تفتت أكبر جبل جليدي يضع أهداف التنمية المستدامة أمام اختبار صعب
تفتت أكبر جبل جليدي يضع أهداف التنمية المستدامة أمام اختبار صعب
لا تزال خطة أهداف التنمية المستدامة تحذر من التغير المناخي الذي صار واقعًا يفرض نفسه على كوكب الأرض يومًا بعد يوم! لأنَّ مثل هذه الأحداث المناخية المتطرفة تقول بأنَّ هناك اختلالًا في الأنظمة البيئية داخل كثير من دول العالم.
وفي هذا السياق، تبرز أهداف التنمية المستدامة باعتبارها خريطةَ طريقٍ عالميةً وضعتها الأمم المتحدة؛ من أجل تأمين مستقبلٍ عادلٍ وآمنٍ للبشرية جمعاء؛ ولذلك سوف تتناول مؤسسة حماة الأرض في هذا المقال تداعيات أبرز حدث مناخي، وهو تفتت أكبر جبل جليدي في العالم، موضحِّةً مدى ارتباط هذا الخبر العالمي بأهداف التنمية المستدامة؛ فتابعوا القراءة.
أكبر ذوبان جليدي منذ 40 عامًا
يأتي تفتت أضخم جبل جليدي في العالم -وهو الجبل المسمَّى A23a– حدثًا استثنائيًّا يجسد تجسيدًا واضحًا حجمَ التحدي الذي تواجهه أهداف التنمية المستدامة، وهو ما يضع البشرية كلها أمام سؤال محوري، هو: كيف نُحوِّلُ التعهدات الدولية إلى أفعال تنقذ الأرض قبل فوات الأوان؟
لقد تصدر خبر تفتت أضخم جبل جليدي في العالم عناوينَ النشرات العالمية، وهو حدث نادر لم يُرَ مثله منذ نحو أربعين عامًا؛ فقد تفتت أجزاء كبيرة من جبل “A23a” في القارة القطبية الجنوبية، ويرجَّحُ اختفاؤه كله في أثناء الأسابيع القادمة.
وهناك أشارتِ التحليلاتُ إلى أنَّ كتلة “A23a” كانت تزن نحو تريليون طن تقريبًا، وعلى مساحة تبلغ ضِعف مساحة مدينة لندن؛ وذلك ما يجعله حدثًا مناخيًّا فريدًا، وناقوسَ خطرٍ يوجِّه بضرورة مكافحة التغيرات المناخية في إطار أهداف التنمية المستدامة.
تاريخ أكبر جبل جليدي
يمثِّل تفتت جبل “A23a” مثالًا صارخًا على هشاشة النظم البيئية أمام ظاهرة الاحترار العالمي؛ لأنَّ المتابع لمساره -منذ انفصاله الأول عام 1986- يلْحظُ كيف ظل راسيًا عقودًا من الزمانِ، ثم بدأ في الانزلاق والتفتت في سنوات قليلة كأنَّ الكوكب يوجه إنذارًا للبشرية.
هذا التاريخ ليس تفاصيلَ علميةً فارغةً؛ لأنَّها دليل واقعي على عمق التهديدات التي تواجه البيئة العالمية؛ لذا يصبح الربط بين هذا الحدث المناخي وأهداف التنمية المستدامة أمرًا ضروريًّا، لأنَّ تلك الأهداف تمثل الخطة العملية لإنقاذ التوازن البيئي وضمان استدامة الموارد.
ويتضمن تاريخ هذا الجبل -جبل -A23a أعوامًا من التغير، وتفصيلها كالآتي:
1986
في البدء انفصل جبل “A23a” عن صفيحة جليدية في القارة القطبية الجنوبية عام 1986، وظل محصورًا في مياه شديدة البرودة أكثر من ثلاثين عامًا.
2020
ثم في عام 2020 حُررت الكتلة الجليدية من قاع البحر بفعل التيارات البحرية القطبية الجنوبية، ثم جُرفت شمالًا.
مارس 2025
بعد ذلك -في مارس 2025- جنح الجبل إلى ضفة مياه ضحلة قرب جزيرة جورجيا الجنوبية، حتى أثار مخاوفَ من تعطيل حركة حيوانات البطريق والفقمة التي كانت تغذي صغارها هناك.
مايو 2025
وفي أواخر مايو سرعان ما انفلتت الكتلة الجليدية عن الجرف، واستأنفت تحركها شمالًا دون أنْ تصطدم بالأرض.
سبتمبر 2025
خلال أواخر هذه الرحلة -في بدايات شهر سبتمبر الحالي- واصل “A23a” تقدمه شمالًا بسرعة أكبر من المعتاد؛ فقُدِّر أنه قطع مسافات يومية تقارب 20 كيلومترًا. وفي تلك المرحلة بدأت أجزاء كبيرة منه في الانفصال، وقد بلغ كلٌّ منها نحو 400 كيلومتر مربع.
تغير المناخ والتأثيرات البيئية
يوضح العلماء العلاقةَ بين ظاهرة تفكك “A23a” وارتفاع درجات حرارة المحيطات؛ فكلما ارتفعت حرارة المياه القطبية ازدادت سرعة ذوبان الغطاء الجليدي. ويقول الخبراء إنَّ مسار “A23a” عبر مياه دافئة بهذه الدرجة يشير إلى تعاظم ظاهرة الاحتباس الحراري، ويُعَدُّ إنذارًا مبكرًا لتغير المناخ.
ويمكن تلخيص أبرز المخاطر الناتجة عن هذه الظواهر المناخية في ما يأتي:
- اضطراب أنماط التيارات البحرية.
- تراجع مواطن الكائنات البحرية والبرية.
- تهديد مصادر الغذاء الطبيعية.
- ارتفاع مستوى البحار وما يصاحبه من مخاطر على السواحل.
أهداف التنمية المستدامة هي الحل
في إطار مواجهة هذه التحديات، جاءت أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر خريطةَ طريقٍ عالميةً، ومنها ما يحث شعوب العالم على الاهتمام بالموارد البيئية، مثل:
- اتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة تغير المناخ.
- حماية الحياة تحت الماء.
- صون الحياة على البر.
وتُشكِّل هذه الأهداف معًا إطارًا جامعًا للحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي؛ لأنَّ الحدث المتعلق بـ”A23a” ليس مجرد ظاهرة طبيعية، بل ناقوس خطر يعيد تأكيد أنَّ حماية النظم الإيكولوجية البحرية والبرية أمر لا يقبل التأجيل.
وإنَّ تفعيل السياسات البيئية الدولية -مثل تعزيز الاستثمار في الطاقة المتجددة وإعادة التشجير– السبيل الوحيد لوقف تسارع ذوبان الجليد القطبي. كما أنَّ التوعيةَ المجتمعية وغرسَ مبادئ الاستدامة في التعليم يُعدَّانِ أدوات فعَّالة لبناء وعي بيئي قادر على دعم هذه الأهداف.
وكذلك فإنَّ تفتت جبل “A23a” الجليدي يقدِّم إلى العالم درسًا واضحًا؛ هو: حتى أضخم التكوينات الطبيعية يمكن أنْ تنهار أمام تسارع التغيرات المناخية. وبالرغم من أنَّ ضخامته أبقته متماسكًا عقودًا من الزمان، فإنَّ خروجه إلى مياه أكثر دفئًا كشف عن هشاشته أمام العوامل المناخية المتشابكة.
مِن هنا، يصبح الالتزام بأهداف التنمية المستدامة ضرورة وجودية لحماية كوكب الأرض؛ لأنَّ التعاونَ الدولي، وتمويلَ البحث العلمي، وتبنِّيَ ممارسات يومية مسئولة -مثل إعادة التدوير وترشيد الاستهلاك- كلها تمثل أدوات دفاع حقيقية في مواجهة الخطر البيئي المحدق بشعوب العالم.
وتبقى رسالة مؤسسة حماة الأرض واضحة: إنَّ التنمية المستدامة ليست خيارًا تجميليًّا، بل هي سبيل لحماية الغد من الانهيار. وإذا كان تفتت “A23a” جرس إنذار فإنَّ تجاوب المجتمع الدولي معه بقرارات حاسمة سيكون اختبارًا حقيقيًّا لمستقبل البشرية فوق هذا الكوكب.