علوم مستدامة

عددُ سُكَّانِ العالمِ يصلُ إلى رقْمٍ قياسِي بـ “8 مليار” نَسَمة

إفريقيا والمزيدُ مِنَ التحدِّيات

عددُ سُكَّانِ العالمِ يصلُ إلى رقْمٍ قياسِي بـ “8 مليار” نَسَمة

في نوفمبر الماضي تَجاوزَ عدد سكان العالم حاجزَ الـ “8 مليار” نَسَمةٍ طبقًا لتقريرٍ صادرٍ مِنَ الأُممِ المتحدة، ويقولُ التقرير: “مِنَ المُتوقعِ أنْ يَتضاعفَ عددُ السُّكانِ في العَديدِ مِنَ البُلدانِ في إفريقيا جنوبِ الصحراءِ بينَ عامي 2022 و2050؛ ممَّا يُشكِّلُ ضغطًا إضافيًّا على المَواردِ الطبيعيَّةِ المُنهكةِ بالفعل، وتَتحدَّى الزِّيادةُ السياساتِ التي تَهدفُ إلى الحدِّ مِنَ الفقر”. كما تَوقَّعَ التقريرُ أنْ يَصلَ عدد سكان العالم إلى حوالي “8.5 مليار” في عام 2030 و”9.7 مليار” في عام 2050 و”10.4 مليار” في عام 2100.

استنزافٌ مستمرٌ للمَوَارِد

النموُّ السكانيُّ السريعُ يَعني أيضًا مزيدًا مِنَ التنافُسِ على مواردِ المِياهِ الشَّحيحَة، ومزيدًا مِنَ الأُسرِ التي تواجِهُ الجوعَ، حيثُ يُؤثرُ تغيُّرُ المناخِ بشكلٍ متزايدٍ على إنتاجِ المحاصيلِ في أجزاءٍ كثيرةٍ مِنَ العالم.

ومعَ ذلك، يَقولُ الخُبراءُ: إنَّ الخطرَ الأكبرَ على البيئةِ هوَ الاستِهْلَاك، وهوَ الأعلَى مُستوًى في البُلدانِ المُتقدمةِ التي لا تَشهدُ زياداتٍ كبيرةً في عددِ السكان. حيثُ تُظهرُ الأدلةُ العالميَّةُ أنَّ جُزءًا صغيرًا منْ سكان العالم يَستخدمونَ مُعظمَ مواردِ الأرض، ويُنتجونَ مُعظمَ انبعاثاتِ غازاتِ الاحتباسِ الحَراري، فعلى مدَى السنواتِ الـ 25 الماضية، كانَ أغنَى 10٪ منْ سكان العالم مَسؤولِينَ عنْ أكثرَ منْ نصفِ جميعِ انبعاثاتِ الكربون”.

ووَفقًا للأُممِ المتحدة، فإنَّ عددَ السكانِ في إفريقيا جنوبِ الصحراءِ يَنمُو بمعدَّل 2.5٪ سنويًّا، أي: أكثرُ منْ ثلاثةِ أضعافِ المتوسطِ العالمي. النساءُ في إفريقيا جنوبِ الصحراءِ الكبرى لديهُنَّ في المتوسط 4.6 مولود، أي ضعفُ المتوسطِ العالميِّ الحالي البالغ 2.3.

تصبحُ العائلاتُ أكبرَ عِندما تبدأُ النساءُ في الإنجابِ مبكرًا، حيثُ تَتزوج 4 منْ كلِّ 10 فتياتٍ في إفريقيا قبلَ أنْ يَبلغْنَ 18 عامًا، وَفقًا لأرقامِ الأممِ المتحدة. فضلًا عنْ أنَّ معدَّل حَملِ المُراهقاتِ في القارَّةِ هو الأعلَى في العالَم، حيثُ إنَّ نصفَ الأطفالِ المَولودينَ في العامِ الماضي منْ أُمهاتٍ دونَ سنِّ العشرينَ في جميعِ أنحاءِ العالمِ.

دَورُ الأفكارِ والسياسَات

وقالَتِ الأُممُ المتحدةُ في تقريرٍ لهَا: إنَّ أيَّ جهدٍ لتَقليصِ حَجمِ الأسرةِ الآنَ سيَأتِي مُتأخرًا للغَايةِ لإبطاءِ تَوقعاتِ النموِّ في عام 2050 بشكلٍ كبير. وخَلصَ التقريرُ إلى أنَّ هذا النموَّ سيَحدثُ حتَّى لوِ انخفضَ الإنجابُ في البُلدانِ ذاتِ الخُصوبةِ المرتفعةِ اليومَ على الفَورِ إلى حوالي ولادتيْنِ لكلِّ امرأة.

هناكَ أيضًا أسبابٌ ثقافيةٌ مُهمةٌ للعائلاتِ الكبيرة، ففي جنوبِ الصحراءِ الكبرى بإفريقيا، يُنظرُ إلى الأطفالِ على أنَّهم نعمةٌ ومصدرٌ لدعمِ كبارِ السن، فكُلَّما زادَ عددُ الأبناءِ والبنات، زادَتِ الرَّاحةُ في التقاعُد، على الرغمِ منْ أنَّ بعضَ العائلاتِ الكبيرةِ قدْ لا يَكونُ لدَيها مَا يلزمُ لإطعامِ أطفالِها، وهو مَا يُؤدِّي إلى العديدِ مِنَ المشكلات.

وتلعبُ سياساتُ الدُّولِ دَورًا خطيرًا فعلى سبيلِ المثالِ في تنزانيا لعبَتِ السياسةُ دَورًا خطيرًا لسِتِّ سنواتٍ مُتتالية، حيثُ قامَ الرئيسُ السابقُ جون ماجوفولي، الذي حَكمَ الدولةُ الواقعةُ في شرقِ إفريقيا منْ عام 2015 حتى وفاتِه في عام 2021 بتَثْبِيطِ جُهودِ تَحديدِ النسل، قائلًا: إنَّ عددَ السكانِ الكبيرِ مُفيدٌ للاقتصاد، لكنْ على ما يَبدُو فإنَّ خَليفتَه “سامية سولو حسن” قد انتهجَتْ سياسةً مُغايرةً ففي تصريحاتٍ لهَا في أكتوبر الماضي قالَتْ “إنَّ تحديدَ النسلِ ضروريٌّ حتَّى لا يَطغَى على البِنيةِ التحتيةِ العامَّةِ للبلاد”.

وحتى معَ ارتفاعِ عددِ السكانِ في بعضِ البُلدان، تقولُ الأممُ المتحدة: إنَّه مِنَ المتوقعِ أنْ تَنخفِضَ مُعدلاتُ النموِّ بنسبة 1٪ أو أكثر في 61 دولة، فعلَى سبيلِ المِثالِ يَبلغُ عددُ سكانِ الولاياتِ المتحدةِ الآنَ حوالي 333 مليون، وَفقًا لبياناتِ مكتبِ الإحصاءِ الأمريكي، إلَّا إنَّ مُعدَّلَ النموِّ السُّكانيِّ في عام 2021 بلغَ 0.1٪ فقط، وهو أدنَى مُستوًى منذُ تأسيسِ البلاد.

وفي الخِتام، فلا شكَّ أنَّ الثروةَ البشريةَ هيَ عجلةُ التنميةِ الأساسيَّةِ لأيِّ بلد، ولكنَّ الزيادةَ المُضطردةَ بشكلٍ مُتسارعٍ في أعدادِ السكان، وضَعْفَ سياساتِ استغلالِ القوةِ البشريَّةِ معَ انتشارِ الفسادِ الماليِّ والإداريِّ في العَديدِ مِنَ البُلدانِ الناميةِ على وجهِ الخُصوصِ حوَّلَتْ هذِهِ الثروةَ البشريةَ من مِنْحةٍ إلى مِحْنةٍ تَحتاجُ لنَتَعاملَ معَها بشتَّى الطُّرق؛ وذلكَ لتخفيفِ الضَّغطِ عَنِ المَواردِ الطبيعيَّة، والحِفاظِ على جَودةِ البِنيةِ التحتيَّة، ولِتَحقيقِ أهدافِ التنميةِ المُستدامة؛ كلُّ ذلكَ منْ أجلِ عالَمٍ أفضلَ للجَميع، عالمٍ يُحَقَّقُ فيهِ تَضامُنٌ اجتماعِيٌّ حَقِيقِي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى