خطى مستدامة

ما الحوكمة؟

الحوكمة

ما الحوكمة؟

إننا نشاهد في العصر الحديث مظاهرَ التمدن والتحضر في مجالات كثيرة. وإنَّ أكثر ما برع الإنسانُ في تطويره منذ الثورة الصناعية هو إعادة تطوير نظرتنا إلى الاقتصاد وآلياته، خاصةً الآليات المتعلقة بإدارة الاقتصاد وتعزيز نموه. وهو أمر ضاعف من خبرة الإنسان في مجال الإدارة، حيث إنها مجال يساعد علَى زيادة الإنتاجية، واستدامة الموارد، وتعزيز الاستثمار.

مِن هنا يأتي مصطلح الحوكَمة، وهو مشتقٌّ من الفعل اليونانيّ (κυβερνάω, kubernáo)، ومعناه: التوجيه. غير أنه استُعمل في الإنجليزية للدلالة علَى حُكم الدولة، أو حُكم العالم، ثم ارتبط بمفهوم الهياكل المؤسسية وكيفية إدارتها.

ومع ذلك، فإنَّ مصطلحَ الحوكَمة -بمعناه الحاليّ الأوسع- يشملُ أنشطةَ المؤسسات العامة والخاصة. وقد أصبح متداوَلًا أكثر فأكثر في مطلع التسعينيات؛ ليصير ضمن معجم الاقتصاد والعلوم السياسية، وبعدها أمسى معروفًا ضمن نطاق عمل الأمم المتحدة وصندوق النقد الدوليّ والبنك الدوليّ.

والحوكَمة مجموعة مبادئ أو حزمة قواعد وممارسات نستطيع من خلالها إدارة المؤسسات وتنظيمها، حيث تسعى الحوكمة إلى ضمان كفاءة وفاعلية تلك المؤسسات، وتحقيق المصلحة العامة بصورة ذات جودة وميزات تنافسية، سواء في مجال الأعمال الحكومية أم الخاصة.

إنَّ الحوكَمة -باختصار- اتباعُ نظامٍ مُعَينٍ للتحكم في العَلاقات بين الأطراف الأساسية، التي تؤثر في أداء المنظَّمات؛ مما يُساعد علَى تنظيم العمل وتحديد المسئوليات؛ حتى تَتَحققَ الأهدافُ الإداريةُ علَى المدى الطويل.

وأمَّا عن مجالات تطبيق الحوكَمة فمتعددة. ويمكن تطبيقها في المؤسسات الحكومية والشركات، حيث تضمن لهذا القطاع العريض شفافيةً إداريةً، وتهتم بمبادئ المسئولية الاجتماعية، وتُطبق سيادة القانون. وفي الشركات -تحديدًا- تسعى الحوكَمة إلى حماية حقوق الشركاء والمساهمين والعملاء والموظفين علَى حدٍّ سواء، كما تسعى إلى تحقيق الأهداف الإنتاجية، مع ضمان حُسن إدارة الموارد.

وللحوكمة عناصر أساسية متعددة، وتدور كلها حول كيفية الوصول إلى المعلومات. وهذا الوصولُ المعلوماتيّ داخلٌ ضمن ما يُطلَقُ عليه الشفافية؛ أي شفافية نظام الحوكمة. ومن العناصر الأخرى: المسئولية عن تصرفات الموظفين أمام أصحاب المصلحة.

وتكون الحوكمة -أيضًا- مَعنيةً بسيادة القانون وتنفيذه علَى الجميع دون تمييز. وهذا يدفعنا إلى عنصرٍ آخرَ من عناصر الحوكمة، وهو العدالة والمساواة، حيث يكون الأفرادُ أمام نظام الحوكمة متساوين، بلا اعتبارٍ للجنس أو الدين أو العِرق أو أيّ اعتبارٍ آخرَ؛ فتكون العدالةُ الاجتماعيةُ حاضرةً في المجتمع. ولمزيدٍ حول معنى العدالة الاجتماعية يمكنكم مطالعة مقالنا: ما العدالة الاجتماعية؟

إذنْ، للحوكمة مبادئ نزيهة، حيث إنَّ النزاهةَ عنصرٌ أساسيّ من عناصرها. وهي عنصر محوريّ في تحقيق أهداف التنمية المستدامة؛ ومن ثَمَّ يمكن تعزيز النمو الاقتصاديّ، وهذا لأنَّ الحوكمة تساعد علَى إتاحة بيئة استثمارية جاذبة. وليستِ التنميةُ المستدامةُ أقرب أهداف الحوكمة، وإنما البيئة -أيضًا- هدف من أهدافها الأساسية، حيث تضمن لنا استخدام الموارد الطبيعية بصورة مستدامة.

لكن، ما أبرز تحديات الحوكمة؟ إنَّ الحوكمة مثلها مثل أيّ نظام تواجهه العقباتُ وتَحُولُ دونه المشكلاتُ. ومن أشد هذه العقبات في طريق تفعيل أنظمة الحوكمة في المؤسسات والشركات:

  • الفساد: يمثل الفسادُ أمام تمكين مبادئ الحوكمة تحديًا بالغَ الخطورةِ! فكما قلنا: إنَّ أهمَّ عنصرٍ من عناصر الحوكمة هو النزاهةُ، التي تعمل علَى تحقيق العدالة الاجتماعية.
  • ضَعف المؤسسات: يشير هذا الضَعفُ إلى عيوب هياكل المؤسسات، وسوء طرق تشغيلها. وقد يكون هذا بسبب نقص الشفافية -قلنا سابقًا: إنها عنصرٌ مهمٌّ من عناصر الحوكمة- فعندما تفتقر المؤسسات إلى أنظمة شفافية ومساءلة فعَّالة يصبح من الصعب علَى المؤسسات والشركات عمل تقييم أداء إداريّ.

بناءً علَى ما سبق، فإنَّ الحوكمة جزءٌ ذو أهمية كبرى في نظام المؤسسة الثقافيّ والإداريّ، حيث يجب أنْ تعملَ المؤسسةُ بنزاهة وشفافية ومصداقية؛ لأجل تحقيق أهدافها المرحلية؛ لأنَّ الشفافيةَ في التداول الماليّ -علَى سبيل المثال- وتقديم المعلومات الصحيحة، والثقة في أعضاء مجلس الإدارة؛ جزءٌ من الحوكَمة القوية.

ذلك كله جعلنا نؤكد أنَّ الحوكَمة لا يمكن تحقيق أهدافها إلَّا من خلال تفعيل مبادئ الأخلاق، وتنفيذ القوانين، واحترام التشريعات، التي تنظم سلوك تلك المؤسسات؛ إذْ إنَّ التشريعاتِ والقوانينَ ومبادئَ الأخلاق تحمي المساهمينَ والمستثمرينَ والموظفينَ من الاحتيال والتلاعب الماليّ والفساد.

في الختام يمكن القول: إنَّ الحوكَمة عنصرٌ حاسمٌ في رحلة نجاح واستمرار المؤسسات والشركات؛ فعندما تتبع المؤسسةُ مبادئَ وممارساتِ الحوكَمة تستطيع تحقيق أهدافها، بل تحقيق النجاح المستدام؛ لذا يجب علَى كل المؤسسات الالتزام بمبادئ الحوكَمة، والوفاء بالتزاماتها القانونية والأخلاقية، لضمان نجاحها، وحينها نكون قد حققنا هدفًا مهمًّا من أهداف التنمية المستدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى