الحكومة المصرية تسير نحو خطط واعدة لمستقبل الكهرباء
الحكومة المصرية تسير نحو خطط واعدة لمستقبل الكهرباء
تواصل مصر شق طريقها بثبات نحو مستقبل يعتمد على الطاقة النظيفة، وتأكيدًا لدورها الريادي في وضع خطط واعدة لمستقبل الكهرباء، حيث أصبحت مشروعات الطاقة المتجددة في مصر حجر الزاوية في رؤية الدولة لمستقبل أكثر استدامة، وهو مستقبل يحمي البيئة، ويؤمِّن الاحتياجات المتزايدة من الكهرباء في ظل التوسع السكاني والتطور الصناعي.
وتعكس التحركات الرسمية المصرية -خاصة الزيارة الأخيرة التي قام بها وزير الكهرباء والطاقة المتجددة إلى الصين- جانبًا مهمًّا من جوانب هذا التحول الاستراتيجي؛ إذْ تسعى الدولة المصرية من خلال هذه الزيارات والاتفاقيات إلى دمج أحدث التقنيات العالمية في منظومتها الكهربائية، وإنشاء مشروعات ضخمة لتوليد الكهرباء من مصادر متجددة، وتخزينها بكفاءة تضمن استقرار الشبكة واستمرار الخدمة.
لذا، سوف تتناول حماة الأرض في هذا التقرير أبعاد مشروع تحول الطاقة في مصر، باعتباره مسارًا تنمويًّا يتقاطع فيه الاقتصاد مع البيئة، وتلتقي فيه التكنولوجيا مع العدالة المناخية، وذلك كله ضمن رؤية وطنية تنسجم مع أهداف التنمية المستدامة.
رؤية وطنية ترسم خريطة الطاقة
تسير مصر وفق استراتيجية وطنية طموحة لإعادة بناء منظومة الطاقة من جذورها، وتسعى إلى تنويع مصادر الكهرباء، وتعزيز حصة الطاقة المتجددة في المزيج الوطني، بما يقلل الاعتماد على الوقود الأحفوري، ويعزز من استقرار الطاقة وأمنها.
ولا يقتصر هذا النوع منه التحول على الإنتاج فحسبُ، وإنما يشمل الشبكة كلها؛ إذْ يجري العمل على تحويل الشبكة القومية إلى شبكة ذكية تتفاعل تلقائيًّا مع التغيرات في الطلب والإنتاج، وتستوعب الطاقة القادمة من الشمس والرياح دون خسائر تُذكر.
وإنَّ الهدف الذي وضعته الحكومة المصرية نصب أعينها هو الوصول إلى أكثر من 42% من الطاقة المتجددة ضمن مزيج الكهرباء بحلول عام 2030، مع تطلع لبلوغ نسبة 60% بحلول عام 2040. وهذه الأرقام تعكس إرادة سياسية واقتصادية قوية، وتربط مكونات التنمية المستدامة وأبعادها المختلفة ببعضها بعضًا.
شراكة واعدة بين مصر والصين
لم تكن زيارة وزير الكهرباء المصري -الدكتور/ محمود عصمت- إلى الصين زيارة بروتوكولية، بل محطة محورية في مسار التعاون الاستراتيجي بين مصر وكبرى القوى العالمية في مجال الطاقة النظيفة؛ فخلال المشاركة في مؤتمر شنغهاي لحلول الطاقة المتجددة، التقى الوزير بعدد من المسئولين التنفيذيين في كبرى شركات الطاقة الصينية، واطّلع على التجارب المتقدمة في مجالات الضخ والتخزين، والتحكم الذكي في الشبكات، والتصنيع المحلي لمعدات الطاقة.
وقد ناقشت الاجتماعاتُ سبلَ تنفيذ مشروعات ضخمة في مصر تعتمد على تكنولوجيا ضخ المياه وتخزينها، وهي من أكثر الحلول ابتكارًا في العالم لتخزين الطاقة المتجددة، وضمان الاستقرار في الإمدادات الكهربائية خلال فترات انخفاض التوليد الكهربائي.
وتستهدف الحكومة المصرية بذلك استيراد المعدات، وتطمح إلى نقل الخبرة والمعرفة والتكنولوجيا إلى الداخل المصري، بما يضمن توطين الصناعة، وتأهيل الكوادر الوطنية، وفتح المجال أمام مصر لتصبح مركزًا إقليميًّا لصناعة وتصدير تقنيات الطاقة المتجددة.
ضخ الطاقة وتخزينها
أحد أبرز المداخل التي تعتمد عليها مصر -لضمان جدوى مشروعات تحول الطاقة- هو التوسع في مشروعات الضخ والتخزين، خاصة في ظل اعتماد البلاد بشكل متزايد على مصادر طاقة متقلبة بطبيعتها، مثل الرياح والشمس.
هذه الحلول -التي أثبتت جدواها في الصين ودول أوروبية- تشكل اليوم العمود الفقري لمشروعات الطاقة النظيفة في مصر، لا سيما مع التوجه الوطني نحو بناء شبكات ذكية تُدار رقميًّا، وتتكيف مع تغيّر الأحمال والإنتاج لحظة بلحظة.
شبكة كهرباء ذكية
تسعى مصر -كما أشرنا سابقًا- إلى تحويل شبكتها الكهربائية إلى شبكة ذكية متكاملة، من خلال الاعتماد على تقنيات المراقبة الرقمية، والتحكم الآلي في تدفقات الكهرباء، وهو التحول الذي يساعد على استيعاب الطاقة القادمة من مصادر متجددة بشكل مرن.
وأمَّا مشروعات مراكز التحكم، التي جرى عرضها خلال زيارة الوزير لمراكز الشركات الصينية، فهي تقدم نماذج جاهزة لما تخطط له مصر، من حيث التدخل السريع عند تغير الطلب، وتشغيل محطات الضخ والتخزين عند الحاجة، وضبط استهلاك الطاقة وتحسين كفاءتها، حيث يمكن لمصر أنْ تدير الكهرباء بالبيانات، بعيدًا عن التلوث أو الأعباء الاقتصادية؛ حتى تصل الكهرباء النظيفة إلى كل بيت بأمان واستدامة.
التنمية المستدامة في قلب الاستراتيجية
لقد ربطت الحكومة المصرية بين ملف الطاقة المتجددة وأهداف التنمية المستدامة، باعتبار أنَّ الطاقة النظيفة عامل محوري في تحسين جودة الحياة، وتمكين المجتمعات، وتحقيق العدالة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
ذلك لأنَّ زيادة الاعتماد على مصادر نظيفة يقلل من الانبعاثات الكربونية، ويقلص فاتورة الاستيراد من الخارج، ويخلق فرص عمل في مجالات جديدة، ويشجع على الابتكار في الصناعات المحلية، ويعزز من قدرة مصر على المنافسة إقليميًّا وعالميًّا.
ومع تنامي الاستثمارات الصينية والأجنبية في قطاع الطاقة المصري، ومع سعي الحكومة المصرية إلى كل ما يمكنه أنْ يساعد على توطين الصناعة؛ فإنَّ مصر تبدو اليومَ جاهزةً لتصدير الكهرباء، كما هي جاهزة لتصدير المعرفة والتقنيات والنماذج التنظيمية.
وهكذا، تعيد مصر ترتيب أوراقها الداخلية في ملف الطاقة، وترسم دورها الخارجي بوصفها محورًا إقليميًّا للطاقة النظيفة؛ ومن هنا ترى حماة الأرض أنَّ مصر تسير بخطى ثابتة نحو مسار واعد للطاقة النظيفة، مسار يهدف إلى بناء عدالة مناخية، ودعوة إلى العالم العربي والإفريقي ليخطو في طريق التنمية المستدامة الشاملة.