النقل الذكي والبنية التحتية الحديثة.. طريق مصر إلى التنمية المستدامة
النقل الذكي والبنية التحتية الحديثة.. طريق مصر إلى التنمية المستدامة
وسط أجواء وطنية حافلة بالإصرار والطموح، جاء مؤتمر المصريين في الخارج في نسخته السادسة؛ ليحمل رسائل متعددة، في مقدمتها أن الوطن لا ينسى أبناءه في الخارج، وإنما يعتبرهم شركاء حقيقيين في بناء المستقبل. وفي هذا الإطار، ألقى الفريق مهندس/ كامل الوزير، نائب رئيس مجلس الوزراء المصري للتنمية الصناعية وزير الصناعة والنقل، كلمة حملت بين سطورها خلاصة ما تحقق على أرض مصر من إنجازات، وما تطمح الدولة لتحقيقه في ميادين الصناعة والنقل.
أوضح الوزير في كلمته أن مصر تخطو خطوات واثقة نحو بناء دولة حديثة، لا تكتفي بتطوير البنية التحتية فحسب، وإنما تضع المواطن في قلب عملية التنمية؛ فالتكامل بين قطاعات الدولة، من جامعات ومدن جديدة ومناطق صناعية، لا يكتمل إلا بمنظومة نقل ذكية ومستدامة، تربط الجغرافيا بالتنمية، وتضمن استدامة التوسع العمراني والصناعي.
وقد شهد قطاع النقل نقلة غير مسبوقة، حيث تم تطوير شبكة الطرق والمحاور، وإنشاء موانئ بحرية وجافة ومناطق لوجستية تُسهّل حركة التجارة، وتختصر المسافات نحو المستقبل. ولتجسيد هذه الإنجازات، تم عرض فيلم وثائقي بعنوان “مسار جديد”، كشف عن ضخ استثمارات تجاوزت 2 تريليون جنيه في قطاع النقل وحده، وهو ما يعكس رؤية الدولة لتعزيز الاستدامة الاقتصادية والاجتماعية عبر وسائل نقل عصرية.
الصناعة المصرية رؤية جديدة ونبض جديد
في ظل تسارع المتغيرات الدولية، اتجهت الدولة المصرية نحو تعزيز الاستثمار في القطاع الصناعي، باعتباره قاطرة النمو الاقتصادي، وأداة فاعلة لمواجهة البطالة وزيادة الصادرات، وقد أكد الفريق/ كامل الوزير أن ما نشهده اليوم يمثل تحولًا نوعيًّا يقوده فخامة الرئيس من خلال “الخطة العاجلة للنهوض بالصناعة”، التي ترتكز على سبعة محاور رئيسية أحدثت نقلة كبيرة في مناخ الاستثمار.
وقد شملت هذه المحاور:
- توحيد جهات التراخيص الصناعية.
- تقليص مدد الحصول على الموافقات.
- تقديم حوافز ضريبية وجمركية.
- إطلاق منصة رقمية شاملة لتسهيل تأسيس المصانع.
وجاءت هذه الإجراءات لإزالة التحديات أمام المستثمرين، وفتح المجال أمام مشاركة فعالة من المصريين بالخارج في هذه الطفرة الصناعية التي تتبلور في أرض الواقع.
الاستثمار في الكوادر البشرية والمدن الصناعية
ولم تغفل الدولة أهمية الاستثمار في الكوادر البشرية، حيث عملت على رفع كفاءتها بالتوازي مع تطوير البنية التحتية الصناعية، كما أولت اهتمامًا خاصًا بإنشاء المدن الصناعية المتخصصة، مثل مدينة الجلود بالروبيكي، ومجمع مرغم للصناعات البلاستيكية، إلى جانب افتتاح 16 مجمعًا صناعيًّا في 15 محافظة، في إطار استراتيجية تستهدف تعميق التصنيع المحلي، وتعزيز سلاسل الإمداد، وتوفير آلاف من فرص العمل المباشرة وغير المباشرة.
وقد تحولت هذه الجهود إلى إنجازات ملموسة؛ فقد تم تشغيل 5773 مصنعًا جديدًا، وتوفير أكثر من 230 ألف فرصة عمل، وإعادة تشغيل 987 مصنعًا كان متعثرًا. كما شهدت المرحلة الأخيرة تخصيص آلاف من قطع الأراضي الصناعية، وإصدار مئات التراخيص، وارتفاع معدل الصادرات بنسبة 9.9% خلال النصف الأول من عام 2025.
أبناء مصر بالخارج هم شركاء التنمية
وفي أجواء اتسمت بالوضوح والتقدير، شكّل لقاء الوزير بأبناء مصر في الخارج محطة تواصل مباشر، عبّر فيها عن اعتزازه بدورهم المحوري في دعم صورة الوطن عالميًّا، وفي تشكيل جسور اقتصادية وثقافية تعزز مشروع التنمية الشاملة. لم يكن اللقاء استعراضًا لإنجازات فحسب، وإنما مناسبة لترسيخ مفهوم الشراكة مع من يحملون انتماءهم لوطنهم في القلب والعقل، ويملكون من الخبرة والرؤية ما يعزز خطوات التقدم.
وعلى ذلك جاءت استفسارات المصريين بالخارج غنية ومركزة، حيث تناولت قضايا الصناعة والمجمعات الإنتاجية وفرص الاستثمار، وقد جاء رد الوزير مدعومًا بالبيانات والمبادرات الواقعية؛ فقد أشار إلى جهود الدولة في تهيئة بيئة الاستثمار من خلال برامج تمويلية بالشراكة مع البنك المركزي، وتسهيلات إجرائية لتأسيس وتشغيل المصانع. كما أكد أن المحافظات باتت تضم مناطق صناعية جاهزة، وأن الدولة تفتح أبوابها للمستثمرين عبر آليات تواصل مباشرة، ولقاءات دورية تضمن المتابعة والاستجابة، بما يجعل للمصري بالخارج موقعًا فاعلًا في مسيرة التنمية الصناعية.
مصر ترسم مسار الغد
في ضوء ما كُشف عنه خلال المؤتمر، يتأكد يومًا بعد يوم أن مصر لا تسعى فقط إلى تجاوز التحديات، وإنما إلى بناء نموذج تنموي متكامل ومستدام، يُلبي تطلعات الأجيال القادمة، ويرتكز على تنويع الاقتصاد، وتعزيز دور الصناعة، وتطوير النقل، بما يضمن تحقيق أهداف التنمية المستدامة (SDGs) التي تعهدت بها الدولة أمام المجتمع الدولي.
فما تحقق في قطاعي النقل والصناعة خلال العقد الأخير، هو ثمرة رؤية استراتيجية تُعلي من قيمة العمل المشترك، وتضع الإنسان في قلب معادلة التنمية؛ فالمواطن، سواء داخل البلاد أو خارجها، هو المحور والهدف، وهو المستفيد الأول من هذه المشروعات.
وبالنظر إلى ما طُرح في مؤتمر المصريين في الخارج، تتجلى ملامح تحوّل تنموي عميق لا يقوم فقط على تشييد البنية التحتية أو إطلاق المشروعات الضخمة، وإنما على بناء رؤية متكاملة تُعيد صياغة العلاقة بين المواطن والدولة، وبين الجغرافيا والتنمية، وبين الحاضر والمستقبل؛ فما تشهده مصر من طفرة في النقل الذكي وتحديث البنية الصناعية، هو تطبيق عملي لمفهوم التنمية المستدامة، ورؤية مصر 2030.
إذنْ، يكشف مؤتمر المصريين في الخارج عن تحوّل نوعي في مسار التنمية بمصر، ذلك المسار القائم على بناء شراكات حقيقية مع المواطنين في الداخل والخارج، وتكامل واضح بين تطوير البنية التحتية والنقل الذكي، والنهوض بالصناعة لتكون قاطرة للتقدم.
ومن هذا المنطلق لا ترى مؤسسة حماة الأرض في ما تحقق سوى ترجمةٍ عمليةٍ لأهداف الاستدامة، كما أنها تؤكد أنَّ كلَّ طريق يُشَيَّد، وكلَّ مصنع يُقام، ينبغي أن يُراعي البيئة والعدالة الاجتماعية؛ لأنَّ مصر لا ترسم خرائط تنموية فحسبُ، وإنما ترسم مسارًا نحو مستقبل أكثر توازنًا بين أفراد المجتمع، وأكثر وعيًا بحق الأجيال القادمة في وطن مستدام.