بَاحثونَ يُطَوِّرُونَ طريقةً مُجْدِيةً اقتصاديًّا لاستعادةِ الذهب مِنَ المُخلَّفاتِ الإلكترونيَّة
الذهب المُستخرَجُ تَمَّ تجربتُهُ كمادَّةٍ حفّازةٍ في صناعةِ بعضِ الأدويَة
بَاحثونَ يُطَوِّرُونَ طريقةً مُجْدِيةً اقتصاديًّا لاستعادةِ الذهب مِنَ المُخلَّفاتِ الإلكترونيَّة
تَفرضُ تحدياتُ التنميةِ المستدامةِ المُتعاقبةِ إيجادَ طُرقٍ وحُلولٍ جديدةٍ ومبتكرة؛ للاستفادةِ منْ كلِّ شيءٍ بمَا في ذلكَ المُخلفات، ولعلَّ المخلفاتِ الإلكترونيةَ واحدةٌ مِنَ المصادرِ الواعدةِ لاستعادةِ مجموعةٍ مِنَ المعادنِ النفيسةِ الهامَّةِ لإعادةِ استخدامِها مرَّةً أخرى.
الباحثونَ منْ جامعة «كالياري في إيطاليا» نظرُوا في إيجادِ طريقةٍ مُستدامةٍ ذاتِ جدوَى اقتصاديَّةٍ لاستعادةِ الذهب مِنَ النُّفايَاتِ الإلكترونية، والذي يُمكنُ استخدامُهُ كمادةٍ حفَّازةٍ في صناعةِ الأدوية؛ وذلكَ بهدفِ منْعِ هدرِهِ في مِكَّبَاتِ النُّفاياتِ وتقليلِ الحاجةِ إلى تَعدينِ موادَّ جديدة.
الموادُّ الحفَّازة (المساعِدة) كما درسْنَا في صِغرِنا، هي موادُّ -غالبًا ما تُصنَعُ مِنْ معادنَ نادرَة- تَدخُلُ في التفاعُلات؛ لتُغَيِّرَ منْ مُعدَّلِها «سرعتِها»؛ وذلكَ دونَ أن تَشترَكَ بنفسِها أو تَتغيَّرَ كيميائيًّا. يتمُّ استخلاصُ الموادِّ الحفَّازةِ المستخدَمةِ حاليًا في مُعظمِ الصِّناعاتِ باستخدامِ عملياتِ تعدينٍ باهظةِ الثمن، ومستهلِكةٍ للطاقة، ومُدمِّرةٍ للمَوارِد.
التعاوُنُ البَحْثيُّ المُشتركُ لطريقةٍ مُجْدِيَّةٍ اقتصاديًّا
تمَّ تطويرُ طريقةِ استخراجِ الذهب مِنَ النُّفَاياتِ منْ قِبلِ باحثِينَ في جامعةِ كالياري بإيطاليا، في حينٍ طوَّرَ الباحثونَ في إمبريال كوليدج لندن طريقةً لاستخدامِ هذا الذهب المُستَعادِ مِنَ النُّفاياتِ حيثُ نُشِرَتِ الدراسةُ في مَجلة ACS للكيمياءِ والهندسةِ المستدامة.
عادةً ما يتمُّ إرسالُ نُفاياتِ المعدَّاتِ الكهربائيةِ والإلكترونيةِ إلى مِكَّبَاتِ النُّفايات، حيثُ يَتطلَّبُ فصلُ واستخراجُ المكوناتِ الكثيرَ مِنَ الطاقةِ والموادِّ الكيميائيةِ القويَّة؛ مِمَّا يُقوضُ الجدوَى الاقتصاديةَ لعمليةِ استعادةِ المعادن. ومعَ ذلك، تَحتوي المخلفاتُ الإلكترونيةُ على ثَروةٍ مِنَ المعادنِ التي يمكنُ استخدامُها في مجموعةٍ مِنَ المنتَجاتِ الجَديدة، لذلكَ فإنَّ إيجادَ طُرقٍ لاستعادةِ هذِه المعادنِ واستخدامِها بطريقةٍ مُنخفضةِ التكلِفةِ ومنخفضةِ الطاقةِ وغيرِ سامَّةِ أمرٌ بالغُ الأهميَّة؛ لجعْلِ استخدامِنا للسِّلعِ الإلكترونيةِ أكثرَ استدامة.
وقالَ كبيرُ الباحثينَ البروفيسور «جيمس ويلتون إيلي»، منْ قسمِ الكيمياءِ في إمبريال: «إنَّهُ لأمرٌ مُرَوّعٌ أنْ تَذهبَ معظمُ نُفاياتِنا الإلكترونيةِ إلى مِكبِّ النفايات، وهذا عكسُ ما يجبُ أنْ نفعلَهُ لرعايةِ مَوَارِدِنا الأساسيةِ الثَّمِينَة. يَهدفُ النهْجُ الجديدُ الذي تمَّ تطويرُهُ إلى تقليلِ النفاياتِ المَوجودةِ بالفعلِ داخلَ مُجتمعاتِنا وجعلِها مواردَ قيِّمَةً لصُنعِ الموادِّ الحفازة؛ وبالتالي تقليلُ اعتمادِنا أيضًا على مُمارساتِ التعدينِ الضارَّةِ بيئيًّا».
كما أضَاف: «السلوكُ الاستهلاكيُّ يَدفعُنا حاليًا لزيادةِ مُخلفاتِنا الإلكترونية، ولكنَّ طُرقًا مثلَ الطريقةِ التي طوَّرْنَاها يُمكنُ أن تُساعِدَ في إعادةِ صِياغةِ هذهِ النُّفاياتِ كموردٍ هام. حتى شرائحُ الهاتفِ المحمول “SIM” الهالكة، التي نَتَجاهلُها بشكلٍ رُوتيني، لها قِيمةٌ ويُمكنُ استخدامُها؛ لتقليلِ الاعتمادِ على التعدين، وهذا النهجُ لديهِ القدرةُ على تحسينِ استدامةِ عملياتٍ مثلَ تصنيعِ الأدوية».
طوَّرَ الأستاذانِ «أنجيلا سيربي وباولا ديبلانو»، من جامعةِ كالياري، طريقةً مُنخفضةَ التكلفةِ لاستخراجِ الذهب والمعادنِ القيِّمةِ الأخرى مِنَ النفاياتِ الإلكترونيةِ مثلَ لَوْحاتِ الدوائرِ المَطبوعة (PCBs) وبطاقات SIM وخراطيشَ الطابعات. تَتضمَّنُ هذهِ العمليةُ الحاصِلةُ على براءةِ اختراعٍ خُطواتٍ انتقائِيَّةً للاستعادةِ المستدامةِ للمعادنِ الأساسيةِ مثلَ النَّيْكَل، والنُّحاس، والفِضَّة، وأخيرًا الذهب.
ولكنْ يجبُ الإشارةُ هنَا إلى أنَّ الذهب المُنتَجَ منْ هذهِ العمليةِ يكونُ عبارةً عنْ مُركَّبٍ جُزيئيٍّ وليس ذهبًا خالصًا؛ وبالتالي لا يمكنُ إعادةُ استخدامِه مرَّةً أخرَى في صناعةِ الإلكترونيَّاتِ دونَ استثمارِ الكثيرِ مِنَ الطاقةِ للحصولِ على المعدنِ الذهبيِّ بشكلٍ نقي.
استخدامٌ واعدٌ للذهبِ المُستعادِ في صناعاتِ الأدويَة
سعيًا لاستخدامِ هذا المُركَّبِ مِنَ الذهب المُستعاد، قامَ فريقُ البروفيسور «ويلتون إيلي» وزميلُهُ البروفيسور «كريس برادوك» بالتحقيقِ فيما إذا كانَ يمكنُ استخدامُ المُركبِ الناتجِ كعاملٍ مساعدٍ في بعضِ الصناعات، بما في ذلكَ المُركَّبَاتِ الصيدلانيةِ الوَسِيطَة.
تُستخدَمُ المُحفزاتُ لزيادةِ معدَّلِ التفاعُلِ الكيميائي -دون أن تتغيرَ- في مُعظمِ العملياتِ الإنتاجيَّة. اختَبرَ الفريقُ مُركبَ الذهب المستعادِ مِنَ المُخلفاتِ الإلكترونيةِ في عددٍ مِنَ التفاعلاتِ شائعةِ الاستخدامِ في صناعةِ الأدوية، على سبيلِ المِثال صُنْعُ الأدويةِ المُضادَّةِ للالتهاباتِ وتسكينِ الآلام، حيثُ وجدُوا أنَّ أداءَ مُركَّبِ الذهب كانَ مُماثلًا أوْ أفضلَ مِنَ الموادِّ الحفَّازةِ المُستخدَمةِ في تفاعلاتِ صنعِ هذهِ الأدويَةِ حاليًا، كمَا أنَّهُ قابلٌ لإعادةِ الاستخدام؛ مِمَّا يَزيدُ مِنِ استدامتِه.
يَقترحُ الباحثونَ أنَّ التِّقنيَّةَ الجديدةَ التي طوَّرُوها في استعادةِ الذهب مِنَ النُّفاياتِ الإلكترونيةِ تُعتبرُ مُجديةً اقتصاديًّا، وهو ما يُتيحُ الفرصةَ أمامَ استخداماتٍ للمكوِّناتِ الأخرى التي يتمُّ استردادُها في هذهِ العمليَّة، فعلى سبيلِ المِثال، يتمُّ أيضًا فصلُ النُّحاسِ والنيكل، وكذلكَ البلاستيكُ نفسُه، معَ احتمالِ استخدامِ جميعِ هذهِ المكوناتِ في مُنتَجاتٍ جديدة.
وقال «شون مكارثي»، طالبُ الدكتوراه الذي يَقودُ البحثَ في جامعةِ إمبريال: «بِالوَزن، يَحتوي الكمبيوتر على معادنَ ثمينةٍ أكثرَ بكثيرٍ مِنَ الخامِ المُستخرَج؛ مِمَّا يُوفِّرُ مَصدرًا مُركَّزًا لهذهِ المعادنِ ولكنْ بشكلٍ حَضَاريٍّ مُقارنةً مَعَ المَناجِمِ التقليدية».
بينَما قال «البروفيسور سيربي»: «تهدُفُ أبحاثٌ مثلَ أبحاثِنا إلى المُساهمةِ في عمليَّاتِ الاستردادِ الفعَّالِ للمعادنِ منْ حيثُ التَّكلِفةِ والاستدامة، وذلكَ منْ خلالِ بِناءِ جسرٍ بينَ توريدِ المعادنِ الثَّمينةِ المُستخرَجةِ مِنَ الخُردةِ (المخلفات ا) والقطاعاتِ المُختلفةِ في الصناعة؛ لتجاوُزِ مرحلةِ اللجُوءِ إلى استخراجِ المعادنِ الجديدة».
يعملُ الفريقُ البحثيُّ على توسيعِ هذهِ التقنيةِ لِتَشملَ استعادةَ مُحتوَى معادنَ مثلَ البلاديوم، وإعادةَ استخدامِه في المُحوِّلاتِ الحفَّازةِ للسيارات (علبة البيئة) مُنتهيةِ الصلاحية، وبكلِّ تأكيدٍ يُعتبرُ هذا أمرًا هامًّا خاصًّةً لأنَّ البلاديوم يُستخدمُ على نطاقٍ واسعٍ كعاملٍ حفازٍ وهو أغلى مِنَ الذهب.