مبنى مركز الجزيرة للفنون يُدرج رسميًّا في سجل التراث المعماري العربي
مبنى مركز الجزيرة للفنون يُدرج رسميًّا في سجل التراث المعماري العربي
في سياق التوجه العربي والدولي نحو صون التراث الثقافي، يأتي إدراج مبنى مركز الجزيرة للفنون – الذي يحتضن متحف الخزف الإسلامي– ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي، ليعكس جهود مصر في حماية الإرث الحضاري، ذلك الإرث الذي يُعد أحد دعائم الهُوية الثقافية، وأحد محركات التنمية المستدامة القائمة على الثقافة والتراث.
ومن هذا المنطلق، تُلقي حماة الأرض في السطور الآتية الضوءَ على هذا الخبر بوصفه خطوة نوعية نحو إدماج الثقافة والفنون ضمن منظومة التنمية المستدامة وأهدافها السبعة عشر. ويأتي هذا التناول تأكيدًا لأهمية حماية الموروث الثقافي من حيث كونه أحدَ روافد الهدف الحادي عشر من أهداف التنمية المستدامة -مدن ومجتمعات محلية مستدامة- الذي يعزز جهود حماية التراث الثقافي والطبيعي، بما يضمن توازنًا بين الحداثة واحترام جذور الهوية.
مركز الجزيرة للفنون تراث مصري
إنَّ الحفاظ على المباني التاريخية وتفعيل دورها يسهم في تنشيط الاقتصاد المحلي، ودعم الإبداع الفني، وتعزيز الانتماء المجتمعي، وهو ما تُشجّع عليه أجندة الأمم المتحدة للتنمية المستدامة 2030، وذلك ما يعبر عنه أصدق تعبير خبرُ إدراج مبنى مركز الجزيرة للفنون -رسميًّا- ضمن السجل المعماري والعمراني للتراث العربي، وهذا وفق ما أعلنته وزارة الثقافة المصرية، في ختام أعمال الاجتماع العاشر للمرصد الحضري التابع لمنظمة الألكسو (المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم)، والذي انعقد في العاصمة اللبنانية بيروت خلال الفترة من 28 إلى 30 يوليو 2025.
معالم القاهرة الخديوية
يقع مبنى مركز الجزيرة للفنون في قلب جزيرة الزمالك، إحدى المناطق المُصنّفة من قبل الجهاز القومي للتنسيق الحضاري باعتبارها منطقة متميزة معماريًّا، نظرًا لاحتوائها على عدد من المباني التراثية ذات التنوع المعماري الفريد، بالإضافة إلى موقعها الجغرافي البارز وسهولة الوصول إليها.
ويمثل المبنى -الذي شُيّد في الأصل قصرًا للأمير عمرو إبراهيم قبل أن يُحوَّل إلى متحف عامَ 1999- أحدَ أبرز المعالم المعمارية ذات الطراز الإسلامي المملوكي، والذي يجمع بين القيمة الجمالية للعمارة التاريخية والتوظيف الثقافي الحديث، وهذا باعتباره مركزًا فنيًّا ومتحفًا للفنون الإسلامية.
ويضم المتحف، التابع لقطاع الفنون التشكيلية -برئاسة الدكتور/ وليد قانوش- عدة قاعات متخصصة تعرض مقتنيات نادرة من الخزف؛ من أبرزها: قاعة الخزف الفاطمي – قاعة الخزف التركي والمصري المملوكي والإيراني – قطع من الخزف السوري والعراقي – مجموعة من التحف الفنية ذات القيمة التاريخية العالية.
صون التراث في قلب التنمية المستدامة
تُعد حماية التراث المعماري والثقافي عنصرًا أساسيًّا في مسار التنمية المستدامة؛ إذْ إنَّ المباني التاريخية ليست شواهد على الماضي فقط، بل موارد حيّة تسهم في بناء الحاضر والمستقبل. ويُسهم صون هذا التراث في تعزيز الهوية الوطنية، وتحقيق التنوع الثقافي، ودعم الصناعات الإبداعية، وتعزيز الاقتصاد المحلي من خلال السياحة الثقافية والاستثمار في الفنون.
وتؤكد أهداف التنمية المستدامة -لا سيما الهدف رقم (11)- أهميةَ إدماج الثقافة ضمن التخطيط الحضري بما يضمن استدامة المدن دون إقصاء لذاكرة المكان؛ لأنَّ بقاء هذه المعالم التاريخية جزءًا من النسيج العمراني هو ضمان للعدالة الثقافية عبر الأجيال، ورسالة حضارية بأنَّ المستقبل لا يُبنى إلّا على أسس راسخة من الإدراك والاعتراف بالماضي.
حماية الإرث الحضاري العربي
من الجدير بالذكر، هو أنَّ الاجتماع العاشر للمرصد الحضري التابع لمنظمة الألكسو -الذي شاركت فيه مصر- قد نوقشت فيه سبل حماية الإرث الحضاري في المنطقة العربية، تأسيسًا على التحديات المتزايدة في السنوات الأخيرة، التي تشمل الكوارث الطبيعية، والنزاعات المسلحة، والتوسع العمراني العشوائي.
وقد اختُتم الاجتماع -يوم الأربعاء- بالإعلان الرسمي عن قائمة المواقع، التي تم اعتمادها ضمن سجل التراث المعماري والعمراني العربي، الذي أعدّه المجلس الاقتصادي والاجتماعي في جامعة الدول العربية، وكان مبنى مركز الجزيرة للفنون ومتحف الخزف الإسلامي من أبرز المواقع المُمثّلة لمصر في هذا السجل المشرِّف.
وفي تعليقه على هذا الإنجاز المصري العربية، هنّأ الدكتور/ أحمد فؤاد هنو -وزير الثقافة- رئيسَ الجهاز القومي للتنسيق الحضاري، مشيدًا بالدور الحيوي الذي يضطلع به الجهاز في حماية الهوية المعمارية لمصر. وأكد أنَّ إدراج مبنى مركز الجزيرة للفنون ضمن السجل يُمثّل إضافة نوعية للرصيد الثقافي والمعماري المصري، وهذا على المستويين الإقليمي والعربي.
إذنْ، فإنَّ إدراج مبنى مركز الجزيرة للفنون في سجل التراث المعماري والعمراني العربي لا يُعد مجرد تكريم لمعلم فني بارز، بل يُمثِّل خطوة استراتيجية تعكس تزايد الوعي بأهمية صون الذاكرة المعمارية وتوثيق الجماليات التي شكَّلت وجدان المجتمعات العربية؛ لأنَّ المباني روافدَ تُحدِّث الأجيال عن حكايات المدن، ومرايا تعكس تحوُّلاتها الثقافية والاجتماعية والسياسية.
ولذلك تؤكد مؤسسة حماة الأرض في ختام هذا المقال أنَّ الحفاظ على التراث المعماري لا يتعارض مع التقدُّم العمراني، بل يُكمِّله ويثريه؛ فتسجيل المباني التراثية هو استثمار في الوعي والهوية، وإسهام فعَّال في تعزيز مسارات التنمية المستدامة، التي تضع الإنسان في قلب كل تخطيط حضري.