعزيزِ الفُرصِ التنافُسيَّةِ للأسمنت المِصريِّ بالأسواقِ العالميَّة.
أمَّا مِنَ الناحيةِ البيئيَّة، فيُعتبرُ الاعتمادُ علـى الوَقودِ الثانويِّ المُستعادِ طَفْرةً بيئيةً تَعملُ علـى خفضِ البَصمةِ الكربونيَّة، فضلًا عَنِ الفائدةِ البيئيةِ المُحقَّقةِ مِنَ التخلُّصِ مِنَ المُخلَّفاتِ بإعادةِ تدويرِها لإنتاج «SRF» إذا ما تمَّ تَوطينُ صناعتِه في مصر.
المُعوِّقاتُ والفُرصُ على المُستوى المَحلي
رُبَّما يَعلمُ بعضُ المُتابعِينَ للشأنِ البيئيِّ وكذلكَ المُستثمرونَ فـي قطاعِ الأسمنت المِصريِّ قرارَ وزيرِ البيئةِ رَقْم (49) لسنةِ 2021 والذي ألزمَ مصانعَ الأسمنت المُستخدِمَةَ للفحمِ بإدماجِ الـ «RDF» فـي مَزيجِ الطاقةِ لديها، لِيُمثِّلَ بذلكَ أُولـى الخُطواتِ علـى طريقِ التحوُّلِ بشكلٍ تدريجيٍّ إلـى الوَقودِ البديل، إلَّا إنَّ القرارَ لمْ يَخْلُ منْ بعضِ المشاكلِ الفنيَّة، فلمْ يُفرِّقِ القرارُ بينَ مصانعِ الأسمنت الرَّماديِّ ومَصانعِ الأسمنت الأَبيض، حيثُ يَستحيلُ استخدامُ الـ «RDF» كوَقودٍ بديلٍ فـي صناعةِ الأسمنت الأبيضِ لتأثيرِهِ علـى درجةِ نَصاعةِ المُنتَجِ النهائـي، فضلًا عنْ أنَّ هذَا القرارَ لمْ يضعْ آليةً واضحةً لضمانِ تطبيقِه علـى أرضِ الواقع.
لذَا قدْ يَكونُ الوَقودُ الثانويُّ المُستعاد «SRF/CSS» بديلًا جيِّدًا للفحمِ كوَقودٍ بديلٍ خاصَّةً فـي الصناعاتِ والمَجالاتِ الأكثرِ استهلاكًا للطاقة.
ومعَ بَدءِ تَكرارِ مُصطلح «الوقودِ الثانويِّ المُستعاد» مُؤخَّرًا «SRF/CSS»، فلا شكَّ أنَّ غِيابَ الإطارِ القانونـيِّ لتنظيمِ عمليةِ إنتاجِهِ واستيرادِهِ فضلًا عنْ عدمِ تبنِّي تعريفٍ صريحٍ واشتراطاتٍ واضحة، كلُّ هذَا سيُقَوِّضُ منْ إمكانيَّةِ الاعتمادِ عليهِ كوَقودٍ بديلٍ أكثرَ صداقةً للبيئة.
الجانبُ التِّجاري لـ «SRF/CSS» قدْ يَقضِي على صداقتِه للبيئة
كمَا سبقَ لذِكرِنا أنَّ استخدامَ الوَقودِ الثانويِّ المُستعادِ بمُسمِّياتِه المُختلِفة «SRF/CSS» سيُؤدِّي إلـى توفيرِ العُملةِ الصعبةِ التي تُستخدَمُ حاليًّا فـي استيرادِ الفحم، وكذلكَ سيُساهِمُ فـي خَفضِ البَصمةِ الكربونيَّة، وهوَ مَا يَبدُو جيِّدًا للغَايةِ غيرَ أنَّ هُناكَ جانبًا خَفيًّا لا بُدَّ وأنْ يُوضَعَ بِتَبعاتِه فـي الحُسبان، حيثُ تقومُ الدُّولُ المُصدِّرةُ لهذِه المُخلَّفات (أوِ الشركاتُ المُصدرةُ لها بهذهِ الدُّول) بمَنحِ المُستورِدِينَ العديدَ مِنَ المَزايا مُقابلَ التخلُّصِ منْ هذهِ المُخلَّفات.
ما سبق يعني إمكانيَّةَ اعتمادِ مُستوردي هذِه المُخلَّفات «CSS» علـى تلكِ المَزايا كعائدٍ اقتصاديٍّ دونَ الاهتمامِ بمَا سَيَؤولُ إليهِ مصيرُ هذهِ المُخلَّفاتِ داخلَ مصر، وإذَا مَا كانَ سيَتمُّ استخدامُها كوَقودٍ بديلٍ منْ عَدمِه، وهوَ مَا يَعني أنَّ الأمرَ قدْ يتحوَّلُ بينَ عَشيَّةٍ وضُحاها منِ استيرادِ مُخلَّفاتٍ لاستخدامِها كوَقودٍ بديلٍ صديقٍ للبيئةِ إلى استيرادِ هذِه المُخلَّفاتِ للتخلُّصِ مِنها فـي مِصر.
لذا يقعُ علـى عاتقِ الجِهاتِ المَعنيَّةِ بمِصرَ مسؤوليَّةٌ كبيرةٌ لِتَنظيمِ عمليةِ إدخالِ الـ «SRF/CSS» إلى قطاعِ الصناعةِ المِصري، ووضعُ إطارٍ واضحٍ وأهدافٌ مُستقبليَّة -قابلةٌ للقِياس- وذلكَ للتخلِّـي بشكلٍ تدريجيٍّ عنِ الفحمِ وتوطينِ صناعةِ الوقودِ الثانويِّ المُستعادِ كجُزءٍ أصيلٍ منْ سِياسةِ الطاقة، فلا بُدَّ منْ قَصرِ استيرادِ هذهِ المادةِ على المصانعِ المُستخدِمةِ للفحمِ كوقودٍ بديلٍ على أنْ يُصرَّحَ فقطْ بالكميَّاتِ التي تتوافقُ معَ احتياجاتِها الفعليَّةِ وطاقتِها الإنتاجية، كمَا يجبُ أنْ تُخصَمَ هذهِ الكميَّاتُ مِنَ الحصَّةِ الخاصَّةِ بتلكَ المصانعِ منْ مزيجِ الطاقةِ المُصرَّحِ لهَا بِه، لِنَضمنَ بذلكَ أنْ يَقتصرَ استيرادُ هذهِ المادةِ على استخدامِها للغَرضِ المُستورَدةِ منْ أجلِه وهوَ استخدامُها كوَقودٍ بديلٍ للوَقودِ الأُحفوري.
هذَا وأَتمنَّى أنْ يَكونَ هذَا المَقالُ إنذارًا مُبكِّرًا للتحرُّكِ بجِديَّةٍ وصَرامةٍ واتخاذِ التدابيرِ والإجراءاتِ والقَراراتِ اللازِمَة، قبلَ أنْ تَتحوَّلَ الحُلولُ الصَّديقةُ للبيئةِ إلـى كوارثَ بيئيَّةٍ لا تُحمَدُ عُقباهَا.