من الإعانة إلى التمكين.. مايا مرسي تعيد رسم خريطة الحماية الاجتماعية في مصر
من الإعانة إلى التمكين.. مايا مرسي تعيد رسم خريطة الحماية الاجتماعية في مصر
تشهد مصر في هذه المرحلة تحولات عميقة في مفهوم الحماية الاجتماعية، حيث لم يعد الأمر مقتصرًا على تقديم الدعم والرعاية، وإنما بات يشمل بناء سياسات تمكين اقتصادي وإصلاح مؤسسي يضع الإنسان في قلب التنمية. وفي سياق هذا التحول، جاء اللقاء الأخير بين الدكتورة/ مايا مرسي، وزيرة التضامن الاجتماعي، والدكتور/ مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء؛ ليكشف عن ملامح رؤية شاملة تعكس هذا التوجه وتؤسس لمرحلة جديدة تتماشى مع أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030.
وخلال اللقاء، عرضت وزيرة التضامن ملامح دور الوزارة في شبكة الحماية الاجتماعية الوطنية، حيث تدير 60% من إجمالي برامج الحماية الاجتماعية، التي تقدمها الجهات والوزارات المعنية، ويبلغ عددها 22 برنامجًا. وقد أعلنت الدكتورة/ مايا مرسي عن إطلاق منصة وطنية للحماية الاجتماعية في مايو 2025، مع خطة لإطلاق منصة دولية خلال العام المقبل لتبادل الخبرات العالمية، في خطوة تعكس توجهًا مصريًا نحو بناء شراكات عابرة للحدود في هذا المجال الحيوي.
تعزيز شبكات الأمان الاجتماعي
تمثل شبكة الأمان الاجتماعي الركيزة الأساسية لرؤية الدكتورة/ مايا مرسي وسياسات وزارة التضامن الاجتماعي، حيث لا تقتصر على تقديم الدعم المباشر، وإنما تعمل على توفير منظومة شاملة تتدرج من المساعدة الفورية إلى بناء قدرات الأفراد والأسر. ويعكس هذا التوجه فهمًا عميقًا بأن الحماية الاجتماعية هي أداة استراتيجية لإعادة بناء المجتمعات على أسس أكثر عدالة واستدامة.
تكافل وكرامة.. من الدعم إلى التمكين
وفي قلب هذه المنظومة يأتي برنامج “تكافل وكرامة” باعتباره حجر الأساس الذي تتفرع منه مبادرات أخرى تستهدف التمكين البشري والاقتصادي، بما في ذلك مشروعات دعم التعليم الجامعي وغيرها، وقد أكدت الوزيرة خلال اللقاء أن برنامج “تكافل وكرامة” يمثل شريان حياة لملايين الأسر، مشيرة إلى أن الفترة بين يوليو 2024 ويوليو 2025 شهدت انضمام 800 ألف حالة جديدة مقابل تخرج 600 ألف حالة، مع زيادة 25% في قيمة المساعدات النقدية. وبلغ إجمالي الأسر المستفيدة 7.7 مليون أسرة، وهو ما وصفته الوزيرة بأنه “دليل على انتقال البرنامج من الإعانة المؤقتة إلى التمكين الاقتصادي المستدام”.
وحدات التضامن في الجامعات
كما استعرضت الوزيرة مشروع وحدات التضامن في الجامعات الذي يغطي 31 جامعة ويُخطط للتوسع بإضافة 12 وحدة جديدة في الجامعات التكنولوجية. وأوضحت أن المشروع يركز على دعم طلاب “تكافل وكرامة” وتأهيل ذوي الإعاقة عبر أجهزة مساعدة مثل اللاب توب الناطق وسماعات الأذن، بالتوازي مع توقيع بروتوكولات تعاون مع شركات وبنوك لتأهيل الطلاب لسوق العمل، بما يدعم رأس المال البشري كأحد ركائز التنمية المستدامة.
استجابة فعّالة للأزمات ودعم المجتمعات
وتكمل التدخلات العاجلة هذا البناء عبر حماية الفئات الأولى بالرعاية في لحظات الأزمات، باعتبارها جوهر فلسفة الحماية الاجتماعية، حيث لا تقتصر الجهود على تصميم البرامج طويلة الأجل، وإنما تمتد إلى التدخل الفوري لإنقاذ الأفراد في الأزمات الإنسانية الطارئة. وقد وجهت الوزيرة فريق التدخل السريع المركزي للتعامل مع سلسلة من الاستغاثات التي وردت للوزارة بشأن سيدات وأطفال بلا مأوى تعرضوا لمشكلات أسرية ومعيشية معقدة.
وشملت التدخلات نقل مواطنة عراقية وابنتها الليبية إلى مركز استضافة وتوجيه المرأة بعد فقدان أوراقهما الثبوتية، وتوفير دار رعاية لسيدة مسنة بمحافظة الجيزة تبلغ من العمر سبعين عامًا بعد رفض طلب معاش “كرامة”، إلى جانب إيداع مسنة بمحافظة المنوفية إحدى دور رعاية المسنين عقب تعرضها لسوء معاملة من ذويها. كما تدخل الفريق لإنقاذ سيدة من ذوي الإعاقة في الإسكندرية، وأخرى مطلقة في أسيوط تعرضت للعنف الأسري، وسيدة بلا مأوى في سوهاج، ما يعكس استجابة عملية تعطي البعد الإنساني لسياسات الحماية الاجتماعية.
المساعدات الإنسانية لغزة
ولم تتوقف هذه الرؤية عند حدود الداخل المصري، بل امتدت لتؤكد أن الحماية الاجتماعية استثمار في الإنسان أينما كان؛ فقد استعرضت الدكتورة/ مايا مرسي خلال المؤتمر الصحفي الأسبوعي لمجلس الوزراء حجم الجهود الإنسانية التي تقودها الدولة المصرية لدعم الأشقاء الفلسطينيين في قطاع غزة، موضحة أن الآلية التنسيقية الوطنية بقيادة جمعية الهلال الأحمر المصري نجحت منذ أكتوبر 2023 في إدخال أكثر من 35 ألف شاحنة مساعدات بما يقرب من نصف مليون طن.
كما أشارت إلى إطلاق قافلة “زاد العزة من مصر لغزة” التي أدخلت 4500 طن من المواد الغذائية الأساسية خلال أربعة أيام فقط، إلى جانب تجهيز 176 سيارة إسعاف وإقامة مراكز لوجستية للهلال الأحمر المصري في العريش والإسماعيلية لضمان تدفق المساعدات بشكل منظم.
وأكدت الوزيرة أن هذه الجهود الإنسانية جزء من فلسفة شاملة تربط الحماية الاجتماعية ببناء رأس المال البشري حتى في أوقات النزاعات، مشيرة إلى تجهيز 17 نقطة إيواء في عدة محافظات لاستقبال المصابين ومرافقيهم، مع توفير المأوى والغذاء والرعاية الصحية عبر شراكة بين مؤسسات الدولة والمجتمع المدني.
كما أبرزت أن المواطن المصري كان شريكًا أصيلًا في هذا الدور، حيث تجاوزت قيمة التبرعات العينية والمادية من المواطنين أربعة مليارات جنيه، في رسالة تكشف عمق التضامن الشعبي وتكامل الجهود الرسمية والمجتمعية تجاه القضية الفلسطينية
التمكين الاقتصادي وتعزيز الإنتاج المحلي
ويمثل التمكين الاقتصادي الامتداد الطبيعي لهذه المنظومة، إذ ترتبط العدالة الاجتماعية بقدرة الأفراد على الإنتاج والمشاركة الفاعلة في الاقتصاد الوطني. وأوضحت الدكتورة/ مايا مرسي خلال اللقاء مع رئيس الوزراء أن هذا المحور يستهدف نقل المستفيدين من مرحلة الاعتماد على المساعدات إلى مرحلة الاكتفاء وخلق قيمة مضافة، بما يتماشى مع أهداف التنمية المستدامة ورؤية مصر 2030؛ ولذلك تقدم وزارة التضامن الاجتماعي عدة مبادرات عملية تجمع بين التمويل، والدعم الفني، وتعزيز الإنتاج المحلي.
منظومة مالية شاملة
في هذا السياق، أشارت الوزيرة إلى المنظومة المالية الاستراتيجية التي انطلقت في مارس 2025، بهدف دعم الأسر الأولى بالرعاية بخدمات مالية وتأمينية شاملة عبر أكثر من 20 ألف نقطة خدمة ومنصات رقمية مبتكرة مثل “تحويشة”، “تمكين”، و”أيادي مصر”، وأوضحت أن هذه المنظومة تعد جزءًا من رؤية متكاملة لتعزيز الشمول المالي وفتح مسارات حقيقية للتمكين الاقتصادي.
مبادرة “ازرع”
كما أشارت الوزيرة إلى المرحلة الرابعة من مبادرة “ازرع” للموسم الزراعي 2025/2026، موضحة أن المبادرة تستهدف دعم زراعة القمح وتقليل الفاتورة الاستيرادية بما يُحسّن دخل نصف مليون مزارع. وتُظهر المبادرة الرابط الوثيق بين الحماية الاجتماعية والأمن الغذائي؛ إذ تمنح المجتمعات الريفية فرصة للتكيف مع التغيرات المناخية، معززةً الإنتاج المحلي وقوة الاقتصاد الوطني.
رعاية الطفولة والأسرة
لا يقتصر رؤية الوزيرة على توفير مظلة حماية آنية للفئات الأولى بالرعاية، وإنما تمتد إلى بناء قواعد صلبة للمستقبل عبر الاستثمار في الإنسان منذ بداياته الأولى وتعزيز تماسك الأسرة؛ إذ إنه هو الركيزة الأولى لأي نهضة مستدامة، وبناء مجتمع قوي يبدأ من السنوات الأولى للطفولة.
لذلك، تمتد سياسات الوزارة لتشمل مسارين متكاملين: تطوير مرحلة الطفولة المبكرة باعتبارها أساس رأس المال البشري، وترسيخ قيم التربية المتوازنة داخل الأسرة بما يحمي النسيج الاجتماعي.
الاهتمام بالطفولة المبكرة استثمار استراتيجي
وفي هذا السياق، أوضحت الدكتورة/ مايا مرسي أن برنامج الطفولة المبكرة يستهدف توسيع نطاق الحضانات ورياض الأطفال ضمن منظومة قانونية ورقابية تضمن الجودة، مؤكدة أن هذه المرحلة تمثل حجر الزاوية في بناء أجيال قادرة على مواجهة تحديات المستقبل. كما أشارت إلى أن البرنامج يسهم في تمكين المرأة اقتصاديًّا عبر توفير بيئة آمنة للأطفال، وهو ما يعزز التوازن بين العمل والأسرة.
مودة.. تربية.. مشاركة
وفيما يتعلق بالأسرة، عرضت الوزيرة البرنامج القومي “مودة.. تربية.. مشاركة” الهادف إلى الوصول إلى 23 مليون مستفيد، موضحة أنه يشكل دعامة لبناء مجتمع متماسك عبر نشر الوعي والتنشئة المتوازنة، وأوضحت أن هذا البرنامج يعمل باعتباره آلية وقائية تسعى إلى تقليل عوامل التفكك، بما يتوافق مع فلسفة الحماية الاجتماعية الشاملة.
وفي الختام، تشير مؤسسة حماة الأرض إلى أنَّ التجربة المصرية في الحماية الاجتماعية تكشف عن تحول نوعي يربط بين البعد الإنساني والاستراتيجيات الوطنية؛ لأنَّ التنمية هنا لا تُقاس بعدد البرامج ولا بحجم الإنفاق فحسب، وإنما بقدرتها على بناء مجتمع متوازن، قادر على الصمود والتحول؛ ولذا تسعى الدكتورة/ مايا مرسي -بجهودها الدؤوبة في وزارة التضامن الاجتماعي- إلى تفعيل سياسات الحماية الاجتماعية، والاستثمار الواعي في الإنسان، وإعادة صياغة العلاقة بين الدولة والمواطن على أساس الشراكة والتمكين.