السندات الخضراء الحل الأمثل لمواجهة تحديات التمويل في إفريقيا
السندات الخضراء الحل الأمثل لمواجهة تحديات التمويل في إفريقيا
نَظَّم المجلس الدولي للمبادرات البيئية المحلية ندوةً إقليميةً في نهاية الشهر الماضي بعنوان “التمويل الأخضر والابتكار: السندات الخضراء مصدر لدعم المدن الإفريقية”، وقد شهدت نقاشًا عميقًا عن أهمية هذه السندات في تمويل مشروعات التنمية المستدامة في المدن الإفريقية، حيث حضر الندوة مجموعة متنوعة من المختصين والخبراء من خلفيات متعددة، بما في ذلك ممثلون عن الحكومات المحلية، والقطاع الخاص، والمنظمات غير الحكومية، والمؤسسات الأكاديمية، بالإضافة إلى ممثلي المؤسسات المالية الدولية، مثل البنك الإفريقي للتنمية، وبرنامج الأمم المتحدة لتنمية رأس المال (UNCDF)، كما حضر ممثلون من مبادرة السندات المناخية (CBI)، وشركات استشارية مثل KPMG؛ مما أضاف تنوعًا كبيرًا في وجهات النظر والخبرات المطروحة خلال النقاشات.
ما السندات الخضراء؟
قبل الخوض في تفاصيل المناقشات التي شهدتها الندوة، من المهم أنْ نوضح مفهوم السندات الخضراء وأنواعها المختلفة؛ فهي أداة مالية تتيح للحكومات المحلية والمؤسسات الاستثمارية جمع رءوس الأموال اللازمة لتمويل مشروعات صديقة للبيئة، مثل البنية التحتية المستدامة، ومشروعات الطاقة المتجددة، وإدارة الموارد المائية، والنقل النظيف، ولها عدة أنواع، منها: السندات الاجتماعية، وهي أدوات مالية تُستخدم لجمع التمويل لمشروعات تحقق تأثيرًا اجتماعيًّا إيجابيًّا، مثل تحسين الرعاية الصحية، والتعليم، والإسكان، ودعم الفئات المهمشة، ومنها أيضًا السندات الزرقاء، وهي سندات تركز بشكل خاص على حماية الموارد البحرية والبيئة المائية.
قصص نجاح السندات الخضراء في إفريقيا
ناقش المشاركون كيفية استفادة الحكومات المحلية والإقليمية من هذه السندات للوصول إلى أسواق رأس المال، بما يتيح تمويل مشروعات التكيف والتخفيف من آثار التغير المناخي، وتطرق الحديث إلى العقبات التي تواجه تمويل الاستدامة في المدن الإفريقية، مثل محدودية القدرات المؤسسية وانخفاض الجدارة الائتمانية؛ مما يبرز الحاجة إلى حلول تمويلية مبتكرة يمكن أن تسهم في سد الفجوة التمويلية.
واستعرض الخبراء خلال الندوة تجربة مدينة “كيب تاون” التي نجحت في إصدار سنداتها الخضراء بين عامي 2016 و2018 لتمويل مشروعاتها البيئية، التي تشمل تحسين شبكات المياه ومشروعات الطاقة المستدامة وغيرها؛ مما عزز من قدرة المدينة على مواجهة التحديات المناخية.
وقد تناولوا أيضًا المراحل التي مرت بها المدينة بدءًا من وضع إطار عمل واضح، واختيار المشروعات المؤهلة، والحصول على شهادة المعايير المناخية، ووصولًا إلى إصدار السند في بورصة جوهانسبرج، وأوضحوا كذلك أنَّ هذا الإصدار مكَّن المدينة من تمويل مشروعات بنية تحتية مستدامة كتقليل هدر المياه، وحماية الشواطئ من التآكل؛ مما جعلها نموذجًا يُحتذى به.
وقد قدم “مايك براون” كبير المتخصصين في شئون مبادرة السندات المناخية، وهي رؤية شاملة للتحديات التمويلية التي تواجه القارة الإفريقية، مشيرًا إلى أن القارة بحاجة إلى 2.4 تريليون دولار بحلول عام 2030 لتمويل مشروعات التكيف والتخفيف من آثار تغير المناخ، وقد وضح أن هناك فجوة تمويلية سنوية تزيد على 200 مليار دولار؛ مما يستدعي استخدام مجموعة واسعة من الأدوات المالية مثل صناديق الضمان والسندات الاجتماعية، إضافةً إلى تحسين التصنيف الائتماني للمدن لجذب المستثمرين الدوليين.
وأشار إلى أن غياب الأطر التنظيمية الملائمة يشكل عائقًا رئيسيًّا؛ إذ يجب تطوير أطر قانونية وتنظيمية واضحة تدعم إصدار السندات الخضراء وفقًا للمعايير الدولية، وأضاف أن كثيرًا من البلديات الإفريقية تعاني من مشكلة محدودية القدرة المؤسسية، حيث يتطلب إصدار هذه السندات مهارات إدارية ومالية متخصصة، وقد أوضح أن تقلبات أسعار الصرف تشكل خطرًا آخر؛ مما يستوجب تطوير أسواق محلية قوية للسندات.
أما “جون باتن أكوا” رئيس التمويل المستدام في شركة KPMG إفريقيا، فقد ناقش التحديات المرتبطة بتحديد المشروعات التي تستحق التمويل، والحاجة إلى تصنيفات وطنية وإقليمية واضحة لضمان شفافية العمليات، وأكد أهمية بناء القدرات داخل البلديات وإزالة الحواجز البيروقراطية التي تعيق إصدار تلك السندات، مشيرًا إلى أن التكاليف المرتبطة بهذه العملية غالبًا ما تكون هي التحدي الرئيسي الذي يواجه العديد من المدن الإفريقية.
وقد استعرض “ديفيد جاكسون” -المنسق العالمي للتمويل المحلي في برنامج الأمم المتحدة لتنمية رأس المال- تجربةَ إصدار أول سند أخضر في تنزانيا لتمويل مشروعات المياه في مدينة تانجا، وأكد أن النجاح الذي حققه هذا الإصدار -بالرغم من غياب الضمانات التقليدية- يعكس الإمكانات الكبيرة التي تمتلكها الأسواق المحلية لجذب التمويل المستدام، بشرط الحصول على دعم سياسي قوي كما حدث في تنزانيا.
وفي السياق نفسه، قدم كبير مسئولي أسواق رأس المال في البنك الإفريقي للتنمية رؤية البنك في دعم أسواق رأس المال الإفريقية، وتعزيز استخدام أدوات التمويل المستدام، مثل السندات الخضراء والزرقاء والسندات الاجتماعية، وأوضح أن البنك يسعى إلى مساعدة الحكومات والمدن الإفريقية على تطوير الأطر التنظيمية، وبناء القدرات، وإصدار السندات المبتكرة التي تتيح تمويل مشروعات التنمية المستدامة على المدى الطويل.
حلول تمويلية مبتكرة لدعم المدن الإفريقية
وبهدف دعم استخدام السندات الخضراء في إفريقيا، تم خلال النقاش اقتراح مجموعة من الحلول المتكاملة، وبيانها على النحو التالي:
- تعزيز الشفافية والحوكمة: يُعدّ بناء الثقة بين المستثمرين أمرًا بالغ الأهمية، ويتحقق ذلك من خلال توفير معلومات دقيقة وموثوقة عن المشروعات الخضراء.
- تنويع مصادر التمويل: ويتم ذلك عن طريق دمج هذه السندات مع آليات تمويل أخرى، مثل عقد الشراكات بين القطاعين العام والخاص.
- الاستثمار في بناء القدرات: وذلك عن طريق تدريب المسئولين المحليين على آليات إصدار تلك السندات وإدارتها.
- توفير الضمانات المالية: يُمكن للمؤسسات المالية الدولية أن تؤدي دورًا محوريًّا لتعزيز ثقة المستثمرين في السندات الصادرة عن المدن الإفريقية، وذلك عن طريق توفير ضمانات مالية لتلك السندات، مما يُشجع على زيادة الإقبال عليها.
وفي ختام الندوة أشار المشاركون إلى أهمية تعزيز الشراكة بين الحكومات والقطاع الخاص والمؤسسات الدولية، مؤكدين أن هذا التعاون هو السبيل الأمثل لتوسيع نطاق التمويل الأخضر في القارة الإفريقية، كما شددوا على ضرورة الاهتمام بالمدن الصغيرة والمتوسطة، التي تواجه تحديات جمة في الوصول إلى التمويل اللازم لمشروعاتها الخضراء.
تثمن حماة الأرض تلك الجهود المبذولة في تنظيم هذه الفعاليات التي تجمع الخبراء والمتخصصين لمناقشة سبل تعزيز التمويل الأخضر في إفريقيا، كما تؤكد أهمية التعاون الذي دعا إليه المشاركون بين الحكومات والقطاع الخاص والمؤسسات الدولية، من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة في القارة السمراء.