أخبار الاستدامة

مصر تواصل استعداداتها لـ”كوب 30″.. خطوات نحو مواجهة التغيرات المناخية

كوب 30

مصر تواصل استعداداتها لـ”كوب 30″.. خطوات نحو مواجهة التغيرات المناخية

منذ أن استضافت مصرُ مؤتمرَ الأطراف السابع والعشرين في شرم الشيخ، بات واضحًا أنَّ قضية المناخ لم تعد مجرد ملف بيئي يُناقَشُ على الهامش، بل تحولت إلى محور استراتيجي ذي علاقة قوية بأهداف التنمية المستدامة، والالتزامات الدولية، ومستقبل الأجيال القادمة كلها؛ ومِن هنا تأتي أهمية “كوب 30“.

فإنه مع اقتراب انعقاد هذا المؤتمر العالمي في البرازيل شهرَ نوفمبر المقبل، تكثِّف مصر جهودها لإبراز مكانتها الإقليمية والعالمية، وذلك باعتبارها دولة ملتزمة بمسار التحول البيئي، وإسهامًا منها في صياغة الحلول لمكافحة آثار التغيرات المناخية.

مؤتمرَ الأطراف السابع والعشرين

في هذا السياق، تسعى مؤسسة حماة الأرض إلى تسليط الضوء على أبعاد الاستعدادات المصرية لمؤتمر “كوب 30″، مع التركيز على الجوانب المتعلقة بالاستدامة وأهداف التنمية المستدامة، وذلك من خلال مراجعة الاستراتيجيات الوطنية، والجهود المحلية، والاستثمارات في الإنسان والتكنولوجيا؛ فتابعوا القراءة.

الإدارة المركزية للتغيرات المناخية

تمثل الإدارة المركزية للتغيرات المناخية القلب النابض لجهود مصر في التصدي للتغير المناخي. فهي ليست مجرد جهاز بيروقراطي، بل حلقة وصل بين الدولة والمجتمع الدولي، وبين السياسات العامة والخطط التنفيذية. ومن بين جهودها:

تنفيذ اتفاقية باريس

تعمل الإدارة على متابعة الالتزامات التي تقع على عاتق مصر بموجب الاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقية باريس للمناخ، إضافةً إلى إعداد تقارير وطنية شاملة تبرز ما تحقق من إنجازات، مع مناقشة التحديات القائمة.

التنسيق بين الوزارات

يتميز عمل الإدارة بتعزيز التنسيق بين الوزارات والجهات المختلفة، حيث يتم إعداد خطط عمل قطاعية تتوافق مع الاستراتيجية الوطنية للمناخ. وهذا التناغم بين القطاعات –كالمياه، والزراعة، والطاقة، والصناعة، والنقل- يشكل أساسًا لتحقيق نتائج ملموسة في أرض الواقع، ويجعل من الاستدامة خيارًا استراتيجيًّا لا شعارًا رنَّانًا!

خطط محلية للتكيف

كذلك تدعم الإدارة المحافظات في وضع خطط محلية للتكيف مع التغيرات المناخية؛ فقد بدأ العمل بالفعل على إعداد إطار استراتيجي للتكيف في محافظتَي قنا وكفر الشيخ، وهذا بالتعاون بين الإدارة والوكالة الألمانية للتعاون الدولي (GIZ).

الاستثمار في الإنسان

لا يمكن لأي استراتيجية مناخية أنْ تنجح دون الاستثمار في العنصر البشري. وإدراكًا لهذه الحقيقة يُجرى تنظيم دورات تدريبية للعاملين في الوحدات المعنية بالمناخ داخل الوزارات والجهات المختلفة؛ من أجل بناء شبكة من الخبراء القادرين على التعامل مع التحديات المعقدة للتغير المناخي بمرونة وابتكار.

ويتوافق هذا التوجه مع البُعد الرابع من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بجودة التعليم والتدريب. فالتغير المناخي ليس قضية بيئية بحتة، بل قضية تنموية شاملة تتطلب بناء معرفة جديدة، وإعادة صياغة طرق التفكير في التنمية والتخطيط. ومن خلال رفع القدرات الوطنية، تسعى مصر إلى خلق كوادر تستطيع قيادة مرحلة التحول نحو الاقتصاد الأخضر.

الاقتصاد الدائري

البحث العلمي المصري

ولا يتوقف الاستثمار في الإنسان عند التدريب، بل يمتد إلى تعزيز البحث العلمي وإنتاج المعرفة؛ إذْ تولي الإدارة المركزية للتغيرات المناخية أهمية خاصة للبحوث التطبيقية، التي تربط بين النظرية والواقع، وبين التحديات البيئية والحلول التنموية؛ مما يعزز مكانة مصر باعتبارها نموذجًا متكاملًا لتحقيق أهداف التنمية المستدامة في المنطقة العربية كلها.

التكنولوجيا لخدمة البيئية

وفي عالم يتسارع فيه التحول الرقمي أدركت مصر أنَّ مكافحة التغير المناخي لا يمكن أنْ تنجح إلا عبر أدوات تقنية متطورة؛ لهذا تعمل وزارة البيئة على رقمنة نظام “الرصد والإبلاغ والتحقق” الخاص بجمع بيانات غازات الاحتباس الحراري.

ويشمل هذا النظام أربعةَ قطاعات رئيسية هي الأكثر تأثيرًا في معدلات البصمة الكربونية:

  • الزراعة
  • الطاقة
  • الصناعة
  • المخلفات

مِن هنا، فإنَّ التحول الرقمي يسمح بتتبع الانبعاثات بدقة أكبر، وتقييم جهود التخفيف والتكيف، ورصد الظواهر المناخية، مثل موجات الحر، والبرد، والأمطار غير المعتادة. وهذه البيانات ليست مجرد أرقام، بل أدوات لتوجيه السياسات العامة، وتحديد الأولويات، ورسم الخطط المستقبلية.

كما تُعتبر الرقمنة وسيلة لتعزيز الشفافية في تقارير مصر الدولية؛ لأنَّ التقاريرَ الوطنيةَ -مثل البلاغات الوطنية، والتقارير المحدثة كلَّ عامينِ، وتقارير الشفافية- سجلٌ يوضح مدى التزام الدولة بتعهداتها الدولية؛ مما يعزز المصداقية أمام المجتمع الدولي.

الانبعاثات الكربونية

أداة للتخطيط التنموي المستدام

واحدة من الأدوات المبتكرة التي تعمل عليها مصر هي الخريطة التفاعلية للمناطق الأكثر تأثرًا بالتغير المناخي. تمثل هذه الخريطة نقلة نوعية في التخطيط التنموي؛ إذْ تسمح بتحديد المناطق الهشة، ووضع خطط تأخذ في الاعتبار المخاطر البيئية المستقبلية.

تكمن أهمية الخريطة في تعزيز التكامل بين أهداف التنمية المستدامة؛ فعند وضع الخطط التنموية للمناطق الساحلية أو الزراعية أو الصناعية، يصبح من الضروري مراعاة معايير التكيف المناخي؛ ما يقلل الهدر في الموارد ويزيد من مرونة البنية التحتية.

كما تعكس هذه الأداة جانبًا مهمًّا من العدالة المناخية؛ إذ توجه الاستثمارات والبرامج التنموية نحو المناطق الأكثر هشاشةً، مثل القرى الساحلية أو المجتمعات الزراعية الفقيرة، وهو الأمر الذي يعزز -بشكل أو بآخر- الهدف العاشر من أهداف التنمية المستدامة المتعلق بالحد من أوجه عدم المساواة.

التعاون الدولي والتمويل المناخي

لا يمكن لأي دولة مواجهة التغير المناخي بمعزل عن المجتمع الدولي، وهو ما تدركه مصر جيدًا؛ لذا تعزز شراكاتها مع المؤسسات الدولية والجهات المانحة. ومن بين البرامج البارزة التي تشارك فيها:

  • برنامج الاتحاد الأوروبي للنمو من خلال الشبكات البيئية “EU Green”.
  • مشروع تحويل الأنظمة المالية المتعلقة بالمناخ (TFSC) بتمويل من الوكالة الفرنسية للتنمية.
  • برامج الأمم المتحدة الإنمائية.
  • صندوق المناخ الأخضر.
  • الصندوق المتعدد الأطراف لبروتوكول مونتريال.

كل هذه الشراكات توفر لمصرَ التمويل والدعم الفني اللازمينِ لتنفيذ مشروعات التكيف والتخفيف، مثل التخلص من المواد المستنزفة لطبقة الأوزون، وإعداد خطط التكيف الوطنية، وإصدار تقارير الشفافية الدولية. كما تسهم في نقل التكنولوجيا والخبرات، وتعزيز موقع مصر باعتبارها مركزًا إقليميًّا للعمل المناخي.

وفي إطار التزاماتها، أصدرت مصر عدة تقارير وطنية مهمة، من بينها البلاغات الوطنية وتقارير المساهمات المحددة وطنيًّا، التي ركزت على قطاعات حيوية، مثل الطاقة، والمباني، والزراعة، والسياحة.

ومما هو لافت هو أنَّ مصر رفعت طموحاتها في يونيو 2023، معلنةً استهداف أن تشكل الطاقة المتجددة 42% من مزيج الطاقة بحلول عام 2030، وهي خطوة تعكس إرادة سياسية واضحة للانتقال نحو مستقبل أكثر استدامة.

مشاركة مصر في كوب 30 لأجل العدالة المناخية

ومع اقتراب مؤتمر المناخ “كوب 30” في البرازيل، تتجه أنظار العالم إلى الدول النامية التي تسعى إلى تأكيد دورها في مواجهة التغير المناخي بالرغم من التحديات الاقتصادية. ومِن هنا تسعى -بما تمتلكه من خبرات تراكمت خلال مؤتمر شرم الشيخ، وما تنفذه حاليًّا من مشروعات استراتيجية- إلى أنْ تكون صوتًا إقليميًّا يعبر عن احتياجات إفريقيا والشرق الأوسط في هذا الملف المصيري.

COP27 في مدينة شرم الشيخ

ولا تعكس التحضيرات الجارية التزامًا حكوميًّا فحسب، بل هي جزء من رؤية أشمل تهدف إلى تحقيق التوازن بين النمو الاقتصادي والحفاظ على البيئة. وفي هذا السياق، يصبح ربط ملف المناخ بأهداف التنمية المستدامة أمرًا حتميًّا، حيث يتقاطع مع الأمن الغذائي، وإدارة المياه، والطاقة النظيفة، والصحة العامة، والعدالة الاجتماعية.

في الختام، فإنَّ الطريق نحو مؤتمر الأطراف في البرازيل ليس مجرد محطة دبلوماسية، بل فرصة لترسيخ مفهوم التنمية المستدامة باعتباره إطارًا شاملًا لسياسات مصر من خلال رقمنة البيانات، وبناء القدرات المؤسسية.

وتعكس هذه الجهود إدراك الدولة أنَّ مكافحة آثار التغير المناخي تتطلب استراتيجيات متوازنة بين محاور المجتمع والاقتصاد والبيئة، وتوظيف العلم والتكنولوجيا لإحداث أثر حقيقي على الأرض. وهكذا تؤكد مؤسسة حماة الأرض أنَّ استعدادات مصر للإسهام في “كوب 30” تجسيد لإرادة سياسية وعملية، تسعى إلى حماية الأرض، وضمان مستقبل مستدام للأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى