خطى مستدامة

عيد الأضحى 2025: من الأضحية إلى الاستدامة

عيد الأضحي

عيد الأضحى 2025: من الأضحية إلى الاستدامة

في لحظات الفرح والسكينة التي يغمرنا بها عيد الأضحى المبارك كل عام، تتجدد في قلوب المسلمين قيم الرحمة والعطاء والتضحية؛ فهذا العيد ليس مناسبة دينية تنتهي بتبادل التهاني وذبح الأضاحي،؛ فهو فرصة روحية واجتماعية لإعادة النظر في علاقتنا بالعالم من حولنا.

وبينما يحمل العيد في طياته معاني العطاء والتضامن والمشاركة، فهو أيضًا مناسبة للتفكر في مسئوليتنا الجماعية تجاه الآخرين وتجاه كوكبنا؛ لأنَّ القيم التي تُحيي العيد -من تكافل ورأفة وعدالة- تتقاطع مع أهداف التنمية المستدامة، وتدعونا إلى بناء عالم أكثر توازنًا وإنصافًا، لا يُترك فيه أحد خلف الرَّكْبِ.

ومِن هنا يتساءل كثيرون اليوم: كيف يمكن لمناسبة دينية عميقة كعيد الأضحى أن تُسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؟ وكيف يمكن أن يكون عيد الأضحى بابًا للوعي البيئي وتقليل الهدر ومساعدة الفقراء وتعزيز المجتمعات المحلية؟

ولذلك تستعرض حماة الأرض في هذا المقال سبل تحويل عيد الأضحى إلى مناسبة للاستدامة الحقيقية، في المأكل والمشرب، في النية والممارسة، في الاحتفال والعطاء؛ وليكون رحلة بين العقيدة والوعي البيئي من أجل حماية الكوكب؛ فتابعوا القراءة.

الأضحية بين الشعيرة والوعي البيئي

يُعد ذبح الأضاحي من سنن عيد الأضحى، وهو من أكثر الممارسات التي تستدعي التفكير في أثرها البيئي والاجتماعي؛ فبينما تؤكد الشعائر الإسلامية أهمية النية والإخلاص في الذبح، يدعونا المنظور المستدام للتفكر في سلاسل التوريد، وكميات المياه المستخدمة، والانبعاثات الناتجة عن تربية المواشي.

وتُعد صناعة اللحوم -وفقًا لتقارير الأمم المتحدة- من أكثر القطاعات إسهامًا في تغيّر المناخ، بسبب ما تستهلكه من مياه وما تطلقه من غازات دفيئة؛ لذا فإنَّ تحوّل عيد الأضحى إلى مناسبة لذبح أضاحي مختارة من مصادر محلية ومستدامة يسهم بكل تأكيد في تقليل البصمة البيئية، وتعزيز الاقتصاد الدائري المحلي.

أمَّا على المستوى الشخصي فتكمن الاستدامة في طريقة توزيع اللحوم من خلال الالتزام بتوزيع الأثلاث التي حثنا عليها الإسلام: ثلث للبيت، وثلث للأقارب، وثلث للفقراء؛ إذْ لا يجب أنْ يبقى ذلك التوزيع شكليًّا، بل ينبغي أنْ يتحول إلى عملية مدروسة تراعي حقيقة الاحتياج وتتفادى التكرار أو التبذير. فكم من لحوم تُرمى بعد العيد بسبب التخزين غير الصحيح أو التوزيع غير المنهجي!

الاستهلاك المسئول

وفي أجواء العيد تتسع موائد الطعام وتتلاقى العائلات، ويصبح الكرم هو اللغة السائدة. لكن الكرم الحقيقي لا يعني التبذير، بل يعني الإيثار؛ إنه كرم يُقاسُ أثره بجودة العلاقات، وبمقدار ما يصل منه إلى المحتاجين.

لذا، فإنَّ الهدف الأول من أهداف التنمية المستدامة ينصّ على القضاء على الفقر بجميع أشكاله، وفي قلب عيد الأضحى فرصة ذهبية لتحقيق هذا الهدف من خلال مبادرات فردية وجماعية لتوزيع الأضاحي، أو التبرع بالملابس، أو تنظيم ولائم للفقراء والمشردين، دون تصوير أو ترويج ذاتي.

ويمكن أنْ تتحول الأحياء والشوارع إلى ساحات حقيقية للتكافل، تُحيي سنة النبي -صلى الله عليه وسلم- في العطاء والرحمة الصادقة. وكذلك يمكن للعائلات أن تجعل من يوم العيد مناسبة لغرس قيم العطاء في نفوس الأطفال من خلال زيارة منازل الجيران المحتاجين وإهدائهم لحوم الأضاحي؛ مما يزرع في نفوسهم مبادئ المسئولية الاجتماعية.

أزياء العيد وزينة المنازل

من العادات الراسخة في الأعياد شراء الملابس الجديدة وتزيين المنازل، لكن التحدي اليوم هو كيف نحتفل دون أن نُثقل على موارد الأرض؛ فإنَّ صناعة الأزياء من أكثر الصناعات تلويثًا للمياه، كما أن الزينة البلاستيكية قصيرة العمر تنتهي غالبًا في مكبات النفايات أو في البحار.

ومن هنا يمكننا أنْ نبدأ بالموضة المستدامة في اختيار ملابس العيد؛ فماذا لو اخترنا ملابس من أقمشة طبيعية؟! وماذا لو دعَّمنا العلامات التجارية المحلية التي تحترم حقوق العمال، وتستخدم مواد صديقة للبيئة؟! وبذلك نكون قد خدمنا الهدف الثامن: العمل اللائق ونمو الاقتصاد، والهدف الثاني عشر: الاستهلاك والإنتاج المسئولين.

وأما الزينة، فبدلًا من البالونات وأشرطة البلاستيك، يمكن للأسر استخدام أوراق معاد تدويرها، أو زينة مصنوعة يدويًّا من خامات طبيعية مثل القش أو الخيش. إنها ليست فقط أجمل، بل تبقى جزءًا من الذكرى بدلًا من أن تتحول إلى نفايات عابرة.

السفر في العيد

كثير من الناس يسافرون لزيارة الأهل خلال عيد الأضحى، مما يعني حركة ضخمة تؤثر في البيئة من حيث استهلاك الوقود والانبعاثات الكربونية؛ لذا علينا اختيار وسائل نقل مستدامة، والحجز في فنادق تطبق ممارسات بيئية، مثل تقليل استهلاك المياه والكهرباء، وتشجيع إعادة التدوير.

كما يمكن أن يتحول السفر نفسه إلى درس بيئي إذا حرص الأهل على توعية الأطفال بأهمية الحفاظ على الطبيعة خلال التنقل، مثل عدم قطف النباتات البرية، أو احترام الحيوانات، أو حتى الإسهام في تنظيف الموقع بعد التنزه.

وفي الختام، تدعوكم حماة الأرض إلى أن يكون هذا العيد بداية لعادات مستدامة، تبدأ من أبسط التفاصيل: من طبقٍ نشاركه دون إسراف، إلى هدية نُهديها بدافع العطاء لا الاستهلاك، مرورًا بحديثٍ نزرع به الوعي في نفوس من حولنا؛ لأنَّ كل خطوة صغيرة نحو الاستدامة هي عبادة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى