علوم مستدامة

تعافي ثقب الأوزون انتصار للسياسات البيئية

تعافي ثقب الأوزون انتصار للسياسات البيئية

تُعد طبقة الأوزون أول خطَّ دفاعٍ للأرض ضد الأشعة فوق البنفسجية الضارة القادمة من الشمس، التي يمكن أن تؤدي إلى العديد من المشكلات الصحية والبيئية، وقد كان ثقْب الأوزون أحد أكبر التحديات البيئية التي تهدد الحياة على كوكبنا، ورغم ذلك فإن الجهود البيئية أسفرت عن بوادر تعافٍ مشجعة لهذه الطبقة.

وفي هذا المقال تناقش حماة الأرض تفاصيل هذا التطور، ودور المعاهدات الدولية في الحد من استخدام المركبات الكيميائية المسببة لثقْب الأوزون، وكيف ساعدت هذه الجهود على الشفاء التدريجي لطبقة الأوزون، وما يمكن أن يعني ذلك لمستقبل البيئة؛ فتابعوا القراءة.

كيف بدأ ثقب الأوزون؟

ثقْب الأوزون هو منطقة رقيقة تمتص الأشعة فوق البنفسجية، بسبب انخفاض معدل غاز الأوزون في هذه المنطقة -خاصةً في النصف الجنوبي- نتيجة التلوث الكيميائي. وهي منطقة اكتشفها العلماء في الثمانينيات؛ مما أثار قلقًا عالميًّا بشأن المخاطر البيئية والصحية لهذا الأمر، وقد كان السبب الرئيسي وراء هذه الظاهرة هو مركبات كلوروفلوروكربون (CFCs)، وهي مواد كيميائية تُستخدم في أجهزة التبريد والتكييف والعطور وعبوات الرذاذ، وعند انبعاثها إلى الغلاف الجوي، تتفاعل هذه المركبات مع الأوزون تحت تأثير الأشعة فوق البنفسجية؛ مما يؤدي إلى تدمير جزيئاته تدريجيًّا.

وفي عام 1986 قادت الباحثة/ سوزان سولومون بعثات علمية إلى القطب الجنوبي، وأكدت أبحاثها أن مركبات كلوروفلوروكربون هي المتسبب الرئيسي في استنزاف الأوزون، وقد ساعدت هذه النتائج على تسليط الضوء على خطورة المشكلة؛ مما مهد الطريق لاتخاذ إجراءات دولية للحد من استخدام هذه المركبات الضارة.

اتفاقية مونتريال نقطة تحول بيئية

وفي استجابة سريعة لهذا التهديد البيئي، تم في عام 1987 توقيع بروتوكول مونتريال، وهو اتفاق دولي يهدف إلى التخلص التدريجي من إنتاج واستخدام المواد المستنزفة لطبقة الأوُزون، وعلى رأسها مركبات كلوروفلوروكربون، وقد أثبت هذا الاتفاق جدواه، حيث بدأت مستويات هذه المُركبات في التراجع تدريجيًّا؛ مما ساعد على الحد من التدهور البيئي ومنح طبقة الأوُزون فرصة لاستعادة توازنها الطبيعي.

دراسة علمية تؤكد تعافي طبقة الأوزون

مع مرور السنوات أصبح من الممكن قياس أثر هذه الجهود بشكل دقيق، حيث كشفت دراسة حديثة أجراها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا (MIT) أن طبقة الأُوزون فوق القارة القطبية الجنوبية تُظهر تحسنًا واضحًا بنسبة 95%، مما يدل على أن الإجراءات المتخذة على المستوى العالمي أثمرت نتائج إيجابية. وأكدت الدراسة أن هذا التحسن لم يكن مجرد مصادفة، وإنما هو نتيجة مباشرة للحد من استخدام المواد الكيميائية الضارة التي كانت السبب الرئيسي في استنزاف الأُوزون.

ووفقًا لما نشرته مجلة (Nature)، فإن هذه الدراسة تُعد الأولى من نوعها التي تثبت -بدرجة عالية من الدقة الإحصائية- أن التعافي يرجع إلى تقليل استخدام مركبات كلوروفلوروكربون، وليس إلى عوامل أخرى مثل التغيرات المناخية الطبيعية أو زيادة انبعاثات الغازات الدفيئة في الغلاف الجوي.

ولضمان دقة النتائج اعتمد فريق الباحثين في (MIT) على تقنية “البصمة” التي طورها الباحث/ كلاوس هاسلمان، الحائز على جائزة نوبل في الفيزياء عام 2021. وباستخدام بيانات الأقمار الصناعية وتحليل تغيرات الأُوزون على مدى 15 عامًا، تمكن العلماء من فصل التأثيرات البشرية عن العوامل الطبيعية الأخرى؛ مما أكد أن الحد من المركبات الضارة كان العامل الأساسي في تقلص حجم الثقْب.

وتشير التوقعات العلمية إلى أنه إذا استمرت هذه الجهود بالوتيرة نفسها، فقد نشهد في المستقبل القريب عامًا يخلو تمامًا من استنزاف طبقة الأُوزون فوق القطب الجنوبي، ومن المتوقع أن يختفي ثقْب الأُوزون تمامًا بحلول عام 2035، مما يمثل انتصارًا حقيقيًّا للسياسات البيئية المستدامة والتعاون الدولي في مواجهة التحديات البيئية.

وترى حماة الأرض أنَّ ما تحقق في مسألة تعافي طبقة الأُوزون ليس مجرد نجاح علمي فقط، وإنما هو دليل واضح على أن التعاون الدولي واتخاذ القرارات الصائبة في الوقت المناسب يمكن أن يحدثا فرقًا حقيقيًّا في إنقاذ البيئة؛ فهذه التجربة تؤكد أنَّ الاستجابة الجماعية المدروسة قادرة على معالجة المشكلات البيئية الكبرى، وهو ما يمنح الأمل في إمكانية مواجهة تحديات أخرى لا تزال قائمة، مثل التغير المناخي والتلوث البيئي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى