صناعات مستدامة

فرص عمل جديدة.. إليكم أبرز وظائف الاستدامة

وظائف الاستدامة

فرص عمل جديدة.. إليكم أبرز وظائف الاستدامة

في عالمنا اليوم  تتسابق الشركات لتقديم الوظائف، ويبرز نوع جديد ومختلف من الفرص التي لا تقتصر جاذبيتها على الرواتب المميزة فحسب، وإنما تمتد لتشمل تأثيرها العميق في كوكبنا ومستقبلنا، إنها وظائف الاستدامة، التي أصبحت جزءًا أساسيًّا من سوق العمل العالمي، حيث تشير أحدث التقارير إلى أن 90% من المنظمات المتخصصة في هذا المجال تخطط للتوظيف خلال الـ12 شهرًا القادمة؛ مما يؤكد نموها المتسارع.

تتنوّع مجالات وظائف الاستدامة بين العمل على الحدّ من آثار التغير المناخي وتصميم المباني والمدن الذكية والصديقة للبيئة، وهو ما يفتح الآفاق لآلاف الفرص أمام من يمتلكون الشغف لبناء عالم أكثر إنصافًا واستدامة. ويثير هذا التنوع تساؤلات جوهرية: ما المقصود بـ”وظائف الاستدامة”، وكيف يمكن تمييزها عن “الوظائف الخضراء” التي كثيرًا ما تُطرح في السياق نفسه؟ في هذا المقال تستعرض حماة الأرض أبرز ملامح هذا القطاع المتسارع، والمهارات التي يتطلبها، والفرص المتاحة، مع التأكيد على أن الوعي البيئي أصبح عنصرًا محوريًّا في اختياراتنا المهنية اليوم.

وظائف الاستدامة ليست كأي وظائف

حين نسمع كلمة وظيفة، غالبًا ما نتخيل مكتبًا، ومهامًا يومية، ويظهر لنا مصطلح الترقي الوظيفي، غير أن الوظيفة في مجال الاستدامة، تعني ما هو أبعد من ذلك بكثير، إنها وظيفة تُغيّر العالم بالفعل. ومع أن هذا المصطلح يتقاطع أحيانًا مع مفهوم “الوظائف الخضراء”، فإن هناك فرقًا دقيقًا بين الاثنين.

تتميز وظائف الاستدامة بكونها أكثر تخصصًا من الوظائف الخضراء، التي تعرفها الأمم المتحدة بأنها أي وظيفة تدعم الاقتصاد الأخضر وتهدف إلى تحقيق الرفاه الاجتماعي مع تقليل المخاطر البيئية، ففي حين تشمل الوظائف الخضراء نطاقًا واسعًا، تتطلب وظائف الاستدامة مهارات دقيقة في مجالات مثل الإدارة البيئية، وكفاءة الطاقة، والبناء المستدام.

وما يثير الانتباه حقًّا هو النمو السريع لهذه الوظائف، الذي يفوق أربع مرات معدل نمو سوق العمل التقليدي، وفقًا لمؤشر PwC للوظائف الخضراء في المملكة المتحدة. هذا النمو المتسارع يعني أن دخول هذا المجال قد يمثل المسار الذهبي لأي شخص يبحث عن عمل ذي معنى وهدف حقيقي.

الاستدامة في قلب الشركات

في مكاتب الشركات الكبرى، بدأنا نرى مسميات جديدة تتصدر المشهد، مثل: مدير استدامة، خبير انبعاثات كربونية، أخصائي متخصص في الاستدامة البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG specialist)، كل هذه الوظائف تدور حول هدف واحد، وهو جعل الربح مستدامًا، والنجاح مسئولًا.

الاستدامة البيئية والاجتماعية والحوكمة (ESG specialist)،

ترتكز الاستراتيجية المؤسسية للاستدامة على ثلاثة محاور: المجتمع والبيئة، والحوكمة؛ ففي الجانب الاجتماعي، هناك طلب متزايد على أخصائي المسئولية الاجتماعية، وضمان أن تكون الشركات فاعلة ومؤثرة في مجتمعاتها، أما في الجانب البيئي فتتجه الشركات نحو توظيف خبراء في التغير المناخي وتحقيق صافي الانبعاثات الصفرية.

الأمر اللافت هو أن هذه الوظائف لا تتطلب دائمًا خلفيات بيئية تقليدية، وإنما بدأ محترفون من مجالات مثل إدارة المخاطر، والموارد البشرية، وسلاسل الإمداد، بإعادة تأهيل أنفسهم للعمل في هذا المجال الحيوي؛ لأن المستقبل أصبح مرهونًا بالاستدامة؛ فهي ليست مجرد اتجاه عابر، وإنما هي حجر الزاوية لأي عمل تجاري ناجح ومسئول.

وكلما ازدادت التشريعات البيئية حول العالم، زادت الحاجة إلى من يفهمها ويطبقها بذكاء، وهنا يأتي دور مديري البيئة، الذين يعملون في مختلف القطاعات لتقليل المخاطر البيئية وتقدير التكاليف المحتملة لأضرار مثل تلوث الأراضي أو معالجة النفايات.

والعمل في هذا المجال لا يقتصر على مراقبة الانبعاثات أو الإشراف على التخلص من المخلفات، وإنما يشمل تطوير أنظمة إدارة بيئية فعالة ومواكبة للمعايير العالمية، وهناك أيضًا طلب متزايد على خبراء تقييم الأثر البيئي، والمتخصصين في إدارة الفيضانات، والتنوع البيولوجي، والتلوث.

وفي ظل هذا التحوّل المتسارع في أولويات بيئات العمل، أصبحت وظائف الاستدامة ضرورة استراتيجية تتكامل مع السياسات العامة وخطط النمو في مختلف القطاعات، ويزداد هذا التكامل وضوحًا عندما ننظر إلى الأدوار التي تؤديها هذه الوظائف في خدمة القضايا الكبرى، وفي مقدمتها أهداف التنمية المستدامة التي رسمت خريطة طريق للعالم حتى عام 2030.

الوظائف في قلب أهداف التنمية المستدامة

عندما وضعت الأمم المتحدة أجندة التنمية المستدامة لعام 2030، لم تكن تتحدث فقط عن سياسات دولية أو مبادرات حكومية، وإنما عن تغييرات واقعية في حياة الناس، تبدأ من طبيعة الوظائف التي نؤديها؛ فالكثير من وظائف الاستدامة تندرج مباشرة تحت أهداف هذه التنمية المستدامة، مثل الهدف (7) المتعلق بالطاقة النظيفة، والهدف (11) الخاص بالمدن والمجتمعات المستدامة، والهدف (13) المتعلق بالعمل المناخي، وبذلك فإن دخول سوق العمل الأخضر هو أيضًا مشاركة فعلية في تحقيق هذه الأهداف العالمية.

المهارات التي يكتسبها العاملون في مجال الاستدامة، سواء في الطاقة أو إدارة البيئة أو التصميم المستدام، تُسهم في إيجاد حلول عملية ومستدامة لتحديات كبرى مثل الاحتباس الحراري، التلوث، والندرة المائية، وهذه الحلول لا تقتصر على الحد من التأثيرات البيئية السلبية، وإنما تفتح أيضًا أبوابًا واسعة نحو نمو اقتصادي شامل، وفرص عمل جديدة في قطاعات ناشئة تواكب العصر، وتستشرف المستقبل.

فرص عمل جديدة في قطاعات ناشئة

واللافت أن كثيرًا من وظائف الاستدامة باتت ترتبط أيضًا بالعدالة الاجتماعية، مثل تحسين ظروف العمل في سلاسل الإمداد، وضمان المساواة بين الجنسين في مواقع اتخاذ القرار البيئي، وتوفير فرص تدريب وتعليم للشباب والنساء في المجتمعات المهمّشة. وهذا يعكس تكاملًا بين البعد البيئي والبعد الإنساني لأهداف التنمية المستدامة، ويجعل من هذه الوظائف مساحة لتحقيق التغيير الحقيقي، لا في البيئة فقط، وإنما في حياة الناس أيضًا.

مباني الطاقة الذكية

مع توسع المدن وارتفاع استهلاك الطاقة، لم يعد كافيًا أن تكون المباني حديثة وجذابة فقط، وإنما من الضروري أن تكون مصممة بطريقة ذكية تُراعي البيئة وتُوفّر الطاقة؛ ولهذا السبب أصبح هناك طلب كبير على خبراء متخصصين في تصميم وتشغيل المباني المستدامة، مثل مهندسي الكربون المجسّد الذين يعملون على تقليل الانبعاثات الناتجة عن البناء، وخبراء إدارة الطاقة الذين يضعون خططًا لجعل استهلاك الكهرباء والمياه أكثر كفاءة.

في وظائف الاستدامة، يتحوّل المبنى إلى كائن حيّ، تُؤخذ دورته الكاملة في الاعتبار منذ لحظة التصميم، مرورًا بالتشغيل والصيانة، وصولًا إلى الهدم أو إعادة التدوير، ويُعد هذا النهج من أكثر الاتجاهات نموًا، مدعومًا بموجة الاستثمارات الخضراء في مشروعات البنية التحتية. ومن هنا برزت وظائف جديدة مثل “مدير الطاقة”، الذي يلعب دورًا محوريًّا في تقليل استهلاك الموارد، وتحسين كفاءة التشغيل، والتعامل الذكي مع النفايات المائية والطاقية.

مدير الطاقة

ومن الجدير بالذكر أن هذه المهام تتقاطع مع اختصاصات عديدة، مثل الهندسة الميكانيكية والكهربائية، وإدارة العقارات، وخدمات المباني، ما يفتح الباب أمام انتقال مهني واعد نحو مستقبلٍ يجمع بين التخصص والتأثير الإيجابي.

هل أنت مستعد للوظيفة التي تحمي الكوكب؟

قد لا يكون مكتبك القادم بين جدران تقليدية، وإنما في قلب مشروعٍ يرمّم علاقة الإنسان بالطبيعة، من استشاري التغير المناخي إلى خبير نمذجة الطاقة، وصولًا إلى مدير استدامة في شركةٍ عملاقة؛ تتعدّد المسارات وتبقى الفرص مفتوحة أمام من يجمع بين الشغف والعلم والرغبة في صناعة فارقٍ فعليّ.

ختامًا، تؤكد مؤسسة حماة الأرض أنّ الوظيفة لم تعد تُقاس بما تُحققه من دخْلٍ فقط، بل بما تُحدثه من أثر؛ لذا تبرز وظائف الاستدامة بوصفها نقطة تقاطع بين القيم والمهنة، بين الطموح الفردي والمسئولية الجماعية، لأنها استجابة لحاجة السوق، وانعكاس لتحوّل ثقافي واقتصادي عالمي. وفي هذا الإطار تتحوّل خياراتنا المهنية إلى أدوات تغيير حقيقي، تُسهم في إعادة تشكيل أنماط الإنتاج والاستهلاك، وتكريس نموذج تنموي جديد يُراعي البيئة ويصون كرامة الإنسان؛ ومِن ثَمَّ فإنَّ السؤال لم يعد: ما الوظيفة التي أريد؟ بل: ما الأثر الذي أطمح إليه؟

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى