خطى مستدامة

كيف قدمت مصر نموذجًا عالميًّا في حماية التنوع البيولوجي؟

التنوع البيولوجي

كيف قدمت مصر نموذجًا عالميًّا في حماية التنوع البيولوجي؟

في ظل التحديات البيئية المتزايدة، والتزامًا بمستقبل أكثر استدامة، تواصل مصر ترسيخ مكانتها باعتبارها نموذجًا عالميًّا يحتذى به في حماية التنوع البيولوجي والحفاظ على الموارد الطبيعية، حيث كشفت بيانات صادرة مؤخرًا عن المركز الإعلامي لرئاسة مجلس الوزراء المصري عن حزمة من المشروعات الطموحة والإنجازات المشرقة التي تترجم هذا الالتزام إلى واقع ملموس.

ولهذا تستعرض حماة الأرض في هذا المقال كيف نجحت مصر في ترجمة هذا الالتزام إلى استراتيجيات شاملة ومبادرات عملية عبر السنين القليلة الماضية، بدءًا من خططها الوطنية الطموحة، مرورًا بمشروعات إعادة التأهيل والمراقبة البيئية، وصولًا إلى جهود الإنقاذ وحماية الأنواع المهددة؛ لنكشف بذلك عن نموذج متكامل يجمع بين حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة؛ فتابعوا القراءة.

الاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي

ولأن مواجهة التحديات البيئية المتزايدة لا يمكن أن تتحقق إلا عبر خطط مدروسة، جاءت الاستراتيجية الوطنية للتنوعِ البيولوجي 2015-2030، لتكون مسارَ مصر نحو الحفاظ على مواردها الطبيعية، مستهدِفةً توسيع نطاق المحميات الطبيعية، وتنمية الموارد البيئية بشكل مستدام؛ لضمان بقاء الثروات الطبيعية للأجيال القادمة. وهذا الإطار الشامل يعكس رؤية مصرية واضحة نحو دمج حماية البيئة ضمن نسيج التنمية الوطنية الشاملة، من خلال منظومة بيئية متكاملة، تبدأ بتوسيع شبكة المحميات، وتصل إلى برامج الإنقاذ والرصد، مرورًا بالتعاون الدولي والمبادرات المجتمعية.

ومن أبرز ملامح هذه الاستراتيجية الطموحة، برنامج توطين 2000 طائر من طيور الحُبَارَى في محمية العميد بمحافظة الوادي الجديد، الذي يعد ثمرة للتعاون المثمر مع الإمارات العربية المتحدة، والصندوق الدولي للحفاظ على الحُبَارَى، ويهدف هذا المشروع الحيوي إلى إعادة تأهيل هذا النوع المهدد بالانقراض؛ مما يبرز أهمية الشراكات الدولية في تحقيق أهداف حماية الأنواع.

بالإضافة إلى ذلك، عززت مصر شبكة محمياتها الطبيعية لتصل إلى 30 منطقة محمية، تغطي مساحة تتجاوز 146 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل حوالي 14.6% من إجمالي مساحة البلاد، وتُجسّد هذه المحميات -مثل محمية أشتوم الجميل المعنية بالسلاحف البحرية ومحمية وادي الجمال التي تُعنى برصد الأنواع المهددة- التزامًا راسخًا بالحفاظ على النظم البيئية الفريدة. كما تم تطوير 13 محمية طبيعية لتصبح مقاصد سياحية؛ وهذا وحده أسهم في زيادة إجمالي دخل المحميات الطبيعية بنسبة 40% خلال عام 2024 مقارنة بعام 2023.

إنجازات دولية

لم تقتصر جهود مصر على النطاق المحلي، وإنما امتدت لتُرسخ مكانتها باعتبارها دولة رائدة عالميًّا في مجال حماية البيئة من خلال مشاركاتها وإنجازاتها الدولية المشرقة، حيث تم اختيار منطقة وادي الحيتان ضمن قائمة “الخضراء” للمناطق المحمية التابعة للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) عام 2018؛ مما يعد علامة فارقة في هذا السياق، مؤكدةً على كون هذه المنطقة موقعًا استراتيجيًّا للاستدامة البيئية.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد فاز مشروع “صون الطيور المهاجرة” بجائزة “أفضل الممارسات العالمية” من مرفق البيئة العالمي (GEF) عام 2022؛ ليصبح نموذجًا يُحتذى به في حماية الطيور عبر التعاون الدولي، ويُظهر كيف يمكن للجهود المحلية أن تلقى صدى عالميًّا. علاوة على ذلك، كانت استضافة مصر لمؤتمر الأطراف الرابع عشر لاتفاقية التنوع البيولوجي (COP14) في شرم الشيخ عام 2018، حدثًا محوريًّا أكد دورها باعتبارها مركزًا إقليميًّا لصناعة السياسات البيئية؛ مما يعزز من قدرتها على التأثير في الأجندات العالمية.

كل هذه الإنجازات تترجم إلى تقدم ملموس، حيث شهد مؤشر التنوع البيولوجي العالمي ترقية ترتيب مصر من المركز 124 عام 2022 إلى 95 عام 2024، وفقًا لموقع “Environmental Performance Index”، وهو ما يعكس مدى الجهود المبذولة، بتحقيق تقدم قدره 29 مركزًا.

مراقبة الأنواع المهددة

وفي هذا الإطار، تُولي مصر اهتمامًا خاصًا بمراقبة الأنواع النادرة وتنفيذ برامج إنقاذ متخصصة؛ لضمان استمرارية الحياة البرية المعرضة للخطر، وتُعد هذه المبادرات الحيوية جزءًا أساسيًّا من استراتيجية التنمية المستدامة، حيث تسعى لدرء مخاطر الانقراض والحفاظ على التوازن البيئي.

تضمنت هذه الجهود رصد 5 أنواع مهددة بالانقراض في محمية وادي الجمال، بالإضافة إلى بدء أول برنامج متخصص لرصد وتتبع أسماك القرش في البحر الأحمر، وهو ما يعكس التزامًا بتوسيع نطاق المراقبة ليشمل البيئات البحرية الحيوية. ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد تم تطوير مركز مشاهدة الطيور في محطات الأكسدة بشرم الشيخ وجبل الزيت، وذلك لمراقبة الطيور، بالإضافة إلى تدريب الفرق المتخصصة على برامج الرصد البيئي المختلفة؛ مما يسهم في بناء القدرات المحلية.

ولتقديم الدعم الفوري للحيوانات التي تتعرض للخطر، تم إنشاء مركز إنقاذ الحياة البرية بالقاهرة؛ لتوفير الرعاية البيطرية، وإعادة تأهيل هذه الحيوانات؛ تمهيدًا لإعادتها إلى موائلها الطبيعية، وهذه المراكز والبرامج تؤكد أنَّ جهود الحفاظ على التنوع البيولوجي لا تقتصر على الحماية فقط، وإنما تمتد لتشمل التدخل الفعال لإنقاذ الأنواع المهددة.

حماية النظم البيئية

وتدرك مصر أنَّ حماية التنوع البيولوجي لا تتم بمعزل عن حماية النظم البيئية التي تحتضنه؛ لذا أولت اهتمامًا خاصًّا بالأنظمة البيئية الهشة، سواء كانت بحرية أو برية، ومن أبرز هذه الجهود مشروع “ملاذ آمن للحياة البرية” في محمية وادي الريان، الذي يهدف إلى حماية الغابات المتحجرة ومنطقة الأودية الفريدة. كما تركز مصر على تنفيذ برنامج لاستعادة النظم البيئية، يشمل أشجار المانجروف والشعاب المرجانية المتدهورة، بهدف تعزيز صحة البحار وزيادة أعداد السلاحف البحرية ودعم السياحة البيئية، مما يربط بين الحفاظ على البيئة وتحقيق عوائد اقتصادية مستدامة.

ولم تغفل مصر عن ربط جهود الحفاظ على التنوع البيولوجي بمكافحة التغير المناخي، من خلال استضافتها لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27) في شرم الشيخ عام 2022. ناقش هذا المؤتمر الدور المحوري لسياسات الحفاظ على التنوع البيولوجي باعتبارها حلقة وصل أساسية بين البيئة والاقتصاد، مؤكدًا أن استدامة النظم البيئية هي مفتاح المرونة في مواجهة تحديات المناخ.

شراكات من أجل مستقبل أخضر

ولأن استدامة النظم البيئية تتطلب جهودًا متضافرة تتجاوز حدود الدولة الواحدة، وضعت مصر التعاون الدولي والمحلي في صميم استراتيجياتها للحفاظ على التنوع البيولوجي؛ لتتخذ نهجًا متكاملًا يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويمهد الطريق لتوسيع نطاق الأثر الإيجابي عبر شراكات فعالة ومبتكرة.

وتتجسد هذه الرؤية التعاونية في مبادرة إعلان أول توأمة بين مصر والأردن لإنشاء مناطق حماية مشتركة للحياة البرية، التي تعكس التزامًا إقليميًّا بحماية الموارد الطبيعية العابرة للحدود. كما تعزز مصر شراكاتها مع المنظمات الدولية البارزة مثل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)  ومرفق البيئة العالمي (GEF) لتمويل وتنفيذ مشاريع ضخمة.

ومن الأمثلة البارزة على هذا التعاون، تعديل تقييم الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة لموقع وادي الحيتان من “جيد مع بعض المخاوف” عام 2017 إلى “جيد” عام 2020؛ مما يبرهن على الأثر الإيجابي لهذه الشراكات في الارتقاء بمستويات الحماية والإدارة، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الشراكات لا توفر الدعم المالي والتقني فحسب، وإنما تسهم أيضًا في تبادل الخبرات وبناء القدرات؛ مما يضع مصر في مقدمة الدول التي تتبنى نهجًا شموليًّا للحفاظ على التنوع البيولوجي العالمي.

تؤكد هذه الإنجازات المتتالية، التي أظهرتها البيانات الرسمية أن مصر لا تكتفي بوضع الخطط الطموحة، وإنما تترجمها إلى واقع ملموس يعزز من مكانتها العالمية في مجال حماية التنوع البيولوجي، ومن هنا تؤمن حماة الأرض بأن هذه المسيرة نحو الاستدامة تعكس التزامًا عميقًا بمستقبل تتوازن فيه التنمية مع الحفاظ على كنوز الطبيعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى