مؤتمر شرم الشيخ.. وعلى البيئة السلام
بقلم الدكتور محمد الخياط رئيس هيئة الطاقة الجديدة والمتجددة
مؤتمر شرم الشيخ.. وعلى البيئة السلام
تحتاج الأرض من يحميها منا نحن البشر؛ من ذلك الإنسان الذي جعله الله خليفته في الأرض ليعمِّرها!
تخيل معي سيدي القارئ اللحظة الأولى للإنسان الأوَّل على سطح هذا الكوكب، وما كان عليه كوكب الأرض من توازن فريدٍ خلقه بديع السماوات والأرض، لحظة لم تتكرر؛ فلم يكن الإنسان قد مس شيئًا مما عليها، لا قطَع زهرة، ولا نبتةً، ولا اصطاد طائرًا أو حيوانًا، ولا اصطاد سمكة.. لحظة نورانيَّة، اتَّزنت فيها كل عناصر الطبيعة: من نبات، وحيوان، وجماد، فوقَ الأرض وتحت الأرض.
باكتشاف النار عرف الإنسان الأول الطَّهي، وارتفع معدل استهلاكه من السعرات الحرارية بمقدار ثلاثة أضعاف.. وبالمحاولة والخطأ عرف الزراعة البِدائيَّة، وارتفعت معدلات استهلاكه من السعرات إلى ستة أضعاف، وهكذا دائمًا صار عهد الحضارة الإنسانية، كلما تقدَّمت خطوة للأمام ارتفعت معدلات الاستهلاك، حتى وصلنا إلى إنسان العصر الحالي -أو ما يطلق عليه إنسان التكنولوجيا Technological Man- ليصل متوسط استهلاكه من السعرات الحرارية 230 ألف سعر حراري؛ 115 ضعف ما بدأ الإنسان الأول؛ ألفي سعر حراري، وكانت النتيجة الطبيعية لمثل هذا الاستهلاك المفرط، اختلال التوازن البيئي.
فأخذت بعض الحلول تُطرح على طاولات الاجتماعات وفضاءات الحوارات والدراسات الأكاديميَّة والعامة، من قبيل زيادة الاعتماد على المصادر المتجدِّدة، وتحسين كفاءة استخدام الطاقة، وترشيد الطاقة، وإعادة تدوير النفايات، والحياد الكربوني… وغيرها من الآليَّات والسياسات.
وفي خضم هذا الحِراك، يعقد بعد أسابيع قليلة مؤتمر الأطراف السابع والعشرين في شرم الشيخ COP27، حدَث عالمي بنكهة إفريقية على أرض المحروسة، حدث يعبر عن مستوى صدق الإرادة العالمية تجاه قضايا المناخ.
جهد كبير يبذل داخليًّا وخارجيًّا؛ لإنجاح الحدث الأبرز بيئيًّا من كل عام، خاصة أنه يأتي في توقيت بالغ الصعوبة؛ بعد عامين من الركود العالمي جراء جائحة كورونا، تلتهما حرب روسية-أوكرانية، تركت آثارها على كل بيت في العالم، فلم ينجُ منها أحد! وتباطؤ اقتصادي يتدحرج ككرة ثلج، لا يبدو أنها ستتوقف قريبًا! خفضت البنوك المركزية من قيمة عملتها، فيما يمارس التضخم عادته السيئة، ويرفع الأسعار.
من هنا، يُنتظر أن تكون قمة المناخ القادمة الأصعب في ضوء العديد من الدلالات؛ حرب طاقة بين روسيا وأوروبا ألقت بموجبها أوروبا نظَّارتها الخضراء، وارتدت عوضًا عنها أخرى فحميَّة اللون!
من دون مواربة، تتحرك أوروبا طاقويًّا طبقًا لموجبات غريزة البقاء دون اعتبار لشيء آخر.. فدلالات الأزمة صيفًا تُنذر بعواقب وخيمة شتاءً، ومزيد من التفريط بيئيًّا.
اقتراع البرلمان الأوروبي أوائل يوليو لمنح مشروعات الغاز والطاقة النووية صفة طاقات مستدامة، يُشكِّك في مصداقية الخطط الأوروبيَّة المستقبليَّة تجاه الحياد الكربوني.
وعلى التوازي تراجع ألمانيا خطط إغلاق مفاعلاتها النووية التي كان مقررًا لها نهاية هذا العام، كما سحبت من الأرشيف ملفات استخراج الغاز الصخري بعد إغلاقه لاعتبارات بيئيَّة.
ارتفع مستوى تعقيد الأزمة بأن صاحَبَها أزمة في تدبير طاولة طعام العالم، انصبَّ التركيز على تأمين مرور ناقلات القمح الأوكراني، وكأن كلَّ العلاقة بين أوكرانيا والعالم انحصرت في تأمين حفنة قمح لكل فمٍ، وعلى أوكرانيا السلام!
أيضًا، ما زال الجميع يتذكَّر الساعات العصيبة السابقة لإعلان بيان COP26 من جلاسجو العام الماضي، وموقف الهند -ومعها الصين- تجاه تأجيل التخلُّص من الفحم.
ستؤثر كل هذه الأحداث وتبعاتها في نقاشات مؤتمر شرم الشيخ، حتى مع تولِّي الديموقراطيين رئاسة أمريكا، وتوقيع الرئيس جو بايدن على قرار العودة لاتفاق باريس الذي ألقاه سلَفُه دونالد ترامب في سلة المهملات.. فقضية المناخ في أمريكا أمر يخضع للمصالح أكثر منه التزامًا تجاه البيئة.
اختبار صعب يدخله العالم مع قمة شرم الشيخ للمناخ، فهل يكون الصوت الأعلى في صالح المناخ أم للجانب الآخر؟
.. وعلى البيئة السلام!