خطى مستدامة

الصيد غير القانوني.. سرقة البحر التي تهدد غذاء العالم

الصيد

الصيد غير القانوني.. سرقة البحر التي تهدد غذاء العالم

تُعد مصايد الأسماك البحرية من أهم الموارد الطبيعية التي يعتمد عليها ملايين الناس حول العالم باعتبارها مصدرًا رئيسيًّا للبروتين الحيواني، ودعامة أساسية للأمن الغذائي والاقتصاد بجميع أشكاله. ومع ذلك تواجه هذه المصايد تهديدات متزايدة بسبب ممارسات الصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم (IUU fishing)، التي تسهم في استنزاف الموارد البحرية وتقويض الجهود التي تسعى إلى استدامتها.

 ويُفاقم من هذه المشكلة تزايد الضغوط على المصايد البحرية بفعل النمو السكاني والطلب العالمي المتزايد على الغذاء؛ مما يجعل الحاجة إلى إدارة رشيدة ومستدامة لهذه الثروات أمرًا ملحًا. وفي هذا الإطار تبرز مصايد الأسماك باعتبارها مصدرًا مستدامًا للبروتين الحيواني إذا ما أُديرت بشكل رشيد ومسئول، غير أنَّ تقديرات منظمة الأغذية والزراعة تشير إلى فقدان نحو 26 مليون طن من الأسماك سنويًّا بسبب هذه الظاهرة، وهو رقم هائل يعادل حرمان ملايين الأشخاص من غذاء أساسي، ويُهدر مليارات الدولارات من الموارد الاقتصادية.

هذا النزيف في الثروة البحرية يدق ناقوس الخطر، ليس فقط من أجل حماية الأسماك، وإنما لإنقاذ البشرية من تبعات هذا الاستنزاف؛ فالصيد غير القانوني لا يعد مجرد انتهاك بيئي، وإنما يشكل تحديًّا جوهريًّا أمام تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وبخاصة الهدف (14) الذي يركز على الحفاظ على المحيطات والبحار.

الصيد غير القانوني يهدد الدول الساحلية

وعند الحديث عن الصيد غير القانوني، فإننا نتحدث عن منظومة كاملة من الفوضى التنظيمية، وغياب الشفافية، وتواطؤ بعض الأطراف الفاعلة. إنه الوجه الآخر لممارسات تتم خلف الستار، تشمل صيد الأسماك بلا ترخيص أو خارج المواسم المسموح بها، أو باستخدام معدات وأساليب تدمر البيئة البحرية.

 كما يشمل حالات الصيد التي لا يتم الإبلاغ عنها، وكأنها تحدث في الظل بعيدًا عن أعين القانون، فضلاً عن تلك التي تُنفذ في مناطق لم تُخضعها الدول الساحلية لأي تنظيم؛ فهذه الممارسات لا تتجاوز القوانين فحسب، بل تسرق أيضًا من الشعوب مصدر رزقها وقوتها، وتكمن خطورة هذه الممارسات في أنها تقوّض جهود البلدان النامية التي تعتمد بشدة على الصيد الحرفي باعتباره مصدر دخل وغذاء، وتُضعف سلطة الدول الساحلية في حماية مياهها الإقليمية.

وقد حاول المجتمع الدولي التصدي لهذا التحدي من خلال عدة اتفاقيات، لعل أبرزها اتفاقية “تدابير دولة الميناء“، التي دخلت حيز التنفيذ في 5 يونيو 2016؛ لتكون أول أداة ملزمة قانونيًّا في مواجهة الصيد غير القانوني، وتزامنًا مع دخول الاتفاقية حيز التنفيذ، تم اعتماد هذا اليوم من كل عام باعتباره يومًا دوليًّا لمكافحة هذه الظاهرة.

اليوم الدولي لمكافحة الصيد غير القانوني

وقد أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر 2017 يومَ 5 يونيو يومًا دوليًّا لمكافحة الصيد غير القانوني وغير المبلغ عنه وغير المنظم، بهدف رفع مستوى الوعي العالمي حول خطورة هذه الظاهرة وتأثيراتها السلبية في النظم البيئية البحرية، والاقتصاد، والرفاه الاجتماعي للمجتمعات التي تعتمد على الصيد باعتباره مصدرًا رئيسيًّا للغذاء والدخل.

كما أن هذا اليوم يمثل منصة دولية لتنسيق السياسات والتشريعات التي تهدف إلى مكافحة هذه الظاهرة وتعزيز الاستدامة البحرية؛ فمن خلال التعاون وتبادل الخبرات، تسعى الدول إلى حماية الموارد البحرية وضمان استدامتها للأجيال القادمة، ويُعتبر هذا الجهد جزءًا أساسيًّا من تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

كيف نشارك في الجريمة دون أن نعلم؟

لا تقتصر مكافحة هذه الظاهرة على الجهات الرسمية فقط، وإنما تمتد لتشمل كل فرد منا باعتباره مستهلكًا؛ فبدون وعي كافٍ، قد نسهم نحن بشكل غير مباشر في استمرار هذه المشكلة، عندما نشتري منتجات بحرية دون التحقق من مصدرها؛ مما يغذي السوق السوداء، ويزيد من الضغط على البيئة البحرية، وتشير التقديرات إلى أن واحدة من كل خمس سمكات في الأسواق قد تكون نتيجة صيد غير مشروع.

ومن هنا يمكن للمستهلك الواعي أن يُحدث فرقًا؛ فاختيار المنتجات المعتمدة من قبل منظمات مسئولة، والسؤال عن مصدر السمك في المطاعم والمتاجر، والضغط على صُنّاع القرار لتحسين الشفافية في سلاسل التوريد، كلها خطوات بسيطة إلا أنها فعّالة؛ لأن التغيير يبدأ من السلوك الفردي، والاستدامة لا تُصنع فقط في المؤتمرات الدولية، وإنما في تفاصيل حياتنا اليومية. وفي الوقت ذاته، تحتاج التوعية إلى وسائل مبتكرة، بدءًا من المناهج الدراسية، إلى حملات التواصل الاجتماعي، وصولًا إلى التعاون مع الطهاة والمطاعم لنشر ثقافة الغذاء المسئول.

فوضى الصيد تُعطّل مسار العدالة المناخية

الصيد غير القانوني ليس مجرد تهديد بيئي أو اقتصادي، وإنما هو أيضًا مسألة تتعلق بالعدالة المناخية؛ فالفئات الأكثر تضررًا من هذه الظاهرة هم الصيادون الحرفيون في الجنوب العالمي، الذين يعتمدون على المصايد الصغيرة لكسب رزقهم؛ فمحاربة هذا النوع من الصيد غير القانوني هي أيضًا خطوة نحو تحقيق العدالة المناخية.

ومِن هنا، تؤكد خطة التنمية المستدامة 2030 أن الحفاظ على النظم البيئية البحرية هو جزء أساسي من تحقيق الأمن الغذائي، والحد من الفقر، وتعزيز الصحة العامة، وتحقيق المساواة بين الجنسين، خاصة وأن هناك نساء كثيرات يعملن في سلاسل القيمة المتعلقة بالصيد؛ ولذلك فإن المسألة أكبر من مجرد “صيد”؛ إنها منظومة متشابكة من الحقوق والفرص والتهديدات.

وفي حين تواجه البشرية أزمات متتالية من تغيّر مناخي وفقدان التنوع البيولوجي، تبرز الحاجة إلى تبني نهج “التحول الأزرق” الذي يُعلي من قيمة الاقتصاد البحري المستدام، وهذا ما دعت إليه تقارير منظمة الأغذية والزراعة في السنوات الأخيرة، التي تشير إلى ضرورة إعادة تشكيل أنظمة إنتاج الغذاء البحري بما يتوافق مع أهداف التنمية المستدامة.

وفي الختام تؤمن حماة الأرض بأنَّ حماية البحار أصبحت ضرورة لضمان مستقبل آمن ومستدام للجميع؛ فالصيد غير القانوني لا يمثل مجرد تهديد لمواردنا البحرية، وإنما يقوض أمننا الغذائي، ويمس صميم اقتصادنا، ويهدد سلامة بيئتنا؛ لذلك يجب علينا أنْ نحافظ على هذه الموارد، وأنْ نضمن استدامتها، من أجل غدٍ أفضل لنا وللأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى