المناخُ بينَ عصَا المسئوليَّةِ وجَزرةِ العَوائد
بقلم/ د. محمد الخياط - رئيس هيئة الطاقة الجديدة والمتجدِّدة
المناخُ بينَ عصَا المسئوليَّةِ وجَزرةِ العَوائد
بعدَ العديدِ مِنَ الجلساتِ والمُناقشاتِ المناخيَّةِ التي دراتْ خلالَ الفترةِ منْ 6 إلى 18 نوفمبر 2022 بمدينةِ السلام «شرم الشيخ»، حزمَ مؤتمرُ المناخِ حقائبَهُ بعدَ انتهاءِ دَورتِه السابعة والعشرينَ مُغادِرًا إلى «دُبي» والتي ستَحتضِنُ الدورةَ القادمةَ مِنَ المؤتمر COP28.
وحتى اللحظة، ويومًا بعدَ يوم، لا تَزالُ النتائجُ التي تمخَّضَتْ عنْ مؤتمرِ المناخِ بشرمِ الشيخِ يَتردَّدُ صَداها في فضاءاتِ الاجتماعاتِ وجلساتِ العَملِ المناخي المختلفةِ حولَ العالم، حيثُ نجحَ المؤتمرُ في تحقيقِ إنجازٍ تاريخيٍّ تَمثَّلَ في إنشاءِ صُندوقٍ لتعويضِ «الخسائرِ والأضرار» التي تَتكبَّدَها الدُّولُ الناميةُ نتيجةً للتغيُّراتِ المناخيَّة.
نِقاطُ التحوُّلِ الفارقة
يمكنُ أنْ نُشيرَ إلى نقطتيْنِ مهمتيْنِ للتحوُّلِ في العملِ المناخي، الأُولى أَتَتْ في العام 1992 منْ مدينةِ «ريو دي جانيرو» البرازيليةِ والتي احتضَنَتْ مؤتمرَ الأممِ المتحدةِ المَعنيَّ بالبيئةِ والتنمية، تلكَ القمةُ التي أدارَها بِاقْتِدارٍ الراحل «الدكتور مصطفى كمال طلبة»، وذلكَ وقتَ تولِّيهِ منصبَ المديرِ التنفيذيِّ لبرنامج الأُممِ المتحدةِ للبِيئة، أمَّا نقطةُ التحوُّلِ الثانيةُ فجاءَتْ في قِمَّةِ باريس في العام 2015 «COP21».
تَولَّدَ عنْ قمةِ ريو ثلاثُ اتفاقيَّاتٍ دوليَّةٍ هامَّة، حيثُ تحوَّلَتْ هذهِ الاتفاقياتُ إلى مناهجَ للعملِ وهي: اتفاقيةُ الأممِ المتحدةِ للتنوُّعِ البيولوجي، اتفاقيةُ الأممِ المتحدةِ لمكافحةِ التصحُّر، واتفاقيةُ الأممِ المتحدةِ لتغيُّرِ المناخ، وقدِ انبَثقَتْ عنِ الأخيرةِ سلسلةُ «مؤتمراتِ الأطراف – COP».
على الجانبِ الآخرِ فإنَّ أهميَّةَ مؤتمرِ باريس تكمُنُ في «اتفاقيةِ باريس للمناخ»، وتَهدُفُ الاتفاقيةُ للحدِّ منْ ظاهرةِ الاحترارِ العالمي عند «1,5 درجة مئوية» وبحَدٍّ أقلَّ منْ درجتيْن، بالإضافةِ إلى الالتزامِ بتقديمِ مُساعداتٍ تبلُغُ «مائة مليار» دولارٍ أمريكيٍّ إلى الدُّولِ الناميةِ لمُجابهةِ التغيُّراتِ المناخيَّةِ والتكيُّفِ معَها، إلَّا إنَّ التفاعُلَ العالميَّ معَ هذهِ الاتفاقيَّةِ منذُ ذلكَ الحينِ لا يُبشِّرُ أبدًا بأيِّ تقدُّمٍ حقيقيٍّ تُجاهَ الوفاءِ بالتعهُّداتِ المَقطوعة.
تحدِّياتُ تنظيمِ مؤتمرِ المناخ COP27
تلبيةً لدَعوَةٍ كريمةٍ منْ «مجلسِ الأعمالِ الكندي المصري» بالقاهرة، حضرْتُ ندوةً تحدَّثَتْ فيهَا السيدةُ «ياسمين فؤاد» وزيرةُ البيئةِ عنْ مؤتمرِ المناخِ بشرم الشيخ، وجاءَ في حديثِها كلامٌ شيِّقٌ عنْ كواليسِ التحضيرِ لتنظيمِ هذهِ القمةِ العالميَّة.
وبَينمَا مَنحَ فيروسُ كورونا قِمَّةَ جلاسجو «COP26» عاميْنِ مِنَ الإعداد، وضَمِنَتْ دولةُ الإمارات استضافتَها للمؤتمرِ القادمِ منذُ عاميْنِ أيضًا، كانَ على مِصرَ الانتهاءُ منِ استعداداتِها خلالَ أحدَ عشرَ شهرًا فقط، وعِندمَا زُرْتُ المنطقةَ الزرقاءَ لمؤتمرِ المناخ قبلَ بَدءِ الفعالياتِ بثلاثةِ أيامٍ بَدَا التحدِّي هائلًا.
شملَتْ عمليَّاتُ التطويرِ تحويلَ شرم الشيخ إلى مدينةٍ خضراءَ عبرَ عدَّةِ محاورَ مِنها: إمدادُ مركزِ المؤتمراتِ والفنادقِ والعديدِ مِنَ المباني بالطاقةِ المُتجددةِ سواءً منْ خلالِ مَحطَّاتٍ شمسيَّةٍ تُرَكَّبُ أعلى أسطُحِ المباني، فضلًا عنْ ثلاثِ محطَّاتٍ للطاقةِ الشمسيةِ تُغذِّي قُرابةَ عشرينَ ألف غرفةً فندقيَّة.
كمَا تمَّ تخصيصُ أكثرَ من 200 أتوبيس كهربائي، يُغطِّي كافَّةَ أحياءِ المدينة -مُرورًا بمقرِّ المؤتمر- لخدمةِ أكثرَ من 50 ألف مشارك، بالإضافةِ إلى 15 مسارًا لوجيستيًّا لخدمةِ كِبارِ الزُّوارِ والمَسئولِينَ وتدبيرِ كافَّةَ الاحتياجات.
أضِفْ إلى ما سَبقَ إعدادَ أحدَ عشرَ مبادرةً لإطلاقِها خلالَ الفَعاليات، غطَّتْ نواحي قِطاعَاتِ الغَذاء، والمياه، والطاقة، والتمويل، والنقلِ المستدام، وتكيُّفِ المرأةِ وغيرِها.
عبقريةُ السياسةِ المِصريةِ تَمثَّلَتْ في حَثِّ البُلدانِ المتقدمةِ على تخصيصِ مَصادِرَ للتمويلِ تَكونُ مُيسرةً لِتُساعِدَ الدُّولَ على مُجابهةِ تحدِّياتِها، معَ فتحِ أسواقٍ جديدةٍ لاستثماراتِ التنميةِ والعملِ المناخي، وذلكَ بعيدًا عنِ الخطابِ المُعتادِ والذي مَضمونُهُ إلقاءُ اللَّوْمِ على الدُّولِ المتقدمةِ وهو ما قدْ يَدفعُ العديدَ منها إلى الزاويةِ لاتخاذِ موقفٍ دفاعيٍّ أكثرَ مِنه تشَارُكِي، لذا فإنَّ هذهِ الدعوةَ المتوازنةَ للتمويلِ يُمكنُ وصفُها بأنَّها «عصَا المسئوليةِ التاريخيةِ وجزرةُ العوائدِ المستقبلية».
من هذهِ الزَّاوية، صُنِّفَ نجاحُ السياسةِ المِصريةِ في إدراجِ بندِ «الخسائرِ والأضرارِ» ضِمْنَ قراراتِ القمةِ نجاحًا مُميزًا، حيثُ إنَّ إقرارَ البندِ يَعني حُضورَه على طاولةِ المُفاوضاتِ في القممِ القادمة، أمَّا عنِ التحدِّياتِ التي تغلَّبَتْ عليها السياسةُ المِصريةُ لِيَتمَّ إدراجُ هذا البند، ومَا استراتيجياتُ التفاوُضِ التي استُخْدِمَتْ، فلهذَا مقالٌ آخر.