علوم مستدامة

تقرير الأمم المتحدة 2025: هل تتحقق أهداف التنمية المستدامة في 2030؟

التنمية المستدامة

تقرير الأمم المتحدة 2025: هل تتحقق أهداف التنمية المستدامة في 2030؟

في صيف عام 2015 اجتمعت دول العالم على رؤية موحدة لمستقبل أكثر عدلًا واستدامة، تحت مظلة “أجندة 2030″، حيث تعهدت 193 دولة بتحقيق 17 هدفًا طموحًا، تمثل حجر الأساس لإنهاء الفقر، وحماية كوكب الأرض، وتعزيز السلام والازدهار. واليوم -بعد مرور عشر سنوات على هذا الالتزام التاريخي- تصدر الأمم المتحدة تقريرها العاشر عن حالة التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة، حاملة معها رسائل مزدوجة: إنجازات ملموسة غير أنَّ التحديات أكثر عمقًا، والزمن يوشك أنْ ينفد.

لذا، سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال أبرز ما كشفه التقرير الأممي الجديد، بين النجاحات التي أنقذت ملايين الأرواح، والانتكاسات التي تهدد العقود القادمة، في محاولة لرسم صورة صادقة للواقع، وتذكير العالم بأن أجندة 2030 ليست مجرد طموح، وإنما التزام لا يحتمل التأجيل.

إنجازات تبث الأمل

رغم الأزمات المتلاحقة التي عصفت بالعالم، من جائحة كوفيد-19 إلى التغيرات المناخية والنزاعات المسلحة، فإن التقرير يعكس بعض النجاحات الجديرة بالاحتفاء في سبيل تحقيق التنمية المستدامة؛ فقد انخفضت الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية بنسبة تقارب 40% منذ عام 2010، كما أُنقذت أكثر من 12.7 مليون حياة بفضل جهود الوقاية من الملاريا.

وعلى صعيد التعليم، دخل 110 ملايين طفل وشاب إضافيين إلى المدارس منذ عام 2015؛ مما يعزز فرص النمو الشخصي والمجتمعي على المدى البعيد. أما الطاقة فبات 92% من سكان العالم متصلين بالكهرباء في عام 2023، في حين شهد استخدام الإنترنت قفزة كبيرة، من 40% في 2015 إلى 68% في 2024، وهو ما فتح آفاقًا جديدة للتعليم والعمل والمشاركة المدنية.

وفي ملف المساواة بين الجنسين، تم تنفيذ 99 إصلاحًا قانونيًّا في السنوات الخمس الأخيرة لإزالة القوانين التمييزية، في حين وصلت نسبة تمثيل النساء في البرلمانات إلى 27.2% مطلع عام 2025، وهي زيادة ملحوظة وإن كانت دون التطلعات. هذه النجاحات المحلية -مهما بدت صغيرة- تمثل نماذج ملهمة يمكن البناء عليها لتسريع التقدم العالمي، إذا ما جرى تعميمها ودعمها.

حقائق موجعة

وفي المقابل، تكشف الأرقام التي وردت في التقرير عن مشهد عالمي بالغ الهشاشة؛ إذ يعيش أكثر من 800 مليون شخص في فقر مدقع، بما يعادل نحو 9% من سكان العالم، في حين يواجه قرابة مليار فرد نقصًا في مياه الشرب النظيفة، ويقيم أكثر من 1.1 مليار إنسان في مناطق عشوائية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة.

ويزداد هذا الواقع تأزمًا في ظل ما يشهده العالم من اختلالات بيئية غير مسبوقة تؤثر سلبًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث سجّل عام 2024 أعلى متوسط لدرجات الحرارة منذ بدء تسجيل البيانات، بارتفاع بلغ 1.55 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية؛ مما يضاعف المخاطر على الفئات الأكثر هشاشة.

أهداف التنمية المستدامة

أما على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي فلا تقل الصورة قتامة؛ إذ أودت الصراعات المسلحة بحياة نحو 50 ألف شخص خلال عام واحد، وتسببت في نزوح أكثر من 120 مليون إنسان قسرًا من مناطقهم. وفي الوقت ذاته، تُثقل كاهل الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط أعباء ديون غير مسبوقة، بلغت 1.4 تريليون دولار في عام 2023، وهو ما يهدد استقرارها الاقتصادي ويحدّ من قدرتها على الإنفاق في مجالات حيوية كالصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.

وتظل النساء من بين أكثر الفئات تضررًا؛ إذ يقمن بـ2.5 ضعف الأعمال المنزلية غير المدفوعة مقارنة بالرجال، ما يقلّص فرص مشاركتهن الاقتصادية ويعمّق فجوات العدالة بين الجنسين. وفي ظل هذه الأزمات المتشابكة، جاء عام 2024 ليشهد انخفاضًا بنسبة 7.1% في حجم المساعدات الإنمائية الرسمية، مع توقعات باستمرار هذا التراجع في 2025، الأمر الذي ينذر بتوقف أو تراجع العديد من البرامج التنموية في البلدان النامية.

جهود أهداف التنمية التنمية المستدامة

وبالنظر إلى هذه التحديات وتلك الفجوات هل تكفي السنوات الخمسة القادمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة؟ وتجيب الأمم المتحدة عن ذلك فتقول: نعم، بشرط أنْ تتحرك الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني بسرعة واستدامة، وأن تُعطى الأولوية للعمل الجماعي الطويل الأمد بدلًا من الحلول المؤقتة.

ولذلك لا يكتفي تقرير الأمم المتحدة بوصف الأزمة، وإنما يقدم خريطة طريق لإنقاذ السنوات الخمس المتبقية حتى عام 2030، حيث يدعو التقرير إلى تسريع العمل في ست مجالات ذات أولوية، هي: نظم الغذاء، الوصول إلى الطاقة، التحول الرقمي، التعليم، الوظائف والحماية الاجتماعية، والعمل المناخي، وحماية التنوع البيولوجي.

ويشدد التقرير على ضرورة تحسين أنظمة البيانات باعتبارها الأساس لأي سياسات فعالة، من خلال تفعيل “إطار عمل ميديلين” (Medellín Framework for Action) الذي أُقر خلال منتدى الأمم المتحدة العالمي للبيانات عام 2024؛ وهو وثيقة توجيهية لتعزيز قدرات نظم البيانات الوطنية، وتحسين الحوكمة، وتشجيع التعاون والابتكار؛ تحقيقًا لأهداف التنمية المستدامة.

وختامًا، تؤكد مؤسسة حماة الأرض أن تقرير الأمم المتحدة لعام 2025 لا يترك مجالًا للتهرب أو التأجيل؛ فالوقت المتبقي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بات محدودًا، والتحديات التي كشفها التقرير تتطلب استجابات غير تقليدية؛ فما تحقق من تقدم في قطاعات مثل التعليم والطاقة لا يمكن أن يُوازن التدهور في مؤشرات الفقر والجوع والمناخ، ولا يعوّض آثار النزاعات والديون وضعف العدالة الاجتماعية.

وترى حماة الأرض أنَّ أجندة 2030 لم تعد مجرد التزام دولي، وإنما أصبحت اختبارًا عالميًّا للجدية والمسئولية؛ كما ترى أن إنقاذ الأهداف يتطلب إرادة سياسية واضحة، وتمويلًا عادلًا، وتعزيزًا للشراكات بين الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص، على أساس من الشفافية والمساءلة؛ فالفرصة لا تزال قائمة، غير أنها تزداد هشاشة مع كل عام يمر دون تحرك فعلي وجماعي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى