خطى مستدامة

لكن الحقيقة.. مفهوم التنمية المستدامة وتصوراته

بقلم النائب/ طارق رضوان - رئيس لجنة حقوق الإنسان بمجلس النواب

لكن الحقيقة.. مفهوم التنمية المستدامة وتصوراته

النائب طارق رضوان

تُعَدُّ التنمية المستدامة مفهومًا مهمًّا وضروريًّا للمحافظة على البيئة، ولتحقيق التنميتينِ الاجتماعية والاقتصادية بشكل مستدام. وعلى الرغم من هذه الأهمية فإنَّ هناك بعضَ التصوراتِ الخاطئةِ حول هذا المفهوم، وهي تصوراتٌ يمكن أنْ تؤثر في فهمنا له، وفي الإجراءات التي يمكن اتخاذها لتحقيقه.

أصبح كثيرٌ من الناس يربطون الاستدامةَ بالعالَمِ الطبيعيِّ وما يشهده من ظواهر مثل ظاهرة تغير المناخ؛ بسبب تركيز بعض أجهزة الإعلام ذات المنظور الضيق على الظواهر البيئية العالمية فحسب؛ لكن الحقيقة هي أنَّ الاستدامةَ مفهومٌ أكثر شمولًا، كما أنَّ الاستدامةَ البيئيةَ ليست سوى جانبٍ واحدٍ من بين ثلاثة جوانب أخرى للاستدامة.

وإذا كانتِ الاستدامةُ البيئيةُ مُرَكِّزَةً على حفظ التنوع البيولوجي -وهذا يعني حماية المياه، وتقليل النفايات، وتوفير الطاقة، وزيادة إعادة التدوير، واستخدام النقل المستدام، والقضاء على استخدام البلاستيك أو الحد منه، وحماية النباتات والحيوانات، وغيرها من الأهداف- فإنَّ هناك جانبًا آخرَ من جوانب الاستدامة، ألَا وهو الاستدامةُ الاجتماعيةُ، ويُعنى هذا الجانب بتحسين جودة معيشة فئات وشرائح المجتمع المختلفة. على سبيل المثال، تُركز الاستدامةُ الاجتماعيةُ على الأمن، وتحسين الصحة، والتعليم، والعدالة في توزيع الفرص والثروات.

وهناك أيضًا استدامةٌ اقتصاديةٌ، وهي التي تكمل منظومتَي الاستدامةِ البيئيةِ والمجتمعيةِ، حيث تضمن عدم وقوف النظم المالية والتنموية في طريق الاستدامة الخاصة بهما، ويتحقق هذا عن طريق إيجاد نماذج أعمال جديدة ذات موارد عادلة وفعَّالة، مثل النظام الاقتصادي القائم على الموارد المتجددة، أو نظام الاقتصاد الدائري؛ وبهذا يتضح لنا أنَّ جميعَ جوانب الاستدامة الثلاثة السابقة مرتبطةٌ ارتباطًا وثيقًا ببعضها بعضًا.

ومن التصورات الخاطئة أيضا، الظنُّ في أنَّ التنميةَ المستدامةَ تتطلب الحد من النمو الاقتصادي. يعتقد بعضُ الناس في أنَّ النموَّ الاقتصاديَّ سببٌ في كثير مِن المشكلات البيئية والاجتماعية، وبالتالي يجب الحد منه؛ لكن الحقيقة هي أنَّ التنميةَ المستدامةَ تهدف إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية بشكل متوازن، مع المحافظة على البيئة؛ ومن هنا يمكن للنموِّ الاقتصاديِّ المستدامِ أنْ يساعد على تحسين جودة الحياة وتحقيق التنمية الشاملة.

كما أنَّ هناك تصورًا خاطئًا آخرَ، هو إلقاء مسئولية التنمية المستدامة على عاتق الحكومات والشركات فقط؛ لكن الحقيقة هي أنَّه ينبغي أنْ يكون للأفرادِ إسهامٌ في تحقيقها، وهذا من خلال اتخاذ قرارات مستدامة في حياتهم اليومية، والمحافظة على البيئة، وتوعية الآخرينَ بالأهمية الحقيقية للمحافظة على البيئة. علاوةً على هذا، يمكن للمجتمعات المحلية والمنظمات غير الحكومية أنْ تؤدي دورًا مهمًّا في تحقيق التنمية المستدامة، من خلال تنظيم الأنشطة والمشاريع المستدامة، والتوعية بالأخطار البيئية.

ومن التصورات الخاطئة الأخرى حول مفهوم التنمية المستدامة، أنها تتطلب العيش بطريقة بدائية، والتخلي عن التكنولوجيا والتقدم؛ لكن الحقيقة هي أنَّ التنميةَ المستدامةَ يمكن أنْ تتحقق بشكل أفضل من خلال استخدام التكنولوجيا، وتنفيذ الابتكارات الجديدة التي تساعد على تحسين كفاءة الخدمات وتقليل النفايات؛ فالتكنولوجيا يمكن أنْ تُستخدم بطريقة مسئولة لتحقيق التنمية المستدامة، وهذا بدلًا من أنْ تكون عاملًا من عوامل تلويث البيئة، وسببًا من أسباب إهدار الموارد الطبيعية.

وفي النهاية، يوجد تصور خاطئ أخير حول مفهوم التنمية المستدامة، هو أنها تتطلب تضحيات كبيرة من قِبل الأفراد والمجتمعات؛ ولكن الحقيقة هي أنَّ التنميةَ المستدامةَ يمكن تحقيقها بشكل مستدام دون الحاجة إلى تضحيات كبيرة؛ فمن خلال اتخاذ القرارات المستدامة الصغيرة في حياتنا اليومية -مثل استخدام الأكياس المُعاد تدويرها، والحد من استهلاك المياه والطاقة- يمكننا التحرك نحو تحقيق التنمية المستدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى