علوم مستدامة

الزراعة الحراجية تحقق أهداف التنمية المستدامة

الزراعة الحراجية تحقق أهداف التنمية المستدامة

مع تزايد الضغوط البيئية وتدهور الموارد الطبيعية، بات من الواضح أن الطرق الزراعية التقليدية لم تعد قادرة على تلبية احتياجات الإنتاج الغذائي دون الإضرار بالنظم البيئية؛ فالتربة تُستنزف تدريجيًّا، والمياه الجوفية تتناقص، والتنوع البيولوجي يتراجع بوتيرة مقلقة.

وأمام هذه التحديات أصبح البحث عن أساليب زراعية جديدة أمرًا ضروريًّا؛ ولذلك تتجه الأنظار نحو حلول مبتكرة تعيد التوازن بين الزراعة والبيئة، ويبرز من بينها مفهوم الزراعة الحراجية باعتبارها نموذجًا متكاملًا يسعى إلى تحقيق توازن مستدام بين الإنتاج الزراعي والبيئة، ويوفر للمزارعين فرصًا جديدة لتنويع إنتاجهم وزيادة عائداتهم، دون الإضرار بالبيئة.

وفي هذا المقال سوف تلقي حماة الأرض الضوء على أهمية الزراعة الحراجية بوصفها حلًّا مستدامًا لمواجهة التحديات البيئية والزراعية المعاصرة، وستتناول كيف يمكن لهذا النظام أن يعزز الإنتاجية الزراعية ويحافظ على الموارد الطبيعية، كما سنتعرف على الأسس التي يقوم عليها، وفوائدها البيئية والاقتصادية المتعددة للمزارعين؛ فتابعوا القراءة.

ما الزراعة الحراجية؟

الزراعة الحراجية هي نظام زراعي مستدام يجمع بين زراعة الأشجارِ والمحاصيل الزراعية وتربية المواشي في مساحة واحدة، بشكل متكامل. يهدف هذا النظام إلى تحسين الإنتاجية الزراعية، وتعزيز خصوبة التربة، والحفاظ على الموارد المائية، مع تقليل التآكل ودعم التنوع البيولوجي. من خلال دمج الأشجارِ مع المحاصيل والمواشي، توفر الزراعة الحراجية بيئة تستفيد فيها المكونات الثلاثة بعضها من بعض؛ مما يعزز الاستدامة البيئية والاقتصادية للمزارعين، كما تسهم هذه الأنظمة في تخزين الكربون؛ مما يساعد على مكافحة آثار تغير المناخ.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا النظام ليس حديثًا، بل يعود إلى آلاف السنين ، حيث كان المزارعون يمارسونه بشكل اعتيادي، ومع ذلك فقد أصبح اليوم في صدارة الحلول المقترحة لمواجهة التحديات البيئية والزراعية المعاصرة.

مكونات أنظمة الزراعة الحراجية

يتكون نظام الزراعة الحراجية من عدة عناصر رئيسية تشمل الأشجارَ، والمحاصيل، والحيوانات، والتربة، ويعتمد النظام على تكامل ثلاثيّ بين الأشجارِ والمحاصيل الزراعية وتربية المواشي، وذلك وفقًا لاحتياجات المزارعين والبيئة المحلية.

وغالبًا ما يبنى هذا النظام على محصول أساسي يُعرف بـ”النوع الرائد”، وهو العنصر الأكثر أهمية للمزارع؛ لأنه يسهم بشكل كبير في معيشته، وتُضاف إليه “الأنواع المرافقة” التي تدعمه عبر توفير خدمات بيئية مثل الظل وتحسين التربة، وتُحدد هذه الأنواع المرافقة وفقًا لاحتياجات النوع الرائد من الضوء والماء والعناصر الغذائية؛ لضمان تحقيق توازن بيئي يرفع إنتاجية المحاصيل ويحافظ على استدامة الموارد الطبيعية.

تؤدي الأشجارُ دورًا رئيسيًّا في تحسين البيئة وتعزيز الإنتاج الزراعي؛ إذ تسهم في زيادة خصوبة التربة من خلال تثبيت النيتروجين وإعادة تدوير العناصر الغذائية، كما تساعد على الحفاظ على المياه عبر تقليل معدلات التبخر وتعزيز تدفقها إلى التربة، وتحد من تآكل التربة بفضل جذورها القوية التي تثبتها وتحميها من الانجراف، بالإضافة إلى ذلك توفر الأشجارُ منتجات قيّمة مثل الأخشاب والفواكه وأعلاف الحيوانات، فضلًا عن دورها في دعم التنوع البيولوجي من خلال توفير موائل طبيعية للكائنات الحية.

ولضمان تحقيق فوائد الأشجارِ في أنظمة الزراعة الحراجية، يجب تطبيق ممارسات دقيقة تحافظ على نموها الصحي وتعزز تفاعلها مع باقي مكونات النظام، وتشمل هذه الممارسات ما يلي:

  • التقليم: يساعد على تنظيم الظل وتقليل التنافس على الضوء بين الأشجارِ والمحاصيل.
  • التخفيف: يسهم في الحد من الاكتظاظ من خلال إزالة بعض الأشجارِ لتحسين نمو الأشجارِ الأخرى.
  • التسميد: يعزز خصوبة التربة باستخدام الأسمدة العضوية أو الكيميائية.
  • مكافحة الأعشاب الضارة: تمنع الأعشاب من منافسة الأشجارِ والمحاصيل على الموارد الغذائية، مما يحقق بيئة زراعية متكاملة تضمن الإنتاجية والاستدامة البيئية.

وتشير الإحصاءات إلى أن 45% من المزارع في العالم تحتوي على أكثر من 10% من الغطاء الشجري، وتُقدَّر كمية الكربون المخزَّنة في الأراضي الزراعية بحوالي 45.3 مليار طن متريّ، تسهم الأشجارُ في تخزين أكثر من 75% منها، ورغم هذه الأهمية، فإن الأشجارَ في المزارع غالبًا ما تكون غير مرئية في استراتيجيات النمو الأخضر المعتمدة في معظم الدول، وهو ما يستدعي تسليط الضوء على فوائدها البيئية والاقتصادية.

أما المحاصيل في أنظمة الزراعة الحراجية فتتنوع بين محاصيل سنوية مثل الذرة والأرز، ومحاصيل معمرة مثل الكاكاو والقهوة، وتختلف في احتياجاتها من الضوء والماء والعناصر الغذائية، لكنها جميعًا تؤدي دورًا بيئيًّا مهمًّا؛ حيث تسهم بقاياها في إثراء التربة بالمواد العضوية؛ فالبقوليات تعمل على زيادة نسبة النيتروجين المتاح لبقية مكونات النظام، في حين توفر محاصيل الأعلاف العناصر الغذائية والمياه اللازمة لتربية المواشي؛ مما يعزز التكامل بين مكونات النظام الزراعي ويضمن استدامته.

وفي ما يتعلق بتربية المواشي فإنها توفر فوائد غذائية واقتصادية للمزارعين؛ فمنتجات الألبان والبيض واللحوم تعد مصادر أساسية للبروتينات والدهون والعناصر الغذائية الضرورية، كما تشكل مصدر دخل منتظم من خلال بيع المنتجات الحيوانية، إلى جانب استخدامها باعتبارها مصدرًا للطاقة في العمليات الزراعية مثل الحراثة ونقل المحاصيل.

وعند دمج الماشية في أنظمة الزراعة الحراجية تستفيد الحيوانات من الظل والأعلاف التي توفرها الأشجارُ، في حين تسهم المواشي في تحسين خصوبة التربة من خلال السماد العضوي الغني بالكائنات الحية الدقيقة، التي تساعد على تحليل المواد العضوية وإطلاق العناصر الغذائية اللازمة لنمو النباتات؛ ومن ثم يعزز التكامل بين المكونات المختلفة لهذا النظام.

أسس تصميم أنظمة الزراعة الحراجية

يعتمد نجاح أنظمة الزراعة الحراجية على ثلاثة أسس رئيسية، تتمثل في:

  • التركيز على المُزارع: يعد المُزارع العنصر الأساسي في تصميم أنظمة الزراعة الحراجية؛ ولذلك يجب أن تُبنى هذه الأنظمة وفقًا لاحتياجاته وأهدافه. يتطلب ذلك إشراكه في عملية التصميم جنبًا إلى جنب مع الخبراء؛ لدمج معرفته المحلية مع الخبرة العلمية، مما يضمن تطوير نظام عملي وقابل للتنفيذ. بالإضافة إلى ذلك، لا بد أن يوفر النظام فوائد ملموسة للمزارعين، مثل تحسين الدخل أو تحقيق الأمن الغذائي؛ حتى يكون جذابًا ومستدامًا على المدى الطويل.
  • ملاءمة النظام للبيئة والمجتمع: لكي يكون النظام فعالًا يجب أن يكون متكيفًا مع البيئة التي سيُنفذ فيها، سواء من حيث المناخ، أو التربة، أو توافر الموارد مثل المياه والطاقة، ولا يمكن تحقيق ذلك دون التأكد من توفر العمالة والخبرات الفنية اللازمة لإدارة هذا النظام بفعالية، فضلا عن أن النظام ينبغي أن يكون مرنًا وقابلًا للتطوير والتعديل؛ ليستجيب للتغيرات البيئية والسوقية المستقبلية، مع الحفاظ على استدامة الموارد الطبيعية والحد من التأثيرات السلبية في البيئة.
  • تحقيق التآزر بين مكونات النظام: يعتمد نجاح الزراعة الحراجية على التفاعل المتكامل بين عناصرها المختلفة، حيث تعمل الأشجارُ، والمحاصيل، والحيوانات بشكل متكامل لتعزيز الإنتاجية والاستدامة، ويتم اختيار أنواع نباتية وحيوانية متوافقة تعمل بانسجام لتحقيق فوائد متبادلة، فالأشجارُ توفر الظل وتساعد على تحسين خصوبة التربة، في حين تسهم المحاصيل في إعادة تدوير العناصر الغذائية، وتوفر الحيوانات السماد العضوي الذي يغذي التربة ويدعم نمو النباتات.

هذا التكامل يعزز التنوع البيولوجي؛ ومن ثم يزيد من مقاومة النظام الزراعي للآفات والأمراض، ويقلل الحاجة إلى المواد الكيميائية، مما يجعل الإنتاج أكثر كفاءة واستدامة، ومن خلال إدارة فعالة لهذه العناصر، يمكن تحقيق أعلى إنتاجية وضمان استدامة نظام الزراعة الحراجية.

أنظمة الزراعة الحراجية الرئيسية

تتنوع أنظمة الزراعة الحراجية وفقًا لطبيعة تكامل الأشجار مع المحاصيل والحيوانات، ومن أبرزها:

  • نظام زراعة المحاصيل السنوية مع الأشجار (ACT): يتم دمج الأشجارِ مع المحاصيل السنوية، مما يساعد على تحسين خصوبة التربة وحمايتها من التآكل، بالإضافة إلى تعزيز الإنتاج الزراعي.
  • نظام تربية الماشية مع الأشجار: يدمج بين الأشجارِ والحيوانات، حيث توفر الأشجارُ الظل والأعلاف للماشية، في حين تسهم الحيوانات في إثراء التربة بالسماد العضوي، مما يعزز الإنتاجية الزراعية.
  • نظام الزراعة الحراجية متعددة الطبقات: يعتمد على زراعة نباتات متعددة الارتفاعات (أشجار، شجيرات، محاصيل) في نفس المساحة، لتحقيق أقصى استفادة من الموارد مثل الضوء والمياه والعناصر الغذائية.

فاعلية الزراعة الحراجية

أظهرت الدراسات والتجارب العملية في مختلف أنحاء العالم أن أنظمة الزراعة الحراجية تحقق فوائد بيئية وزراعية متعددة، تعزز إنتاجية المحاصيل وتحسن استدامة الموارد الطبيعية، ومن أبرز هذه الفوائد:

  • تحسين خصوبة التربة: أظهرت دراسات نشرتها منظمة الأغذية والزراعة أن هذه الأنظمة يمكن أن تزيد إنتاجية المحاصيل بنسبة تصل إلى 50% في المناطق المتدهورة، كما أدت زراعة الأشجارِ مع المحاصيل في كوستاريكا إلى زيادة محتوى النيتروجين في التربة بنسبة 30%.
  • الحفاظ على المياه: أظهرت تجارب أُجريت في الهند أن زراعة الأشجارِ على ضفاف الأنهار ساعدت على زيادة امتصاص التربة للمياه بنسبة 20%، مما أدى إلى تحسين تغذية المياه الجوفية، وتسهم أنظمة الزراعة الحراجية في تقليل هدر المياه بنسبة تصل إلى 40% مقارنة بالأساليب الزراعية التقليدية.
  • الحد من تآكل التربة: أظهرت تجارب في الفلبين أن زراعة الأشجارِ على المنحدرات قللت من تآكل التربة بنسبة 60%، كما أشارت إحصائيات من جامعة كاليفورنيا إلى أن الأنظمة الحراجية يمكن أن تقلل فقدان التربة بنسبة تصل إلى 70%.
  • دعم التنوع البيولوجي: أثبتت تجارب في البرازيل أن زراعة الأشجارِ مع المحاصيل زادت من عدد أنواع الطيور بنسبة40٪، كما بينت الدراسات أن هذه الأنظمة يمكن أن تزيد من تنوع الكائنات الحية في التربة بنسبة تصل إلى 50%.
  • مكافحة التغير المناخي: كشفت دراسات في إفريقيا أن زراعة الأشجارِ يمكن أن تخزن ما يصل إلى 50 طنًا من الكربون لكل 10 كيلومترات سنويًّا، كما أكدت تقارير الأمم المتحدة أن الأنظمة الحراجية يمكن أن تسهم في تقليل انبعاثات الغازات الدفيئة بنسبة تصل إلى 20%.

التحديات والحلول

وعلى الرغم من الفوائد الكبيرة للزراعة الحراجية، فإن هناك بعض التحديات التي تواجه تطبيقها؛ فإنَّ المزارعين يعانون من نقص المعرفة بكيفية إدارة الأنظمة الحراجية بشكل فعال، ويمكن التغلب على هذا التحدي من خلال تقديم برامج تدريبية وورش عمل للمزارعين لتعزيز معرفتهم ومهاراتهم. وكذلك فإنَّ التكلفة الأولية لإنشاء الأنظمة الحراجية قد مرتفعة، ويمكن حل هذه المشكلة من خلال تقديم الدعم المالي والحوافز للمزارعين لمساعدتهم على تغطية التكاليف الأولية.

وإذنْ، يظهر لنا في الختام أنَّ الزراعة الحراجية ليست مجرد تقنية زراعية، بل فلسفة متكاملة تمزج بين الحكمة البيئية القديمة والابتكارات الحديثة، حيث تعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والطبيعة، وتقدم نموذجًا يحقق التوازن بين الإنتاجية الاقتصادية والحفاظ على البيئة؛ وذلك هو جوهر أهداف التنمية المستدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى