خطى مستدامة

إفريقيا والتغير المناخي.. عبء ثقيل وتحديات مكلفة

إفريقيا

إفريقيا والتغير المناخي.. عبء ثقيل وتحديات مكلفة

في ظل التغيرات المناخية التي تهدد مستقبل العالم، تبدو إفريقيا كما لو كانت الحلقة الأضعف في مواجهة الأزمة المناخية العالمية؛ فعلى الرغم من أنها تساهم بنسبة قليلة من الانبعاثات العالمية فإنها تتحمل العبء الأكبر من تداعيات التغير المناخي.

مِن هنا سوف تسلط حماة الأرض الضوء على الأزمات المناخية التي تعصف بقارة إفريقيا، وتناقش مدى تأثيرها في الاقتصادات والمجتمعات، بالإضافة إلى طرح الحلول المقترحة لمواجهة هذا التحدي؛ لذا تابعوا قراءة المقال.

تأثيرات التغير المناخي في إفريقيا

يشير تقرير للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية (WMO) إلى أن قارة إفريقيا تتحمل عبء تغير المناخ بشكل غير متناسب مقارنة بقارات أخرى؛ فعلى الرغم من أنها لا تساهم إلا بجزء ضئيل من الانبعاثات الكربونية العالمية، فإنها تواجه تحديات هائلة؛ بسبب الظواهر المناخية المتطرفة، وتكاليف التكيف مع هذه الظواهر.

وإن الدول الإفريقية تخسر -وفقًا للتقرير الذي صدر عام 2023- نسبة تتراوح بين 2% إلى 5% من ناتجها المحلي الإجمالي سنويًّا؛ بسبب الظواهر المناخية كالجفاف والفيضانات. وهي خسائر اقتصادية لا تقف عند حد؛ لأنها تدفع عديدًا من الدول إلى تخصيص ما يصل إلى 9% من ميزانياتها الوطنية لمواجهة هذه الكوارث.

وفي جنوب الصحراء الكبرى -منطقة تضم 24 دولة، من أبرزها: الصومال، الكاميرون، نيجيريا، روندا، السنغال- تتطلب تكاليف التكيف مع التغير المناخي ميزانية ضخمة تتراوح بين 30 – 50 مليار دولار -سنويًّا- على مدار العقد المقبل؛ وهي أرقام تعادل حوالي 3% من الناتج المحلي الإجمالي للمنطقة، وبهذا فهي تمثل تحديًا كبيرًا لدول تعاني بالفعل من هشاشة اقتصاداتها.

أما بالنسبة إلى التداعيات الاجتماعية فهي لا تقل كارثية، حيث يُتوقع أنْ يواجه حوالي 118 مليون إنسان في القارة -بحلول عام 2030- أخطار الجفاف والفيضانات والحرارة الشديدة، التي ستؤدي إلى تراجع جهود الحد من الفقر؛ مما يعمق الفجوة الاقتصادية، ويعرقل النمو في عديد من الدول.

الظواهر المناخية

شهد عام 2023 أحداثًا مناخية عصيبة حتى عانت القارة السمراء من كوارث طبيعية لا حصرَ، مثل موجات الحرّ؛ فقد كانت الأشد على الإطلاق، حيث سجلت درجات الحرارة في شمال إفريقيا أرقامًا قياسية وصلت إلى 49 درجة مئوية في تونس، و50.4 درجة مئوية في أغادير بالمغرب. ولم تؤثر هذه الحرارة الشديدة في الحياة اليومية للسكان فقط، وإنما أدت إلى تدمير المحاصيل الزراعية، وزيادة استهلاك الموارد المائية.

وكذلك كانت الفيضانات من بين أسوأ الكوارث التي عصفت بالقارة؛ ففي ليبيا اجتاحت العاصفة “دانيال” مناطق واسعة، مسببة وفاة 4700 إنسان، وفقدان 8000 آخرين، في حين نزحت الملايين من السكان بسبب الفيضانات الشديدة التي ضربت كينيا والصومال وإثيوبيا. ولم تتوقف هذه الكوارث عند الأضرار المادية، فقد تركت خلفها أزمات إنسانية معقدة، ومنها نقص الغذاء والمياه النظيفة، وضعف الخدمات الصحية.

أما الجفاف فقد استمر في ضرب أجزاء كبيرة من قارة إفريقيا، حيث واجهت زامبيا واحدة من أسوأ موجات الجفاف منذ 40 عامًا؛ مما أثر في أكثر من 6 ملايين إنسان، وهذا الجفاف الحاد تسبب في انعدام الأمن الغذائي، وأدى إلى تراجع كبير في الإنتاج الزراعي.

تأثير التغير المناخي في إفريقيا

يهدد التغير المناخي مستقبل القارة الإفريقية على مستويات متعددة؛ فارتفاع مستوى سطح البحر بمعدل 3.4 ملم -سنويًّا- يعوق من تقدم المجتمعات الساحلية، ويزيد من خطر الفيضانات. وكذلك تؤثر التغيرات المناخية في القطاعات الحيوية -مثل الزراعة- التي تعد مصدرَ رزقٍ رئيسيًّا لملايين السكان، وكذلك تؤثر في الصحة العامة، والبنية التحتية، والتعليم.

الاستثمار في الإنذار المبكر

هذه التداعيات تجعل من الضروري تعزيز العمل المناخي في إفريقيا، ليس على المستوى المحلي فقط، وإنما على المستوى الدولي أيضًا؛ فالحاجة إلى تمويل جهود التكيف والاستثمار المناخيينِ أصبح أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى، لضمان مستقبل آمن ومستدام للقارة وجميع العالم.

ويرى تقرير المنظمة العالمية للأرصاد الجوية -لأجل التصدي لهذه التحديات المناخية الهائلة- أن إفريقيا في حاجة ماسة إلى تعزيز استثماراتها الخاصة بقطاع الأرصاد الجوية، كما يمكن أنْ يساعد تطوير خدمات الأرصاد الجوية على توفير بيانات دقيقة وتحليلات مبكرة؛ مما يمكن الدول من اتخاذ قرارات أكثر حكمة وفعالية في مواجهة الكوارث.

ومن بين أحد الحلول الرئيسية التي يوصي بها التقرير تنفيذ مبادرة “الإنذارات المبكرة للجميع”؛ هذه المبادرة تهدف إلى تحسين القدرة على التنبؤ بالكوارث المناخية، والتخفيف من آثارها، مما يساهم في إنقاذ الأرواح، وتقليل الخسائر الاقتصادية. ويجب على الدول الإفريقية -بالإضافة إلى ما سبق- تعزيز قدراتها المحلية والإقليمية، من خلال التعاون المشترك، وتبادل الخبرات لدعم خطط التنمية المستدامة.

وفي الختام تدرك حماة الأرض أنه لا بد من تطوير استراتيجيات استباقية وشاملة لمواجهة تغير المناخ، ليس فقط في إفريقيا فحسب، وإنما في العالم بأسره، بالإضافة إلى تعزيز التعاون الدولي، وزيادة التمويل الموجه إلى مشروعات التكيف المناخي، وبناء مجتمعات قادرة على الصمود الذي يمثل السبيل الوحيد لتخفيف آثار هذه الأزمة؛ لضمان مستقبل أفضل لنا وللأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى