طائرات مسيرة بين الحرب والمناخ

طائرات مسيرة بين الحرب والمناخ
في خضمّ التصعيدات المتلاحقة في منطقة الشرق الأوسط، ووسط تعقيدات الحرب التي تتصدر مشهدها إسرائيل وإيران، لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تقنية، وإنما تحول إلى فاعل رئيسي في ساحات المعارك. وفي هذا السياق، تظهر الطائرات المسيرة، المحكومة بخوارزميات الذكاء الصناعي، باعتبارها أداة قادرة على تغيير موازين القوى، ليس فقط من حيث الدقة والسرعة، وإنما أيضًا من زاوية أقل تداولًا، وهي البصمة البيئية.
ففي الوقت الذي يُنظر فيه إلى هذه الطائرات على أنها أدوات حرب مدمرة، بدأت شركات رائدة مثل (Zipline) و (Aerialoop)في تحويل هذا السلاح إلى وسيلة تخدم أهدافًا إنسانية وبيئية، على غرار توصيل الأدوية وتقليل الانبعاثات؛ فهل يمكن حقًا إعادة توظيف هذه التكنولوجيا من ساحة القتال إلى مسارات التنمية المستدامة؟ وهل للطائرات المسيّرة دور في خفض الكربون؟ سوف تجيب حماة الأرض عن هذه الأسئلة في هذا المقال؛ فتابعوا القراءة.
طائرات مسيّرة تنقذ الأرواح
في الوقت الذي تتسارع فيه الأزمات المناخية، تقود شركة (Zipline) مبادرة تبرز الجانب الإنساني والبيئي للطائرات المسيّرة؛ ففي دراسة حديثة نشرتها الشركة بعنوان: “استدامة الخدمات اللوجستية الجوية الذاتية”، أكدت أن استخدامها للطائرات المسيّرة في إيصال الأدوية الطارئة قلل الانبعاثات الكربونية بنسبة مذهلة بلغت 98% مقارنة بالسيارات التقليدية.
وتُظهر الدراسة أن هذه التقنية تُستخدم في رواندا ضمن دائرة قطرها 80 كم حول مستودعات طبية مركزية، ويعني ذلك أن كل رحلة جوية تحمل جرعة علاج قد تكون هي الفارق بين الحياة والموت، وكل كيلوجرام من الكربون يتم توفيره هو خطوة نحو مستقبل أكثر استدامة.
تنبع أهمية الدراسة من رسالتها الأعمق، التي تؤكد أنه يمكن استخدام الذكاء الاصطناعي والطائرات المسيّرة في تعزيز أنظمة الصحة العامة وتحقيق العدالة المناخية، بدلًا من استخدامها في حملات عسكرية مدمّرة، وبهذا لا تكون الطائرات المسيّرة مجرد أداة تكنولوجية، وإنما حلقة في منظومة يمكن إعادة تشكيلها لصالح التنمية المستدامة وتحقيق أهدافها مثل الهدف (3) “الصحة الجيدة والرفاه”، والهدف (13) “العمل المناخي”.
الطائرات المسيرة تكافح الزحام
من أمريكا اللاتينية إلى مدن الولايات المتحدة، تُعيد شركة (Aerialoop) رسم ملامح النقل الحضري، ليس عبر الطرق، وإنما عبر السماء، حيث تستخدم الشركة طائرات كهربائية عمودية الإقلاع والهبوط (VTOL) لتوصيل الطرود، وتُسيّر رحلاتها ضمن ممرات جوية مخصصة، متجاوزة الاختناقات المرورية التي تستنزف وقت السكان وتزيد من انبعاثات الكربون.
وتُقدّم (Aerialoop) رؤيتها المستقبلية من خلال التركيز على المدن المكتظة، حيث تتفاقم التحديات البيئية واللوجستية، وتتمثل رؤيتها في أن التكنولوجيا ليست فقط وسيلة لتحقيق الأرباح أو تسريع الخدمات، وإنما مسئولية أخلاقية نحو المجتمعات والبيئة.
وفي هذا السياق، تتحول الطائرات المسيّرة إلى أدوات “عدالة مناخية”، خصوصًا في المناطق التي تعاني من نقص البنية التحتية أو من آثار التمدد العمراني العشوائي، ومن خلال الاعتماد على الطاقة النظيفة، تُقدم هذه الطائرات بديلًا أخضر لممارسات النقل التقليدية المعتمدة على الوقود الأحفوري، وهذا التوجه يُعزز من إمكانية تحقيق أهداف التنمية المستدامة المرتبطة بالنقل المستدام، والمجتمعات المستدامة.
هل كل طائرة مسيرة تفيد التنمية المستدامة؟
رغم التفاؤل المحيط بالطائرات المسيّرة، يحذر خبراء مثل “كونستانتين ساماراس” و”جوشواه ستولاروف” من التعميم المفرط؛ ففي دراسة نشراها بعنوان: “توصيل الطرود عبر الطائرات المسيّرة قد يكون جيدًا للبيئة”، يشيران إلى أن الأمر يعتمد على عوامل متعددة مثل نوع الطائرة، وحجم الشحنة، ونطاق الرحلة، والبنية التحتية المطلوبة لتشغيل هذا النظام.
ففي بعض الحالات، يكون استخدام طائرات مسيّرة صغيرة الحجم وذات بطاريات نظيفة أكثر كفاءة من الشاحنات العاملة بالديزل، غير أنه في حالات أخرى، وخاصة عندما تكون الشحنات كبيرة، فإن الاعتماد على طائرات مسيرة يتطلب مراحل متعددة من النقل، وافتتاح مستودعات جديدة تستهلك طاقة إضافية؛ مما قد يقلل من المكاسب البيئية.
كما أن تصنيع البطاريات -رغم خلوها من الانبعاثات أثناء التشغيل- يولّد كميات كبيرة من ثاني أكسيد الكربون أثناء الإنتاج، وهذا ما يستدعي التفكير في دورة الحياة الكاملة لكل وسيلة نقل، وليس فقط لحظة تشغيلها؛ لذلك تتطلب دراسة دقيقة لكل نظام، ومراعاة التوازن بين الأداء البيئي والكفاءة اللوجستية، بما يتفق مع أهداف التنمية المستدامة بطريقة علمية واقعية.
كيف تخدم الطائرات المسيّرة الأهداف المناخية للشركات؟
في إطار التزامها بالوصول إلى صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2040، بدأت شركة (Walmart) في استخدام الطائرات بدون طيار لتوصيل الطلبات في المرحلة الأخيرة من سلسلة التوصيل داخل سبع ولايات أمريكية. وتستهدف هذه الخدمة بشكل خاص الطلبات الطارئة أو المتأخرة، مثل توصيل البقالة في اللحظات الأخيرة، والتي تُعد السبب الأكثر شيوعًا للرحلات غير المخطط لها بالسيارات، بحسب 43% من عملاء الشركة.
من خلال هذا التوجه، تُحاول (Walmart) تقليص الاعتماد على النقل التقليدي، وتوفير بدائل سريعة ومستدامة تُرضي العملاء وتُحقق أهدافها البيئية في آن واحد، غير أن ما يميز هذه الخطوة ليس فقط بعدها البيئي، وإنما أيضًا بعدها الاجتماعي؛ إذ تتيح هذه التكنولوجيا الفرصة لسكان المناطق النائية أو المحرومة للوصول إلى خدمات سريعة وموثوقة؛ مما يفتح الباب أمام عدالة توزيع الخدمات والتقليل من الفجوات بين الفئات الاجتماعية، وهكذا تصبح الطائرات المسيّرة أداة جديدة في يد شركات القطاع الخاص لدعم التحول المستدام، إذا ما تم توجيهها بالشكل الصحيح وتحت إشراف تشريعي يضمن التوازن بين الأرباح وحماية الكوكب.
وما بين الاستخدامات العسكرية والتطبيقات المدنية، تظل الطائرات المسيّرة سلاحًا ذا حدين؛ فقيمتها تتحدد بحسب الغاية التي تُسخّر من أجلها، وعندما تُوجَّه هذه الأدوات الذكية لإنقاذ الأرواح، وتوصيل الأدوية، وتقليل الانبعاثات الكربونية، فإنها تتحول إلى أداة لخدمة الإنسانية وتعزيز قدرتها على مواجهة أزمة المناخ؛ ولذلك تدعو حماة الأرض إلى إعادة توجيه استخدام هذه التكنولوجيا نحو مسارات تحفظ الحياة وتدعم العدالة البيئية، لا تلك التي تزرع الخوف والدمار.






