كيفَ سيُؤثِّرُ التحوُّلُ الأخضرُ على المناخِ والبِيئَة
دراسةٌ جديدةٌ تُسلِّطُ الضَّوْءَ على الجَوانبِ السَّلبيَّةِ للتحوُّلِ البطِيءِ إلى الطاقةِ المُتجددَة
كيفَ سيُؤثِّرُ التحوُّلُ الأخضرُ على المناخِ والبِيئَة
لا أحدَ يَختلفُ على القاعدةِ العامَّةِ التي تَقولُ أنَّه «لا شيءَ بالمَجَّان»، وهو الأمرُ الذي سيَسْرِي بكلِّ تأكيدٍ على عمليةِ تحويلِ نظامِ الطاقةِ العالميِّ بعيدًا عَنِ الوَقود الأُحفوريِّ إلى مصادرَ مُتجدِّدَة، ليسَ فقطْ على الناحيةِ الاقتصاديةِ كمَا قد يظُنُّ البعضُ ولكنْ أيضًا على النواحي البِيئيَّة المُختلفة.
عمليةُ التحوُّلِ الأخضرِ سيَتَوَّلدُ عنْها بحدِّ ذاتِها انبعاثاتٌ كربونيةٌ ضَخمَة، حيثُ إنَّ عملياتِ إنشاءِ توربيناتِ الرِّياحِ والألواحِ الشمسيةِ والبِنْيَةِ التحتيَّةِ الجديدةِ الأخرى كلَّها عملياتٌ تَستهلكُ الطاقة، والتي سيَأتِي جزءٌ كبيرٌ منها بالضَّرورةِ مِنَ الوَقودِ الأُحفوريِّ الذي نسعَى للتخلُّصِ منه، ولكنَّ الخبرَ السَارَّ هُنا أنَّهُ إذَا أَمْكنَ وضعُ هذهِ البِنيةِ التحتيةِ الجديدةِ لمصادرِ الطاقةِ المتجددةِ في العملِ بشكلٍ سريع، فإنَّ هذهِ الانبعاثاتِ ستَنخفضُ بشكلٍ كبير؛ لأنَّ المزيدَ مِنَ الطاقةِ المتجددةِ في وقتٍ مبكرٍ سيَعني وَقودًا أُحفوريًّا أقلَّ بكثيرٍ لاستكمالِ عمليةِ التحوُّل.
ولتسليطِ الضوءِ على هذِهِ القضيَّة، نُشرَتِ دراسةُ في نوفمبر الماضي في مجلة Proceedings of the National Academy of Sciences، لتناقشَ التأثيراتِ البيئيةَ لعمليةِ التحولِ الأخضر.
تسليطُ الضَّوْءِ على الجانبِ المَنسِي
قالَ الباحثُ الرئيسيُّ للدراسةِ والطالبُ في مَرصَدِ لامونت دوهرتي الأرضي التابعِ لمدرسةِ كولومبيا للمناخ «كوري ليسك»، والذي أجرَى البحثَ كطالبِ دكتوراه: «الرسالةُ هيَ أنَّ إعادةَ بناءِ نظامِ الطاقةِ العالميِّ سيَحتاجُ في حدِّ ذاتِه إلى طاقة، ونحنُ بحاجةٍ إلى حسابِ ذلك، فمَهْمَا كانَتِ الطريقةُ المستخدمةُ في تحويلِ النظامِ العالميِّ للطاقةِ سيَظلُّ لذلكَ تأثيرٌ نحتاجُ لتقديرِهِ وبحثِ كيفيَّةِ الحدِّ منه».
وقامَ الباحثونَ المشاركونَ في الدراسةِ بحسابِ الانبعاثاتِ المُحتملةِ الناتجةِ عَنِ استخدامِ الطاقةِ في التعدين، والتصنيع، والنقلِ والبناء، والأنشطةِ الأخرى اللازمةِ لإنشاءِ مزارعَ ضخمةٍ مِنَ الألواحِ الشمسيةِ وتوربيناتِ الرياح، إلى جانبِ المزيدِ مِنَ البِنيةِ التحتيةِ المحدودةِ للطاقةِ الحراريَّةِ الأرضيَّةِ ومصادرِ الطاقةِ الأخرى.
الأبحاثُ السابقةُ توقَّعَتْ تَكلِفةَ البِنيةِ التحتيةِ للطاقةِ المتجددةِ بقيمة «3.5 تريليون» دولارٍ سنويًّا حتى عام 2050 للوصولِ إلى صافي انبعاثاتٍ صفرية، أو ما يَصلُ إلى حوالي «14 تريليون» دولارٍ للولاياتِ المتحدةِ وحدَها في نفسِ الفترة، إلَّا إنَّ هذهِ الدراساتِ ركَّزَتْ على التكلفةِ الماليَّةِ للتحوُّلِ الأخضر، ولكنْ ماذَا عَنِ التَّكلِفةِ البيئية؟ على ما يبدُو أنَّ الدراسةَ الجديدةَ التي نتحدَّثُ عنْها هيَ الأُولَى التي سَلَّطَتِ الضَّوءَ على الكميَّاتِ المُتوقعةِ للغازاتِ الدفيئةِ التي سَتُنتجُ عنْ ذلكَ وَفقًا للوتيرةِ البطيئةِ الحاليةِ لتطويرِ البِنيةِ التحتيَّةِ للطاقةِ المتجددة.
يُقدِّرُ الباحثونَ أنَّ عمليةَ التحوُّلِ الأخضرِ سَتُنتج «185 مليار» طنٍّ من ثاني أكسيدِ الكربون بحلول عام 2100، وهذا وحدهُ يُعادلُ خمسةَ أو ستةَ سنواتٍ مِنَ الانبعاثاتِ العالميةِ الحالية، وهو عِبْءٌ ثقيلٌ جدًّا على الغلافِ الجوِّي.
ومعَ ذلك، فإذَا بَنَى العالمُ البِنيةَ التحتيةَ بالسرعةِ الكافيةِ للحدِّ من ارتفاعِ درجةِ الحرارة؛ فإنَّ هذهِ الانبعاثاتِ ستَنخفضُ إلى النصفِ تقريبًا أو «95 مليار» طن. وإذا تمَّ اتباعُ مسارٍ طَموحٍ حقًّا؛ للحَدِّ مِنَ الاحترارِ العالميِّ عندَ 1.5 درجة؛ فإنَّ التكلفةَ ستكونُ «20 مليار» طنٍّ فقط بحلولِ عام 2100 لاستكمالِ البِينةِ التحتيةِ للتحوُّلِ الأخضر، أي ما يُعادلُ ستةَ أشهرٍ فقطْ أو نحوَ ذلكَ مِنَ الانبعاثاتِ العالميةِ الحالية.
كيفَ ستُؤثِّرُ عمليةُ التحوُّلِ الأخضرِ على البِيئة؟
يُشيرُ الباحثونَ إلى أنَّ جميعَ تقديراتِهم رُبَّما تكونُ منخفضةً جدًّا؛ وذلكَ لأنَّهم لا يَأخذونَ في الحُسبانِ الموادَّ الخامَ اللازمةَ ولا آليَّاتِ البناءِ المطلوبةِ لعملِ خُطوطِ نقلِ الكهرباءِ الجديدة، ولا البطاريَّاتِ التي ستُستخدَمُ للتخزين، وكلاهُما منتجاتٌ كثيفةُ الاستهلاكِ للطاقةِ والموارد، كمَا أنَّ الدراسةَ لا تَشملُ تَكلفةَ استبدالِ المركباتِ التي تعملُ بالبنزينِ والسولارِ بأُخرَى كهربائيَّة، أو جعلِ المباني القائمةِ أكثرَ كفاءةً في استخدامِ الطاقة، كما أنَّ الدراسةَ تبحثُ في انبعاثاتِ ثاني أكسيد الكربون فقط، والتي تُسبِّبُ حاليًا حوالي 60 في المائةِ مِنَ الاحترارِ العالميِّ المستمر.
مِنَ الصَّعبِ تحديدُ الآثارِ الأخرى للانتقالِ إلى مصادرِ الطاقةِ المتجددة، ولكنَّها قد تكونُ كبيرَة، فالتحوُّلُ للمواردِ المتجددةِ مِنَ الطاقةِ يَتطلَّبُ عددًا كبيرًا مِنَ المُعدَّاتِ والأجهزةِ الجديدةِ عاليةِ التقنيةِ والتي ستطلَّبُ بدورِها كمياتٍ هائلةً مِنَ المعادنِ الأساسيَّة، بَما في ذلكَ النُّحاسُ والحديدُ والنيكل، كما ستَتطلَّبُ عناصرَ نادرةً أقلَّ استخدامًا في السابقِ مِثلَ الليثيوم والكوبالت والإيتريوم والنيوديميوم.
مِنَ المُحتملِ أنْ تأتيَ العديدُ منْ هذهِ الموادِّ الخامِ سابقةِ الذكرِ مِنْ أماكنَ ذاتِ بيئاتٍ هشَّةٍ لمْ تصلْ إليها يَدُ الإنسانِ بَعد، بمَا في ذلكَ أعماقُ البحار، والغاباتُ الأفريقية، ومنطقةُ جرينلاند سريعةُ الذَّوَبَان. ستَستهلِكُ الألواحُ الشمسيةُ وتوربيناتُ الرياحِ بشكلٍ مباشرٍ مساحاتٍ شَاسِعةً مِنَ الأرض، معَ مَا يُصاحبُ ذلكَ منْ تأثيراتٍ محتملةٍ على النظمِ البيئيةِ والأشخاصِ الذين يَعيشونَ هناك.
وكجزءٍ مِنَ الدراسة، نظر «ليسك» وزملاؤه أيضًا في انبعاثاتِ الكربونِ الناتجةِ عَنِ التكيُّفِ معَ ارتفاعِ مستوى سطحِ البحر، حيثُ وجدُوا أنَّ بناءَ الجُدرانِ البحريةِ ونقلَ المدنِ إلى الداخلِ عندَ الضرورةِ يمكنُ أنْ يُولِّدَ مليارَ طنٍّ منْ ثاني أُكسيدِ الكربونِ بحلولِ عام 2100 بموجبِ سيناريو الدرجتَيْن، وهذَا -مرة أخرى- لنْ يكونَ سوى جزءٍ منْ تكلفةِ التكيُّفِ معَ التغيُّراتِ المناخية.
الدراسةُ خَلَصَتْ إلى أنَّ عمليةَ التحوُّلِ الأخضرِ قدْ لا تكونُ خضراءَ في حدِّ ذاتِها، فعلى الرغمِ منْ حَتميَّةِ اللجُوءِ إلى التحولِ الأخضر؛ لخفضِ الانبعاثاتِ والحدِّ مِنَ الاحترارِ العالمي، إلَّا إنَّ عمليةَ التحوُّلِ البطيئةِ سيكونُ لها أثرٌ كبيرٌ في الانبعاثاتِ المتولدةِ خلالَ المَراحلِ المُختلفةِ للتحوُّل؛ لذا، فمِنَ المُهِمِّ جدًّا تبنِّي سياساتٍ تُسرِّعُ منْ عمليةِ التحوُّلِ الأخضر، ودراسةُ الآثارِ البيئيةِ بشكلٍ عميق؛ للحَدِّ منْ أيِّ ضررٍ على البيئة.