اختراق علمي جديد.. الوصول بالخلايا الشمسية العضوية إلى كفاءة غير مسبوقة
اختراق علمي جديد.. الوصول بالخلايا الشمسية العضوية إلى كفاءة غير مسبوقة
استطاع باحثون من جامعة هونج كونج المتعددة التكنولوجية الوصول بمجموعة من الخلايا الشمسية العضوية (OSCs) إلى نسبة مذهلة في “كفاءة تحويل الطاقة”، وصلت إلى 19.31٪. تُعرف الخلايا الشمسية العضوية باسم الخلايا الشمسية البوليمرية أو البلاستيكية، وتكون مصنوعةً من بوليمر ذي قدرة على امتصاص الأشعة الشمسية.
تُعتبر كفاءةُ تحويل الطاقة أو “power conversion efficiency” -التي تُسَمَّى اختصارًا باسم (PCE)- أحد المقاييس المهمة جدًّا لتقدير الطاقة المولدة من إشعاع شمسي معين، كما تُمَثل معيارًا مهمًّا لتقييم أداء الخلايا الكهروضوئية (PVs) أو الألواح الشمسية في توليد الطاقة، ويمكن تعريفها بأنها النسبة بين إجمالي كمية الطاقة الممتصة/ المستهلكة من الخلية وكمية الطاقة الناتجة عنها.
ومن الجدير بالذِّكْرِ، هو اعتبار الكفاءة المحسَّنة -التي تزيد عن 19٪- علَى أيدي باحثِي الجامعة رقمًا قياسيًّا للخلايا الشمسية العضوية الثنائية (Binary Solar Cells).
بقيادة البروفيسور “لي جانج”، أستاذ ورئيس قسم تكنولوجيا تحويل الطاقة، والسير “سزي يون تشونج” أستاذ الطاقة المتجددة – ابتكر فريقُ البحثِ تقنيةً جديدةً لتنظيم مورفولوجيا الخلايا العضوية الشمسية، وهذا باستخدام مُرَكَّب “1.2.3- ثلاثي كلور البنزين”، باعتباره منظمًا لعملية التبلور. تعمل هذه التقنية الجديدة على تعزيز كفاءة واستقرار الخلايا الشمسية العضوية بشكل أكبر.
ما الخلايا الشمسية العضوية؟
على خلاف الخلايا الشمسية التقليدية التي تعتمد على عنصر السيليكون بشكل رئيسي في تركيبها باعتباره مادة شبه موصلة – تعتمد الخلايا الشمسية العضوية (البوليمرية) على الإلكترونيات العضوية بدلًا من السيلكون لإنتاج الكهرباء.
ونتيجةً لما سبق، تتميز هذه الخلايا بأنها خفيفة الوزن، وذات مرونة عالية، مقارنةً بالخلايا الشمسية التقليدية. وإضافةً إلى وزنها الخفيف يمكن أنْ تكون شفافةً؛ مما يعني إمكان استخدامها في العديد من التطبيقات، مثل: النوافذ – الأجهزة الإلكترونية، وغيرهما. أضفْ إلى هذا أنَّ هذه الخلايا أسهل وأرخص في التصنيع وإعادة التدوير.
وفي خلال السنوات الماضية كان العائقُ أمام زيادة الاعتماد على هذا النوع من الخلايا عدمَ استقراره وضعفَ كفاءته، إلا إنَّ عجلةَ البحثِ المتسارعة طورت هذه الخلايا بشكل كبير، وقد يكون لهذا الاختراق العلمي الأخير إسهامٌ في تسليط الضوء بشكل أكبر على هذه التقنية.
يتم تصنيع هذه الخلايا في أبسط صورها عن طريق وضع طبقة واحدة من المواد الإلكترونية العضوية بين موصلينِ معدنيينِ مثل الساندويتش، ويمكن أنْ تُصَنَّع أيضًا عن طريق وضع طبقتينِ من المواد الإلكترونية العضوية، وتسمى حينها خلايا شمسية عضوية ثنائية.
تتكون الطبقتانِ في النوع الأخير من مادتينِ ذَوَاتَيْ سالبية كهربية وطاقة تَأَيُّنٍ مختلفتينِ؛ لذا تتولد طاقة كهروستاتيكية على السطح بينهما، وتسمى إحدى هاتينِ الطبقتينِ بالمانح (Donor)، في حين أنَّ الأخرى تُعرف بالمستقبل (Acceptor). تتميز الإلكترونيات العضوية المستخدمة بأنها قابلة للمعالجة بالمحاليل (Solution-processable)، وهو ما يفسر مرونة هذه الخلايا وانخفاض تكاليف الإنتاج.
وبناءً على ما سبق، يمكن لكلا محلولي المادتينِ أنْ يمتزجَا بشكل غير متجانس، ومن هنا يأتي مسمى الخلايا الشمسية البوليمرية غير المتجانسة (bulk heterojunction polymer solar cells)، التي تعمل عن طريق توليد الإكسيتونات بواسطة الضوء الساقط، ويلحق بهذا عمليةُ فصل للشحنات في السطح البيني للمانح والمستقبل، اللذينِ يكونانِ ممزوجينِ في الطبقة المعروفة باسم الطبقة النشطة (Active layer). تنتقل هذه الشحنات بعد هذا إلى أقطابٍ، حيث تتدفق إلى الخارج، ثم تعود مرَّةً أخرى من الجانب الآخر.
تتحكم خصائصُ الطبقة النشطة في كفاءة الخلية، ومن أهم هذه الخصائصِ اتحادُ الشحنات مرَّةً أخرى بعد عودتها، وكذلك حركة الفجوات في هذه الطبقة من المواد شبه الموصلة.
الوصول بالخلايا الشمسية العضوية إلى كفاءة أكبر
طور الفريقُ استراتيجيةَ معالجةٍ غير رتيبة للتلاعب بمورفولوجيا الخلايا الشمسية العضوية غير المتجانسة، التي تعمل في الوقت نفسه على تحسين ديناميكيات التبلور وفقدان الطاقة في الخلايا الشمسية العضوية ذات المستقبلات غير الفلورينية.
وعلى عكس استراتيجية استخدام إضافات من المذيبات التقليدية -التي تعتمد على تكديس الجزيئات بشكل كبير في الخلايا الشمسية العضوية- تعمل الطريقةُ الجديدةُ من خلال تجميع المزيد من الجزيئات بشكل مناسب وأكثر ترتيبًا، وهو أمر يؤدي -بالتجربة- إلى زيادة كفاءة الخلايا الشمسية العضوية بشكل كبير، وتقليل نسبة فَقْدِ إعادة الاتحاد غير الإشعاعي. ومِن الجدير بالذِّكْرِ، هو أنَّ إعادةَ الاتحاد غير الإشعاعي يقلل من كفاءة توليد الضوء، ويزيد من فَقْدِ الحرارة.
قال البروفيسور “لي”: «تَمَثَّلَتْ تحدياتُ البحث في مورفولوجية المواد القائمة على المواد المضافة، التي تعاني فقدانَ إعادةِ الاتحاد غير الإشعاعي؛ وبالتالي خفض جهد الدائرة المفتوحة. استغرق فريق البحث حوالي عامينِ لوضع استراتيجية غير رتيبة، لزيادة كفاءة الخلايا الشمسية غير العضوية وتقليل فقدان إعادة التركيب غير الإشعاعي. ولا شك في أنَّ نشرَ هذا البحث سيزيد من الزخم حول هذا النوع الواعد من الخلايا الشمسية».
وأضاف: «الاكتشاف الجديد لن يجعل الخلايا الشمسية العضوية مجالًا مثيرًا فحسب، وإنما من المحتمل أنْ يكون مساعِدًا على خلق فرص هائلة في تطبيقات مثل: الإلكترونيات المحمولة، وبناء الخلايا الكهروضوئية المتكاملة؛ لِمَا تتمتع به الخلايا الشمسية العضوية من خصائصَ، مثل: المرونة، والشفافية، وإمكان تلوينها بأي لون، أضف إلى هذا التكلفة المنخفضة لتصنيعها. وعند معالجة مشكلات هذه التقنية المتمثلة في عدم استقرار الخلايا وضعف كفاءتها – ستصبح خيارًا مستدامًا في العديد من التطبيقات».
ومما تجدر الإشارة إليه، هو ما حصل مِن تقدير ملموس لجهود البروفيسور “لي” في الأوساط العلمية، باعتباره باحثًا متميزًا على مدَى 9 أعوام متتابعة، بدءًا مِن عام 2014؛ مما يؤكد تأثيرَه الشديدَ في البحث العالمي، حيث ساعدت أبحاثُه الرائدةُ حول الخلايا الشمسية البوليمرية منذ عام 2005 على إحداث تأثير مستدام في تطوير تقنيات الطاقة الشمسية القابلة للطباعة.