قضايا الاستدامة الثلاثة الأهم في صناعة التعدين
قضايا الاستدامة الثلاثة الأهم في صناعة التعدين
سيتطلب التحول من الوقود الأحفوري نحو البدائل الخضراء مزيدًا من التعدين ومعالجة الموارد المعدنية غير المتجددة، حيث ستكون هناك حاجة إلى ما يقارب الثلاثة مليارات طن من المعادن –سواء المواد الخام أم المواد النقية– لتوسيع الاعتماد على مصادر الطاقة المتجددة، مثل: طاقة الرياح، والطاقة الشمسية، والطاقة الحرارية الأرضية، فضلًا عن الحاجة إلى منشآت عملاقة لتخزين تلك الطاقة، وذلك كله سعيًا إلى تحقيق هدف اتفاقية باريس، وهو الحد من الاحتباس الحراري دون مستوى درجتينِ.
ونظرًا إلى التأثير التبعي لسياسات التحول الأخضر في صناعة التعدين -من خلال الطلب المتزايد على كثير من العناصر- فإنَّ من الأهمية بمكان أنْ نتحول بهذه الصناعة إلى الاستدامة. وفيما يأتي ثلاث قضايا متعلقة بالاستدامة يتعين على شركات التعدين مراعاتها، استجابةً للتحديات البيئية والمناخية المتزايدة.
الاستدامة باعتبارها مشكلة بيانات
إننا في عصر يمكن أن نطلق عليه عصر «الشعارات»، مِن سياسات وتعهدات وحملات ترويجية وحفلات تكريمية، تفخر كل شركة بما حققته في ملفات الاستدامة، وذلك دون اختبار حقيقة ومدَى تأثير هذه النتائج، كما أن المؤسسات الخاصة بتصنيف الشركات ربما تختلف فيما بينها حول تصنيف شركات القطاع نفسه.
مثلما طوَّرَتِ المحاسبةُ الماليةُ مجموعةً من البروتوكولات والمبادئ التوجيهية لتحديد ماذا وكيف يتم الإبلاغ عن المعلومات المالية، فإننا نشهد تطويرَ بروتوكولات البيانات المتعلقة بالاستدامة، ومنها -على سبيل المثال- البروتوكولات الخاصة بحساب الغازات الدفيئة بشكل فعلي، مع تقنيات قياس متطورة تقيس انبعاثات الكربون.
سيظل تتبع الكربون مهمًّا بكل تأكيد، لكن الطلب على البيانات المتعلقة بالبيئة والمناخ سيزداد حتى يشمل دوائرَ التأثير الأوسع، محاولةً لفهم تغير المناخ باعتباره قضيةً صحيةً في المحيط الحيوي تؤثر في عناصره مِن الماء، والهواء، والتنوع البيولوجي، والنفايات.
وكما لأنظمة البيانات المالية الكبيرة مِن طرق لجمع المعلومات وتصنيفها والتبليغ عنها لتلبية متطلبات إعداد التقارير، فهناك حاجة إلى بناء مقاييس مماثلة من الأنظمة؛ لضمان مناهج موحدة لجمع البيانات وإعداد التقارير الخاصة بالمعايير البيئية في صناعة التعدين.
شهادات الكربون وتأثيرها المزدوج
شهدت قمة المناخ في شرم الشيخ «COP27» عددًا من الالتزامات التي جعلت من سوق شهادات الكربون آليةً رئيسيةً للحد من الانبعاثات، وطريقًا لتحويل الأموال من البلدان المتقدمة إلى البلدان النامية، وعلى الرغم من أنَّ التدفقات الكبيرة لرأس المال -المرتبط بسوق الكربون الطوعي- ستحدث في ظل هذه السياسة، فإنَّ شركات التعدين -التي ستدخل هذا السوق- يجب عليها الخضوع لمزيد من التدقيق والفحص؛ لفهم طبيعة وجودة أي شهادات كربون يتم شراؤها؛ فحسب كثير من التحقيقات تشير الأرقام إلى أنَّ 10 – 15٪ فقط من شهادات الكربون تمثل انخفاضًا حقيقيًّا للانبعاثات؛ وبالتالي ستكون شهادات الكربون ذات الجودة الرديئة خطرًا مؤثرًا في سمعة الشركات.
بالإضافة إلى كونها خطرًا، فإنَّ التطورات الحديثة -وكذلك فهم «تمعدن الكربون» في نفايات المناجم “tailings”- قد سلطت الضوء على إمكان خفض الكربون عن طريق هذه النفايات. نقصد بـ «تمعدن الكربون» تحويل ثاني أكسيد الكربون إلى أحجار، وهذا عن طريق تقنية ثورية تعمل على إسالة الغاز، ثُمَّ خلطه بمعادن أخرى مثل الماغنسيوم والكالسيوم، أو الحديد في صخور البازلت؛ ليبدأ ثاني أكسيد الكربون بعد ذلك في عملية التصلب.
إنَّ تطوير هذه التقنية الثورية -حيث يتمعدن ثاني أكسيد الكربون بشكل سريع- قد يفتح الفرصة لكثير من شركات التعدين لتوليد إيرادات عن طريق التقاط الكربون المنتج في أثناء عملياتها.
دور أكبر للتمويل المختلط
نقصد بهذا استخدام الأموال العامة أو الخاصة، لإزالة المخاطر التي قد تؤثر في تحقيق نتائج الاستدامة، وهذا من خلال الجمع بين التمويل الميسر والتمويل التجاري؛ وهي آلية يحتمل استخدامها بشكل متزايد لنشر المزيد من التدفقات النقدية. يتضح هذا الاحتمال من خلال الدعوات الداعية إلى تفعيل المادة (6) من اتفاقية باريس، لتحفيز التمويل المختلط في العالم النامي للوفاء بالتزامات المؤسسات، وذلك بدعم من المؤسسات البنكية الدولية.
لدى صناعة التعدين فرصة لتعظيم قيمة الأدوات المالية الجديدة التي تلبي أهداف الاستدامة المحددة مسبقًا، إلا إنَّ التنفيذ سيتطلب قياسًا دقيقًا للأثر وتعميقًا أكبر للشراكة بين قطاع التعدين وقطاع التمويل الذي يركز على الاستدامة، كما سيكون مشغلو المناجم مسئولين عن بناء الشراكات التي تخلق مجالًا لتقدير الأثر الدقيق لأعمالهم، ومراقبته وتقييمه.
ومع استمرار التكنولوجيا في اللحاق باحتياجات الصناعة، سيكون من الضروري لشركات التعدين العثور على الطريقة المناسبة للقياس الكمي الدقيق لتأثيراتها، سواء في موقع العمل، أم في المجتمعات المحيطة، وحتى الكوكب كله؛ لإعطاء صورة حقيقية عن مدَى تأثير هذا القطاع في البيئة، ومدَى التقدم في الحد من هذا التأثير.