اليوم العالمي للمرأة محطة للتأمل في مسار التنمية المستدامة
اليوم العالمي للمرأة محطة للتأمل في مسار التنمية المستدامة
على مر العصور لم يكن الاحتفاء بالمرأة مجرد طقس احتفالي، وإنما هو محطة للتأمل في التحولات التي شهدتها المجتمعات، ودور المرأة في صياغة مساراتها؛ فكل خطوة نحو تمكين المرأة تعكس تغيرًا أعمق في بنية المجتمعات، حيث يرتبط تقدم الأمم بمدى قدرتها على تحقيق تكافؤ الفرص والعدالة بين أفرادها.
ومن هذا المنطلق لا يمكن النظر إلى قضايا المرأة بمعزل عن الأطر التنموية الأشمل؛ إذ يشكل تمكين النساء والفتيات إحدى الركائز الأساسية التي تقوم عليها التنمية المستدامة، وهنا يتقاطع الاحتفال باليوم العالمي للمرأة مع الهدف (5) من أهداف التنمية المستدامة: المساواة بين الجنسين، الذي يدعو إلى تحقيق المساواة بين الجنسين وتعزيز أدوار النساء في شتى المجالات.
وفي هذا المقال تستعرض حماة الأرض الجذور التاريخية لهذا اليوم، وتسلط الضوء على إنجازات المرأة، والتحديات التي لا تزال تعيق تحقيق المساواة الكاملة، كما تناقش كيف أسهمت السياسات والمبادرات المصرية في تغيير واقع المرأة؟ وما التحديات التي لا تزال تُطرح رغم التقدم المحرز؟ أسئلة نجيب عنها في السطور القادمة؛ فتابعوا القراءة.
كيف بدأ اليوم العالمي للمرأة؟
كان هذا اليوم نتاج حراك اجتماعيّ امتد لعقود؛ ففي عام 1908 خرج آلاف النساء في نيويورك للمطالبة بحقوقهن في العمل، وتخفيض ساعات العمل، وتحسين ظروفه، وأدى ذلك إلى إعلان الحزب الاشتراكي الأمريكي أول يوم وطني للمرأة في الولايات المتحدة في 28 فبراير 1909.
وفي العام التالي 1910 اقترحت الناشطة الألمانية “كلارا زيتكين” تخصيص يوم عالمي للمرأة يُعنى بحقوقها وتمكينها، وكان ذلك خلال المؤتمر الدولي للنساء الاشتراكيات في كوبنهاجن، وقد حاز الاقتراح دعمًا واسعًا، وأدى إلى احتفال العديد من الدول الأوروبية باليوم في عام 1911. ومع مرور الزمن أخذ هذا اليوم طابعًا عالميًّا، إلى أن أقرّته الأمم المتحدة رسميًّا عام 1977؛ ليصبح الثامن من مارس من كل عام مناسبة تحتفل بها الحكومات والمنظمات الدولية والمجتمع المدني لتقييم وضع المرأة عالميًّا.
نظرة على التقدم والتحديات
مما لا شك فيه أن القرن الحادي والعشرين شهد تقدمًا ملحوظًا في حقوق المرأة، حيث ارتفع تمثيلها في السياسة، وتمكنت من اقتحام مجالات وكانت حكرًا على الرجال، كما أصبحت دول مثل رواندا ونيوزيلندا نموذجًا في تعزيز حضور النساء داخل مجالس النواب ومواقع صنع القرار. وعلى الصعيد الاقتصادي نجحت العديد من النساء في كسر الحواجز التقليدية، ودخول قطاعات جديدة؛ مما يشير إلى تحولات إيجابية لا يمكن إنكارها.
ومع ذلك، لا يزال تحقيق المساواة الكاملة هدفًا يحتاج إلى مزيد من الجهود؛ إذ تكشف الإحصائيات عن استمرار الفجوات بين الجنسين في شتى المجالات. ووفقًا لتقرير المنتدى الاقتصادي العالمي لعام 2024، قد يستغرق سد هذه الفجوة 131 عامًا إذا استمر التقدم بالوتيرة الحالية، كما أن الفجوة في الأجور لا تزال قائمة، حيث تشير تقارير الأمم المتحدة إلى أن المرأة -حتى في أكثر الدول تقدمًا- تتقاضى أجورًا تقل بنسبة 20% عن الرجل في المتوسط؛ مما يعكس الحاجة الملحّة إلى تسريع الجهود لضمان تكافؤ الفرص والتمكين الفعلي.
خطوات تمكين المرأة في مصر
وقد تبنت مصر مجموعة من المبادرات والسياسات التي تعزز تمكين المرأة؛ فعلى المستوى السياسي شهدت السنوات الأخيرة تقدمًا ملحوظًا في نسبة مشاركة المرأة في مجلس النواب، التي ارتفعت إلى 27%، وهو رقم غير مسبوق في تاريخ مصر السياسي. كما كان للمجلس القومي للمرأة دور محوري في إطلاق استراتيجيات تهدف إلى مكافحة العنف ضد المرأة وتعزيز حضورها في المجال العام، إلى جانب دعم المشروعات الصغيرة التي تقودها سيدات الأعمال.
أما على الصعيد الاقتصادي فقد أسهمت عدة مبادرات، مثل مبادرة “حياة كريمة” في دعم آلاف النساء في المناطق الريفية عبر برامج تدريبية مكثفة؛ مما مكنهن من دخول سوق العمل وتحقيق الاستقلال المالي. وقد امتد الدعم إلى المجال الرقمي من خلال مبادرة “هي لمستقبل رقمي“، التي أطلقها المعهد القومي للحكومة لتعزيز قدرات السيدات العاملات بالجهاز الإداري للدولة، بهدف سد الفجوة الرقمية وتعزيز المعرفة بأهداف التنمية المستدامة والشمول المالي، مع ترسيخ مبدأ تكافؤ الفرص والعدالة بين الجنسين، وقد استفادت منها 2,768 متدربة.
وفي خطوة أخرى لدعم القيادات النسائية قدم “البرنامج الوطني للقيادات النسائية” بالتعاون مع منظمة العمل الدولية، تأهيلًا متقدمًا لـ148متدربة؛ مما يفتح أمامهن آفاقًا أوسع لتولي مناصب قيادية والإسهام في صنع القرار.
نحو مستقبل أكثر إنصافًا
بناءً على ما سبق من جهود وتحديات في مجال تمكين المرأة يأتي الاحتفال باليوم العالمي للمرأة تحت شعار “تسريع التغيير”، وهو دعوة لاتخاذ إجراءات حاسمة لضمان تحقيق المساواة في جميع المجالات، وهي رؤية تتوافق مع استراتيجية مصر الوطنية لتمكين المرأة 2030، التي تهدف إلى زيادة مشاركة المرأة في سوق العمل، وتعزيز وصولها إلى المناصب القيادية، وضمان حصولها على حقوقها القانونية والاجتماعية بالكامل.
وتمثل هذه الجهود خطوات مهمة نحو تمكين المرأة، غير أنها لا تزال بحاجة إلى تنسيق أوسع وإجراءات تشريعية ومجتمعية تضمن استدامتها وتحقيق أثرها الفعليّ. ومن هذا المنطلق، تؤكد حماة الأرض أن قضايا المرأة لا يمكن فصلها عن مسارات التنمية المستدامة؛ فالمرأة ليست مجرد مستفيدة من التغيير، بل هي قوة دافعة له نحو مزيد من الاستدامة.