ما خطورة تلوث الهواء على صحة الإنسان وأهداف التنمية المستدامة؟

ما خطورة تلوث الهواء على صحة الإنسان وأهداف التنمية المستدامة؟
يُعد تلوث الهواء من أخطر القضايا البيئية التي تواجه العالم اليوم، إذ يتعرض مئات الملايين من الناس يوميًّا لهواء ملوَّثٍ يحمل جسيمات وغازات ضارة ناتجة عن حرق الوقود الأحفوري والانبعاثات الصناعية وحرائق الغابات، بل وحتى عن استخدام الفحم أو الحطب في الطهي داخل المنازل.
ولا يقتصر تأثير تلوث الهواء على مشكلات تنفسية مؤقتة، بل يمتد إلى أمراض مزمنة مثل القلب والسرطان، ويؤدي إلى ملايين الوفيات المبكرة سنويًّا. كما يرهق أنظمة الرعاية الصحية، ويضعف إنتاجية المجتمعات، ويؤثر في النمو الاقتصادي.
ومن هذا المنطلق، تسعى مؤسسة حماة الأرض إلى تسليط الضوء في هذا المقال على قضية تلوث الهواء من منظور شامل يجمع بين الأبعاد الاجتماعية والاقتصادية والبيئية، مع التركيز على حلول عملية تراعي العدالة في توزيع المنافع والتكاليف.
أزمة عالمية تتطلب تحركًا عاجلًا
لقد تسبَّب تلوث الهواء –وفقًا لدراسة حديثة– في أكثر من 8.1 مليون وفاة مبكرة عام 2021، وهو ما يدعو إلى تتجدد الدعوات إلى مواجهة هذه الأزمة التي وصفها الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بأنها “حالة طوارئ عالمية”.
وتشير منظمة الصحة العالمية إلى أن 99% من سكان الأرض يتنفسون هواءً ملوثًا تتجاوز نِسب مكوناته الحدود المسموح بها، وهو رقم يكشف حجم التحدي أمام الحكومات والمؤسسات الدولية.
مصادر متعددة ومخاطر متشابكة
ينقسم تلوث الهواء إلى نوعين رئيسيين:
- التلوث الداخلي
هو تلوث ناتج عن حرق الأخشاب والفحم وفضلات الحيوانات داخل المنازل.
- التلوث الخارجي
وهو تلوث ناتج عن المصانع والسيارات وحرائق الغابات والعواصف الرملية.
وتشكل الملوثات الدقيقة -مثل أول أكسيد الكربون والأوزون وثاني أكسيد النيتروجين- خطرًا مضاعفًا؛ إذْ تتغلغل في الرئتين وتصل إلى مجرى الدم، مسببةً أمراضًا خطيرةً؛ من بينها الالتهاب الرئوي، وسرطان الرئة، وأمراض القلب.
تلوث الهواء والتنمية المستدامة
يظهر مما سبق أنَّ تلوث الهواء يرتبط ارتباطًا وثيقًا بتغير المناخ؛ إذ تسهم ملوثات مثل الميثان والكربون الأسود في زيادة ظاهرة الاحتباس الحراري. وفي المقابل فإنَّ تقليل التلوث يحقق فوائد اقتصادية واجتماعية وبيئية واسعة، ويسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر، خصوصًا الأهداف المتعلقة بالصحة، والطاقة النظيفة، والمساواة، ومكافحة الفقر.
حلول محلية في إطار عالمي
رغم أن الملوثات تعبر الحدود الجغرافية، فإن الحلول تبدأ على المستوى المحلي؛ فإنَّ بناء أنظمة دقيقة لرصد جودة الهواء، ومشاركة البيانات مع المواطنين، وتشديد التشريعات الخاصة بالانبعاثات الصناعية وعوادم المُركبات، كلها خطوات ضرورية. كما يجب دعم النقل العام واستخدام التقنيات النظيفة في مجالات الزراعة والطاقة.
جهود مكافحة تلوث الهواء
إنَّ مكافحة تلوث الهواء تتطلب تحولات شاملة في السياسات العامة، ومنها:
أولًا- يجب تحويل بيانات الرصد إلى قرارات تنفيذية تُمكّن الحكومات من التحرك السريع عند ارتفاع الملوثات.
ثانيًا- ينبغي دمج سياسات الحد من الانبعاثات مع خطط النقل والطاقة والزراعة والصناعة، بما يضمن أولوية للتقنيات النظيفة والنقل المستدام.
ثالثًا- على مستوى المنازل، يجب توفير وسائل طهي وتسخين آمنة ونظيفة للفئات الفقيرة، للحد من المخاطر الصحية الناتجة عن الوقود الصلب.
وعلى الجانب الاقتصادي تُظهر التجارب أنَّ الاستثمار في مكافحة تلوث الهواء يدرّ عوائدَ تفوق تكلفته، من خلال خفض النفقات الصحية وزيادة الإنتاجية. ويمكن دعم ذلك عبر السندات الخضراء وصناديق الدعم للدول المنخفضة الدخل.
ويجب أنْ نؤكد هنا أيضًا أنَّ التمويل وحده غير كافٍ؛ لأنَّ الحوكمةَ الرشيدة وتطبيقَ القوانين ومساءلةَ الملوثين ضروريةٌ لتحقيق نتائج مستدامة. كما يجب أن تراعي السياسات العدالة البيئية؛ لأنَّ الأطفال وكبار السن والمجتمعات الفقيرة يتحملون العبء الأكبر من آثار تلوث الهواء.
ولن تُحقِّق الإجراءات التقنية والسياسات الوطنية أهدافها دون مشاركة مجتمعية واسعة ودور رقابي فعال للمجتمع المدني ووسائل الإعلام والقطاع الخاص. وإنَّ القدرة على تغيير سلوكيات المستهلكين وتبني ممارسات صناعية وأنماط عمرانية صديقة للبيئة تعتمد في جزء كبير منها على وعي عام مدعوم بمعلومات شفافة وفرص تمكين حقيقية.
في المحصلة، نجد أنَّ مواجهة تلوث الهواء هي اختبار لمدى نضج مؤسساتنا وقدراتنا على التفكير الطويل المدى: هل سنختار مسارًا يُعلِي من قيمة الصحة العامة والعدالة والاستدامة الاقتصادية، أم سنؤجل المحاسبة والقرار وتبقى الأرواح والخدمات الصحية والاقتصاد يدفعون ثمنًا باهظًا؟
وفي هذا الإطار، تواصل مؤسسة حماة الأرض جهودها بتحقيق أهداف التنمية المستدامة ونشر الوعي بقضاياها، مؤكِّدةً أنَّ حماية جودة الهواء هي حماية للحياة نفسها، وأنَّ التنمية المستدامة لا يمكن أنْ تتحقق في بيئة ملوثة؛ لأنَّ كلَّ نَفَسٍ نظيفٍ هو خطوة نحو صحة أفضل وكوكب أكثر توازنًا.






