أخبار الاستدامة

مصر والصين تعززان التعاون الدولي في مجالات الطاقة وتحلية المياه

التعاون الدولي

مصر والصين تعززان التعاون الدولي في مجالات الطاقة وتحلية المياه

في مشهد يعكس عمق العلاقات الإستراتيجية بين القاهرة وبكين، استقبل الرئيس الصيني “شي جين بينج” الدكتورَ/ مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء المصري، في قصر الضيافة بمدينة تيانجين، جاء اللقاء على هامش مشاركة مصر في قمة منظمة “شنغهاي للتعاون بلس”، نيابة عن الرئيس عبد الفتاح السيسي، ليحمل في طياته رسائل متعددة تتعلق بالتعاون الدولي المشترك في مجالات الطاقة، وتحلية المياه، وصناعة السيارات الكهربائية.

وسوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال، أوجه التعاون بين مصر والصين وتوضح مجالاتها، كما تسلط الضوء على تأثير هذا التعاون في تحقيق التنمية المستدامة، وتعزيز الاستقرار في البلدين؛ فتابعوا القراءة.

سبعة عقود من الشراكة

مع اقتراب الذكرى السبعين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر والصين، تبدو هذه العلاقة اليوم في أفضل مراحلها على الإطلاق، وقد أبدى الرئيس الصيني اعتزازه بهذه الشراكة التي أثبتت صلابتها أمام مختلف التحديات الإقليمية والدولية، مشيرًا إلى أن علاقته الشخصية بالرئيس عبد الفتاح السيسي تمثل ركيزة إضافية لدعم هذا التقارب.

العلاقات المصرية الصينية

تاريخيًّا، كانت مصر أول دولة عربية وإفريقية تنضم إلى منظمة شنغهاي للتعاون، وهو ما اعتبره الرئيس الصيني خطوة فارقة تؤكد حضور القاهرة في المنظومة الدولية. أما اليوم، فإن الاهتمام المشترك يتركز على ملفات التنمية، وهو ما يمنح العلاقات بُعدًا عمليًّا، بعيدًا عن الطابع الدبلوماسي التقليدي.

ولعل الأهمية الاستثنائية لهذا التعاون تكمن في توافقه مع أولويات التنمية المستدامة، حيث يجمع بين تعزيز النمو الاقتصادي، وتوسيع قاعدة الاستثمارات، وتطوير قطاعات حيوية كتحلية المياه والطاقة النظيفة. بهذا المعنى، تتحول العلاقات المصرية الصينية إلى نموذج للتعاون الدولي الذي يخدم مصالح الشعوب ويستجيب للتحديات البيئية والمناخية في آن واحد.

شراكة نحو التحول للطاقة الخضراء

وبالإضافة إلى ذلك، أبدى الرئيس الصيني دعمه لخطط القاهرة في مجال الطاقة، خصوصًا فيما يتعلق بالطاقة المتجددة وتخزين الطاقة؛ فمصر تستهدف أن يشكل إنتاجها من الطاقة المتجددة 42% من إجمالي إنتاجها بحلول عام 2030، وهو ما يجعل التعاون مع الصين شريكًا إستراتيجيًّا لا غنى عنه في هذه المرحلة.

تتجلى أهمية هذا التعاون في أن الصين تُعد رائدة عالميًّا في مجال الطاقة الشمسية والرياح وتخزين الطاقة، ومن خلال توطين التكنولوجيا الصينية داخل مصر، يمكن للقاهرة أن تحقق قفزة نوعية في مجال إنتاج وتوزيع الطاقة النظيفة، بما يدعم خططها لتصدير الكهرباء إلى أوروبا ويعزز مكانتها باعتبارها مركزًا إقليميًّا للطاقة.

غير أن المسألة ليست فقط اقتصادية، وإنما تحمل بُعدًا بيئيًّا يتقاطع مع أهداف التنمية المستدامة، خاصة الهدف (7) المتعلق بضرورة توفير الطاقة النظيفة وبأسعار معقولة؛ فالتحول نحو الطاقة الخضراء يعني تقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وخفض الانبعاثات الكربونية، ودعم مسيرة العالم نحو الحياد الكربوني.

السيارات الكهربائية

إلى جانب ذلك، تصدر ملف آخر محادثات الجانبين، وهو التعاون في مجال السيارات الكهربائية، حيث تدرك مصر أن مستقبل النقل يعتمد بشكل متزايد على السيارات الكهربائية، التي تمثل بديلًا مستدامًا وصديقًا للبيئة. من جهة أخرى، تملك الصين الخبرة والتكنولوجيا المتقدمة التي جعلتها تتصدر هذا القطاع عالميًّا؛ مما يتيح لمصر الاستفادة من هذه التجربة القيمة.

السيارات الكهربائية

توجه مصر نحو توطين صناعة السيارات الكهربائية لا يقتصر على تصنيع مركبات جديدة فحسب، وإنما يمتد ليشمل بناء شبكة صناعية متكاملة. هذه المبادرة تفتح آفاقًا واسعة للاستثمارات في عدة قطاعات، بدءًا من البطاريات وأنظمة الشحن، وصولًا إلى التوسع في صناعات أخرى ذات صلة، وما يعزز هذه الجهود هو توفير فرص عمل جديدة ودعم الاقتصاد المحلي بشكل مستدام.

بالإضافة إلى ذلك، يسهم التحول إلى السيارات الكهربائية في تقليص معدلات التلوث في المدن المصرية المزدحمة؛ مما يتوافق مع الهدف (11) من أهداف التنمية المستدامة، الذي يركز على جعل المدن أكثر استدامة وصالحة للعيش. ومن خلال هذا التعاون الدولي، لا تقتصر الفوائد على تحسين مكانة مصر في سوق السيارات العالمي فحسب، وإنما يعزز أيضًا التزامها الراسخ بالتحول الأخضر، بما يسهم في مستقبل أكثر استدامة للبلاد.

تحلية المياه

كان الماء، باعتباره أساس الحياة والتنمية، محورًا رئيسيًّا في المحادثات بين الجانبين المصري والصيني؛ فقد أكد الرئيس الصيني دعمه الكامل لمشروعات تحلية المياه في مصر، وأعرب عن استعداد بلاده لتحديد نقطة اتصال مشتركة لتسهيل التعاون في هذا المجال الحيوي.

تحلية المياه

تسعى مصر إلى زيادة إنتاجها من المياه المحلاة بشكل كبير، حيث تستهدف إنتاج 10 ملايين متر مكعب يوميًّا خلال الخمس سنوات المقبلة، مقارنة بـ 1.4 مليون متر مكعب في الوقت الحالي، وتخطط مصر أيضًا لرفع هذه الكمية إلى 30 مليون متر مكعب في المستقبل. تعكس هذه الأرقام حجم التحدي الكبير الذي تواجهه البلاد في ظل ندرة المياه والتزايد السكاني المستمر.

الاستثمار والتمويل والتعاون المالي

لم يقتصر التعاون بين مصر والصين على الجوانب التقنية فقط، وإنما شمل أيضًا الجانب المالي، حيث رحب الرئيس الصيني بإصدار سندات “الباندا” مجددًا، وهي سندات دين تصدرها دول غير صينية في السوق المالية الصينية باليوان؛ مما يسهم في تعزيز الروابط المالية بين مصر والصين.

وهي تمثل فرصة لمصر لجذب الاستثمارات الصينية التي تتيح تمويل مشروعات التنمية الكبيرة في البلاد، ومن خلال هذا النوع من السندات، تستطيع مصر الوصول إلى مصادر تمويل إضافية، تكون حيوية في دعم مشروعاتها في مجالات، مثل الطاقة المتجددة، وتحلية المياه، والسيارات الكهربائية. كما ناقش الجانبان تبادل العملات الوطنية، مما يقلل الاعتماد على العملات الأجنبية ويعزز الاستقرار المالي، الذي ينعكس بدوره على الاستقرار الإقليمي.

نحو استقرار إقليمي

لم يغفل اللقاء أيضًا الجوانب السياسية، حيث أكد الرئيس الصيني دعمه لمصر في جهودها لتحقيق الاستقرار في منطقة البحر الأحمر وحل النزاعات في الشرق الأوسط، وهذه الرسائل تكتسب أهمية خاصة؛ لأن التنمية المستدامة لا يمكن أن تتحقق في بيئة مضطربة سياسيًّا.

إن الربط بين السلام والتنمية يُشكل جوهر أهداف التنمية المستدامة، فبدون استقرار إقليمي يصعب جذب الاستثمارات أو تنفيذ مشروعات البنية التحتية الكبرى، ومن هنا يظل التعاون بين القاهرة وبكين جزءًا من رؤية أشمل لإرساء السلام من خلال التنمية المشتركة.

نموذج للتعاون العملي

اللقاء الذي جمع رئيس الوزراء المصري مع رئيس مجلس إدارة شركة هندسة الطاقة الصينية (China Energy Engineering Corporation) شكّل محطة مهمة للتأكيد على الجانب العملي للتعاون بين البلدين؛ فالشركة التي نفذت 14 مشروعًا في مصر منذ 2009، أعلنت نيتها لاستثمار مليار دولار إضافي خلال السنوات الخمس المقبلة، مع التركيز على الطاقة المتجددة وتحلية المياه.

هذا النوع من الشراكات العملية يعكس كيف يمكن للتعاون الدولي أن يترجم إلى نتائج ملموسة، من مشروعات رأتها الأعين في العاصمة الإدارية الجديدة إلى خطط مستقبلية لتوطين تكنولوجيا الطاقة النظيفة، وهو تعاون يعكس الرؤية المزدوجة التي تتمثل في تعزيز التنمية الاقتصادية من ناحية، وحماية البيئة ودعم الاستدامة من ناحية أخرى.

التعاون رئيس الوزراء المصري مع رئيس مجلس إدارة شركة هندسة الطاقة الصينية

ومن هنا، تعتبر مؤسسة حماة الأرض أن ما تشهده العلاقات المصرية الصينية اليوم يتجاوز الدبلوماسية التقليدية إلى شراكة عملية متكاملة تشمل الطاقة، والسيارات الكهربائية، وتحلية المياه، بدعم من أدوات مالية مبتكرة مثل سندات الباندا؛ فهذا التعاون الدولي المشترك هو مسار استراتيجي يعكس التزام القاهرة وبكين بتحقيق التنمية المستدامة.

وتؤكد هذه الشراكة أن العالم بحاجة إلى تحالفات قائمة على تبادل الخبرات وتوطين التكنولوجيا والاستثمار في المستقبل. ومصر -من خلال هذا التعاون- لا تبحث فقط عن حلول آنية لأزماتها، بل تسعى إلى جعل الاستدامة محورًا رئيسيًّا في مسيرة التقدم الاقتصادي والاجتماعي لبناء نموذج يُحتذى به في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى