علوم مستدامة

كربون التربة وتمعدن النيتروجين وتغير المناخ

بحث جديد يكشف العلاقة بين كربون التربة وتمعدن النيتروجين وتغير المناخ

النيتروجين وتغير المناخ

بحث جديد يكشف العلاقة بين كربون التربة وتمعدن النيتروجين وتغير المناخ

في دراسة طويلة الأمد والأولى من نوعها، اكتشفتْ مجموعةٌ من العلماء، على رأسهم “آشلي كايسر” الأستاذة المساعِدة في علم بيئة التربة في كلية ستوكبريدج للزراعة بجامعة ماساتشوستس – أنَّ كربونَ التربةِ مسئولٌ -بشكل رئيسي- عن تحديد ما إذا كان النيتروجين المتمعدن (القابل للامتصاص) متوفرًا في التربة على شكل أمونيوم، أو نترات، أو أكسيد النيتروز.

ولتبسيط ما سبق، فنيتروجين الهواء الجوي النقي هو عنصر يصعب على التربة امتصاصه؛ لذا فعملية تمعدنه (تحويله إلى مركبات) تُعتبر أساسيةً حتى تتمكن التربةُ من الاستفادة به. ومِن أهم مُركبات النيتروجين الرئيسية للتربة: الأمونيوم؛ ولكن يمكن -أيضًا- أنْ نجد مُركبات أخرى للنيتروجين لا تستفيد منها التربةُ، بل قد يكون لها تأثير سلبي.

تشمل مُركباتُ النيتروجين غير المرغوب فيها النترات التي تذوب بسهولة في المياه، وتتسرب إلى الجداول والأنهار؛ وبالتالي تساهم في تكاثر الطحالب السامة، أيضًا مركب أكسيد النيتروز، حيث يعتبر أقوى 300 مرَّة من ثاني أكسيد الكربون في تعزيز ظاهرة الاحتباس الحراري.

كربون التربة ودور الميكروبات

يُظهر البحثُ الذي نُشِرَ مؤخرًا في “Biogeochemistry Letters” أنَّ العلاقةَ بين كربون التربة والنيتروجين يبدو أنها موجودةٌ عبر النظم البيئية المختلفة. ولمَن لا يعلم، فكربون التربة نقصد به ما تحتويه التربةُ من كربون غير عضوي، والذي يمكن أنْ نجده في صورة مُركبات مثل الكربونات، وكذلك الكربون العضوي الذي نجده في عدد كبير من المُركبات العضوية، ويؤدي كربون التربة دورًا رئيسيًّا في دورة الكربون.

تقول “كايسر”، أحد مؤلفي الدراسة الرئيسيينَ: «تحتاج جميع الكائنات الحية إلى العناصر الغذائية بِنِسَبٍ محددةٍ، دون نقص أو زيادة، مثلها مثل الإنسان؛ تقوم بأخذ احتياجاتها من المواد الغذائية، ثم تتخلص من الزائد عنها حتى تحافظ على صحة جيدة».

وكما نعلم، فهناك مليارات الميكروبات في كل ذرة من التربة، فهذه الميكروبات تُمثل الشكلَ السائدَ للحياة على الأرض، وتعتمد على كلٍّ مِن: الكربون، والنيتروجين؛ لأجل البقاء، حيث تقوم بأخذ الكربون والنيتروجين الذي تحتاجه، أما الزائد عن احتياجها فتقوم بمعالجته وإعادته إلى التربة، وهي العمليةُ التي تُعرف باسم “التمعدن”.

الدور المهم للميكروبات في التربة هو أنها تقوم بتفكيك المواد العضوية، مثل: الأوراق الميتة، والخشب المتعفن، وبقايا الميكروبات التي لا تُعد ولا تُحصى؛ وهذا للحصول على الكربون واستخدامه وقودًا لعملياتها الحيوية، ثم التخلص من الزائد عن حاجتها، وتُسمى هذه العمليةُ “تمعدن الكربون”.

تقوم الميكروبات -أيضًا- بِمَعْدَنَةِ النيتروجين الموجود في تلك البقايا الميتة، وتحويله إلى الأمونيوم. وكما أشرنا سابقًا، فالأمونيوم هو الغذاء المفضل للنباتات، حيث يمكنها امتصاص النيتروجين من خلاله، إلا إنه يمكن للميكروبات -أيضًا- تحويل النيتروجين إلى النترات، التي تذوب بسهولة في الماء.

عندما تكون النتراتُ وفيرةً في التربة، فإنها يمكن أنْ تتدفق إلى الجداول والأنهار، لتشكل غذاءً لمجتمعات الطحالب الممتدة، التي يكون كثيرٌ منها سامًّا للنباتات والحيوانات المائية. علاوةً على ذلك، يمكن أنْ تنتج عمليةُ التمعدن -أيضًا- أكسيد النيتروز، وهو من الغازات الدفيئة الأقوى من ثاني أكسيد الكربون بمئات الأضعاف.

العلاقة بين الكربون والنيتروجين

ما اكتشفته “كايسر” وفريقها هو أنَّ كميةَ الكربون الموجودة في التربة لها علاقة وثيقة بتحديد كيفية معالجة الميكروبات للنيتروجين. تقول “كايسر”: «عندما يكون مخزون الكربون في التربة مرتفعًا، تحتاج الميكروبات إلى مزيدٍ من النيتروجين لتستهلكه لنفسها؛ وهذا لموازنة نظامها الغذائي. وفي حين أنَّ زيادةَ استهلاك الميكروبات للنيتروجين تعني إنتاجها لكمية أقل من النترات، إلا إنه يعني -أيضًا- إنتاج كمية أقل من الأمونيوم اللازم لتغذية النباتات».

ما سبق يمكن عكسه أيضًا، فعندما تكون هناك كميةٌ أقل من الكربون في التربة، ستقوم الميكروبات باستهلاك كميات أقل من النيتروجين لنفسها؛ وبالتالي إنتاج المزيد من مركبات الأمونيوم والنترات، وربما أكسيد النيتروز.

مما سبق يمكننا القول: إنَّ الكربونَ هو المفتاح، وهو الأمر الذي اكتشفته “كاسير” والمؤلفة الرئيسية للدراسة “أليسون جيل”، حيث قامتَا باختبار هذه النظرية على 14 موقِعًا في جميع أنحاء الولايات المتحدة، وتشمل هذه المواقع أنظمة بيئية متنوعة بما في ذلك التندرا والغابات الشمالية والصحاري والمراعي، حيث استعانتَا بالبيانات التي تم جمعها على مدار 40 عامًا بواسطة المؤسسة الوطنية للعلوم (NSF)، واستخدامها أداةً قويةً لتقييم مدى تأثير تركيز الكربون في التربة في دورة النيتروجين.

وتقول “كايسر”: «أنا وجميع المشاركين معي في هذه الدراسة المثيرة فوجئنا بالنتائج التي توصلنا إليها عن تأثير كربون التربة في تمعدن النيتروجين، وهي النتائج التي لم يكن نتخيلها مسبقًا؛ مما يعني أنَّ نظرتنا نحو العديد من الأنظمة البيئية والزراعية المختلفة ستتغير بشكلٍ أو بآخرَ، وكذلك طريقة تعاملنا مع هذه الأنظمة على المدى القريب والبعيد».

إنَّ اكتشافَ هذه العلاقة الوثيقة بين كربون التربة والنيتروجين لهو أمر مهم يؤثر في العديد من الجوانب، بدءًا من الزراعة وحتى حلول التخفيف من تغيُّر المناخ، التي تعتمد على تخزين الكربون في التربة؛ لذا يتوجب علينا عند مناقشة حلول الحد من كميات الكربون في الغلاف الجوي عن طريق تخزينها في التربة أنْ نَعِيَ ما سيترتب على ذلك.

وتمعدن النيتروجين وتغير المناخ

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى