بـ24 مليون يورو.. دعم أوروبي لتعزيز الزراعة المستدامة في الريف المصري
بـ24 مليون يورو.. دعم أوروبي لتعزيز الزراعة المستدامة في الريف المصري
في خطوة جديدة نحو تحقيق تنمية شاملة ومستدامة، أطلقت وزارة الزراعة واستصلاح الأراضي بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي مشروعًا طموحًا للتنمية الريفية المتكاملة، بتمويل يبلغ 24 مليون يورو، يستهدف المشروع ثلاث محافظات رئيسية في صعيد مصر: سوهاج، أسيوط، وبني سويف، ويُنفذ عبر الوكالة الإيطالية للتعاون من أجل التنمية؛ ليُحدث نقلة نوعية في حياة الآلاف من صغار المزارعين.
يهدف هذا المشروع إلى تحسين جودة الحياة في المجتمعات الريفية، من خلال تعزيز خدمات الإرشاد الزراعي، وتطوير قطاعي الإنتاج الحيواني والصحة النباتية، إضافة إلى تحسين نظم الري الحقلي في المناطق المستهدفة، ويعكس المشروع اهتمامًا دوليًّا متزايدًا بدعم الفئات الأكثر احتياجًا، وتوجيه التمويل نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة في الدول النامية.
وتأتي هذه المبادرة في وقت تحتاج فيه المجتمعات الريفية المصرية إلى تدخلات جادة ومنهجية لإعادة بناء منظومة الإنتاج الزراعي، وزيادة القدرة على التكيّف مع التغيرات المناخية، وتوفير فرص اقتصادية جديدة تضمن الاستقرار الاجتماعي وتحافظ على الموارد البيئية، وهي لا تقتصر على أهداف آنية، وإنما تمثل بداية لشراكة طويلة الأمد، تقوم على التمكين الاقتصادي والاجتماعي والبيئي، وتشجع على نقل التكنولوجيا والمعرفة إلى قلب المجتمعات الزراعية، بما يسهم في بناء ريف قادر على المنافسة والإنتاج والازدهار.
رؤية تنموية متكاملة بقيادة وطنية
في هذا السياق، أكد وزير الزراعة -السيد/ علاء فاروق- خلال افتتاح الاجتماع الأول للجنة الفنية للمشروع أن هذه المبادرة تمثل علامة فارقة في مسيرة النهوض بالريف المصري، مشيرًا إلى أنها تتوافق مع رؤية مصر 2030 التي تسعى إلى تحقيق تنمية شاملة تتكامل فيها الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.
وأشار الوزير إلى أهمية دعم الجمعيات التعاونية الزراعية، بوصفها ركيزة أساسية لتعزيز كفاءة سلسلة القيمة الزراعية، وتقليل الفاقد، ورفع إنتاجية المحاصيل؛ مما يعزز من القدرة التنافسية للمنتجات المصرية في الأسواق المحلية والدولية، ويزيد من دخل صغار المزارعين، ويخفف عنهم أعباء الإنتاج والتسويق.
وشدد فاروق على أن المشروع يسهم في إرساء نموذج جديد للتنمية الريفية الشاملة، يقوم على الشراكة والتكامل، ويُراعي خصوصيات كل منطقة واحتياجاتها، مع الحرص على توجيه الدعم إلى الفئات الأكثر احتياجًا، خاصة النساء والشباب، من خلال برامج نوعية لتمكينهم وتدريبهم وتوفير التمويل اللازم لمشروعاتهم.
تمكين المرأة والشباب في صميم المشروع
ومن أبرز مكونات المشروع الاهتمام بالتمكين الاقتصادي والاجتماعي للمرأة الريفية والشباب، من خلال تصميم برامج تدريبية متخصصة، وتوفير آليات تمويل صغيرة ومتوسطة تدعم إنشاء المشروعات الزراعية وتطويرها، بما يوفر فرص عمل مستدامة ويعزز من دورهم باعتبارهم شركاء في التنمية.
وقد أكد وزير الزراعة أن تمكين النساء والشباب في المجتمعات الريفية يُعد ضرورة استراتيجية لتحقيق تنمية شاملة وعادلة؛ إذ تمثل هذه الفئات طاقات بشرية كبيرة لم تُستثمر بعد بالشكل الأمثل. وشدد على أهمية تهيئة بيئة داعمة تشمل التدريب، والدعم الفني، وتوفير المعلومات والموارد، وربط المستفيدين بالأسواق، بما يمكّنهم من تحقيق الاستقلال الاقتصادي والمشاركة الفعالة في تطوير المجتمع الزراعي.
شراكة استراتيجية من أجل اقتصاد مستدام
وفي هذا السياق، رحبت “أنجلينا إيخوريست” سفيرة الاتحاد الأوروبي بالقاهرة، بهذه المبادرة بوصفها نموذجًا ناجحًا للتعاون بين الاتحاد الأوروبي ومصر، مؤكدة أن الاتحاد ملتزم بدعم التنمية الزراعية ونقل التكنولوجيا الحديثة؛ لتعزيز القدرات المحلية وتحقيق التحول المستدام في الريف المصري.
وأشادت السفيرة بالمنحة المخصصة ضمن برنامج التنمية الريفية المتكاملة، معتبرة أن هذا الاستثمار يعكس ثقة الاتحاد الأوروبي في الشراكة مع مصر، وسعيه إلى إحداث أثر ملموس في حياة المزارعين. وإلى جانب ذلك، أعرب السفير الإيطالي “ميكلي كوراني” عن تطلعه إلى مزيد من التعاون مع مصر في مجال تحديث نظام التعاونيات الزراعية، ودعا وزيرَ الزراعة إلى زيارة إيطاليا للاطلاع على التجربة الإيطالية في هذا المجال، وهو ما يعكس توجهًا استراتيجيًّا نحو تبادل الخبرات وتوطين النماذج الناجحة.
هذا التعاون الدولي يعزز من فرص بناء قطاع زراعي ذكي ومتقدم، يعتمد على الابتكار والمعرفة، ويُعيد للريف المصري مكانته باعتباره مصدر إنتاج وازدهار، وهو ما يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولا سيما الهدفين (1) و(2) المتعلقين بالقضاء على الفقر والجوع، والهدف (17) المتعلق بعقد الشراكات من أجل تحقيق الأهداف.
نحو ريف أكثر عدالة واستدامة
وختامًا، تؤكد مؤسسة حماة الأرض أن هذا المشروع يمثل نموذجًا فعّالًا لتحويل التمويل الدولي إلى أدوات تنمية حقيقية تنهض بالريف المصري على أسس من العدالة والمعرفة والشراكة الفعالة؛ فتمكين النساء والشباب، ودعم صغار المزارعين، وتطوير البنية الإنتاجية والخدمية، هي ركائز استراتيجية للنهوض بريف قادر على الصمود، وتحقيق أمنه الغذائي، والانخراط الفعّال في مسار اقتصادي مستدام. وفي ظل شراكات دولية تتحلى بالمسئولية مثل هذه، يفتح هذا المشروع أفقًا لتحول تنموي حقيقي، يعكس تطلعات المواطنين، ويحفظ حق الأجيال القادمة في مستقبل أكثر عدالة واستدامة.