علوم مستدامة

خلايا البيروفسكايت: ثورة علمية في مجال الطاقة الشمسية

البيروفسكايت

خلايا البيروفسكايت: ثورة علمية في مجال الطاقة الشمسية

تُعتبر الطاقة الشمسية واحدةً من أهم مصادر الطاقة المتجددة، التي تؤدي دورًا بارزًا في تحقيق الاستدامة البيئية، وتلبية احتياجات الطاقة النظيفة المتزايدة للمجتمعات الحديثة. يعمل توليد الطاقة الشمسية على استغلال ضوء الشمس، الذي يصل إلى الأرض يوميًّا، حيث تُحَوَّلُ هذه الطاقة إلى كهرباء يمكن استخدامها في مختلف القطاعات السكنية والتجارية والصناعية.

تتكون الخلايا الشمسية أو الألواح الشمسية -بشكل أساسيّ- من أشباه الموصلات، تحديدًا السيليكون، حيث يتم امتصاص ضوء الشمس من قِبل هذه الخلايا؛ لتحويله إلى تيار كهربيّ. تشتهر الخلايا الشمسية بكونها واحدًا من الحلول الواعدة لتحقيق تحول الطاقة، أي التحول -بشكل تدريجيّ- بعيدًا عن الوقود الأحفوريّ؛ لذا شهدتِ الطاقةُ الشمسيةُ عبر عقود من الزمن تطوراتٍ تكنولوجيةً لتقليل تكلفة إنتاجها ورفع كفاءتها.

بفضل تحسن التكنولوجيا وتراجع تكاليف التصنيع، أصبحتِ الخلايا الشمسيةُ أكثر وفرةً، وهذا بالتوازي مع الجهود المستمرة للمجتمع العلميّ في تطوير وتحسين الخلايا الشمسية، عن طريق ابتكار وتجربة مواد جديدة يمكنها التفوق على السيليكون، مثل مادة البيروفسكايت.

ما مادة البيروفسكايت؟

البيروفسكايت هي مادة شبه موصلة -صيغتها الجزيئية CaTiO3- تم العثور عليها لأول مرَّة في جبال الأورال في روسيا عام 1839، وتم تسميتها بهذا الاسم تيمنًا بعالِمِ الفلزات الروسيّ “ليف بيروفسكي”. تتميز هذه المادة ببنية بلورية خاصة، مَكَّنَتْ علماء المواد من إثبات قدراتها الفولتضوئية في عام 2009.

منذ ذلك الحين، قامتْ مجموعاتٌ بحثيةٌ عديدةٌ بتطوير مادة البيروفسكايت، تمهيدًا للاعتماد عليها بدلًا من السيليكون في الخلايا الشمسية؛ وهذا نظرًا إلى ما أظهرته المادة من قدرة أعلى من السيليكون في تحويل أجزاء من الطيف الضوئيّ إلى كهرباء، كما أنه يمكن استخدامها بشكل تكامليّ -جنبًا إلى جنبٍ مع السيليكون- في الخلايا الشمسية؛ لرفع الكفاءة.

وفي هذا السياق، اكتشف مهندسون من جامعة “كولورادو بولدر” طريقةً جديدةً لتصنيع خلايا البيروفسكايت الشمسية. هذه الطريقة الجديدة لإنتاج خلايا البيروفسكايت يمكن أن تؤدي إلى ثورة في قطاع الطاقة الشمسية، وهذا عن طريق خفض تكلفة بناء وتشغيل الأنظمة، ورفع كفاءة عملها بما يتناسب مع تطبيقات عديدة، مثل السيارات الكهربائية، وإضاءة المنازل.

هذه الطريقة الجديدة في تصنيع خلايا البيروفسكايت الشمسية تلقاها المجتمع العلميّ بقدر كبير من الترحيب؛ لأنه يمكن أنْ تُحدث نقلةً نوعيةً في هذا القطاع الواعد. وتأتي هذه الجهود ضمن مساعي مختلف العلماء والمؤسسات حول العالم؛ لتطوير أنواع جديدة من الخلايا الشمسية يمكنها العمل بكفاءة أكبر، مقارنةً بالألواح الشمسية المستخدَمة اليوم.

الجيل الجديد من الخلايا الشمسية

في بحث جديد نُشِرَ في 26 فبراير من العام الجاري في مجلة Nature Energy، كشف باحث من جامعة “كولورادو بولد” ومعاونوه عن طريقة مبتكرة لتصنيع خلايا البيروفسكايت الشمسية، الأمر الذي اعتبره المجتمع العلميّ إنجازًا بالغ الأهمية للبدء في تصنيع الجيل القادم من تكنولوجيا الطاقة الشمسية.

ولفَهْمِ المشهدِ الحاليّ في قطاع الطاقة الشمسية، فجميع الألواح الشمسية -تقريبًا- نجدها مصنوعةً من السيليكون، الذي يتميز بكفاءة تصل إلى 22٪. وهذا يعني أنَّ ألواحَ السيليكون يمكنها فقط تحويل حوالي خُمس طاقة الشمس التي تسقط عليها إلى كهرباء؛ لأنَّ السيليكون يمتص نسبةً محدودةً من الأطوال الموجية لضوء الشمس.

البيروفسكايت

هذه الكفاءة المنخفضة -نسبيًّا- للألواح الشمسية التقليدية المصنوعة من السيليكون -جنبًا إلى جنبٍ مع التكلفة المرتفعة لإنتاج هذه الألواح- فتحتِ البابَ أمام تجربة عديد من البدائل الأخرى. ومِن أبرز هذه البدائل مادة البيروفسكايت. البيروفسكايت هي مادة صناعية شبة موصلة، وقادرة على تحويل الطاقة الشمسية إلى كهرباء بكفاءة أكثر من السيليكون، وبتكلفة إنتاج أقل.

وفي هذا السياق، قال “مايكل ماكغي” الأستاذ في قسم الهندسة الكيميائية والبيولوجية، وزميل معهد الطاقة المتجددة والمستدامة بجامعة كولورادو بولدر: «إنَّ مادةَ البيروفسكايت ستغير قواعدَ صناعةِ الألواح الشمسية بشكل جذريّ».

يقوم العلماء باختبار خلايا البيروفسكايت الشمسية عن طريق وضعها فوق خلايا السيليكون التقليدية لصنع خلايا مُركبة، إذْ يمكن أنْ يؤدي استخدامُ المادتينِ إلى زيادة كفاءة الألواح بنسبة تزيد عن 50%، حيث يمتص كلٌّ منهما جزءًا مختلفًا من طيف الشمس.

وقال ماكغي: «في ظل التحول السريع لكثير من القطاعات -أبرزها قطاع النقل- إلى الاعتماد على الكهرباء بدلًا من مصادر الطاقة الأخرى – نأمل في أنْ تؤدي هذه الطريقة الجديدة لعمل الخلايا الشمسية إلى الحد من الاعتماد على الوقود الأحفوريّ في إنتاج الكهرباء؛ حتى نتمكَّنَ في نهاية المطاف من التخلص من محطات الكهرباء العاملة بالفحم أو حتى الغاز الطبيعيّ. وإذا أردنا أن يكون المستقبلُ مستدامًا ومعتمِدًا -بشكل كامل- على الطاقة المتجددة فيتوجب علينا الآن توسيع أسواق طاقة الرياح والطاقة الشمسية بما لا يقل عن خمسة إلى عشرة أضعاف مما هي عليه اليوم».

مشكلة تصنيع خلايا البيروفسكايت

التحدي الأساسيّ في تصنيع الألواح الشمسية من البيروفسكايت على نطاق تجاريّ هو عملية طلاء هذه المادة شبة الموصلة على الألواح الزجاجية، التي تشكل اللبنات الأساسية للخلايا الشمسية. تتم -حاليًّا- عملية الطلاء المشار إليها على نطاق معمليّ في صندوق صغير مملوء بغاز غير نشط مثل النيتروجين؛ لمنع البيروفسكايت من التفاعل مع الأكسجين، لأنَّ الهواءَ يمكن أنْ يتسببَ في خفضِ كفاءة البيروفسكايت. ولكن، عند محاولة تطبيق العملية السابقة على نطاق صناعيّ أكبر يزداد الأمر تعقيدًا.

مِن هنا، انطلق ماكغي ومعاونوه لإيجاد طريقة جديدة لطلاء البيروفسكايت على الألواح الزجاجية بشكل يمنع تفاعل المادة مع الهواء، ووجدوا أنَّ إضافةَ مُركب فورمات ثنائي ميثيل الأمونيوم “DMAFo” إلى محلول البيروفسكايت قبل الطلاء يمكن أنْ يمنعَ عمليةَ التأكسد.

يتيح هذا الاكتشافُ إجراءَ عملية طلاء المواد شبه الموصلة دون وجود قيود حول طبيعة الهواء المحيط، ما يُسهل عملية نقل هذا التطبيق إلى الصناعة. وأظهرتِ التجاربُ -بالإضافة إلى ما سبق- أنَّ خلايا البيروفسكايت المصنوعة باستخدام مادة “DMAFo” يمكن أنْ تُحقق بمفردها كفاءةً تصل -تقريبًا- إلى 25%، كما تعمل المادة المضافة على تحسين استقرار الخلايا.

جانبٌ آخرُ تجدر مناقشته، هو العمر الافتراضيّ للألواح الشمسية؛ فألواح السيليكون يمكنها أنْ تحافظ -عادةً- على ما لا يقل عن 80% من أدائها بعد 25 عامًا من استخدامها، حيث تفقد حوالي 1% من كفاءتها سنويًّا. على الجانبِ الآخرِ نجدُ خلايا البيروفسكايت بعمر افتراضيّ أقل، حيث تتحلل بشكل أسرع في الهواء، ولكن الطريقة الجديدة في إنتاج هذه الخلايا باستخدام “DMAFo” احتفظت بنسبة 90% من أدائها بعد أنْ قامَ الباحثون بتعريضها لضوء LED يحاكي ضوء الشمس مدة 700 ساعةٍ. وفي المقابل، فإنَّ الخلايا المصنوعةَ في الهواء دون استخدام “DMAFo” تحللت بسرعة بعد 300 ساعةٍ فقط.

نتائج مشجعة ولكن نحتاج المزيد

تُعتبر النتائجُ السابقةُ مشجعةً للغاية، ولكن علينا ألَّا ننسى أنَّ هناك ما يزيد عن 8000 ساعةٍ في العامِ الواحدِ؛ لذا فهناك حاجَةٌ إلى إجراء اختبارات أطول؛ لتحديد مدى تحمل هذه الخلايا الجديدة للعمل الإضافيّ، وسيكون من السابق لأوانه القول بأنَّ خلايا البيروفسكايت تتمتع بالاستقرار نفسه الذي نجده في ألواح السيليكون. ولكن، يكفي أنْ نَعلمَ أننا نسير على الطريق الصحيح نحو تطوير الخلايا الشمسية.

تُقرب الدراسة الجديدة خلايا البيروفسكايت الشمسية خطوةً أخرى نحو الاستخدام على نطاق تجاريّ. وفي الوقت نفسه يعمل فريق “ماكغي” بنشاط لتطوير خلايا مُركبة ذات كفاءة فعلية تزيد على 30%، وتتمتع بالعمر التشغيليّ نفسه لألواح السيليكون.

كما يقود “ماكغي” شراكةً صناعيةً أكاديميةً بالتعاون مع باحثين من ثلاث جامعات أخرى وشركتينِ، وهي الشراكة التي استطاعت الحصول على تمويل بقيمة 9 ملايين دولار من وزارة الطاقة الأمريكية العامَ الماضي؛ لتطوير خلايا البيروفسكايت المُركبة المستقرة؛ حتى يمكن استخدامها -بشكل فعليّ- قابل للتطبيق تجاريًّا.

ومع كفاءة أعلى وأسعار أقل، يمكن أنْ تكون لهذه الخلايا المُركبة تطبيقاتٌ أوسع، مقارنةً بألواح السيليكون الحالية، بما في ذلك التثبيت على أسطح السيارات الكهربائية، وتشغيل الطائرات دون طيار، والمراكب الشراعية.

المثير في الأمر هنا، هو أنَّ المهندسينَ قد تمكنوا -بعد عقد من البحث في البيروفسكايت- مِن بناء خلايا شمسية تتمتع بنفس كفاءة خلايا السيليكون، التي تم اختراعها وتطويرها خلال السبعين عامًا الماضية؛ ما يعني أنَّ المساحةَ المتاحةَ لتطوير خلايا البيروفسكايت ما تزال كبيرةً، حيث من المتوقع لهذه التكنولوجيا الجديدة السيطرة على سوق ألواح الطاقة الشمسية في المستقبل.

البيروفسكايت

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى