بقلم الاستدامة.. الاستدامة والبيئة: سياسات وطنية واتفاقيات دولية
بقلم الاستدامة.. الاستدامة والبيئة: سياسات وطنية واتفاقيات دولية
أصبحت أهداف التنمية المستدامة ومعايير الحفاظ على البيئة ميثاقًا من المواثيق الوطنية والعالمية، وهما مجال واحد تُعبِّرُ به الدول عن تطلعاتها إلى غدٍ أفضل خالٍ من الأمراض وأكثر رفاهيةً. وهو مجال شديد الارتباط بحقوق الإنسان؛ لأنَّ البيئةَ والاستدامةَ -وما يتعلق بهما من قوانين ومبادرات- هما انعكاس لرغبات الإنسان وأحلامه في مستقبلٍ أخضرَ يطمئن فيه على صحته.
إنَّ بين حقوق الإنسان والبيئة والاستدامة رابط كبير؛ لأنَّ توفيرَ البيئة النظيفة والحياة الصحية -مثلًا- جزءٌ من الحقوق الإنسانية، فعندما تتعرض البيئة للتلوث أو التدهور يتأثر الإنسان مباشرةً، وهذا يدعونا إلى أنْ ندركَ أنَّ الحفاظَ على الموارد الطبيعية وتحقيقَ أهداف التنمية المستدامة أساسٌ لضمان استمرارية الحياة ورفاهية البشرية، ففي النهاية علينا أنْ نتمتع جميعًا بصحة جيدة وحياة كريمة.
ومِن الحقوقِ البيئيةِ الحقُّ في الوصول إلى مياه نظيفة وهواء صحيّ، وحق الاستفادة -بأسلوب مستدام- من الموارد الطبيعية. وهي حقوق تتساوى فيها الأجيال الحالية والأجيال القادمة؛ ولأجل هذا هناك تدابير محلية ودولية تستهدف تعزيز هذا الترابط بين حقوق الإنسان عامةً وحقوقه البيئية والتنموية خاصةً، مثل اتفاقيات التغيُّر المناخيّ، واتفاقيات الحفاظ على التنوع البيولوجيّ؛ فهذه الاتفاقيات إطار لحماية الحقوق البيئية وضمان لاستدامة حياة الأجيال الحالية والمستقبلية.
تكفل الحقوق البيئية للإنسان -أيضًا- حقَّ العيش في بيئة ذات موارد طبيعية غير ملوَّثة، وتضمن له حياةً صحيةً في كل جانب من جوانبها، بما في هذا الأرض، والمأوى، والغذاء، والماء، والهواء. وهذه الحقوق البيئية أكثر شمولًا، فهي تضمن للإنسان -على سبيل المثال- حقَّ الاستمتاع بمناظر طبيعية غير ملوَّثة.
من هنا، أصبحت التزاماتُ حقوق الإنسان -فيما يتعلق بالبيئة- أشدَّ وضوحًا وأكثرَ قبولًا؛ فقد اعترفت دول كثيرة بأغلب أشكال الحق في بيئة صحية، وهذا ضمن الاتفاقيات الدولية والسياسات الوطنية. وهذه الأخيرة -تحديدًا- سعت مصرُ من خلالها إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة ومعايير البيئة النظيفة، حيث جاءت هذه الجهود في صورة مبادرات وبرامج تنموية واجتماعية.
دستور مصر المستدام
في مصرَ تُوجد بعضُ الجهود المبذولة لربط حقوق الإنسان بحماية البيئة والموارد الطبيعية، حيث تَضمَّن الدستورُ المصريّ عدةَ مواد تتعلق بحقوق الإنسان في البيئة ومواردها والتنمية المستدامة وأهدافها، مثل المادة رقم (78) التي تلتزم بحماية البيئة والموارد الطبيعية لنا وللأجيال القادمة، وتكفل للمواطنين حقَّ المسكن الملائمِ والآمنِ والصحيّ، مع مراعاة الخصوصية البيئية؛ حتى تتحسنَ نوعيةُ حياة المواطنين. وكذلك المادة رقم (79)، التي تؤكد حقَّ كل مواطن في غذاء صحيّ وكافٍ، وماء نظيف، كما تكفل مصرُ -بهذه المادة- السيادةَ الغذائيةَ بشكل مستدام، وتضمن للمواطنين الحفاظَ على التنوع البيولوجيّ الزراعيّ، والحفاظ على أصناف النباتات المحلية.
وهذا التوجه الدستوريّ أصبح واقعًا ملموسًا في صورة جهود متعددة لتطوير السياسات البيئية والقوانين ذات الصلة، بالإضافة إلى تنفيذ بعض مشروعات توليد الطاقة المتجددة، وتفعيل مبادرات تحسين جودة المياه والهواء. ومن هنا، جاء الهدف الخامس من أهداف “رؤية مصر 2030″، المتعلق بالاستدامة البيئية باعتبارها نظامًا بيئيًّا متكاملًا ومستدامًا، والذي ينصُّ على حفظ موارد البيئة عن طريق الاستهلاك المستدام.
التحديات والحلول
هناك -بالطبع- تحديات في كل بلد من بلدان العالم تواجه استراتيجيات التحول الأخضر في كل المجالات، ومِن أكبر هذه التحديات ندرة المياه؛ فإنَّ دولًا عديدةً تواجه نقصًا في المياه الصالحة للاستخدامات الزراعية والصناعية، وغيرها من الاستخدامات الضرورية. وهذا التحدي يطرح أهمية استخدام تقنيات تحلية المياه، وتعزيز الوعي بأهمية ترشيد استهلاك المياه من خلال وسائل الإعلام، أو من خلال المبادرات المجتمعية.
ومِن بين تحديات حقوق الإنسان في مجال البيئة والاستدامة: التغيُّر المناخيّ الذي يَحُولُ دون تنفيذ كل صور حقوق الإنسان في هذا المجال المهمّ؛ لذا علينا أنْ ننتقل إلى مصادر طاقة نظيفة، وأنْ نعمل على تقليل الانبعاثات الغازية الضارة، وهذا ما لمسنا بعضَ خطواته في عام 2022، حيث استطاعت الرئاسة المصرية لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين -في مدينة شرم الشيخ- أنْ توجِّه أنظارَ المجتمع الدوليّ إلى قضايا مناخية ذات بُعدٍ إقليميّ ودوليّ، كان منها قضية التحول الأخضر، أو زيادة الطاقة النظيفة في مزيج الطاقة العامّ.
هناك فعَّلت مصرُ مبادراتٍ بيئيةً وتنمويةً ذات شأنٍ في مواجهة تغيُّر المناخ، ومنها -على سبيل المثال- مبادرة “دليل شرم الشيخ للتمويل العادل”؛ التي تُحفز المؤسسات الدولية المَعنية والدول الصناعية الكبرى على تمويل مشروعات التكيف مع آثار التغيُّرات المناخية.
هذه مجرد أمثلة للتحديات في مجال حقوق الإنسان البيئية والتنموية، وهي تحديات تحتاج إلى تعاون بين القطاعينِ العامّ والخاصّ. من المهم -أيضًا- تحديد سياسات بيئية فعَّالة، وتطبيقها بشكل صارم، بالإضافة إلى تشجيع الابتكار التكنولوجيّ؛ للمساعَدة على تطوير حلول مستدامة، حتى يتمتع كل المواطنين بحقوق بيئية. كما تلعب التوعيةُ دورًا مهمًّا في تعديل السلوكيات وتغيير الممارسات؛ فيصبح استخدامُ الموارد حينئذٍ أكثرَ استدامةً.
عناصر حقوق الإنسان البيئية والتنموية
يجب على دول العالم أنْ تتخذ عددًا من الخطوات التنفيذية في أرض الواقع؛ لأجل أنْ يكون حقُّ الحياة -بصورة صحية ومستدامة- شاملًا وعادلًا. ومن هذه الخطوات رصد نوعية الهواء، وقياس مدى تأثير ملوِّثاته في صحة الإنسان، ثم تقييم مصادر هذه الملوِّثات، ومعالجتها بكل الأساليب العلمية المبتكَرة؛ لذا هناك دول كثيرة تمضي قُدمًا نحو تحسين أدوات رصد الهواء، ومنها مصر، حيث إنها تعمل على قياس ورصد الهواء في محافظات الجمهورية كافةً، من خلال “الشبكة القومية لرصد ملوثات الهواء المحيط”.
تعمل الشبكة القومية لرصد ملوثات الهواء المحيط باعتبارها أداةً أساسيةً لتجميع بيانات ومعلومات عن نوعية الهواء، ثم تحليل هذه المعلومات والبيانات لتقديم صورة موضوعية عن جودة الهواء في مصرَ؛ حتى يمكننا مقارنتها في ما بعدُ بالمعايير الدولية.
إنَّ مشروعاتِ ومبادراتِ مصر في مجال الحقوق البيئية والاستدامة خطوةٌ واقعيةٌ كان صداها كبيرًا، ليس على المستوى الإقليميّ فحسب، وإنما على المستوى الدوليّ أيضًا؛ فعلى المستوى الإقليميّ تظل إسهامات مصر في “أجندة إفريقيا 2063” حاضرةً من خلال رئاسة منظمة النيباد. وعلى المستوى الدوليّ نجد جهود مصر في مجال الزراعة المستدامة محلَّ اهتمامِ المؤسسات الدولية المَعنية، مثل “مجلس المستقبل العالميّ”، الذي اعترف في عامِ 2019 بجهود مصر البيئية، خاصةً مشروعات الإيكولوجيا الزراعية.
وفي النهاية، أرى أنَّنا في مصرَ نسير على طريق مستدام، وقد بدأت ثماره في النضوج. وإنني على يقين من أنَّ قادمَ الأيامِ سيكشف أكثر فأكثر عن قدرات مصر التنموية، وأنها محل ريادة في الحقوق البيئية بين البلدان العربية كلها، كما أنها قلب إفريقيا النابض.