التنوع البيولوجي – حماة الأرض https://earthsguards.com يد واحدة.. استدامة واعدة Wed, 17 Sep 2025 14:15:17 +0000 ar hourly 1 https://wordpress.org/?v=6.8.3 https://earthsguards.com/wp-content/uploads/2022/05/cropped-logo-big-W-orange-BG-Copy-32x32.png التنوع البيولوجي – حماة الأرض https://earthsguards.com 32 32 ناسا تكشف عن أقوى دليل محتمل لوجود الحياة على سطح المريخ https://earthsguards.com/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a%d8%a7%d8%a9-%d8%b9%d9%84%d9%89-%d8%b3%d8%b7%d8%ad-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b1%d9%8a%d8%ae-%d9%85%d8%ad%d8%aa%d9%85%d9%84%d8%a9/ Wed, 17 Sep 2025 14:00:42 +0000 https://earthsguards.com/?p=11905 الحياة على سطح المريخ

ناسا تكشف عن أقوى دليل محتمل لوجود الحياة على سطح المريخ

منذ فجر التاريخ ظل سؤال: هل نجد دليلًا يؤكد وجود الحياة على سطح المريخ؟ وهو سؤال يثير خيال العلماء والبشرية كلها، وبينما بقيت الإجابة غامضة، جاء كوكب المريخ ليحمل آمالًا متجددة، باعتباره أكثر الكواكب شبهًا بالأرض.

وفي خطوة وُصفت بالتاريخية، أعلنت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا في يوليو 2024 عن اكتشاف غير مسبوق داخل صخرة رسوبية قديمة على سطح المريخ، يُرجَّح أنْ تحمل دلائل على وجود حياة ميكروبية في الماضي السحيق.

هذا الاكتشاف لا يمثل إثباتًا نهائيًا بعد، لكنه يُعد أقوى مؤشر علمي حتى اليوم على أنَّ المريخ لم يكن كوكبًا ميتًا دومًا، وأنه احتضن -ربما- شروطًا ملائمة للحياة قبل مليارات السنين.

تفاصيل اكتشاف الحياة على سطح المريخ

جُمعت العينةُ من منطقة تُعرف باسم “شيافا فولز” في وادي “نيريتفا”، وهو ممر نهري قديم كان يصب في بحيرة “جيزيرو”. وإنَّ اختيار هذا الموقع لم يكن عشوائيًا؛ فالمركبة الجوالة “بيرسيفيرنس” ركَّزت -منذ هبوطها عام 2020- على الأماكن التي كانت في الماضي بيئات مائية مستقرة؛ لأنها أكثر المواقع قدرة على حفظ آثار الحياة على سطح المريخ إن وُجدت.

وقد كشفت التحاليل عن أنماط دقيقة تشبه البقع المرقطة والحلقات الصغيرة داخل الصخور، إلى جانب مركبات كربونية عضوية. لكن ما لفت الأنظار هو وجود معدنين بارزين:

  • الفيفيانيت (فوسفات الحديد).
  • الغريغيت (كبريتيد الحديد).

وعلى الأرض يتكون هذان المعدنان -عادةً- في بيئات مرتبطة بنشاط ميكروبي؛ مما جعل اجتماعَهما في صخرة واحدة على المريخ حدثًا بالغ الأهمية.

مِن الجدير بالذكر أنه على كوكب الأرض، يتشكل “الفيفيانيت” في رسوبيات لا هوائية بفعل الميكروبات المختزلة للحديد، حينما يرتبط “الغريغيت” بدورات الكبريت التي تقودها بكتيريا خاصة. واجتماع الاثنين في نمط محدد يعكس وجود بيئة مائية مستقرة قد تسمح بوجود حياة دقيقة.

تفاصيل اكتشاف الحياة على سطح المريخ

كيف جرى التحليل؟

لمحاولة اكتشاف الحياة على سطح المريخ اعتمدت ناسا على جهازين متطورين:

  • SHERLOC: يكشف المركبات العضوية باستخدام أشعة رامان فوق البنفسجية.
  • PIXL: يرسم خرائط دقيقة للعناصر عبر فلورية الأشعة السينية.

وعلى ذلك عززت النتائج المتطابقة للجهازين الثقة بأن هذه البصمات ليست عشوائية، بل تحمل نمطًا متكررًا يشبه ما يخلفه النشاط الحيوي على الأرض. ومع ذلك، شدد الباحثون على أن التفسير الحيوي ليس الوحيد الممكن؛ إذ يمكن لبعض التفاعلات الكيميائية أن تنتج أشكالًا مماثلة.

بين الحذر والإثارة

لطالما أثار احتمال وجود الحياة على سطح المريخ جدلًا علميًا؛ ففي تجربة “فايكنغ” عام 1976 فسّر البعض نتائجها بأنها دليل على أيض ميكروبي، قبل أن ترجَّحَ التفسيراتُ الكيميائيةُ. وفي عام 1996 أُعلن عن نيزك ALH84001 الذي احتوى على تركيبات دقيقة فُسّرت حينها بأنها آثار أحفورية، لكنها اعتُبرت -لاحقًا- نتاجًا غير حيوي.

ولتجنب تكرار هذه الإشكالات، وضعت ناسا إطارًا يُعرف بـ”CoLD” (مقياس موثوقية اكتشافات الحياة)، يتدرج من 1 إلى 7، ومِن هنا يُصنَّف الاكتشاف الحالي في المراتب الأولى؛ أي أنَّ هناك “إشارة قوية محتملة” لا أكثر، وسيبقى الإثبات النهائي مرهونًا بعودة العينات إلى الأرض؛ من أجل إجراء فحوص متقدمة، تشمل دراسةَ النظائر والتصويرَ المجهري الإلكتروني.

دلالات علمية أوسع

حتى وإن لم تُثبت التحاليل أن هذه البصمات ناتجة عن نشاط ميكروبي، فإن القيمة العلمية للاكتشاف كبيرة، ويمكن تفصيلها في النقاط الآتية:

  1. إعادة رسم تاريخ المريخ: النتائج تؤكد أنه كان في الماضي بيئة مائية مستقرة، وربما صالحة للحياة.
  2. توسيع فهم نشأة الحياة: الاحتمال بأن الحياة قد نشأت على أكثر من كوكب في الفترة ذاتها يعيد صياغة تصوراتنا حول نشأة الكائنات في الكون.
  3. تعزيز قابلية الاستكشاف: الاكتشاف يبرهن على أن البحث في وديان المريخ وبحيراته القديمة قد يحمل مزيدًا من المفاجآت.

الكون

لماذا لا تكفي أجهزة المسبار؟

إنَّ الأدوات الموجودة على سطح المريخ متقدمة، لكنها محدودة، مقارنة بالمختبرات على كوكب الأرض، حيث إن إثبات الحياة يتطلب:

  • تحليلات نظائر دقيقة (مثل الكربون والكبريت والحديد).
  • دراسة تركيب الجزيئات العضوية على مستوى البنية والكيمياء الفراغية.
  • تصوير بالمجهر الإلكتروني للجزيئات الدقيقة.

لذا، فإنَّ هذه الاختبارات غير ممكنة إلا إذا عادت العينات إلى الأرض، وهو ما يُسلّط الضوء على أهمية برنامج إرجاع عينات المريخ (MSR) الذي ما يزال قيد التخطيط، ويواجه تحديات مالية وتقنية عملاقة.

لذلك تشمل الخطوات القادمة لهذا الاكتشاف المثير للاهتمام إجراء تجارب مخبرية لمحاكاة الظروف على سطح المريخ، ومعرفة إن كانت هذه المعادن والأنماط ممكنة دون حياة، بالإضافة إلى مواصلة الحفر في مواقع أخرى داخل وادي “نيريتفا”، مع تحديد أولويات العينات التي ستُعاد إلى الأرض ليتم دراستها بشكل أكثر تفصيلًا.

الاستدامة: دروس من المريخ

قد يبدو البحث عن ميكروبات محتملة على كوكب بعيد مسألة علمية تمامًا، لكنه في جوهره يرسل إلى البشرية رسالة عميقة؛ فإذا كنا نبذل كل هذا الجهد لاكتشاف حياة مجهولة -الحياة على سطح المريخ- أفلا يجدر بنا أنْ نحافظ على الحياة المؤكدة على سطح كوكب الأرض؟!

ومما سبق، ترى مؤسسة حماة الأرض أنَّ احتمال وجود الحياة على سطح المريخ يعكس ضرورة الربط بين استكشاف الفضاء وأهداف التنمية المستدامة؛ لذا تؤكد المؤسسة أنَّ الاكتشافات الفضائية تعكس حاجة البشرية إلى بيئات صالحة للحياة، وهو ما يحتم علينا تعزيز استراتيجيات حماية المياه، والحفاظ على التنوع البيولوجي، ومكافحة تغيّر المناخ.

]]>
تفتت أكبر جبل جليدي يضع أهداف التنمية المستدامة أمام اختبار صعب https://earthsguards.com/%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d8%af%d8%a7%d9%85%d8%a9-%d8%a3%d9%85%d8%a7%d9%85-%d8%a7%d8%ae%d8%aa%d8%a8%d8%a7%d8%b1-%d8%b5%d8%b9%d8%a8/ Sun, 07 Sep 2025 14:00:32 +0000 https://earthsguards.com/?p=11812 التنمية المستدامة

تفتت أكبر جبل جليدي يضع أهداف التنمية المستدامة أمام اختبار صعب

لا تزال خطة أهداف التنمية المستدامة تحذر من التغير المناخي الذي صار واقعًا يفرض نفسه على كوكب الأرض يومًا بعد يوم! لأنَّ مثل هذه الأحداث المناخية المتطرفة تقول بأنَّ هناك اختلالًا في الأنظمة البيئية داخل كثير من دول العالم.

وفي هذا السياق، تبرز أهداف التنمية المستدامة باعتبارها خريطةَ طريقٍ عالميةً وضعتها الأمم المتحدة؛ من أجل تأمين مستقبلٍ عادلٍ وآمنٍ للبشرية جمعاء؛ ولذلك سوف تتناول مؤسسة حماة الأرض في هذا المقال تداعيات أبرز حدث مناخي، وهو تفتت أكبر جبل جليدي في العالم، موضحِّةً مدى ارتباط هذا الخبر العالمي بأهداف التنمية المستدامة؛ فتابعوا القراءة.

أكبر ذوبان جليدي منذ 40 عامًا

يأتي تفتت أضخم جبل جليدي في العالم -وهو الجبل المسمَّى A23a– حدثًا استثنائيًّا يجسد تجسيدًا واضحًا حجمَ التحدي الذي تواجهه أهداف التنمية المستدامة، وهو ما يضع البشرية كلها أمام سؤال محوري، هو: كيف نُحوِّلُ التعهدات الدولية إلى أفعال تنقذ الأرض قبل فوات الأوان؟

لقد تصدر خبر تفتت أضخم جبل جليدي في العالم عناوينَ النشرات العالمية، وهو حدث نادر لم يُرَ مثله منذ نحو أربعين عامًا؛ فقد تفتت أجزاء كبيرة من جبل “A23a” في القارة القطبية الجنوبية، ويرجَّحُ اختفاؤه كله في أثناء الأسابيع القادمة.

وهناك أشارتِ التحليلاتُ إلى أنَّ كتلة “A23a” كانت تزن نحو تريليون طن تقريبًا، وعلى مساحة تبلغ ضِعف مساحة مدينة لندن؛ وذلك ما يجعله حدثًا مناخيًّا فريدًا، وناقوسَ خطرٍ يوجِّه بضرورة مكافحة التغيرات المناخية في إطار أهداف التنمية المستدامة.

أضخم جبل جليدي في العالم -وهو الجبل المسمَّى A23a

تاريخ أكبر جبل جليدي

يمثِّل تفتت جبل “A23a” مثالًا صارخًا على هشاشة النظم البيئية أمام ظاهرة الاحترار العالمي؛ لأنَّ المتابع لمساره -منذ انفصاله الأول عام 1986- يلْحظُ كيف ظل راسيًا عقودًا من الزمانِ، ثم بدأ في الانزلاق والتفتت في سنوات قليلة كأنَّ الكوكب يوجه إنذارًا للبشرية.

هذا التاريخ ليس تفاصيلَ علميةً فارغةً؛ لأنَّها دليل واقعي على عمق التهديدات التي تواجه البيئة العالمية؛ لذا يصبح الربط بين هذا الحدث المناخي وأهداف التنمية المستدامة أمرًا ضروريًّا، لأنَّ تلك الأهداف تمثل الخطة العملية لإنقاذ التوازن البيئي وضمان استدامة الموارد.

ظاهرة الاحترار العالمي

ويتضمن تاريخ هذا الجبل -جبل -A23a أعوامًا من التغير، وتفصيلها كالآتي:

1986

في البدء انفصل جبل “A23a” عن صفيحة جليدية في القارة القطبية الجنوبية عام 1986، وظل محصورًا في مياه شديدة البرودة أكثر من ثلاثين عامًا.

2020

ثم في عام 2020 حُررت الكتلة الجليدية من قاع البحر بفعل التيارات البحرية القطبية الجنوبية، ثم جُرفت شمالًا.

مارس 2025

بعد ذلك -في مارس 2025- جنح الجبل إلى ضفة مياه ضحلة قرب جزيرة جورجيا الجنوبية، حتى أثار مخاوفَ من تعطيل حركة حيوانات البطريق والفقمة التي كانت تغذي صغارها هناك.

مايو 2025

وفي أواخر مايو سرعان ما انفلتت الكتلة الجليدية عن الجرف، واستأنفت تحركها شمالًا دون أنْ تصطدم بالأرض.

سبتمبر 2025

خلال أواخر هذه الرحلة -في بدايات شهر سبتمبر الحالي- واصل “A23a” تقدمه شمالًا بسرعة أكبر من المعتاد؛ فقُدِّر أنه قطع مسافات يومية تقارب 20 كيلومترًا. وفي تلك المرحلة بدأت أجزاء كبيرة منه في الانفصال، وقد بلغ كلٌّ منها نحو 400 كيلومتر مربع.

تغير المناخ والتأثيرات البيئية

يوضح العلماء العلاقةَ بين ظاهرة تفكك “A23a” وارتفاع درجات حرارة المحيطات؛ فكلما ارتفعت حرارة المياه القطبية ازدادت سرعة ذوبان الغطاء الجليدي. ويقول الخبراء إنَّ مسار “A23a” عبر مياه دافئة بهذه الدرجة يشير إلى تعاظم ظاهرة الاحتباس الحراري، ويُعَدُّ إنذارًا مبكرًا لتغير المناخ.

ويمكن تلخيص أبرز المخاطر الناتجة عن هذه الظواهر المناخية في ما يأتي:

  • اضطراب أنماط التيارات البحرية.
  • تراجع مواطن الكائنات البحرية والبرية.
  • تهديد مصادر الغذاء الطبيعية.
  • ارتفاع مستوى البحار وما يصاحبه من مخاطر على السواحل.

تغير المناخ

أهداف التنمية المستدامة هي الحل

في إطار مواجهة هذه التحديات، جاءت أهداف التنمية المستدامة السبعة عشر خريطةَ طريقٍ عالميةً، ومنها ما يحث شعوب العالم على الاهتمام بالموارد البيئية، مثل:

  • اتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحة تغير المناخ.
  • حماية الحياة تحت الماء.
  • صون الحياة على البر.

وتُشكِّل هذه الأهداف معًا إطارًا جامعًا للحفاظ على البيئة والتنوع البيولوجي؛ لأنَّ الحدث المتعلق بـ”A23a” ليس مجرد ظاهرة طبيعية، بل ناقوس خطر يعيد تأكيد أنَّ حماية النظم الإيكولوجية البحرية والبرية أمر لا يقبل التأجيل.

وإنَّ تفعيل السياسات البيئية الدولية -مثل تعزيز الاستثمار في الطاقة المتجددة وإعادة التشجير– السبيل الوحيد لوقف تسارع ذوبان الجليد القطبي. كما أنَّ التوعيةَ المجتمعية وغرسَ مبادئ الاستدامة في التعليم يُعدَّانِ أدوات فعَّالة لبناء وعي بيئي قادر على دعم هذه الأهداف.

وكذلك فإنَّ تفتت جبل “A23a” الجليدي يقدِّم إلى العالم درسًا واضحًا؛ هو: حتى أضخم التكوينات الطبيعية يمكن أنْ تنهار أمام تسارع التغيرات المناخية. وبالرغم من أنَّ ضخامته أبقته متماسكًا عقودًا من الزمان، فإنَّ خروجه إلى مياه أكثر دفئًا كشف عن هشاشته أمام العوامل المناخية المتشابكة.

التنمية المستدامة

مِن هنا، يصبح الالتزام بأهداف التنمية المستدامة ضرورة وجودية لحماية كوكب الأرض؛ لأنَّ التعاونَ الدولي، وتمويلَ البحث العلمي، وتبنِّيَ ممارسات يومية مسئولة -مثل إعادة التدوير وترشيد الاستهلاك- كلها تمثل أدوات دفاع حقيقية في مواجهة الخطر البيئي المحدق بشعوب العالم.

وتبقى رسالة مؤسسة حماة الأرض واضحة: إنَّ التنمية المستدامة ليست خيارًا تجميليًّا، بل هي سبيل لحماية الغد من الانهيار. وإذا كان تفتت “A23a” جرس إنذار فإنَّ تجاوب المجتمع الدولي معه بقرارات حاسمة سيكون اختبارًا حقيقيًّا لمستقبل البشرية فوق هذا الكوكب.

]]>
هل تتحقق أهداف التنمية المستدامة دون رعاية الحيوانات؟ https://earthsguards.com/%d8%b1%d8%b9%d8%a7%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%ad%d9%8a%d9%88%d8%a7%d9%86%d8%a7%d8%aa-%d8%b6%d9%85%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d8%af%d8%a7%d9%85%d8%a9/ Tue, 05 Aug 2025 14:00:58 +0000 https://earthsguards.com/?p=11111

هل تتحقق أهداف التنمية المستدامة دون رعاية الحيوانات؟

عندما نتحدث عن مستقبل مستدام، غالبًا ما تقفز إلى أذهاننا صور الهواء النظيف والطاقة المتجددة وإعادة التدوير، لكن نادرًا ما نتوقف عند أحد أهم المكونات المهملة لهذا المستقبل: رعاية الحيوانات، بخاصة أننا نعيش عصرًا تتسارع فيه تحديات التنمية المستدامة؛ ولذا أصبحت الحيوانات شديدة المعاناة، بسبب تجاهل قيمتها ضمن منظومة الاستدامة على الرغم من أنها عميقة الارتباط بالمجتمع والاقتصاد والبيئة.

وعلى ذلك سوف تتناول مؤسسة حماة الأرض في هذا المقال الروابطَ الخفيةَ والواضحةَ بين رفاهية الحيوان وأهداف التنمية المستدامة، مجيبةً عن سؤال: كيف يمكن أنْ يشكل تحسين حياة الحيوانات في البرية والمزارع رافعةً اجتماعيةً واقتصاديةً وبيئيةً تسهم في بناء عالم أكثر عدالةً واستقرارًا؟ فتابعوا القراءة.

مَن يحمي الحيوانات؟

لم تعد حماية الحيوانات مسألة أخلاقية فحسب، بل باتت ضرورة بيئية وصحية ومجتمعية تمسّ حاضر الإنسان ومستقبله. وبينما تتوزع المسئوليات بين الأفراد والمؤسسات والحكومات فإنَّ التحدي الحقيقي يكمن في تحويل رفاهية الحيوان إلى جزء لا يتجزأ من السياسات العامة وممارسات التنمية الشاملة.

مَن يحمي الحيوانات؟

ولحصر الأمر فإنَّ مسئولية حماية الحيوانات تقع على عاتق ثلاثة أطراف رئيسية؛ هي:

الجمهور

يمكن حماية الحيوانات من خلال تقليل الطلب على المنتجات المرتبطة باستغلال الحيوانات، مثل تجارة الفراء والعاج، وكذلك المنتجات المجربة على الحيوانات، واللحوم القادمة من مزارع لا تلتزم بمعايير الرفق بالحيوان؛ فعندما يُقلّل المستهلكون من استهلاك هذه المنتجات أو يختارون بدائل أخلاقية ومستدامة، فإنهم يرسلون بهذا رسالة واضحة إلى الأسواق مفادها: الرفق بالحيوان ليس خيارًا ثانويًّا، بل أولوية.

الشركات

وأيضًا يكون تعزيز دور الحيوانات -وفق معايير الاستدامة- عبر تحسين جهود الرفق بالحيوان في سلاسل التوريد والإمداد، حيث يكون للشركات دور أساسي تحمي به الحيوانات في قطاعات مثل قطاع الأغذية والموضة والتجميل؛ إذْ إنَّ دمج هذه المعايير يُقلّل من معاناة الحيوانات، ويعزّز مصداقية العلامات التجارية، ويُسهم في تحقيق الاستدامة الاجتماعية والاقتصادية والبيئية.

الحكومات

وأمَّا الحكومات فلا يزال لها دور رئيسي؛ فهي تقوم بوضع السياسات وتنفيذ القوانين واللوائح التنظيمية، التي تحسِّن وضع الحيوانات البرية والمستأنسة.

ولكن يبقى هنا سؤال جدير بالاهتمام؛ هو: ما الأبعاد التي يمكن أنْ تقوم عليها جهود تعزيز رفاهية الحيوانات وتحقيق تقدم ملموس في مجال رعايتها والرفق بها؟ وتكمن الإجابة في عدد من المحاور، وهي المحاور التي نلقي عليه الضوء في السطور القادمة.

مَن يحمي الحيوانات؟

الزراعة المستدامة لا تكتمل دون رعاية الحيوانات

في عام 1984، صاغ الباحث “جيبز” أولَ تعريف شامل للزراعة المستدامة، وضمّن فيه عنصر “الإنسانية”، وهذا بالإضافة إلى الجانب الاقتصادي والجانب والبيئي، غير أنَّ هذا العنصر -البُعد الإنساني- قد أُسقِط عمدًا من التعريفات اللاحقة؛ مما عكس انحرافًا واضحًا في طريقة تعاملنا مع استدامة الزراعة؛ وبالتالي فإنَّ ذلك يُعد إهمالًا للمعنى الشامل للتنمية المستدامة وسبل تحقيق أهدافها السبعة عشر.

وهذا الإقصاء لم يكن بريئًا، بل أدى إلى فصل خطير بين مفهوم الزراعة المستدامة وبين واقع معاناة الحيوانات في أنظمة الإنتاج المكثف، حيث صارت الحيوانات وسائلَ إنتاج لا كائنات حية لها احتياجات وشعور؛ مما أفرغ مفاهيم “الاستدامة” من بعدها الأخلاقي أو الإنساني.

الزراعة المستدامة لا تكتمل دون رعاية الحيوانات

من جهة أخرى، لا يمكن إنكار أنَّ ممارسات الزراعة الصناعية -بما فيها تلك التي تهمل الرفاه الحيواني- تمثل سببًا مباشرًا في التدهور البيئي، من إزالة الغابات وتلوث الهواء والمياه حتى فقدان التنوع البيولوجي؛ ولذلك تشدد حماة الأرض على ضرورة إعادة دمج الرفق بالحيوان في صلب تعريف الزراعة المستدامة؛ حتى يمكن إعادة التوازن بين الإنتاج والضمير، وبين الربح والرحمة، وبين الإنسان وبيئته.

التنوع البيولوجي

ترتبط حماية التنوع البيولوجي ارتباطًا وثيقًا برعاية الحيوانات في النظم البيئية الطبيعية؛ لأنَّ الكائنات البرية ركائز أساسية في الحفاظ على توازن النظم البيئية، وتقديم خدمات حيوية، مثل تلقيح النباتات، وتنقية الهواء والماء.

فحين تُنتَهك حقوق الحيوانات البرية أو تُدمر بيئاتها ينهار هذا التوازن، وتبدأ سلسلة من التأثيرات السلبية التي تصل في النهاية إلى الإنسان نفسه. وهنا تبرز أهمية ممارسات إدارة الأراضي المستدامة التي تراعي احتياجات الحيوانات، مثل الرعي الدوري، واستعادة المواطن الطبيعية، باعتبار أنَّ هذه الممارسات أولَ خط دفاع ضد كل ما يمكن أنْ يهدد التنوع البيولوجي.

ليس ذلك فحسب، بل إنَّ تبني ممارسات رحيمة يخفف أيضًا من الضغوط على المواطن الطبيعية، ويقلل من مخاطر انقراض الأنواع، خاصة مع تفاقم آثار التغير المناخي والتوسع الزراعي الجائر، وذلك يؤكد أنَّ الرفق بالحيوان قيمة أخلاقية، وأداة بيئية فعالة في وجه التحديات المناخية المتسارعة.

البُعد الاقتصادي

قد يُنظر إلى الاستثمار في رعاية ورفاهية الحيوان على أنه عبء اقتصادي، لكن الأبحاث والممارسات الحديثة تثبت العكس تمامًا؛ فإنَّ تحسين بيئات تربية الحيوانات، وتوفير الماء والغذاء والرعاية الصحية أسباب إيجابية تسهم في زيادة الإنتاجية، وتقليل معدلات نفوق الحيوانات؛ مما يجعل من الممارسات الرحيمة وسيلة لتعزيز الكفاءة الاقتصادية.

ووفقًا للمنظمة العالمية لصحة الحيوان (WOAH)، فإنَّ تحسين الخدمات البيطرية، وتعزيز إدارة الصحة الحيوانية يمكن أنْ يرفعَا الإنتاجَ الحيواني العالمي بنسبة 20% دون حاجَةٍ إلى التصنيع المفرط. وهذه المعادلة تفتح الباب أمام دعم صغار المنتجين بطرق أكثر استدامة وإنصافًا.

ويتزايد وعي المستهلكين -من جهة أخرى- تجاه الممارسات غير الأخلاقية في سلاسل التوريد، وهو الأمر الذي يدفع إلى مقاطعة المنتجات التي تتجاهل رفاهية الحيوان. وهذا التحول الأخلاقي أصبح معيارًا للسوق، حيث تحظى الشركات التي تلتزم بالرفق بالحيوان بميزة تنافسية قوية.

وفي ظل ما نشهده من انتشار الأمراض الحيوانية، يتأكد لنا أنَّ استدامة النظم الغذائية لا يمكن فصلها عن صحة الحيوانات وظروف تربيتها؛ مما يجعل من الرفق بالحيوان عنصرًا لا غنى عنه لبناء أنظمة غذائية صحية وآمنة.

رفاهية الحيوان أمان اجتماعي

لا تقتصر آثار رفاهية الحيوان على البيئات الطبيعية أو الأسواق، بل تمتد إلى نسيج المجتمع وصحة أفراده النفسية والجسدية؛ فقد أظهرت تقارير من منظمة الصحة العالمية أنَّ التعامل الرحيم مع الحيوانات يزرع قيم التعاطف والاحترام، وهذا ينعكس انعكاسًا إيجابيًّا على الصحة النفسية للعمال في القطاعات الزراعية والغذائية.

كما أنَّ تعزيز أنظمة الأمن الغذائي يبدأ من المزرعة، حيث تسهم صحة الحيوانات في ضمان جودة وسلامة الغذاء على طول سلاسل التوريد، وهذا يقلل من أخطار تفشي الأمراض، ويضمن حق الجميع في غذاء آمن وصحي؛ وهو ما يعود بالنفع على أفراد المجتمع كله.

نحو اعتراف أممي برفاه الحيوان

بالرغم من كل ما سبق، لم تُمنح رفاهيةُ الحيوان بَعْدُ مكانتها الحقيقية ضمن أجندة التنمية المستدامة؛ ففي عام 2019 أشار تقرير الأمم المتحدة للتنمية المستدامة إلى أن هذا الملف لا يزال “منسيًّا” ضمن أهداف 2030.

وقبل ذلك -في عام 2016- تطرقت لجنة الأمن الغذائي العالمية إلى أهمية تعزيز رفاه الحيوان، مستندةً في هذا إلى مبادئ الحريات الخمس، التي وضعتها المنظمة العالمية لصحة الحيوان، التي تشمل: الحرية من الجوع والعطش، ومن الخوف، ومن الألم، ومن المرض، ومن القيود على السلوك الطبيعي.

ثم في عام 2021 تقدمت سبع دول من إفريقيا وجنوب آسيا بمقترح إلى الجمعية العامة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، وهو مقترح يدعو إلى إدماج رفاهية الحيوان في جهود الحفاظ على التنوع البيولوجي والتخفيف من تغير المناخ.

وهذه الخطوات -وإنْ كانت رمزيةً حتى الآن- فإنها تعكس صحوة عالمية متنامية تدرك أنَّ استدامة كوكبنا لا تتحقق بإجراءات تقنية فقط، بل تتطلب أيضًا عدالة بيولوجية تحترم حق الحيوان في الحياة.

مبادرات عالمية في الاتجاه الصحيح

من بين المبادرات الرائدة المسودة التي أطلقتها منظمة القانون العالمي لرفاه الحيوان (منظمة مستقلة تُعنى بصحة الحيوانات وحمايتها من خلال الأُطر القانونية) في 2018، وهي مسودة أولية لمعاهدة أممية تهدف إلى حماية صحة الحيوانات ورفاهيتها، داعيةً بهذه المسودة الأولية إلى التزام عالمي بتشريعات أكثر صرامةً، مع الاهتمام بالتعاون بين الدول؛ من أجل إنهاء صور انقراض الحيوانات والمعاناة غير الضرورية في بيئاتها الطبيعية.

وتتبنى منظمة القانون العالمي لرفاه الحيوان مفهومَي “صحة واحدة” و”رفاه واحد”، وهما مفهومانِ يربطانِ بين صحة الإنسان والحيوان والبيئة، وذلك انطلاقًا من أنَّ البيئة والحيوان والإنسان منظومة واحدة متكاملة لا يمكن فصل عناصرها عن بعضها بعضًا.

الأمن الغذائي

مثل هذه المبادرة يشير إلى تحول تدريجي في النظرة العالمية، من اعتبار الحيوان مجرد “مورد” إلى الاعتراف به كائنًا ذا حقوقٍ؛ مما يعزز من فرص بناء نظم مستدامة أكثر عدلًا وإنصافًا. وإنَّ نجاح هذه الجهود يتطلب شراكة عالمية حقيقية تجمع الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني، نحو صياغة مستقبل لا تُقصى فيه الكائنات الضعيفة، بل يُحتفى بها باعتبارها جزءًا لا يتجزأ من استدامة الحياة فوق الأرض.

في الختام، يتأكَّد لنا أنه لا يمكن تحقيق أهداف التنمية المستدامة بمعزل عن رعاية الحيوانات؛ فكما أنَّ الإنسانَ لا يعيش في فراغ فكذلك التنمية الحقيقية لا تتحقق في بيئة يُهمَّش فيها أيُّ كائنٍ حي؛ ولذا كشفت حماة الأرض في السطور السابقة العلاقةَ بين رفاهية الحيوان وأهداف التنمية المستدامة.

ذلك لأنَّ رفاهية الحيوان ليست مسألة أخلاقية فحسب، بل ركيزة تمس الأمن الغذائي، والتنوع البيولوجي، وصحة الإنسان. وإنَّ تجاهل أي حق من حقوق الحيوانات يُقوِّض التوازن الاجتماعي والنمو الاقتصادي والتنوع البيئي، ويُفرغ الاستدامة من مضمونها.

]]>
هل تتحول العواصف الترابية إلى أزمة تنموية كبرى؟ https://earthsguards.com/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d9%88%d8%a7%d8%b5%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d8%b1%d8%a7%d8%a8%d9%8a%d8%a9-%d8%a3%d8%b5%d8%a8%d8%ad%d8%aa-%d8%a3%d8%b2%d9%85%d8%a9/ Tue, 29 Jul 2025 15:00:33 +0000 https://earthsguards.com/?p=10949 العواصف الترابية

هل تتحول العواصف الترابية إلى أزمة تنموية كبرى؟

يتجدّد النداء العالمي في السنوات القليلة الماضية بضرورة مواجهة التحديات المناخية، التي من أبرزها خفاءً وأشدها تأثيرًا: العواصف الترابية والرملية. وعلى الرغم من أن هذه الظاهرة تبدو مألوفة في بعض المناطق، فإن آثارها العميقة والمتراكمة في الصحة والزراعة والاقتصاد، تجعلها أزمة بيئية تستحق التعامل الجاد.

تتشابك أسباب تفاقم هذه الظاهرة ما بين تغير المناخ، وتدهور الأراضي، والممارسات الزراعية غير المستدامة؛ فالجفاف المتكرر، إلى جانب الاستخدام المفرط للمياه والرعي الجائر، يؤدي إلى تعرية التربة وفقدان غطائها النباتي، وهذا ما يُسهّل تحرك الرمال ويزيد من تكرار العواصف الترابية، ولا تحظى هذه الأزمة بالاهتمام العالمي الكافي، بالرغم من آثارها الوخيمة في الدول والمجتمعات المحلية، خاصة في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا.

الرعي الجائر

تنوع آثار العواصف الترابية

ما يزيد من صعوبة التعامل مع العواصف الترابية هو تنوّع آثارها؛ فهي لا تقتصر على الخسائر البيئية، وإنما تمتد إلى النقل، والطاقة، والصحة العامة، وتُشكّل عبئًا ثقيلًا على أنظمة الرعاية الصحية، وتحدّ من الإنتاج الزراعي، وتتسبب في تعطيل سلاسل التوريد الحيوية، واستمرار تجاهل هذا التهديد يُنذر بمزيد من الاضطرابات في المستقبل، ما لم تُعتمد استجابات قائمة على المعرفة والابتكار والسياسات المستدامة.

من هنا، تنبع أهمية المبادرات الدولية والإقليمية، مثل عقد الأمم المتحدة لمكافحة العواصف الرملية والترابية (2025–2034)، الذي يهدف إلى توحيد الجهود من أجل التخفيف من آثار العواصف الترابية، وتعزيز قدرة المجتمعات على التكيّف؛ لأنَّ التحرك المنسَّق المدعوم بالبيانات والمشاركة المجتمعية، هو السبيل الوحيد لحماية الأرض ومَن يعيشون عليها.

 الرعي والتغيرات المناخية

في منطقة الشرق الأدنى وشمال إفريقيا، لطالما كان الرعاة جزءًا من التوازن الاجتماعي والبيئي، حيث كانوا يتنقلون بمواشيهم بين المراعي الموسمية والبِرك الطبيعية، في انسجام مع تقلبات الطبيعة، غير أن هذا النظام الدقيق بدأ يتعرض لضغوط هائلة مع تزايد الجفاف واشتداد العواصف الترابية؛ فاختلال دورة التنقل، وندرة المياه، وتدهور الغطاء النباتي، كلها عوامل تُجبر الرعاة على خوض معارك يومية في سبيل البقاء.

الرعي والتغيرات المناخية والنباتات

وفي الوقت الذي يحاول فيه الرعاة التأقلم مع الواقع المناخي المتدهور، ظهر عامل آخر يزيد من تعقيد الوضع، يتمثل في توسّع الزراعة الحديثة إلى مناطق الرعي التقليدية؛ فقد أدّت مشروعات الاستصلاح الزراعي إلى استخدام مشترك للأراضي والمياه، ما أدى إلى توترات بين الرعاة والمزارعين، خاصة حين تُتلف الماشية المحاصيل أو تتناقص الموارد المائية، وهذه النزاعات تُهدّد السلم المجتمعي وتُفاقم من هشاشة البيئة.

وإدراكًا لهذا الواقع المتداخل، أطلقت الأمم المتحدة “السنة الدولية للمراعي والرعاة” لعام 2026؛ لتسليط الضوء على المجتمعات الرعوية وأهمية إشراكها في خطط إدارة الموارد؛ فالرعاة يمكن أن يكونوا حلفاء حقيقيين في استعادة التوازن البيئي، إذا ما حصلوا على الأدوات والدعم المناسبين، وتمّ الاعتراف بدورهم باعتبارهم محافظين على النظم البيئية. وتتجسد هذه التحديات والحلول بشكل كبير في تجارب دول مثل السودان وموريتانيا، حيث تكشف المبادرات المحلية كيف يمكن تحويل التكيّف البيئي إلى مسار تنموي شامل.

السودان نموذج للتكيّف المجتمعي مع العواصف

في السودان يشكل الرعاة نسبة كبيرة من السكان، وكان التحدي المناخي دائمًا جزءًا من الحياة اليومية، غير أن السنوات الأخيرة شهدت تصاعدًا حادًّا في آثار العواصف الترابية، وهو ما دفع المجتمعات -بدعم من منظمة الأغذية والزراعة- إلى اعتماد استراتيجيات ذكية للتكيّف مع هذا الواقع، وتبرز هنا مبادرة “الأصماغ” باعتبارها واحدة من أبرز النماذج الناجحة، حيث ربطت بين الاقتصاد البيئي والمرونة المجتمعية.

فمن خلال أكثر من 500 جمعية منتجة، تم تدريب المجتمعات المحلية على تعزيز إنتاج الصمغ العربي بطريقة مستدامة، وإعادة تأهيل ممرات الرعي، وتحسين الوصول إلى المياه؛ فتجديد النظم البيئية أصبح وسيلة جيدة لتحسين سبل العيش، ودعم الأسواق، وتقوية الروابط بين الإنسان والطبيعة، وتمثل زراعة أشجار الصمغ درعًا حيويًّا في وجه التصحر، حيث تُخزّن الكربون وتُبطئ حركة الرمال.

الرعي والزراعة

إدارة الموارد وبناء مجتمعات مرنة

في الوقت نفسه، تعمل مشروعات منظمة الأغذية والزراعة -على طول نهر النيل- على إدارة المحميات بطريقة تراعي التوازن بين حماية التنوع البيولوجي ودعم الأنشطة المجتمعية؛ ففي 33 محمية يتم تطبيق خطط لاستخدام الأراضي لتقليل عمليات الرعي الجائر والزراعة غير المستدامة؛ مما يعزز من قدرة المجتمعات على التعايش مع الظروف البيئية القاسية.

أما في المناطق الزراعية، فيستفيد صغار المنتجين من برامج الإدارة المتكاملة لموارد المياه، حيث تُعتمد تقنيات زراعية أنظف، ويُشجَّع على تنويع الإنتاج. ومن خلال إشراك النساء والشباب في مشروعات ريادية، تُبنى شبكات دعم اجتماعي واقتصادي تُحصّن المجتمعات من تقلبات المناخ، وتُمكّنها من مواجهة العواصف الترابية.

حلول قائمة على الطبيعة في موريتانيا لمواجهة التصحر

وفي الجنوب الشرقي لموريتانيا، بدأت مشروعات منظمة الأغذية والزراعة في تحقيق تحولات ملموسة؛ فقد أصبح العمل على مستوى مستجمعات المياه نهجًا رئيسيًّا لتعزيز التكيّف مع الجفاف والحد من التعرية، من خلال تطبيق تقنيات مثل التسوية المحيطية للتربة (تعديل سطح الأرض لجعلها مستوية أو ذات انحدار منتظم)، وحصاد المياه، والغرس المحلي للأشجار المقاومة.

هذه الحلول القائمة على الطبيعة أسهمت في تحسين جودة المراعي، وتنشيط الاقتصاد المحلي المرتبط بالثروة الحيوانية والزراعة الحراجية؛ فبفضل تدخلات بسيطة مدروسة، استعادت الأرض قدرتها على الاحتفاظ بالمياه، وزاد إنتاج الأعلاف، وهذا ما وفّر قاعدة بيئية أكثر استقرارًا للمجتمعات التي تعتمد على المراعي باعتبارها مصدر رزق رئيسي.

الزراعة الحراجية

مشروعات موريتانيا لمواجهة التحديات المناخية

في المقابل، لعبت مبادرة “السور الأخضر العظيم” دورًا في إدماج موريتانيا ضمن مشروع إقليمي واسع لمكافحة التصحر وتعزيز الأمن الغذائي. وباستخدام تقييمات دقيقة للموارد الحرجية غير الخشبية، أصبح بإمكان المجتمعات إدارة هذه الموارد بشكل مستدام، وتحويلها إلى منتجات قابلة للتسويق، تدعم التنوع البيولوجي وتوفر فرص عمل جديدة.

كما أسهم مشروع “أوكار” في مواءمة السياسات الوطنية مع الابتكار البيئي، من خلال إدخال أنظمة استشراف مبكر للجفاف والتصحر، وتدريب المنتجين على أساليب إنتاج مقاومة للمناخ، وهذا التكامل بين المعرفة المحلية والتخطيط الاستراتيجي يُمهّد الطريق نحو مجتمعات أكثر صمودًا، قادرة على تحويل التحديات المناخية إلى فرص تنموية.

السور الأخضر العظيم

نحو رؤية إقليمية شاملة لمواجهة العواصف الترابية

هذه النجاحات المحلية -رغم أهميتها- تكشف في الوقت نفسه حاجة المنطقة إلى مظلة إقليمية تنسّق الجهود وتحوّل التجارب المتفرقة إلى سياسات شاملة. ومن هنا تبرز أهمية اللقاءات الإقليمية التي تجمع الخبراء وصناع القرار، وفي مقدمتها الاجتماع المرتقب في مدينة “أبها” السعودية لاستضافة الدورة السابعة والعشرين لهيئة الغابات والمراعي في الشرق الأدنى، حيث يتجدد الأمل في تحويل هذه التجارب إلى رؤية إقليمية موحدة تضع مكافحة العواصف الترابية في قلب الأولويات.

وبالتعاون مع المركز الوطني لتنمية الغطاء النباتي، يجمع الحدث نخبة من صناع القرار والخبراء والشباب، في أسبوعٍ بيئي يحتفي بالابتكار والحلول الخضراء. ومن خلال تسليط الضوء على التقنيات البيئية الحديثة، وريادة الشباب، والحوارات بين القطاعات، يُرسَّخ مفهوم التشاركية باعتباره مدخلًا رئيسيًّا لإدارة الموارد.

كما أنَّ الاحتفاء بسبعة عقود من التعاون الإقليمي يشكل نقطة انطلاق نحو مرحلة جديدة من التكيّف البيئي؛ فالانتقال من الحلول الطارئة إلى الاستراتيجيات الطويلة الأمد يتطلب استثمارًا في المعرفة، وتمكينًا للمجتمعات، وبناء شراكات تُلائم السياقات المحلية وتعزز من قدرة الأراضي على الصمود.

وختامًا تؤكد مؤسسة حماة الأرض أن مواجهة العواصف الترابية اختبار حقيقي لقدرة المجتمعات والدول على بناء نماذج تنموية تستند إلى المعرفة وتكامل الموارد؛ فهذه الظاهرة -بما تحمله من آثار متداخلة على الصحة والاقتصاد والزراعة- تكشف أن التنمية المستدامة لا يمكن أن تنفصل عن إدارة النظم البيئية وصون الأراضي. وتجارب السودان وموريتانيا تبرهن أن الحلول القائمة على الطبيعة، حين تتقاطع مع الحوكمة وتمكين الفئات المحلية، يمكن أن تحوّل التحديات المناخية إلى فرص لبناء اقتصاديات خضراء أكثر صمودًا.

ولذلك فإنَّ الاستثمار في استعادة التربة والمراعي، وإدماج الرعاة والمزارعين في خطط التكيّف، هو مسار استراتيجي لحماية الأمن الغذائي وتعزيز استقرار المجتمعات، ومن هنا تدعو حماة الأرض إلى تبني سياسات إقليمية جريئة تضع مكافحة العواصف الترابية في قلب أجندة التنمية، باعتبارها قضية إنسانية وتنموية تتجاوز حدود البيئة؛ لتلامس مستقبل الأجيال القادمة.

]]>
العدالة المناخية وحقوق الإنسان.. معركة مصيرية لإنقاذ الكوكب https://earthsguards.com/%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%af%d8%a7%d9%84%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%ae%d9%8a%d8%a9-%d9%88%d8%ad%d9%82%d9%88%d9%82-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d9%86%d8%b3%d8%a7%d9%86/ Mon, 28 Jul 2025 13:00:14 +0000 https://earthsguards.com/?p=10906 العدالة المناخية

العدالة المناخية وحقوق الإنسان.. معركة مصيرية لإنقاذ الكوكب

لا شكَّ في أنَّ التحديات البيئية التي يواجهها العالم في السنوات القليلة الماضية سبب من أسباب النظر في مفهوم العدالة المناخية؛ لأنها رؤية شاملة تضع الإنصافَ وحقوقَ الإنسان في صميم التعامل مع أزمة المناخ؛ فقد كشفت مسارات التغير المناخي عن فجوات عميقة بين الدول والمجتمعات، وهذا ما جعل الحاجة إلى مقاربة توازن بين المسئوليات وتصحح اختلالات الماضي أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

وتعترف هذه الرؤية بأن تبعات التغير المناخي لا تقع على الجميع بالتساوي، وإنما تتفاوت بحسب المسئوليات التاريخية ومستويات التنمية والثراء؛ فالدول والشركات والأفراد الذين راكموا الثروات من خلال انبعاثات الغازات الدفيئة يتحملون مسئولية خاصة تجاه من يعانون اليوم من نتائج تلك الانبعاثات. وذلك ما نلقي عليه الضوء في السطور القادمة؛ فتابعوا القراءة.

التغير المناخي

عدالة شاملة للفئات الهشّة

لا تقتصر العدالة المناخية على مستوى الدول، وإنما تمتد إلى داخل الدول نفسها حيث تكشف آثار التغير المناخي عن فجوات اجتماعية واقتصادية عميقة؛ فالنساء -وجميع الفئات الهشّة- غالبًا ما يتحملنَ العبءَ الأكبرَ؛ بسبب محدودية الموارد وصعوبة الوصول إلى الفرص، وهذا ما يجعل معالجة هذه الاختلالات جزءًا أساسيًّا من أي استجابة مناخية عادلة.

تركز العدالة المناخية أيضًا على حماية الفئات الأشد قربًا من الطبيعة، مثل الشعوب الأصلية التي تحمي نحو 80% من التنوع البيولوجي العالمي، غير أنها تواجه تحديات مباشرة تهدد سبل عيشها ومعارفها التقليدية، كما يواجه ذوو الإعاقة في البلدان النامية مخاطر مضاعفة بسبب ضعف قدرتهم على التكيف مع الكوارث؛ مما يجعل إدماجهم في خطط التخفيف والتكيف شرطًا لتحقيق استجابة مناخية أكثر شمولًا وإنصافًا.

أرقام تكشف الفجوة المناخية

وتُظهر الإحصائيات أنَّ آثار تغير المناخ لا تتوزع بعدل؛ فالبلدان الفقيرة والمجتمعات الضعيفة تتأثر أكثر من غيرها بالكوارث المناخية، بالرغم من أنَّ أغنى 10% من سكان العالم ينتجون بين 34% و45% من الانبعاثات العالمية، في حين أنَّ نصف سكان العالم -من ذوي الدخل المنخفض- لا ينتجون سوى 15% من هذه الانبعاثات.

الأجيال القادمة ستعاني من نتائج الحاضر

هذا الخلل في توزيع الأعباء المناخية سوف تتحمله الأجيال القادمة؛ فالأطفال والشباب الذين لم يتسببوا في الأزمة سيعيشون تبعاتها طوال حياتهم؛ لذلك بات من الضروري أن تكون حقوقهم في قلب السياسات المناخية، باعتبار أن أزمة المناخ تهدد الحقوق الأساسية كافة، من الحق في الغذاء والماء إلى الحق في السكن الكريم والحياة الآمنة. وحتى حق التعليم لن يسلم من التأثر؛ إذْ إنَّ تضرر المدارس والبنية التحتية في موجات الحر أو الفيضانات يؤدي إلى تعطيل العملية التعليمية ويهدد مستقبل الطلاب.

تضرر المدارس والبنية التحتية في موجات الحر أو الفيضانات

التحديات أمام تحقيق العدالة المناخية

ورغم التوافق الدولي المتزايد على أهمية العدالةِ المناخيةِ، ما زال الطريق محفوفًا بعقبات معقدة، ومن أبرزها غياب الشفافية والمشاركة الفعلية في صياغة السياسات المناخية؛ إذ غالبًا ما يتم تهميش أصوات النساء والشباب والشعوب الأصلية في المفاوضات الدولية أو الاكتفاء بإشراكهم شكليًّا لإظهار الشمولية دون تمكين حقيقي.

كما تمثل ندرة المعرفة والمعلومات البيئية تحديًا إضافيًّا يمنع المجتمعات المتضررة من المشاركة الفعالة في صنع القرار، حيث تشكّل حواجز اللغة ونقص التوعية والمصادر عقبة أمام اندماج المجتمعات المحلية في النقاشات المناخية الأساسي، وتتفاقم التحديات مع المخاطر التي يواجهها المدافعون عن البيئة في كثير من الدول، حيث يتعرض بعضهم للسجن لمجرد المطالبة بحقوقهم البيئية، وهذا يهدد أي محاولة لتحقيق عدالة مناخية قائمة على المشاركة المجتمعية.

كيف تدعم الأمم المتحدة العدالة المناخية؟

يؤدي برنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) دورًا محوريًّا في دعم الدول لتحقيق العَدالةِ المناخيةِ، وهذا من خلال برامج متكاملة تركز على سيادة القانون، وحقوق الإنسان، والوصول إلى العدالة، بما يمكّن الحكومات من صياغة تشريعات بيئية عادلة قابلة للتطبيق.

وتأتي مبادرة “وعد المناخ” باعتبارها إحدى الركائز الأساسية لهذا التوجه؛ إذ تعمل على مراجعة خطط الإسهامات الوطنية، باتجاه أكثر شمولًا وإنصافًا عبر إدماج الشباب والنساء والشعوب الأصلية في صياغة السياسات المناخية، وتأكيد احترام حقوق الإنسان في مواجهة التغيرات البيئية.

مبادرة وعد المناخ

جهود أممية على المستوى الإقليمي

تمتد الجهود الخاصة بتعزيز مفهوم العدالة المناخية لتشمل مستويات إقليمية متعددة، ومن أبرز هذه الجهود:

العالم العربي

بالنسبة إلى العالم العربي فإنَّ برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان يعمل على رفع قدرات وزارة البيئة؛ لتطوير السياسات الوطنية. وفي تركيا يتم تدريب جيل جديد من المحامين الشباب على قوانين العَدالةِ المناخيةِ؛ لتمكينهم من الدفاع عن المجتمعات المتضررة، والمطالبة بسياسات عادلة.

أميركا اللاتينية

أما في أميركا اللاتينية فتسعى دول مثل الأرجنتين وبنما إلى تفعيل اتفاقية إسكاثو، وهي أول معاهدة ملزمة لحماية الحقوق البيئية، بما يعزز الشفافية والمشاركة العامة في السياسات المناخية؛ لتشكل جميع هذه المبادرات استجابة عملية للتحديات التي تواجه العدالةَ المناخيةَ على المستويين المحلي والدولي.

مستقبل العدالة المناخية

تتزايد يومًا بعد يوم أصوات المجتمعات المتضررة من تغير المناخ على المستوى العالمي؛ فالنشطاء الشباب أصبحوا قوة ضاغطة في المحافل الدولية، خاصة فيما يتعلق بالعدالةِ المناخيةِ بين الأجيال. وقد اعترفت الأمم المتحدة عام 2022 بأن الحق في بيئة نظيفة وصحية ومستدامة هو حق إنساني عالمي، وهو إعلان يمثل تحولًا نوعيًّا يمنح المواطنين أداة أقوى لمحاسبة الحكومات والمطالبة بإجراءات ملموسة.

وفي السياق ذاته، وضعت لجنة حقوق الطفل الأممية حقوق الأطفال في قلب المناقشات المناخية بمشاركة أكثر من 16,000 طفل في صياغة وثيقة تحدد مسئوليات الدول والشركات تجاه حماية المناخ، وهو ما يتقاطع مع الجهود التصعيدية التي قادتها جزر المحيط الهادئ الصغيرة عبر حركة طلابية دفعت الأمم المتحدة لإحالة قضية المناخ إلى محكمة العدل الدولية في سابقة تاريخية تعكس تنامي زخم التقاضي المناخي، وهو الزخم نفسه الذي عزز إعلان مؤتمر المناخ السابع والعشرين في مدينة شرم الشيخ عامَ 2022، من خلال إنشاء صندوق لتعويض الخسائر والأضرار، وهذا باعتباره أول اعتراف رسمي بضرورة إنصاف المتضررين من آثار التغير المناخي، خاصة الدول والمجتمعات الأكثر هشاشة.

مؤتمر المناخ السابع والعشرين في مدينة شرم الشيخ عامَ 2022

وختامًا، تؤكد مؤسسة حماة الأرض أن العدالة المناخية أصبحت شرطًا حاسمًا لإعادة التوازن بين الإنسان والكوكب؛ فهي الإطار الذي يعيد تعريف التنمية من منظور يضع حقوق الأجيال الحالية والمستقبلية في قلب القرارات الاقتصادية والبيئية، ويضمن أن يتحمل كل طرف مسئوليته وفق ما راكمه من ثروات وانبعاثات.

فالمستقبل العادل للمناخ مرهون بقدرتنا على ربط الإنصاف بحلول الأزمة، وبإشراك المجتمعات المهمشة في صياغة السياسات بدلًا من الاكتفاء بتمثيل رمزي، وذلك لبناء نظم تمويلية عادلة، وتوفير حماية حقيقية للمدافعين عن البيئة، وتعزيز الشفافية، وضمان مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

]]>
تقرير الأمم المتحدة 2025: هل تتحقق أهداف التنمية المستدامة في 2030؟ https://earthsguards.com/%d8%a3%d9%87%d8%af%d8%a7%d9%81-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d9%85%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d8%af%d8%a7%d9%85%d8%a9-2030/ Sat, 19 Jul 2025 15:00:10 +0000 https://earthsguards.com/?p=10711 التنمية المستدامة

تقرير الأمم المتحدة 2025: هل تتحقق أهداف التنمية المستدامة في 2030؟

في صيف عام 2015 اجتمعت دول العالم على رؤية موحدة لمستقبل أكثر عدلًا واستدامة، تحت مظلة “أجندة 2030″، حيث تعهدت 193 دولة بتحقيق 17 هدفًا طموحًا، تمثل حجر الأساس لإنهاء الفقر، وحماية كوكب الأرض، وتعزيز السلام والازدهار. واليوم -بعد مرور عشر سنوات على هذا الالتزام التاريخي- تصدر الأمم المتحدة تقريرها العاشر عن حالة التقدم نحو أهداف التنمية المستدامة، حاملة معها رسائل مزدوجة: إنجازات ملموسة غير أنَّ التحديات أكثر عمقًا، والزمن يوشك أنْ ينفد.

لذا، سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال أبرز ما كشفه التقرير الأممي الجديد، بين النجاحات التي أنقذت ملايين الأرواح، والانتكاسات التي تهدد العقود القادمة، في محاولة لرسم صورة صادقة للواقع، وتذكير العالم بأن أجندة 2030 ليست مجرد طموح، وإنما التزام لا يحتمل التأجيل.

إنجازات تبث الأمل

رغم الأزمات المتلاحقة التي عصفت بالعالم، من جائحة كوفيد-19 إلى التغيرات المناخية والنزاعات المسلحة، فإن التقرير يعكس بعض النجاحات الجديرة بالاحتفاء في سبيل تحقيق التنمية المستدامة؛ فقد انخفضت الإصابات الجديدة بفيروس نقص المناعة البشرية بنسبة تقارب 40% منذ عام 2010، كما أُنقذت أكثر من 12.7 مليون حياة بفضل جهود الوقاية من الملاريا.

وعلى صعيد التعليم، دخل 110 ملايين طفل وشاب إضافيين إلى المدارس منذ عام 2015؛ مما يعزز فرص النمو الشخصي والمجتمعي على المدى البعيد. أما الطاقة فبات 92% من سكان العالم متصلين بالكهرباء في عام 2023، في حين شهد استخدام الإنترنت قفزة كبيرة، من 40% في 2015 إلى 68% في 2024، وهو ما فتح آفاقًا جديدة للتعليم والعمل والمشاركة المدنية.

وفي ملف المساواة بين الجنسين، تم تنفيذ 99 إصلاحًا قانونيًّا في السنوات الخمس الأخيرة لإزالة القوانين التمييزية، في حين وصلت نسبة تمثيل النساء في البرلمانات إلى 27.2% مطلع عام 2025، وهي زيادة ملحوظة وإن كانت دون التطلعات. هذه النجاحات المحلية -مهما بدت صغيرة- تمثل نماذج ملهمة يمكن البناء عليها لتسريع التقدم العالمي، إذا ما جرى تعميمها ودعمها.

حقائق موجعة

وفي المقابل، تكشف الأرقام التي وردت في التقرير عن مشهد عالمي بالغ الهشاشة؛ إذ يعيش أكثر من 800 مليون شخص في فقر مدقع، بما يعادل نحو 9% من سكان العالم، في حين يواجه قرابة مليار فرد نقصًا في مياه الشرب النظيفة، ويقيم أكثر من 1.1 مليار إنسان في مناطق عشوائية تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة الكريمة.

ويزداد هذا الواقع تأزمًا في ظل ما يشهده العالم من اختلالات بيئية غير مسبوقة تؤثر سلبًا في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، حيث سجّل عام 2024 أعلى متوسط لدرجات الحرارة منذ بدء تسجيل البيانات، بارتفاع بلغ 1.55 درجة مئوية عن مستويات ما قبل الثورة الصناعية؛ مما يضاعف المخاطر على الفئات الأكثر هشاشة.

أهداف التنمية المستدامة

أما على الصعيد الاجتماعي والاقتصادي فلا تقل الصورة قتامة؛ إذ أودت الصراعات المسلحة بحياة نحو 50 ألف شخص خلال عام واحد، وتسببت في نزوح أكثر من 120 مليون إنسان قسرًا من مناطقهم. وفي الوقت ذاته، تُثقل كاهل الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط أعباء ديون غير مسبوقة، بلغت 1.4 تريليون دولار في عام 2023، وهو ما يهدد استقرارها الاقتصادي ويحدّ من قدرتها على الإنفاق في مجالات حيوية كالصحة والتعليم والحماية الاجتماعية.

وتظل النساء من بين أكثر الفئات تضررًا؛ إذ يقمن بـ2.5 ضعف الأعمال المنزلية غير المدفوعة مقارنة بالرجال، ما يقلّص فرص مشاركتهن الاقتصادية ويعمّق فجوات العدالة بين الجنسين. وفي ظل هذه الأزمات المتشابكة، جاء عام 2024 ليشهد انخفاضًا بنسبة 7.1% في حجم المساعدات الإنمائية الرسمية، مع توقعات باستمرار هذا التراجع في 2025، الأمر الذي ينذر بتوقف أو تراجع العديد من البرامج التنموية في البلدان النامية.

جهود أهداف التنمية التنمية المستدامة

وبالنظر إلى هذه التحديات وتلك الفجوات هل تكفي السنوات الخمسة القادمة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة؟ وتجيب الأمم المتحدة عن ذلك فتقول: نعم، بشرط أنْ تتحرك الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني بسرعة واستدامة، وأن تُعطى الأولوية للعمل الجماعي الطويل الأمد بدلًا من الحلول المؤقتة.

ولذلك لا يكتفي تقرير الأمم المتحدة بوصف الأزمة، وإنما يقدم خريطة طريق لإنقاذ السنوات الخمس المتبقية حتى عام 2030، حيث يدعو التقرير إلى تسريع العمل في ست مجالات ذات أولوية، هي: نظم الغذاء، الوصول إلى الطاقة، التحول الرقمي، التعليم، الوظائف والحماية الاجتماعية، والعمل المناخي، وحماية التنوع البيولوجي.

ويشدد التقرير على ضرورة تحسين أنظمة البيانات باعتبارها الأساس لأي سياسات فعالة، من خلال تفعيل “إطار عمل ميديلين” (Medellín Framework for Action) الذي أُقر خلال منتدى الأمم المتحدة العالمي للبيانات عام 2024؛ وهو وثيقة توجيهية لتعزيز قدرات نظم البيانات الوطنية، وتحسين الحوكمة، وتشجيع التعاون والابتكار؛ تحقيقًا لأهداف التنمية المستدامة.

وختامًا، تؤكد مؤسسة حماة الأرض أن تقرير الأمم المتحدة لعام 2025 لا يترك مجالًا للتهرب أو التأجيل؛ فالوقت المتبقي لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بات محدودًا، والتحديات التي كشفها التقرير تتطلب استجابات غير تقليدية؛ فما تحقق من تقدم في قطاعات مثل التعليم والطاقة لا يمكن أن يُوازن التدهور في مؤشرات الفقر والجوع والمناخ، ولا يعوّض آثار النزاعات والديون وضعف العدالة الاجتماعية.

وترى حماة الأرض أنَّ أجندة 2030 لم تعد مجرد التزام دولي، وإنما أصبحت اختبارًا عالميًّا للجدية والمسئولية؛ كما ترى أن إنقاذ الأهداف يتطلب إرادة سياسية واضحة، وتمويلًا عادلًا، وتعزيزًا للشراكات بين الحكومات والمجتمع المدني والقطاع الخاص، على أساس من الشفافية والمساءلة؛ فالفرصة لا تزال قائمة، غير أنها تزداد هشاشة مع كل عام يمر دون تحرك فعلي وجماعي.

]]>
الاستهلاك غير المستدام.. سلوك خفي وراء التغيرات المناخية التي يعيشها كوكبنا https://earthsguards.com/%d8%a7%d9%84%d8%a7%d8%b3%d8%aa%d9%87%d9%84%d8%a7%d9%83-%d8%ba%d9%8a%d8%b1-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d8%aa%d8%af%d8%a7%d9%85-%d9%88%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%ae/ Tue, 15 Jul 2025 15:00:39 +0000 https://earthsguards.com/?p=10609 الاستهلاك

الاستهلاك غير المستدام.. سلوك خفي وراء التغيرات المناخية التي يعيشها كوكبنا

في قلب الحضارة الأوروبية، حيث تزداد القدرة الشرائية ويتسارع نمط الحياة العصري، يتسلل خطر خفي إلا أنه هائل التأثير، وهو الاستهلاك غير المستدام؛ فالمشتريات اليومية التي تبدو بسيطة، من الطعام إلى الملابس والإلكترونيات، تحمل خلفها سلسلة طويلة من التأثيرات المرتبطة بالتنمية المستدامة والتلوث البيئي على الكوكب، تبدأ من استخراج الموارد وتنتهي في مكبات النفايات، وفي ظل هذه الدوامة المتسارعة، يصبح من المشروع طرح السؤال: هل عاداتنا الشرائية تفسد كل شيء من حولنا؟

لا يقتصر أثر الاستهلاك على تدهور الموارد الطبيعية فحسب، وإنما يمتد ليشمل التغيرات المناخية، وانقراض التنوع البيولوجي، وتلوث الهواء والماء، وحتى الفجوة بين الشمال والجنوب العالميين؛ فكل منتج نستهلكه يحمل في طياته بصمة كربونية قد تسهم بشكل مباشر أو غير مباشر في رفع حرارة الأرض، وتفاقم آثار التغيرات المناخية وتأثيرها في البيئة مما يطرح أسئلة جوهرية عن التلوث البيئي ودور الأفراد في الحد منه، ضمن إطار أوسع يسعى إلى تحقيق التنمية المستدامة عالميًّا.

وفي ظل هذه التحديات المتفاقمة، تؤكد الوكالة الأوروبية للبيئة أن الاستهلاك بصيغته الحالية لم يعد ممكنًا دون كلفة بيئية واجتماعية عالية، داعية إلى تحول جذري في أنماط الشراء والسلوك اليومي، ومع تزايد الوعي بضرورة هذا التغيير، تطرح الوكالة، بالتعاون مع شركاء أوروبيين، رؤية جديدة لاستهلاك واعٍ ومستدام يحترم حدود الكوكب ويعزز مرونة المجتمعات، وسوف تستعرض حماة الأرض في هذا المقال أبرز ما جاء في هذه الدعوة الأوروبية الطموحة؛ فتابعوا القراءة.

دعوة أوروبية لتغيير أسلوب الاستهلاك

في إطار الجهود الأوروبية الرامية إلى تعزيز مفاهيم التنمية المستدامة، تبرز أهمية النقاشات المؤسسية التي تُعيد التفكير في علاقة الفرد بالمنتج، والمجتمع بالاقتصاد، والاقتصاد بالبيئة، مع التركيز على التحديات الناتجة عن أنماط الاستهلاك غير المستدامة، ومثل هذه الحوارات تُعدّ منصات ضرورية لفهم التأثيرات الاجتماعية والبيئية طويلة المدى للسلوك الاستهلاكي، وتسليط الضوء على سبل التحوّل نحو نماذج أكثر وعيًا.

وتشير مداخلات خبراء الوكالة الأوروبية للبيئة إلى أن الاستهلاك في شكله الحالي لم يعد قابلًا للاستمرار، وهو ما يستدعي تحوّلًا جوهريًّا في الطريقة التي تُنتج وتُستهلك بها الموارد، وتؤكد أصوات بارزة من داخل الوكالة، مثل المديرة التنفيذية “جاكلين ماكجلاد”، على ضرورة أن تقود أوروبا هذا التحول، من خلال نموذج استهلاكي أكثر عدالة بين الأجيال، وأكثر توافقًا مع الحدود البيئية للكوكب، ويتمثل هذا التحول في إعادة النظر في الأزمات الاجتماعية والاقتصادية والبيئية بوصفها فرصًا لإعادة هيكلة الاقتصاد نحو مسارات أكثر خضرة واستدامة، بما يتفق مع الهدف (12) من أهداف التنمية المستدامة.

دعوة أوروبية لتغيير أسلوب الاستهلاك

وتُفتح من خلال هذه الرؤى آفاقٌ جديدة لبناء اقتصاد منخفض الانبعاثات، يوازن بين الاحتياجات المجتمعية والضغوط البيئية، ويتوافق مع المبادئ التي وضعتها الاتفاقيات الدولية بشأن التنمية المستدامة، كما تؤكد هذه النقاشات المسئولية المشتركة التي تشمل الحكومات، والشركات، والمستهلكين، في صياغة منظومة استهلاكية تقلل من الأثر البيئي الناتج عن الإنتاج المفرط، والنقل طويل المسافات، والاستخدام غير الرشيد للطاقة.

ولا يمكن فصل قضايا الاستهلاك عن التحديات البيئية العالمية؛ إذ باتت خيارات المستهلكين تمثل محورًا رئيسيًّا في بناء مستقبل مستدام، ومن هنا، تأتي الدعوة إلى مراجعة جذرية لنمط الحياة الحديث، واستبداله بثقافة استهلاك تضع الاستدامة في صميم أولوياتها، وتعيد الاعتبار إلى التوازن بين الإنسان والطبيعة.

أرقام صادمة

وتشير مؤشرات التنمية المستدامة الحديثة وفق الوكالة الأوروبية للبيئة أن الاستهلاك إلى استمرار الفجوة في استهلاك الموارد بين دول الشمال والجنوب؛ إذ يستهلك المواطن الأوروبي في المتوسط نحو 14.8 طنًّا من المواد سنويًّا، تشمل المعادن والوقود الأحفوري والكتلة الحيوية، وهو ما يؤكد أن وتيرة الاستهلاك المرتفعة لا تزال تضغط بشدة على الأنظمة البيئية، وتوضح بيانات الوكالة الأوروبية للبيئة أن هذا المستوى من الاستهلاك لم يتغير بشكل ملحوظ خلال العقد الأخير؛ مما يثير القلق بشأن قدرة الكوكب على تحمّل هذه الأنماط غير المستدامة.

أما فيما يتعلق بالنفايات، فقد سجّلت أوروبا في عام 2022 -على سبيل المثال- متوسطًا بلغ نحو 5 أطنان من النفايات للفرد الواحد، تشمل النفايات المنزلية والصناعية وسلاسل الإنتاج، وهو رقم يعكس تعقيد دورة حياة المنتجات في القارة، وتُعدّ النفايات البلدية أحد أبرز مظاهر هذا التراكم، حيث بلغ متوسطها 515 كيلوجرامًا لكل مواطن في السنة ذاتها، مع نسب تدوير وصلت إلى 48% فقط، في حين انتهى أكثر من 22% من هذه النفايات إلى المدافن، في وقت يسعى فيه الاتحاد الأوروبي إلى تحسين قدرات التدوير والمعالجة.

وفي سياق متصل، لا يزال هدر الطعام يمثل تحديًا كبيرًا أمام جهود الاستدامة؛ إذ كشفت المفوضية الأوروبية أن مواطني الاتحاد يهدرون نحو 59 مليون طن من الطعام سنويًّا، أي ما يعادل 132 كيلوجرامًا للفرد، نصفها تقريبًا يأتي من المنازل، وتُعدّ هذه الظاهرة مصدرًا خطيرًا لانبعاثات غاز الميثان الناتج عن تحلل الطعام، إلى جانب الهدر الاقتصادي الذي يتجاوز 130 مليار يورو سنويًّا، وهي خسارة يصعب تبريرها في ظل تفاقم أزمات الغذاء عالميًّا.

ولا تقل النفايات الإلكترونية خطورة، فقد وصل إجمالي النفايات الناتجة عن الأجهزة الإلكترونية في أوروبا إلى أكثر من 16 كيلوجرامًا للفرد في عام 2022، بحسب تقرير “المراقبة العالمية للنفايات الإلكترونية 2024″؛ مما يجعل القارة من أكبر المنتجين لهذا النوع من النفايات عالميًّا. وعلى الرغم من الجهود المبذولة لجمع هذه النفايات وإعادة تدويرها، فإن النسبة التي يتم معالجتها بشكل منظم لا تتجاوز 42%، وهو ما يعني أن كميات ضخمة منها لا تزال تذهب إلى مكبات أو يتم تصديرها إلى دول أخرى، غالبًا دون معالجة آمنة.

تكشف هذه الأرقام مجتمعة عن واقع استهلاكي يفتقر إلى التوازن، ويضع أوروبا أمام مسئوليات بيئية واجتماعية جسيمة؛ فرغم التقدم في السياسات البيئية والتكنولوجيا، لا تزال أنماط الاستهلاك والإنتاج تعكس نمطًا قائمًا على الهدر والاستنزاف، وهو ما يجعل من التحول نحو نماذج دائرية ومستدامة أمرًا غير قابل للتأجيل، إن أردنا الحد من التلوث البيئي ومواجهة تداعيات التغير المناخي المتسارعة.

ورغم وضوح الأرقام وارتفاع مؤشرات الهدر، فإن الجانب الأخطر يكمن في تفاصيل المنتجات التي نستهلكها يوميًّا دون إدراك لحجم الأثر البيئي المتراكم، وهنا تبرز أهمية النظر إلى الاستهلاك باعتباره خيارًا بيئيًّا يحمل في طياته تداعيات واسعة على المناخ والموارد، ويضع التنمية المستدامة في اختبار عملي.

التغير المناخي

الاستهلاك بين الأثر الخفي والوعي الغائب

وراء كل منتج نستهلكه قصة بيئية لا نراها، غير أن آثارها تتراكم على الكوكب بصمت؛ فعلى سبيل المثال، يتطلب إنتاج قطعة برجر واحدة 2400 لتر من الماء، ويخلف من انبعاثات الكربون ما يعادل قيادة سيارة كبيرة لمسافة 15 كم؛ مما يوضح العلاقة الوطيدة بين أنماط استهلاكنا والتغيرات المناخية.

ورغم أن السيارات في أوروبا أصبحت أكثر توفيرًا للوقود، والمساكن أكثر حداثة، فإن زيادة استخدام المساحات وقطع مسافات أطول بالسيارات قلل من الفائدة المتوقعة من التقدم التكنولوجي؛ مما أبقى معدلات التلوث الناتج عن النقل مرتفعة. وتزداد المشكلة مع تراكم النفايات وانتشار أسلوب الحياة السريعة المعتمد على الراحة والاستهلاك المستمر، وهو ما يوضح أن الحل لا يقتصر على تحسين التكنولوجيا، وإنما يتطلب تحولًا ثقافيًّا يتفق مع مبادئ التنمية المستدامة.

فالوعي المجتمعي يلعب دورًا محوريًّا، خصوصًا أن 87% من المواطنين الأوروبيين يقرّون بأن القارة لا تستخدم مواردها بكفاءة، فيما يرى 41% أن منازلهم تنتج نفايات أكثر من اللازم، وهذه النسبة تفتح الباب أمام سياسات تعليمية وتوعوية تستهدف تغيير السلوك من الجذور، والإجابة عن أبرز الأسئلة عن التلوث البيئي التي باتت تُطرح في المدارس والمجالس التشريعية.

من الاستهلاك المفرط إلى الاستهلاك المسئول

أمام هذا الواقع، تبرز الحاجة إلى إعادة النظر في مفهوم الاستهلاك، باعتباره مسئولية بيئية واجتماعية؛ فالتحول إلى نمط استهلاك مستدام لا يعني التخلي عن الرفاهية، وإنما إعادة صياغتها بما يخدم الإنسان والكوكب في آن واحد، ويحد من أسباب التغيرات المناخية التي باتت تهدد أمن الغذاء والماء والطاقة.

وفي هذا السياق، تدعو مبادرات مثل الاقتصاد الدائري إلى كسر الحلقة المغلقة بين الإنتاج والاستهلاك والنفايات، وتحويل كل مرحلة من مراحل دورة المنتج إلى فرصة لإعادة الاستخدام والتدوير والكفاءة، وهذه المبادرات -إن طُبقت بجدية- يمكن أن تغيّر وجه السوق الأوروبي، وتفتح آفاقًا لاقتصاد أكثر توازنًا، يساعد على تحقيق أهداف التنمية المستدامة.

وختامًا، تؤكد مؤسسة حماة الأرض أن معركة مواجهة التغيرات المناخية لا تبدأ من السياسات، وإنما من تفاصيل الحياة اليومية، ومن كل قرار استهلاكي يترك أثرًا بيئيًّا عميقًا؛ فالاستنزاف المتزايد للموارد، وتراكم النفايات، والانبعاثات غير المرئية، كلها نتائج مباشرة لنمط استهلاك لم يعد يتوافق مع قدرة الكوكب على الاحتمال؛ ولهذا فإن التحول نحو استهلاك أكثر وعيًا أصبح ضرورة تفرضها الأزمة البيئية العالمية.

ومع أن المسئولية موزعة بين الأفراد والحكومات والشركات، فإن جوهر التغيير يبدأ من إعادة النظر إلى الاستهلاك بوصفه سلوكًا أخلاقيًّا له أثر أبعد من لحظة الشراء، وأعمق من مبدأ الإشباع الفوري، وهذا ما يجعل من التحول نحو استهلاك مستدام ضرورة عالمية، ومسئولية جماعية، وخطوة حاسمة في طريق تحقيق التنمية المستدامة.

]]>
اليوم الدولي للمناطق المدارية: كنوز الأرض في مواجهة التهديدات https://earthsguards.com/%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%af%d9%88%d9%84%d9%8a-%d9%84%d9%84%d9%85%d9%86%d8%a7%d8%b7%d9%82-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%af%d8%a7%d8%b1%d9%8a%d8%a9-%d9%83%d9%86%d9%88%d8%b2/ Sun, 29 Jun 2025 13:00:06 +0000 https://earthsguards.com/?p=10232 المناطق المدارية

اليوم الدولي للمناطق المدارية: كنوز الأرض في مواجهة التهديدات

في كل عام -تحديدًا في التاسع والعشرين من يونيو- تتجه أنظار العالم نحو المناطق المدارية، تلك البقعة الساحرة من كوكبنا التي تحتضن تنوعًا بيولوجيًّا وثقافيًّا لا مثيل له؛ إنه اليوم الدولي للمناطق المدارية، تلك المناسبة الدولية التي تحتفي بجمال هذه المناطق وأهميتها، وتُسلط الضوء على التحديات الجسيمة التي تواجهها.

مِن هنا سوف تتناول حماة الأرض هذا الموضوع لإلقاء مزيد من الاهتمام على النظام البيئي للمناطق المدارية، مع تحديد الموقع الجغرافي لهذه المناطق، وذكر التحديات التي تواجها في ظل التحرك العالمي نحو تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وذلك في إطار الاحتفال باليوم الدولي للمناطق المدارية؛ فتابعوا القراءة.

أين تقع المناطق المدارية؟

تُعرف المناطق المدارية بأنها المنطقة الواقعة بين مدار السرطان ومدار الجدي، على مساحة شاسعة تشكل 40% من إجمالي المساحة السطحية للأرض. لكن أهميتها تتجاوز مجرد الأرقام، فهي موطن لما يقرب من 80% من التنوع البيولوجي العالمي.

وكذلك تتميز المناطق المدارية بمناخها الدافئ، الذي لا يشهد تغيرات موسمية كبيرة في درجات الحرارة اليومية، وتعد الأمطار الغزيرة في المناطق الداخلية الرطبة القريبة من خط الاستواء سمة مميزة لهذه المناطق، حيث تزداد موسمية هطول الأمطار كلما ابتعدنا عن خط الاستواء.

كنز الأرض ومفتاح مستقبلها

تُمثِّلُ المناطق المدارية كنوزًا طبيعية وثقافية لا تقدر بثمن، ومفتاحًا لمستقبل مستدام لكوكب الأرض، وتوفر خدمات حيوية للكوكب، مثل تنظيم المناخ، وتوفير المياه النظيفة، وتخصيب التربة؛ لذا فإنَّ فقدان أيٍّ من هذه الوظائف يمكن أنْ يكون له عواقب وخيمة على التوازن البيئي العالمي.

وعلى الصعيد الاقتصادي تتمتع المناطق المدارية بقابلية كبيرة للتقدم والتنمية؛ فهي غنية بالموارد الطبيعية، وتوفر فرصًا للزراعة المستدامة، والسياحة البيئية، وتطوير الصناعات القائمة على الموارد المتجددة. ومع الاستثمار المناسب في التعليم والبنية التحتية والتكنولوجيا، يمكن للمناطق المدارية أنْ تصبح محركات للنمو الاقتصادي المستدام؛ مما يعود بالنفع على سكانها والعالم أجمع.

تحديات المناطق المدارية

هذا التنوع البيولوجي -وجميع فوائد المناطق المدارية ومميزاتها- لا يخلو من التحديات؛ فالمناطق المدارية تواجه اليوم ضغوطًا هائلة نتيجة لتغير المناخ، وإزالة الغابات، وقطع الأشجار، والتوسع الحضري المتزايد، والتغيرات الديموجرافية السريعة.

وعلى ذلك يأتي الاحتفال باليوم الدولي للمناطق المدارية ليكون دعوة للعمل إلى زيادة الوعي بهذه التحديات، وتأكيد دور البلدان المدارية -وهو دور حيوي- في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وكذلك فهو تذكير بأنَّ مستقبل كوكبنا يرتبط ارتباطًا وثيقًا بصحة ورفاهية هذه المناطق الحيوية.

تحديات المناطق المدارية

ومِن بين أبرز هذه التحديات تغير المناخ؛ فالمناطق المدارية التي تتميز بكونها دافئة ورطبة تتأثر بشكل مباشر بارتفاع درجات الحرارة العالمية، وتغير أنماط هطول الأمطار؛ إذْ يؤدي ذلك إلى ظواهر جوية متطرفة، مثل الأعاصير، والفيضانات، والجفاف، تلك الكوارث التي تدمر المحاصيل، وتُضعف البنية التحتية، وتزيد من معاناة المجتمعات المحلية. كما أنَّ ارتفاع منسوب سطح البحر يهدد المناطق الساحلية المنخفضة؛ مما يجبر السكان على النزوح ويُفقِدُ التنوع البيولوجي بيئته الطبيعية.

وتُشكل إزالة الغابات وقطع الأشجار -تحديدًا- تحديًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا وبيئيًّا خطيرًا؛ فالمناطق المدارية تضم أكبر الغابات المطيرة في العالم، وهي موطن لعدد لا يحصى من الأنواع النباتية والحيوانية. ومع ذلك، فإنَّ التوسع الزراعي غير المستدام، وقطع الأشجار غير القانوني، والتعدين، والتوسع العمراني؛ كلها أسباب مباشرة في مشكلة التغيرات المناخية العالمية.

تُشكل إزالة الغابات وقطع الأشجار -تحديدًا- تحديًا اجتماعيًّا واقتصاديًّا وبيئيًّا خطيرًا

ويُعد التوسع الحضري والتغيرات الديموجرافية تحديًا آخرَ يواجه المناطق المدارية، فمع تزايد عدد السكان وتوجههم نحو المدن، تشهد المناطق الحضرية نموًّا سريعًا وغير مخطط له في كثير من الأحيان؛ وهذا يؤدي إلى انتشار الأحياء الفقيرة، ونقص الخدمات الأساسية، مثل المياه والصرف الصحي، والرعاية الصحية، وكذلك زيادة الضغط على الموارد الطبيعية المحيطة بالمدن.

وتواجه المناطق المدارية -فضلًا عمَّا سبق- تحديات اجتماعية واقتصادية، مثل الفقر، ونقص التغذية؛ فبالرغم من الموارد الطبيعية الوفيرة، يعيش عدد كبير من سكان المناطق المدارية تحت خط الفقر، ويعاني كثير منهم نقصًا في التغذية، خاصة الأطفال.

وبناءً على ما سبق نجد أنَّ معالجة هذه التحديات تتطلب جهودًا منسقة على المستويات المحلية والوطنية والدولية، حيث يجب أنْ تركز هذه الجهود على تعزيز التنمية المستدامة، وحماية البيئة، وتمكين المجتمعات المحلية، وضمان العدالة الاجتماعية والاقتصادية لجميع سكان المناطق المدارية.

وختامًا، فإنَّ المناطق المدارية ركيزة أساسية لاستقرار كوكب الأرض واستقرار تنوعه البيولوجي، لكنها تواجه تحديات جسيمة تهدد مستقبلها ومستقبل البشرية جمعاء. ويأتي اليوم الدولي للمناطق المدارية ليذكِّرنا بأهمية هذه الرقعة الحيوية؛ ولهذا تدعو حماة الأرض إلى تكثيف الجهود الدولية والمحلية لحمايتها وتنميتها.

]]>
كيف قدمت مصر نموذجًا عالميًّا في حماية التنوع البيولوجي؟ https://earthsguards.com/%d9%85%d8%b5%d8%b1-%d9%86%d9%85%d9%88%d8%b0%d8%ac-%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a-%d9%81%d9%8a-%d8%a7%d9%84%d8%aa%d9%86%d9%88%d8%b9-%d8%a7%d9%84%d8%a8%d9%8a%d9%88%d9%84%d9%88%d8%ac%d9%8a/ Tue, 10 Jun 2025 13:00:32 +0000 https://earthsguards.com/?p=9837 التنوع البيولوجي

كيف قدمت مصر نموذجًا عالميًّا في حماية التنوع البيولوجي؟

في ظل التحديات البيئية المتزايدة، والتزامًا بمستقبل أكثر استدامة، تواصل مصر ترسيخ مكانتها باعتبارها نموذجًا عالميًّا يحتذى به في حماية التنوع البيولوجي والحفاظ على الموارد الطبيعية، حيث كشفت بيانات صادرة مؤخرًا عن المركز الإعلامي لرئاسة مجلس الوزراء المصري عن حزمة من المشروعات الطموحة والإنجازات المشرقة التي تترجم هذا الالتزام إلى واقع ملموس.

ولهذا تستعرض حماة الأرض في هذا المقال كيف نجحت مصر في ترجمة هذا الالتزام إلى استراتيجيات شاملة ومبادرات عملية عبر السنين القليلة الماضية، بدءًا من خططها الوطنية الطموحة، مرورًا بمشروعات إعادة التأهيل والمراقبة البيئية، وصولًا إلى جهود الإنقاذ وحماية الأنواع المهددة؛ لنكشف بذلك عن نموذج متكامل يجمع بين حماية البيئة وتحقيق التنمية المستدامة؛ فتابعوا القراءة.

الاستراتيجية الوطنية للتنوع البيولوجي

ولأن مواجهة التحديات البيئية المتزايدة لا يمكن أن تتحقق إلا عبر خطط مدروسة، جاءت الاستراتيجية الوطنية للتنوعِ البيولوجي 2015-2030، لتكون مسارَ مصر نحو الحفاظ على مواردها الطبيعية، مستهدِفةً توسيع نطاق المحميات الطبيعية، وتنمية الموارد البيئية بشكل مستدام؛ لضمان بقاء الثروات الطبيعية للأجيال القادمة. وهذا الإطار الشامل يعكس رؤية مصرية واضحة نحو دمج حماية البيئة ضمن نسيج التنمية الوطنية الشاملة، من خلال منظومة بيئية متكاملة، تبدأ بتوسيع شبكة المحميات، وتصل إلى برامج الإنقاذ والرصد، مرورًا بالتعاون الدولي والمبادرات المجتمعية.

ومن أبرز ملامح هذه الاستراتيجية الطموحة، برنامج توطين 2000 طائر من طيور الحُبَارَى في محمية العميد بمحافظة الوادي الجديد، الذي يعد ثمرة للتعاون المثمر مع الإمارات العربية المتحدة، والصندوق الدولي للحفاظ على الحُبَارَى، ويهدف هذا المشروع الحيوي إلى إعادة تأهيل هذا النوع المهدد بالانقراض؛ مما يبرز أهمية الشراكات الدولية في تحقيق أهداف حماية الأنواع.

بالإضافة إلى ذلك، عززت مصر شبكة محمياتها الطبيعية لتصل إلى 30 منطقة محمية، تغطي مساحة تتجاوز 146 ألف كيلومتر مربع، أي ما يعادل حوالي 14.6% من إجمالي مساحة البلاد، وتُجسّد هذه المحميات -مثل محمية أشتوم الجميل المعنية بالسلاحف البحرية ومحمية وادي الجمال التي تُعنى برصد الأنواع المهددة- التزامًا راسخًا بالحفاظ على النظم البيئية الفريدة. كما تم تطوير 13 محمية طبيعية لتصبح مقاصد سياحية؛ وهذا وحده أسهم في زيادة إجمالي دخل المحميات الطبيعية بنسبة 40% خلال عام 2024 مقارنة بعام 2023.

إنجازات دولية

لم تقتصر جهود مصر على النطاق المحلي، وإنما امتدت لتُرسخ مكانتها باعتبارها دولة رائدة عالميًّا في مجال حماية البيئة من خلال مشاركاتها وإنجازاتها الدولية المشرقة، حيث تم اختيار منطقة وادي الحيتان ضمن قائمة “الخضراء” للمناطق المحمية التابعة للاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN) عام 2018؛ مما يعد علامة فارقة في هذا السياق، مؤكدةً على كون هذه المنطقة موقعًا استراتيجيًّا للاستدامة البيئية.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد فاز مشروع “صون الطيور المهاجرة” بجائزة “أفضل الممارسات العالمية” من مرفق البيئة العالمي (GEF) عام 2022؛ ليصبح نموذجًا يُحتذى به في حماية الطيور عبر التعاون الدولي، ويُظهر كيف يمكن للجهود المحلية أن تلقى صدى عالميًّا. علاوة على ذلك، كانت استضافة مصر لمؤتمر الأطراف الرابع عشر لاتفاقية التنوع البيولوجي (COP14) في شرم الشيخ عام 2018، حدثًا محوريًّا أكد دورها باعتبارها مركزًا إقليميًّا لصناعة السياسات البيئية؛ مما يعزز من قدرتها على التأثير في الأجندات العالمية.

كل هذه الإنجازات تترجم إلى تقدم ملموس، حيث شهد مؤشر التنوع البيولوجي العالمي ترقية ترتيب مصر من المركز 124 عام 2022 إلى 95 عام 2024، وفقًا لموقع “Environmental Performance Index”، وهو ما يعكس مدى الجهود المبذولة، بتحقيق تقدم قدره 29 مركزًا.

مراقبة الأنواع المهددة

وفي هذا الإطار، تُولي مصر اهتمامًا خاصًا بمراقبة الأنواع النادرة وتنفيذ برامج إنقاذ متخصصة؛ لضمان استمرارية الحياة البرية المعرضة للخطر، وتُعد هذه المبادرات الحيوية جزءًا أساسيًّا من استراتيجية التنمية المستدامة، حيث تسعى لدرء مخاطر الانقراض والحفاظ على التوازن البيئي.

تضمنت هذه الجهود رصد 5 أنواع مهددة بالانقراض في محمية وادي الجمال، بالإضافة إلى بدء أول برنامج متخصص لرصد وتتبع أسماك القرش في البحر الأحمر، وهو ما يعكس التزامًا بتوسيع نطاق المراقبة ليشمل البيئات البحرية الحيوية. ولم يقتصر الأمر على ذلك، فقد تم تطوير مركز مشاهدة الطيور في محطات الأكسدة بشرم الشيخ وجبل الزيت، وذلك لمراقبة الطيور، بالإضافة إلى تدريب الفرق المتخصصة على برامج الرصد البيئي المختلفة؛ مما يسهم في بناء القدرات المحلية.

ولتقديم الدعم الفوري للحيوانات التي تتعرض للخطر، تم إنشاء مركز إنقاذ الحياة البرية بالقاهرة؛ لتوفير الرعاية البيطرية، وإعادة تأهيل هذه الحيوانات؛ تمهيدًا لإعادتها إلى موائلها الطبيعية، وهذه المراكز والبرامج تؤكد أنَّ جهود الحفاظ على التنوع البيولوجي لا تقتصر على الحماية فقط، وإنما تمتد لتشمل التدخل الفعال لإنقاذ الأنواع المهددة.

حماية النظم البيئية

وتدرك مصر أنَّ حماية التنوع البيولوجي لا تتم بمعزل عن حماية النظم البيئية التي تحتضنه؛ لذا أولت اهتمامًا خاصًّا بالأنظمة البيئية الهشة، سواء كانت بحرية أو برية، ومن أبرز هذه الجهود مشروع “ملاذ آمن للحياة البرية” في محمية وادي الريان، الذي يهدف إلى حماية الغابات المتحجرة ومنطقة الأودية الفريدة. كما تركز مصر على تنفيذ برنامج لاستعادة النظم البيئية، يشمل أشجار المانجروف والشعاب المرجانية المتدهورة، بهدف تعزيز صحة البحار وزيادة أعداد السلاحف البحرية ودعم السياحة البيئية، مما يربط بين الحفاظ على البيئة وتحقيق عوائد اقتصادية مستدامة.

ولم تغفل مصر عن ربط جهود الحفاظ على التنوع البيولوجي بمكافحة التغير المناخي، من خلال استضافتها لمؤتمر الأطراف السابع والعشرين لاتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (COP27) في شرم الشيخ عام 2022. ناقش هذا المؤتمر الدور المحوري لسياسات الحفاظ على التنوع البيولوجي باعتبارها حلقة وصل أساسية بين البيئة والاقتصاد، مؤكدًا أن استدامة النظم البيئية هي مفتاح المرونة في مواجهة تحديات المناخ.

شراكات من أجل مستقبل أخضر

ولأن استدامة النظم البيئية تتطلب جهودًا متضافرة تتجاوز حدود الدولة الواحدة، وضعت مصر التعاون الدولي والمحلي في صميم استراتيجياتها للحفاظ على التنوع البيولوجي؛ لتتخذ نهجًا متكاملًا يسهم في تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ويمهد الطريق لتوسيع نطاق الأثر الإيجابي عبر شراكات فعالة ومبتكرة.

وتتجسد هذه الرؤية التعاونية في مبادرة إعلان أول توأمة بين مصر والأردن لإنشاء مناطق حماية مشتركة للحياة البرية، التي تعكس التزامًا إقليميًّا بحماية الموارد الطبيعية العابرة للحدود. كما تعزز مصر شراكاتها مع المنظمات الدولية البارزة مثل الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة (IUCN)  ومرفق البيئة العالمي (GEF) لتمويل وتنفيذ مشاريع ضخمة.

ومن الأمثلة البارزة على هذا التعاون، تعديل تقييم الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة لموقع وادي الحيتان من “جيد مع بعض المخاوف” عام 2017 إلى “جيد” عام 2020؛ مما يبرهن على الأثر الإيجابي لهذه الشراكات في الارتقاء بمستويات الحماية والإدارة، وتجدر الإشارة إلى أن هذه الشراكات لا توفر الدعم المالي والتقني فحسب، وإنما تسهم أيضًا في تبادل الخبرات وبناء القدرات؛ مما يضع مصر في مقدمة الدول التي تتبنى نهجًا شموليًّا للحفاظ على التنوع البيولوجي العالمي.

تؤكد هذه الإنجازات المتتالية، التي أظهرتها البيانات الرسمية أن مصر لا تكتفي بوضع الخطط الطموحة، وإنما تترجمها إلى واقع ملموس يعزز من مكانتها العالمية في مجال حماية التنوع البيولوجي، ومن هنا تؤمن حماة الأرض بأن هذه المسيرة نحو الاستدامة تعكس التزامًا عميقًا بمستقبل تتوازن فيه التنمية مع الحفاظ على كنوز الطبيعة.

]]>
اليوم العالمي للمحيطات دعوة لإنقاذ الحياة البحرية https://earthsguards.com/%d8%a7%d9%84%d9%8a%d9%88%d9%85-%d8%a7%d9%84%d8%b9%d8%a7%d9%84%d9%85%d9%8a-%d9%84%d9%84%d9%85%d8%ad%d9%8a%d8%b7%d8%a7%d8%aa/ Sun, 08 Jun 2025 13:00:20 +0000 https://earthsguards.com/?p=9814 المحيطات

اليوم العالمي للمحيطات دعوة لإنقاذ الحياة البحرية

على مدار التاريخ، لعبت المحيطات دورًا محوريًّا في تشكيل الحضارات وضمان استمرار الحياة على كوكب الأرض؛ فهي ليست مجرد مسطحات مائية، وإنما منظومة بيئية حيوية تنظم المناخ، وتوفر الغذاء، وتؤثر في صحة الإنسان والاقتصاد العالمي. ومع التغيرات المتسارعة التي يشهدها العالم اليوم، باتت الحاجة إلى فهم العلاقة المعقدة بين المحيطاتِ والبشر أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى.

ومع الاحتفال باليوم العالمي للمحيطات في الثامن من يونيو، تتجدد الحاجة إلى التفكير في الدور الذي تلعبه هذه المسطحات المائية الضخمة في حياة البشر والبيئة؛ فالمحيطات تغطي أكثر من 70% من سطح الأرض، وتمثل مصدرًا رئيسيًّا لإنتاج الأوكسجين، وتنظيم المناخ، وتوفير الغذاء لمليارات البشر حول العالم، هذه الحقائق تكشف أن صحة المحيطات ليست مجرد قضية بيئية، وإنما قضية ترتبط ارتباطًا مباشرًا بصحة الإنسان واستقرار المناخ العالمي.

وعندما ننظر عن قرب، نرى أن هذه المحيطات تواجه ضغوطًا متزايدة، بدءًا من التلوث البلاستيكي والصيد الجائر، وصولًا إلى تغير المناخ الذي يهدد الحياة البحرية ويغير توازنها الدقيق. ومع استمرار هذه التهديدات، يصبح الحديث عن المحيطاتِ في يومها العالمي دعوة للتفكير فيما يجب فعله لاستعادة توازن هذه المنظومة التي يعتمد عليها البشر بشكل مباشر.

المحيطات وأهداف التنمية المستدامة

ولأن المحيطات تشكل ركيزة أساسية لاستدامة الحياة على الأرض، فإن رعايتها والحفاظ عليها تتطلب منا مسئولية جماعية تتجاوز حدود الجغرافيا والسياسات المحلية؛ لتصبح جزءًا أساسيًّا من الجهود العالمية التي تهدف إلى تحقيق التنمية المستدامة، خاصة الهدف (14) الذي يدعو إلى حفظ المحيطاتِ والبحار والموارد البحرية واستخدامها على نحو مستدام.

عندما نُحدث توازنًا حقيقيًّا بين ما نأخذه من المحيط وما نعيده إليه، فإننا نُعيد رسم علاقة الإنسان بالطبيعة، وذلك يعني تقليص الصيد الجائر، وتوسيع المناطق البحرية المحمية، وإيقاف تصريف النفايات في المياه، واستثمار التكنولوجيا من أجل مراقبة صحة النظم البيئية البحرية، لا استنزافها.

ومع دخول عقد الأمم المتحدة لعلوم المحيطاتِ في خدمة التنمية المستدامة حيز التنفيذ، فإن الأمل يتجدد في إمكانية تحويل العلوم البحرية إلى قرارات سياسية وممارسات اقتصادية مسئولة؛ فالعلم لا يجب أن يبقى حبيس المختبرات، وإنما يجب أن يوجّه السياسات، ويقود الابتكار نحو حلول ذكية تحمي الحياة البحرية وتضمن استدامتها.

فرنسا تستضيف مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات

وفي خطوة محورية ضمن الجهود الدولية لحماية المُحيطات، تحتضن مدينة نيس الفرنسية مؤتمر الأمم المتحدة للمحيطات في يونيو 2025 في حدث منتظر سيكون منصة حاسمة لرسم خريطة طريق جديدة لمستقبل البحار، حيث سيكون هناك مسئولون حكوميون، وباحثون، وممثلو قطاع خاص، وأصوات من المجتمع المدني، يجتمعون لصياغة “خطة عمل نيس من أجل المُحيطات” التي من المفترض أن تكون بمثابة إعلان عالمي يركز على الفعل لا الوعود، ويشمل التزامات طوعية تعكس وعيًا دوليًّا بحجم التحديات.

المؤتمر لا يسعى لإنقاذ المحيطات من الانهيار فقط، وإنما لتحويلها إلى مصدر متجدد للتنمية المستدامة؛ فمن خلال الشراكات والابتكار، يمكن إطلاق مشروعات تهدف إلى إعادة تأهيل النظم البيئية البحرية، وتعزيز السياحة البيئية، وتحقيق العدالة المناخية لصالح المجتمعات الساحلية التي تواجه خطر الفيضانات والتآكل البحري.

معاهدة أعالي البحار

وفي سياق هذه الجهود العالمية لحماية المُحيطات، تبرز معاهدة أعالي البحار التي تعد نقلة نوعية في حماية المناطق الواقعة خارج الحدود البحرية الوطنية، هذه المناطق الشاسعة، التي تُعرف بـ”أعالي البحار”، تشكل ما يقرب من نصف سطح الأرض وتقع بعيدًا عن السواحل، في أعماق لا تصل إليها سوى غواصات الأبحاث.

وعلى الرغم من اتساعها وأهميتها البيئية، بقيت هذه المناطق لعقود دون حماية حقيقية، غير أنه مع إقرار هذه الاتفاقية الدولية الجديدة، التي تهدف إلى حماية التنوع البيولوجي في هذه المناطق، بدأت بالفعل مرحلة جديدة من المسئولية العالمية تجاه المُحيطات، حيث تنص المعاهدة على وضع 30% من المُحيطات تحت الحماية البيئية بحلول عام 2030، وهي خطوة فارقة يمكن أن تُسهم في وقف التدهور السريع للأنظمة البحرية، كما تفتح الباب أمام تمويل عادل ومستدام لمشروعات الحفاظ على البيئة البحرية، وتعزز من إمكانية مشاركة الدول النامية في الاستفادة من الموارد البحرية.

هذا التحول في المنظور القانوني والعلمي، يمثل فرصة ذهبية لإرساء قواعد جديدة في التعامل مع المحيط، بعيدًا عن منطق الهيمنة والاستغلال، واقترابًا من منطق الشراكة والتكافل البيئي؛ فالمحيطات لا تعترف بالحدود، ولا تنتمي لأمة واحدة، وإنما هي ميراث جماعي يجب الحفاظ عليه للأجيال القادمة.

ولذلك لا بُدَّ من التحرك الجماعي لحماية هذا المورد الهائل؛ فما نفع الشعارات إذا لم تتغير سلوكياتنا الاستهلاكية؟ وما معنى التوعية إذا لم تُترجم إلى قرارات على مستوى الأفراد والشركات والحكومات؟ ومن المهم أيضًا أنْ نُدرك أنَّ تغيّر العالم يبدأ من وعينا نحن، من قرار نتخذه بعدم رمي البلاستيك في البحر، أو من دعم لمبادرات تنظيف الشواطئ.

إنَّ الحديث عن المحيطات ضرورة بيئية وإنسانية تتجاوز حدود الشعارات؛ ولذلك ترى حماة الأرض أنَّ اليوم العالمي للمحيطات فرصة لإعادة التفكير في سلوكياتنا وممارساتنا تجاه هذا المورد الحيوي؛ فحماية المحيطات مسئولية جماعية تبدأ من قرارات فردية واعية وتستكمل عبر سياسات حكومية طموحة وشراكات دولية فعالة.

]]>