خارج الصندوق.. إنتاج البلاستيك الحيوي من نفايات الأفوكادو
خارج الصندوق.. إنتاج البلاستيك الحيوي من نفايات الأفوكادو
يواجه العالم الآن أزماتٍ متتاليةً بسبب التغيُّرات المناخية، وهو ما يستدعي مكافحة تأثيراتها البيئية والتنموية؛ حتى لا تعيق خطوات تحقيق أهداف التنمية المستدامة. ومن الأزمات التي يواجهها العالم -أيضًا- الاستخدام المتزايد للبلاستيك، الذي تتسرب مواده الضارة إلى سلسلة الغذاء وأنظمة البيئة.
إنَّ زيادةَ استخدام الإنسان للبلاستيك تعود إلى تكلفته المنخفضة، غير أنه يُصنَّعُ من موارد غير متجددة، متمثلة في الوقود الأحفوريّ؛ وأدَّى هذا إلى القلق بشأن قدرته علَى إعاقة خطوات الاستدامة في بلدان العالم كله، لذا أصبحتِ الحاجَةُ ماسَّةً إلى إنتاج بدائل بيئية أكثر اخضرارًا.
مِن هنا، زاد الاهتمام في الأعوام الأخيرة بتطوير وابتكار مواد تغليف من مصادر طبيعية ومتجددة، بحيث تكون هذه المواد بديلًا للبلاستيك التقليديّ، الذي يتم إنتاجه من الوقود الأحفوريّ.
ولعل من أبرز الابتكارات التي ظهرت في السنوات الماضية هو البلاستيك الحيوي، وهو نوع من البلاستيك يتميز بالخصائص الفيزيائية التي نجدها في البلاستيك التقليديّ، إلا إنه في الوقت ذاته يمكنه التحلل في البيئة -بشكل آمن- في مدة قصيرة، وهذا علَى عكس البلاستيك التقليديّ، الذي يمكن أنْ تقضي مخلفاته مئات السنين في البيئة قبل أنْ تتحلل.
ونحاول معكم في هذا المقال -من سلسلة “خارج الصندوق”- إلقاء الضوء على واحدة من الأفكار المبتكرة في تحويل المخلفات إلى بلاستيك حيوي.
البلاستيك الحيوي والأفوكادو
كما أطالعناكم -سابقًا- علَى صفحات مجلة حماة الأرض، يمكن إنتاج البلاستيك الحيوي عن طريق المصادر الحيوية، مثل: النباتات، والمخلفات الزراعية، والأعشاب البحرية، والطحالب. وبالحديث عن المخلفات الزراعية نجد أنَّ الطبيعة الجغرافية والثقافية لكل بلد تتحكم في نوعية وكمية هذه المخلفات؛ مما يعني الحاجة إلى الابتكار لاستغلال كل نوع من المخلفات الزراعية بالشكل الأمثل.
ومثال ما سبق، هو ما نجده في أمريكا والمكسيك، حيث يتم استهلاك كميات ضخمة من ثمرة الأفوكادو، وهي الثمرة التي يتم زراعتها في هذه المنطقة من العالم بشكل كثيف، وهذا نظرًا إلى دخول هذه الثمرة في ثقافة الأكل بشكل كبير، بالإضافة إلى توافر الظروف المناخية المناسبة.
والأفوكادو ثمرة ذات لب ناعم، وفي داخلها بذرة مركزية (نواة) ذات لون قريب من لون الزبدة، وغير صالحة للأكل. ويُقدر إنتاج محصولها العالميّ بحوالي 8.7 مليون طن سنويًّا، ولها إمكانيات صناعية متنوعة؛ فهي تُستخدم في تحضير المراهم ومستحضرات التجميل.
وفي وسط قطع صغيرة من البصل والطماطم والكزبرة، وعَصْرَةٍ من الليمون الطازج، ورَشَّةٍ من الملح؛ يتم هرس الأفوكادو لتحضير واحدة من أكثر السَّلَطات شعبيةً في أمريكا الشمالية: “الجواكامولي”.
من فكرة إلى قصة نجاح
وسواء أطلقت عليها سلطةً أم صلصلةً فالجواكامولي يتم تناولها بكميات ضخمة كل عامٍ؛ مما يعني -بالضرورة- استهلاك كميات كبيرة من ثمرة الأفوكادو، حيث تشير الإحصاءات إلى أنَّ استهلاكَ الولايات المتحدة وحدها يتخطى 6 مليار ثمرة سنويًّا.
هذا النهم الكبير للأفوكادو أدَّى -بطبيعة الحال- إلى تولد كميات هائلة من مخلفات هذه الثمرة سنويًّا، وهو ما أثار انتباه بعض رواد الأعمال في أمريكا والمكسيك لاستغلال هذه المخلفات بشكل أذكى، بدلًا من التخلص منها مباشرةً.
الفكرة هنا تكمن في استغلال نواة ثمرة الأفوكادو لإنتاج البلاستيك، وهذا نظرًا إلى ما تحتويه من زيوت طبيعية، يمكنها أنْ تشكل المادة الخام لمنتجات البلاستيك الحيوي، مثل: أدوات المائدة، والمصَّاصَات (الشَّفَّاطَات).
هذه الفكرة المبتكرة نُفذت -فعليًّا- في مَصنع Biofase الواقع بالمكسيك، وهذا المَصنع نجح في مدة قصيرة من فتح أسواق خارجية لتصدير منتجاته، بالإضافة إلى التوسع في دول أخرى خارج المكسيك، ليتم بعد ذلك تكرار التجربة في عدد من المصانع الأخرى.
البلاستيك الحيوي في ميزان الاستدامة
في مقال سابق علَى موقع حماة الأرض ذكرنا أنَّ نسبةَ انبعاثات الغازات الدفيئة من البلاستيك المُصنَّع من الوقود الأحفوريّ تُقدر -سنويًّا- بحوالي 4٪، وهنا تأتي أهمية استخدام البلاستيك الحيوي، الذي سيصبح قادرًا علَى التخلص من استخدام البترول والغاز الطبيعيّ والفحم في تصنيع المواد البلاستيكية؛ مما يُقلل من البصمة الكربونية في هذا المجال، الذي طَالَتْ تأثيراتُه البيئيةُ كلَّ دولِ العالم.
لذا، سوف يمثل صعودُ البلاستيك الحيوي في قائمة ثقافة الإنسان الغذائية والصناعية خطوةً واسعةً نحو تنفيذ محاور الاقتصاد الدائريّ، الذي يدعو إلى الاعتماد علَى المصادر المتجددة مثل النباتات، وتقليل هدر الأطعمة والمواد؛ لتخفيف التأثيرات الضارة الناتجة عن استخدام البلاستيك التقليديّ، ولتقليل اعتمادنا علَى الموارد غير المتجددة.
وللبلاستيك الحيوي -بطبيعة الحال- عيوب؛ لكونه تكنولوجيا في مراحلها الأولى من التطوير. ومِن هذه العيوب: التكلفة المرتفعة لإنتاجه مقارنةً بالبلاستيك التقليديّ، ومحدودية الكميات المنتجة، والحاجَة إلى الاستثمار -بشكل كبير- في مجال البحث والتطوير؛ ولكن كل هذه العيوب يمكن أنْ تصبح في طيّ النسيان بمرور الوقت.
التحديات المستقبلية
إنَّ فكرةَ استخراج البلاستيك الحيوي من الأفوكادو ما هي إلا مثال علَى النهج الذي يجب أنْ نتبعه في التعامل مع مخلفاتنا، وهذا عن طريق النظر إليها باعتبارها موردًا تُمكن الاستفادة منه في حلقة الاقتصاد الدائريّ.
ومصر -كما نعلم- لم تكن زراعةُ الأفوكادو منتشرةً فيها حتى وقت قريب، وقد أصبحت تحظى زراعته في الصعيد باهتمام كبير؛ بسبب حاجته إلى أجواء حارَّة لكي ينضجَ. وهذا النموذجَ الابتكاريّ لتدوير مخلفات الأفوكادو يقدم لنا أسلوبًا مستدامًا في التعامل مع مخلفاتنا الزراعية وغير الزراعية في بلدنا الحبيب.
خلاصة القول، هو أنَّ التفكيرَ خارج الصندوق، وإطلاقَ العنان للابتكار، أمرانِ يجب أنْ يوجدَا في جميع القطاعات، وهذا حتى نتمكن من تسريع وتيرة التحول الأخضر، وتحقيق أهداف التنمية المستدامة، تلك الأهداف التي تحظى بعناية خاصة في الأجندة الوطنية “رؤية مصر 2030“.
وفي النهاية، تنظر حماة الأرض بعين الاعتبار إلى هذا النوع من الابتكارات، وتؤمن بدوره في تنفيذ خطط التنمية في كل القطاعات والمجالات؛ فهي مجلة ترى من الاستدامة طريقًا، ومن تنمية موارد البيئة حلًّا لكل مشكلات التغيُّرات المناخية؛ لأجل وطن ينعم فيه الجميع بحياة مستدامة.