علوم مستدامة

خشب معدل بخصائص ميكانيكية أقوى يستطيـع احتباس ثاني أكسيد الكربون

المادة المعدلة هندسيًّا صديقة للبيئة، ويمكن استخدامها في تطبيقات البناء

خشب له القدرة على احتباس ثاني أكسيد الكربون

خشب معدل بخصائص ميكانيكية أقوى يستطيـع احتباس ثاني أكسيد الكربون

اكتشف علماء جامعة رايس في هيوستن طريقةً لهندسة الأخشاب، حيث تصبح قادرةً علَى احتجاز ثاني أكسيد الكربون داخلها، وهذا من خلال عملية مبتكرة وقابلة للتطوير وموفرة للطاقة تجعل الخشب أقوى بشكل ملحوظ، مما قد يسمح باستخدامه بشكل أوسع في تطبيقات مثل البناء.

تتطلب المواد الإنشائية -مثل الحديد والصلب، أو الأسمنت- تكلفة اقتصادية كبيرة من أجل إنتاجها، كما أنَّ صناعات مواد البناء من الصناعات كثيفة الاستهلاك للطاقة؛ وبالتالي ينتج عنها كميات ضخمة من الغازات الدفيئة، وخصوصًا ثاني أكسيد الكربون. وتشير الأرقام إلى أنَّ عمليات تشييد واستخدام المباني مسئولةٌ عن حوالي 40٪ من الانبعاثات؛ لذا فإنَّ تطوير بدائل مستدامة للمواد المستخدمة في عمليات البناء سيساعد علَى التخفيف من تغير المناخ، والتقليل من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون.

استخدام الأخشاب لاحتباس ثاني أكسيد الكربون

من خلال العمل علَى معالجة تلك القضية الهامة، وجد محمد رحمن -الأستاذ المساعد في علوم المواد والهندسة النانوية في كلية جورج براون للهندسة بجامعة رايس- ومعاونوه طريقةً لدمج جزيئات مادة مسامية بلورية يمكنها حبس ثاني أكسيد الكربون في الخشب؛ وذلك وفقًا لدراسة نُشِرَتْ في دورية «Cell Reports Physical Science» العلمية.

وقال رحمن: «الخشب هو مادة هيكلية مستدامة ومتجددة، نستخدمها بالفعل علَى نطاق واسع، ولكننا أردنا تطوير ذلك بشكل يساعد في التطبيقات المستدامة الأخرى؛ لذا فإنَّ الخشبَ الجديدَ المبتكرَ والمصممَ هندسيًّا يتميز بقوة أكبر، مقارنةً بالخشب العادي غير المعالَج. ولتحقيق هذا الإنجاز يتم أولًا إزالة شبكة ألياف السليلوز التي تمنح الخشب قوته، من خلال عملية تُعرف باسم إزالة اللجنين».

وأضاف رحمن: «يتكون الخشب من ثلاثة مكونات أساسية: السليلوز، والهيميسليلوز، واللجنين، ويُعَدُّ الأخيرُ المادةَ المسئولةَ عن اللون المميز للأخشاب، كما أنه المادةُ المسئولة عن إكساب الخشب صلابته وخصائصه الميكانيكية؛ لذلك يصبح الخشب -عند إزالة اللجنين- عديمَ اللونِ. وتعد إزالة اللجنين عملية بسيطة إلى حد ما، وتتضمن معالجة كيميائية من خطوتينِ باستخدام مواد صديقة بيئيًّا، وبعد إزالة اللجنين، يمر الخشب بعملية التبييض “Bleaching”، باستخدام ماء الأكسجين (H2O2)؛ لإزالة الهيميسليلوز».

بعد ذلك، يتم نقع الخشب في محلول يحتوي علَى جزيئات دقيقة لأحد أنواع الأُطُرِ الفِلِزِّيَّةِ العضوية «MOFs»، والمعروف باسم «20-CALF». الأُطُرُ العضويةُ الفِلِزِّيَّةُ هي مواد ماصَّة عالية المَسَامِّيَّةِ، وذات مساحة سطح كبيرة، وتُستخدم لقدرتها علَى امتصاص جزيئات بعض المواد، وقد ظهرت بشكل قوي مؤخرًا باعتبارها خيارًا واعدًا في التقاط واحتجاز ثاني أكسيد الكربون.

الخشب المعدل يمثل حل مبتكر لالتقاط وتخزين الكربون

وفي هذا السياق، قال «سوميابراتا روي» الباحث في علوم المواد والهندسة النانوية بالجامعة، وأحد مؤلفي الدراسة الرئيسيين: «تتلاءم جسيماتُ الإطارِ الفِلِزِّيِّ العضويِّ «20-CALF» بسهولة مع قنوات السليلوز في الأخشاب، حيث ترتبط بها من خلال التفاعلات السطحية».

الأُطُرُ العضويةُ الفِلِزِّيَّةُ هي واحدة من التقنيات النائشة التي تلتقط الكربون (Carbon capture)، وهي تقنية تم تطويرها للمساهمة في حل تغير المناخ الناتج عن الأنشطة البشرية. قال رحمن: «في الوقت الحالي لا توجد منصة قابلة للتحلل البيولوجي ومستدامة لإيواء المواد الماصَّة لثاني أكسيد الكربون. إنَّ الخشبَ المُحَسَّنَ -الذي قمنا بتطويره عن طريق الأُطُرِ الفِلِزِّيَّةِ العضويةِ- يمكن أنْ يشكل منصةً مناسبةً قابلةً للتكيف؛ لإيواء المواد الماصة في العديد من التطبيقات المختلفة، من أجل التقاط وتخزين ثاني أكسيد الكربون».

ومِن الجدير بالذِّكْرِ، أنَّ العديدَ من الأُطُرِ العضويةِ الفِلِزِّيَّةِ الحالية ليست مستقرةً للغاية عند التعرض للظروف البيئية المتفاوتة، فبعضها -علَى سبيل المثال- حساس جدًّا للرطوبة، وهو الأمر الذي سيكون غير مرغوب فيه تمامًا عند استخدام مادة هيكلية مثل الخشب، لكن مادة «20-CALF» التي طورها الأستاذ في جامعة كالجاري «جورج شيميزو» وفريقه تَبرز من حيث مستوى الأداء والقدرة علَى تحمل مجموعة متنوعة من الظروف البيئية.

وقال رحمن: «تصنيع المواد الإنشائية -مثل المعادن، أو الأسمنت- يمثل مصدرًا رئيسيًّا لانبعاثات الكربون الصناعية؛ لذا أردنا البحث عن مادة أكثر صداقة للبيئة، يمكن دمجها بشكل ما في العمليات الإنشائية. واستطعنا الوصول إلى عملية معالجة بسيطة علَى الخشب تحسن من خصائصه الميكانيكية بشكل ملحوظ، بالإضافة إلى امتصاصه لثاني أكسيد الكربون».

الخطوة التالية للباحثينَ والعاملينَ علَى هذه الدراسة ستكون تحديد العمليات المناسبة، لعزل ثاني أكسيد الكربون باستخدام هذا الخشب المعالَج، بالإضافة إلى تحليل اقتصادي مفصل، لفهم مدَى قابلية التوسع والجدوى التجارية لهذه المادة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى