أخبار الاستدامة

استثمارات مصرية في إفريقيا وآسيا.. شراكات جديدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة

استثمارات

استثمارات مصرية في إفريقيا وآسيا.. شراكات جديدة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة

إنَّ أي استثمارات عابرة للحدود تشكل عصب التنمية المستدامة؛ فهي ليست تدفقات مالية تبحث عن أسواق جديدة فحسبُ، بل باتت أداة استراتيجية لتحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي واحتياجات المجتمعات والبيئة، لا سيما أننا نعيش أزمات عالمية متشابكة، وهو ما يستدعي النظر بشدة إلى أهداف التنمية المستدامة والسعي إلى تحقيقها فعليًّا بصورة عاجلة.

مِن هذا المنطلق، تلقي حماة الأرض الضوء على الحضور المصري المتنامي في المنتديات الدولية ذات الصلة بتحفيز استثمارات الاقتصاد، مثل “منتدى أعمال إفريقيا – سنغافورة”، الذي يربط مصر بمسارات التعاون الإقليمي والعالمي في إفريقيا وآسيا؛ فتابعوا القراءة.

أين مصر من الاقتصاد العالمي؟

لم يكن حضور مصر في “منتدى أعمال إفريقيا – سنغافورة” حدثًا عاديًّا، بل مثّل انعكاسًا لرؤية شاملة تستهدف إعادة صياغة موقع الاقتصاد المصري على الخريطة العالمية، وتأكيدًا على أنَّ الاستثمار بات جزءًا أصيلًا من معادلة التنمية المستدامة؛ فقد شهد المنتدى الذي نظمته “إنتربرايز سنغافورة” –الجهة الحكومية المسئولة عن تطوير قطاع الشركات في البلاد– مشاركة واسعة ضمت 700 ممثلٍ عن الحكومات ومؤسسات الأعمال من آسيا وإفريقيا، وهو ما يعكس طبيعة الحدث باعتباره منصة استراتيجية للتواصل بين القارتين.

في هذا السياق، استعرض السيد/ حسام هيبة “الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة” أحدث التطورات المتعلقة ببيئة الاستثمار المصرية، مؤكدًا أنَّ مصر باتت وجهة رئيسية لتدفقات الاستثمار العالمي والإقليمي، وقد أوضح من خلال الأرقام التي عرضها أنَّ مصر قد احتلت المرتبة التاسعة عالميًّا والأولى إفريقيًّا بين الدول المستقبلة للاستثمارات، وهذا بصافي تدفقات بلغ 46.1 مليار دولار في العام المالي 2023/2024.

إفريقيا

هذا الحضور المصري لم يقتصر على الأرقام، بل كان مدعومًا برؤية واضحة لتمكين القطاع الخاص المحلي والأجنبي من قيادة النمو، بما يتماشى مع التحولات الكبرى التي يشهدها الاقتصاد المصري في مجالات كثيرة، مثل:

  • البنية التحتية
  • الطاقة المتجددة
  • التحول الرقمي

وهنا تتقاطع أهداف الاستثمار مع جوهر أجندة التنمية المستدامة 2030، حيث يصبح الاستثمار أداة لتعزيز النمو الشامل، وخلق فرص العمل، ودعم الابتكار، وتحقيق التوازن بين متطلبات التنمية الاقتصادية والبيئية.

مصر على خريطة الاستثمار العالمي

إنَّ الأرقام التي أعلنها الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار لم تأتِ من فراغ، بل تعكس مسارًا استراتيجيًّا طويلًا من الإصلاحات التي استهدفت تحسين مناخ الاستثمار، وتهيئة البنية التحتية لجذب رءوس الأموال. وإنَّ وصول مصر إلى المرتبة التاسعة عالميًّا في قائمة الدول المستقبلة للاستثمارات يشير إلى أنَّ البلاد باتت قادرة على المنافسة في سوق شديد التعقيد والتقلب؛ وهو ما يفتح الباب أمام دور أكبر في الاقتصاد العالمي.

تعاون بين إفريقيا وآسيا

هذه المرتبة العالمية لم تكن مجرد إنجاز اقتصادي، بل تحمل دلالات سياسية وتنموية، إذ تؤكد أنَّ مصر قادرة على أنْ تكون جسرًا للتعاون بين إفريقيا وآسيا، وقادرة في الوقت ذاته على تقديم نموذج يوازن بين استقطاب الاستثمارات وتحقيق التنمية؛ لذا يتجلى هنا دور الاستثمار باعتباره أداة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، لا سيما الهدف الثامن المتعلق بالنمو الاقتصادي والعمل اللائق.

لكنَّ اللافت في هذا السياق هو أن مصر لم تركز على جذب الاستثمارات التقليدية فقط، بل عملت على دمج قطاعات جديدة تعكس روح العصر، مثل الطاقة المتجددة، والتحول الرقمي، والأسواق المالية، وهي مجالات ترتبط مباشرة بالتحول نحو الاقتصاد الأخضر.

وهذا التحول لا يخدم فقط الاقتصاد المحلي، بل يعزز قدرة مصر على الإسهام بشدة في الجهد العالمي لمكافحة التغير المناخي، وهو ما ينسجم مع الهدف الثالث عشر من أهداف التنمية المستدامة.

نحو شراكات ذكية مع سنغافورة

واحدة من أهم مخرجات مشاركة مصر في المنتدى تمثلت في عقد لقاءات مباشرة مع مجتمع الأعمال السنغافوري، من خلال مائدة مستديرة نُظمت بالتعاون مع اتحاد الصناعات السنغافوري (SBF)، وضمت ثلاثين شركة من كبرى الشركات المهتمة بالاستثمار في مصر، وقد مثلت هذه الشركات قطاعات عدة، مثل:

  • التكنولوجيا الرقمية
  • إنترنت الأشياء
  • الذكاء الاصطناعي
  • الضيافة
  • الزراعة
  • معالجة الأغذية
  • الخدمات اللوجستية
  • الطاقة

الطاقة المتجددة

هذا التنوع يفتح الباب أمام فرص كبيرة لبناء اقتصاد متعدد المحاور، يوازن بين القطاعات التقليدية والحديثة وبين متطلبات السوق المحلية والتصدير للأسواق الخارجية.

كما أنَّ دخول شركات عالمية جديدة يعكس وعيًا متزايدًا بين المستثمرين العالميين بأنَّ السوق المصري ليست مجرد وجهة للاستهلاك، بل أرض خصبة لتجارب جديدة في مجالات التحول الرقمي والبنية التحتية الذكية والمواد المنخفضة الكربون، ومع ذلك فإنَّ هذه الشراكات لن تكون خالية من التحديات؛ إذْ يتطلب الأمر من الجانب المصري الاستمرار في تطوير الأطر القانونية والتنظيمية، وتوفير بيئة أعمال شفافة ومستقرة، تضمن للمستثمرين تحقيق عوائدهم وفي الوقت ذاته تحافظ على التوازن مع المصلحة الوطنية.

التوسع نحو آفاق جديدة

ولم يكن اهتمام الشركات السنغافورية بالسوق المصري وليد اللحظة، فهناك بالفعل شركات عاملة في مصر، وكثير منها يعمل في المنتجات الغذائية ومنتجات النظافة والبنية التحتية والخدمات الرقمية. والجديد في هذه المرحلة هو التطلع إلى توسيع نطاق هذه الاستثمارات وإقامة منشآت جديدة؛ وهو ما يعكس الثقة المتبادلة بين الجانبين.

مصر وسنغافورة اقتصاد متنامٍ

هذا التوسع المتوقع يمكن أنْ يشكل نقطة تحول في العلاقات الاقتصادية بين مصر وسنغافورة، حيث ينتقل التعاون من مستوى المشروعات المحدودة إلى شراكات استراتيجية قادرة على دعم التنمية المستدامة في مصر. كما أنَّ دخول الاستثمارات السنغافورية في قطاعات البنية التحتية والخدمات الرقمية يدعم -بشكل مباشر- الهدفَ التاسعَ المرتبطَ بالابتكار والصناعة والهياكل الأساسية، فيما تفتح استثمارات الطاقة والمشروعات منخفضة الكربون الباب أمام دعم أهداف المناخ والطاقة النظيفة.

وهكذا يصبح الاستثمار الخارجي ليس مجرد ضخ للأموال، بل رافعة أساسية لتحقيق التنمية المتوازنة التي تضع الإنسان والبيئة في قلب الاهتمام، سوى أنَّ هذه الاستثمارات تحتاج أيضًا إلى متابعة دقيقة لمدى توافقها مع الأولويات الوطنية المصرية، والتأكد من أنها لا تؤدي إلى احتكار أو اختلال في السوق.

محطة جديدة للتكامل

لم يكن المنتدى في سنغافورة سوى مقدمة لما هو قادم، إذ ناقش السيد/ حسام هيبة مع وزارة الخارجية السنغافورية التحضيرات النهائية لعقد منتدى الأعمال المصري – السنغافوري، المقرر أنْ تستضيفه القاهرة في 21 سبتمبر الجاري، بحضور الرئيس السنغافوري “ثارمان شانموجاراتنام” ووفد من رجال الأعمال المرافقين له.

وهذا المنتدى المرتقب يمكن أنْ يكون منصة لتعميق التعاون، ليس فقط على مستوى العقود الثنائية، بل أيضًا في إطار أوسع يربط بين إفريقيا وآسيا، ويضع مصر في موقع القيادة بين القارتين. ومن خلال استضافة هذا الحدث، تؤكد مصر أنها صاحبة دور فعَّال في صياغة مستقبل الاقتصاد الإقليمي والعالمي.

الاقتصاد الدائري

كما أنَّ حضور الرئيس السنغافوري يضيف ثقلًا سياسيًّا إلى المنتدى، بما يعزز فرص توقيع اتفاقيات استراتيجية قادرة على إحداث نقلة نوعية في العلاقات الاقتصادية. والأهم من ذلك أن هذه الخطوة تفتح الباب أمام تعزيز التعاون في مجالات الطاقة المتجددة، والخدمات اللوجستية، والتكنولوجيا المالية، وهي مجالات تمثل جوهر التحول نحو اقتصاد أكثر استدامة وشمولًا.

وبناء على ما سبق، تنظر حماة الأرض إلى مشاركة مصر في “منتدى أعمال إفريقيا – سنغافورة” باعتبارها خطوة استراتيجية في مسار طويل يستهدف تحويل الاستثمار إلى أداة لتحقيق التنمية المستدامة. كما أنَّ الأرقام التي حققتها مصر في جذب الاستثمارات، والشراكات التي أبرمتها مع شركات سنغافورية رائدة، والمنتدى المرتقب في القاهرة؛ كلها حلقات في سلسلة تعكس رؤية واضحة نحو اقتصاد مصري أكثر تنوعًا واستدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى