كيف يمكن للعلم والابتكار تعزيز أنظمة الغذاء العالمية؟
بقلم: تشيبويكي يودينجوي، أستاذ ورئيس قسم أبحاث خصائـص الغـذاء - جامعة أوتاوا.
كيف يمكن للعلم والابتكار تعزيز أنظمة الغذاء العالمية؟
إنَّ أنظمة الغذاء -مِن الإنتاج إلى الاستهلاك- معقدةٌ بطبيعتها، وتتطلب جهودًا منسقةً علَى مستويات مختلفة؛ لأجل تحسينها وجعلها أكثر مرونةً وفعاليةً. يمكن تصور هذه النظم الغذائية باعتبارها حاصلَ قرارات السياسة العامة وسلسلة التوريد الوطنية والعالمية، وهذا يشمل العناصر والمجموعات التي تعمل في هذه النظم وتؤثر في ما نأكله.
ليستِ أنظمة الغذاء العالمية الحالية -لسوء الحظِّ!- مستدامةً، حيث إنَّ واحدًا مِن بين تسعة أشخاص يعاني الجوعَ علَى مستوى العالَمِ، وقد تفاقم هذا الوضع بسبب جائحة فيروس كورونا، ومِن بعدها الحرب الروسية علَى أوكرانيا.
جانبٌ آخرُ، هو أنَّ أنظمة الغذاء العالمية الحاليةَ لا تمنع سوءَ التغذية، فحتى عند توافر الغذاء يمكن أنْ يحدث تفاقمٌ في النتائج السلبية الصحية، مثل ارتفاع معدلات السمنة، وغيرها مِن المشكلات الصحية ذات الصلة بالنظم الغذائية غير المناسبة، بالإضافة إلى أنَّ غذاءنا اليوم مفتقرٌ إلى العناصر الغذائية الكافية.
تؤثر أنظمة الغذاء في البيئة سلبًا، حيث أسهمت بنحو ثلث انبعاثات غازات الاحتباس الحراري العالمية في المدة مِن 1990 إلى 2015، كما أنَّ هذه الأنظمة قد أثبتتْ مدَى هشاشتها عند التعرض للاضطرابات -كان آخرُ هذه الاضطرابات جائحة فيروس كورونا، ومِن بعدها الحرب الروسية الأوكرانية- أو عند مواجهة الكوارث الطبيعية، مثل الزلازل والفيضانات، لكن العِلْمُ والابتكارُ قادرانِ دومًا علَى أنْ يوفِّرَا مخرجًا مِن هذه الأزمات.
الخطوات الأولى نحو الابتكارات العلمية
دعا الأمينُ العامُّ للأمم المتحدة «أنطونيو غوتيريش» إلى عقد «قمة النظم الغذائية» في عام 2021، بهدف تشجيع أصحاب المصلحة علَى التعاون في إجراء تغييرات ملموسة وإيجابية في النظم الغذائية العالمية، ومِن خلال خمسة مسارات عمل ركزتِ القمةُ علَى الجهود المبذولة لتحقيق أهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة، التي تتعلق بالنظم الغذائية، وبخاصة الهدف 2 (القضاء علَى الجوع).
أُنْشِئَتْ مجموعةٌ علميةٌ مستقلةٌ قبل انعقاد القمة، لتقديم بيانات وأبحاث تشمل المجتمعَ العلميَّ العالميَّ، حيث اسْتُخْدِمَتِ المعلوماتُ الواردةُ رغبةً في الحصول علَى توصية مِن سبع أولويات ابتكارية؛ لتحويل أنظمة الغذاء إلى الأفضل، ثلاث مِن هذه الأولويات مرتبطة مباشرة بعلوم وتكنولوجيا الأغذية.
الابتكارات في علوم وتكنولوجيا الأغذية
الابتكارات في علوم وتكنولوجيا الأغذية لها باع طويل علَى مدَى العقود الماضية، ويمكنها أنْ تكون علَى قدر التحدي لتطوير أنظمة الغذاء العالمية. علَى سبيل المثال، أتاحتْ معالجةُ الأغذيةِ الحفاظَ علَى العناصر الغذائية، وتعزيز الجودة والسلامة، ومد زمن صلاحية المنتجات. مثال آخر عن دور الابتكار والعلوم، هو عملية «إغناء الطعام»، والمراد منها إضافة مغذيات محددة إلى الطعام؛ لتلبية احتياجات غذائية محددة أيضًا، لأجل التخفيف من حِدة ظاهرة سوء التغذية. لكن السؤال هنا، ما الخطواتُ الرئيسيةُ الواجبُ اتباعها لتفعيل أنظمة الغذاء المستدامة؟
أولًا: استغلال المخلفات الغذائية
يهدر العالَمُ ملايين الأطنان مِن الغذاء في كل عامٍ، وبالتالي سيكون الحدُّ مِن هدر الطعام، ثُمَّ تشجيعُ الناسِ علَى تناول وجبات ذات بصمة كربونية أقل؛ أمرًا مثاليًّا. ولكن نظرًا إلى صعوبة تطبيق هذا في البيوت كلها، بالإضافة إلى غياب الوعي الكافي بين كثيرٍ مِن الناس؛ يمكن استخدام تقنيات المعالجة (مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد)؛ لتحويل هدر الطعام إلى منتجات غذائية جديدة، مما يعزز الاستخدام الفعَّال للموارد.
ولِمَنْ لا يعلم، تُعَدُّ تقنيةَ الطباعة ثلاثية الأبعاد للأطعمة واحدةً مِن الابتكارات الواعدة، التي تستطيع استخدام كميات محددة وعناصر مختارة مِن المغذيات؛ لإنتاج أطعمة بشكل وطعم وملمس يناسب كل شخص. ويمكن أنْ يكون لها إسهام -بشكل كبير- في الحدِّ مِن ظاهرة إهدار الطعام، وكذلك استخدام مخلفاته باعتبارها موادًّا أوليةً تصنع منتجات جديدة كما أشرنا.
ثانيًا: تنويع الغذاء
تشمل الجهودُ المستمرةُ للتنويع الغذائي استغلالَ الموارد غير المستغلَّة مِن أنواع المحاصيل المختلفة، التي تحتوي علَى كميات عالية مِن العناصر الغذائية، وذلك عن طريق زيادة استهلاك هذه المحاصيل المهملة أو الصغيرة، كما أنَّ استخدام بدائل مستدامة -مثل الأطعمة البحرية، والحشرات الصالحة للأكل- قد يصبح أمرًا ذا شعبية في بعض الثقافات، مثل بعض دول آسيا.
يمكن أنْ يساعد تنويعُ الغذاءِ علَى تقليل الإفراط في استهلاك المواد الغذائية الخمسة الكبرى (الذرة، والأرز، والقمح، والبطاطس، والكاسافا)، وتوسيع نطاق المحاصيل والعناصر الغذائية التي يُعْتَمَدُ عليها، كما يمكن أنْ يشجع ذلك أيضًا علَى زيادة الإنتاج المحلي للغذاء، وبناء نظام غذائي مرن يستطيع مواجهة الصدمات.
ثالثًا: معالجة الأغذية المستدامة
أثبتتْ عملياتُ معالجةِ الأغذية دورًا مهمًّا في الحصول علَى المزيد مِن الفوائد الصحية للطعام، حيث تشير الأدلة العلمية -بشكل قوي- إلى أنَّ المكونات الغذائية التي يتم تنشيطها في الأطعمة الوظيفية يمكن أنْ تقدم فوائدَ صحيةً تتجاوز قيمتها الغذائية المعتادة، كما يمكن أنْ تمنعَ أمراضًا، كارتفاع ضغط الدم، والسكري مِن النوع 2، وهذا النهج الوقائي للصحة غير مُسْتَغَلٍّ إلى حدٍّ كبير.
التنفيذ الفعَّال يساوي النجاح
إنَّ تنفيذَ هذه التوصيات الآنَ -تنفيذًا فعَّالًا- مهمةٌ رئيسيةٌ، لا سيما في المناطق الأكثر تضررًا بسبب انعدام الأمن الغذائي، وهو أمر يقتضي مبادرات خاصة بسياسات النظم الغذائية علَى المستويينِ المحلي والعالمي. تكمن أهمية المشاركة علَى مستوى المجتمع المحلي في زيادة فرص الحفاظ علَى تأثير هذه المبادرات، وجعلها أكثر واقعيةً ومُوَاكبةً للخصائص الثقافية في كل مجتمع، كما أنَّ المشاركةَ المحليةَ سيكون لها دور حاسم في جمع وبيان المعتقدات الثقافية بشكل يحدد الطريق نحو الابتكار؛ ليكون في الاتجاه المناسب، فيتلقى المجتمعُ المحليُّ هذه الابتكارات بالقبول؛ ومِن ثَمَّ يكون الحَلُّ المناسبُ في الصين -مثلًا- غيرَ مناسبٍ في مصر.
ما سبق يستدعي اتباع نهج شامل في جمع البيانات العلمية، بما في هذا التوجه العام إلى المجتمع، كما يجب أيضًا توسيع مشاركة البيانات في المجلات العلمية، لتشمل طرقًا ونتائجَ غير تقليدية، بخاصة الطرق والنتائج ذات الأهمية الإقليمية، والتي يمكنها أنْ تُسَرِّعَ مِن إيجاد وتطوير الحلول الجديدة.
ينبغي أنْ تركز عمليات الابتكار علَى المستهلك، بدلًا مِن تركيزها -بشكل حصري- علَى أولويات الصناعة والتمويل، كما أنَّ الطعامَ يعتبر موضوعًا شائقًا عند أغلب الناس؛ لذا فإنَّ إشراكَ الجمهورِ في المناقشات حول أنظمة الغذاء طريقٌ إلى تقليل المعلومات الخاطئة، ومِن ثَمَّ الحصول علَى ابتكارات مناسبة تحظى بالقبول العامِّ.
أخيرًا، فإنَّ تعقيدَ أنظمة الغذاء الحاليةِ يقتضي التعاون عبر مختلف التخصصات والقطاعات العلمية والعملية، لتطوير وتنفيذ الحلول المختلفة التي مِن شأنها تعزيز هذه النظم، وجعلها أكثر مرونةً أمام الصدمات المختلفة؛ لذلك يجب علَى المؤسسات الأكاديمية والبحثية تحديث سياساتها لمكافأة مثل هذه الأساليب التعاونية، التي تتمتع بفرصة أفضل في تقديم الحلول مقارنةً بالوضع الراهن.