أخبار الاستدامة

التحول الرقمي للقطاع المالي غير المصرفي في مصر خطوة نحو اقتصاد مستدام

التحول الرقمي

التحول الرقمي للقطاع المالي غير المصرفي في مصر خطوة نحو اقتصاد مستدام

في ظل التحولات المتسارعة التي يشهدها العالم على المستويين الاقتصادي والتكنولوجي، بات من الضروري التفكير في أدوات جديدة تضمن النمو دون إغفال مبادئ الاستدامة. وفي مصر، تتجه الأنظار بشكل متزايد نحو القطاع المالي غير المصرفي بوصفه من المسارات الواعدة لبناء اقتصاد مستدام، ويعد التحول الرقمي في هذا القطاع خطوة أساسية تسعى إلى إعادة تشكيل منظومة التمويل، بما يضمن العدالة والشفافية وتوسيع فرص الوصول لجميع الفئات.

وقد شهدت العاصمة المصرية القاهرة انعقاد ملتقى التكنولوجيا المالية (2025 FRA Fintech Forum)، الذي نظمته الهيئة العامة للرقابة المالية بمشاركة نخبة من المسئولين وصنّاع القرار والمستثمرين ورواد الأعمال، في توقيتٍ بالغ الحساسية إقليميًّا ودوليًّا، حيث تتعاظم الحاجة إلى نماذج اقتصادية مرنة تحقق معدلات نمو متوازنة وتوفر سُبل تمويل ذكي ومستدام.

رواد الأعمال

التحول الرقمي يعزز الإنتاجية

وسط هذا المشهد، برزت جهود الدولة المصرية في التحول الرقمي للقطاع المالي غير المصرفي، باعتبارها ركيزة لبناء اقتصاد وطني قادر على تحقيق التمكين والعدالة والشمول، وتكتسب هذه الجهود أهميتها المتزايدة لارتباطها المباشر بالبعد الاقتصادي للتنمية المستدامة، الذي يدعو إلى تعزيز القدرة التنافسية وتوسيع فرص الاستثمار وتوفير بيئة محفزة لريادة الأعمال.

وفي كلمته خلال ملتقى التكنولوجيا المالية، أكد الدكتور/ محمد فريد، رئيس الهيئة العامة للرقابة المالية، أن رقمنة الخدمات المالية غير المصرفية أصبحت ضرورة ملحّة في ظل تحولات الاقتصاد العالمي، حيث بات 80% من الأفراد البالغين يستخدمون أدوات رقمية في تعاملاتهم المالية، وشرعت أكثر من 60 دولة في تنظيم هذا المجال الحيوي؛ مما يحتم على مصر أن تواكب هذا الإيقاع المتسارع.

تنعكس هذه التحولات بشكل مباشر على الاقتصاد المستدام في مصر، حيث يستهدف التحول الرقمي رفع كفاءة السوق وتحسين إنتاجية الشركات، إلى جانب تعظيم الفائدة التي تعود على المواطن من خلال تسهيل الوصول إلى أدوات التمويل، وضمان أمان المعاملات، وتحقيق مزيد من الشفافية، ولعل من أبرز أدوات هذا التحول تقنيات الذكاء الاصطناعي، التي تُستخدم اليوم في تحليل البيانات الضخمة، واكتشاف المخاطر، وتقديم منتجات مالية أكثر دقة وملاءمة لاحتياجات العملاء.

الهيئة العامة للرقابة المالية

تشريعات رقمية تدعم الاقتصاد المستدام

ولم تكتفِ الهيئة العامة للرقابة المالية بإعلان النوايا، وإنما بدأت فعليًّا في تهيئة البنية التشريعية والتنظيمية الضرورية لتحقيق التحول الرقمي الكامل في قطاع التمويل غير المصرفي؛ فقد صدرت سلسلة من القرارات منذ عام 2013 وحتى منتصف 2025، من بينها القرارات المنظمة للبنية التكنولوجية، والتعرف الرقمي على العملاء، والسجل الرقمي، وهو ما يعكس فهمًا عميقًا بأن الاقتصاد المستدام لا يمكن أن ينمو في فراغ تنظيمي.

هذا المسار الإصلاحي المكثف يُعد ركيزة لتمكين الشركات الناشئة من دخول السوق، وتعزيز قدراتها على الابتكار، بما يفتح المجال أمام نماذج تمويل أكثر تنوعًا وتكيفًا مع احتياجات الفئات المختلفة، كما أن هذه القوانين تُوفر بيئة مستقرة وجاذبة للاستثمار، وتُساعد الدولة على تقليص الفجوة التمويلية.

الابتكار المالي والذكاء الاصطناعي ركيزتان للشركات الناشئة

ومن أبرز أحداث ملتقى التكنولوجيا المالية إطلاق المختبر التنظيمي للتطبيقات التكنولوجية، الذي يُعد منصة تجريبية تتيح للشركات الناشئة اختبار حلولها الذكية قبل تطبيقها في السوق الفعلي، وقد أشار الدكتور/ محمد فريد إلى أن هذا المختبر يشكل بيئة خصبة للابتكار، وخصوصًا في استخدام أدوات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي في تطوير حلول مالية أكثر كفاءة وعدالة.

أدوات الذكاء الاصطناعي والتعلم الآلي

كما تم الإعلان عن تدشين الموقع الإلكتروني الخاص بالمختبر، إلى جانب إطلاق أولى مسابقات “الهاكاثون” على المستويات الوطنية والإقليمية والعالمية، وهي فعاليات تقنية تنافسية مكثفة تجمع المبرمجين والمصممين ورواد الأعمال لتطوير حلول رقمية مبتكرة خلال فترة زمنية قصيرة؛ لحل تحديات واقعية في القطاع المالي.

وتأتي هذه الخطوات ضمن توجه استراتيجي لبناء منظومة تمويل رقمي تعتمد على المعرفة، وتعمل على جذب الاستثمارات وزيادة الإنتاجية، بما يعزز من مسار التحول نحو اقتصاد مستدام.

إطلاق ميثاق الشركات الناشئة في مصر

وفي كلمتها خلال ملتقى التكنولوجيا المالية، أوضحت الدكتورة/ رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، إلى أن الحكومة تعمل على بناء منظومة متكاملة لدعم الشركات الناشئة، بدءًا من وضع تعريف موحد لها، وإطلاق منصة إلكترونية للتسجيل والترخيص، وصولًا إلى تقديم “شهادة تصنيف الشركة الناشئة”، التي ستمنح لهذه الشركات من أجل تسهيل الوصول إلى مصادر التمويل والأسواق.

وأشارت الوزيرة إلى إطلاق “ميثاق الشركات الناشئة في مصر” الذي يشمل أكثر من 70 إجراءً تم تطويرها بالتنسيق مع 19 جهة حكومية، وتساعد هذه الجهود على تعزيز قدرة رواد الأعمال على الإسهام في الاقتصاد المستدام من خلال توفير فرص عمل جديدة وتحفيز الاستثمار، خاصة في القطاعات التي تمزج بين التكنولوجيا والتمكين المجتمعي، بما في ذلك التمكين الاقتصادي للمرأة.

التكنولوجيا المالية

نحو بيئة مالية مرنة وجذابة

وقد أشار الدكتور/ محمد فريد إلى أن نحو 70 شركة بالقطاع المالي غير المصرفي بدأت بالفعل في تقديم خدماتها رقميًّا، كما تم إصدار 80 ألف عقد رقمي وتنفيذ 120 ألف عملية تحقق إلكتروني، 60% منها في سوق رأس المال؛ مما يعكس أن التحول الرقمي لم يعد مشروعًا تجريبيًّا وإنما بات واقعًا.

ومع توسع هذه البنية التحتية الرقمية، تزداد فرص توجيه التمويلات التنموية -التي تجاوزت 15.6 مليار دولار منذ عام 2020- إلى القطاعات التي تدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وتُعد شركات التكنولوجيا المالية من أكثر القطاعات استفادة، وهو ما يرسّخ مكانة الاقتصاد الرقمي باعتباره ركيزة محورية في بناء اقتصاد مستدام قادر على التفاعل مع التحولات العالمية.

وختامًا، تؤكد مؤسسة حماة الأرض أن ما تشهده مصر من خطوات متسارعة في التحول الرقمي للقطاع المالي غير المصرفي هو امتداد لرؤية أشمل تسعى إلى بناء اقتصاد مستدام قائم على المعرفة والتكنولوجيا؛ فالتحول الرقمي -مدعومًا بتقنيات الذكاء الاصطناعي- لا يُعد فقط تطويرًا لأدوات العمل، وإنما يمثل تحولًا في فلسفة النمو ذاتها، من اقتصاد يقوم على الموارد إلى اقتصاد يقوم على الحلول الذكية وسرعة الاستجابة ومرونة السوق، وهذا التحول -رغم ما يطرحه من تحديات تشريعية وتكنولوجية- يمنح مصر فرصة حقيقية لبناء نموذج تنموي جديد، يكون أكثر شمولًا وعدالة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى