مبادرة هي لتمكين الفتيات.. طريق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة في مصر

مبادرة هي لتمكين الفتيات.. طريق العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة في مصر
لا تُقاس التنمية الحقيقية بما يتحقق من نمو اقتصادي فقط، وإنما بما تنعكس به من تحولات على واقع الإنسان؛ إذ لا يمكن لمجتمع أن يدّعي التقدم ما لم يضمن لجميع أفراده فرصًا عادلة في الحياة، وهو ما يجعل الإنصاف شرطًا أساسيًّا في أي مشروع تنموي جاد، وانطلاقًا من هذا الفهم المتكامل للتنمية، أطلقت وزارة الشباب والرياضة المصرية مبادرة “هي”، التي تعد منصة وطنية شاملة تُعنى بدعم الفتيات والنساء في مختلف مراحل حياتهن، عبر برامج نوعية تجمع بين الرياضة، والثقافة، وبناء القدرات.
وسوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال أبرز ملامح مبادرة “هي” لتميكن الفتيات، من حيث أهدافها ومحاورها الاستراتيجية، وآليات تنفيذها، والشراكات التي تعتمد عليها لضمان الوصول والتأثير، إلى جانب البعد الاجتماعي الذي تسعى المبادرة إلى تحقيقه، باعتبارها أداة لإعادة صياغة العلاقة بين الفتاة والمجتمع؛ فتابعوا القراءة.
فعالية إطلاق المبادرة
في 21 يوليو 2025، أعلن وزير الشباب والرياضة -الدكتور/ أشرف صبحي- انطلاق المرحلة الأولى من المبادرة الوطنية “رائدات مصر” تحت شعار “هي.. (الوعي – الحماية – التنمية)”؛ لتكون نقطة انطلاق جديدة نحو تمكين الفتيات في مختلف أنحاء الجمهورية، وجاء هذا الإعلان خلال مؤتمر صحفي في مركز الابتكار الشبابي والتعلم بالجزيرة، وقد شهد الحفل مشاركة شخصيات نسائية مرموقة من مؤسسات رسمية ومجتمعية، إلى جانب عدد من النائبات والشخصيات العامة.
وشكل الحضور الواسع دلالة رمزية على الدعم المؤسسي والمجتمعي الذي تحظى به المبادرة، كما يعكس إدراك الدولة لأهمية توسيع مساحات التمكين أمام الفتيات، وبدت المبادرة منذ لحظتها الأولى أكثر من مجرد مشروع حكومي؛ فهي رسالة وطنية مفادها أن تمكين الفتيات مسئولية مشتركة ومفتاح لبناء مجتمع متماسك ومتوازن.
أهداف مبادرة هي
الوعي
تعتمد المبادرة على ثلاثة محاور رئيسية متكاملة تعكس فلسفتها الاجتماعية، أولها محور الوعي، الذي يهدف إلى تعزيز الثقافة الصحية والنفسية لدى الفتيات، وتأهيلهن للمشاركة المجتمعية والسياسية من خلال برامج تثقيفية وتدريبية، لا يقف هذا المحور عند حدود المعلومات النظرية، وإنما يسعى إلى ترسيخ الثقة بالنفس وتنمية المهارات الشخصية.
الحماية
أما المحور الثاني فهو الحماية، وهو يستهدف التصدي لجميع أشكال العنف ضد الفتيات، سواء الجسدي أو النفسي أو الرمزي، ويُنظر إلى هذا المحور بوصفه صمام أمان يُرسّخ بيئة اجتماعية داعمة، من خلال دعم قانوني وتثقيفي ونفسي، وتوفير مساحات آمنة داخل مراكز الشباب.
التنمية
وأمَّا المحور الثالث فهو التنمية، وهو الوجه العملي للمبادرة، حيث يُترجم الوعي والحماية إلى مشاركة حقيقية، حيث تُوفر المبادرة فرصًا للتمكين الاقتصادي والاجتماعي للفتيات من خلال ورش عمل، ومبادرات ريادة الأعمال، ستكون في مراكز الشباب أو من خلال الربط مع كيانات سوق العمل المحلي؛ مما يعزز من فرص الفتيات في الاندماج والإنتاج.
البداية من مراكز الشباب
يتم تنفيذ المبادرة ميدانيًّا عبر أندية الفتاة والمرأة المنتشرة في مراكز الشباب بالمحافظات، بما يضمن شمولية الجغرافيا والوصول إلى الفتيات في المناطق الريفية والحضرية على حد سواء، حيث تشكل مراكز الشباب منصات لاحتضان البرامج التوعوية والتدريبية، فضلًا عن كونها حاضنات مجتمعية آمنة.
وتعتمد المبادرة على شراكات قوية مع مؤسسات رسمية ومدنية مثل المجلس القومي للمرأة، والمجلس القومي للطفولة والأمومة، ومجلس النواب، إلى جانب عدد من منظمات المجتمع المدني، وهذا التكاتف يمنح المبادرة مصداقية مجتمعية وسياسية، كما يتيح تنوعًا في طرق الوصول للفئات المستهدفة، بما يناسب احتياجاتها المختلفة ويزيد من فرص نجاح التنفيذ على الأرض.
ويكمن جوهر هذه الشراكات في قدرتها على توفير منظومة عمل منسقة، حيث يُصبح لكل طرف دور واضح ومتكامل؛ فبدون الدعم المؤسسي، قد تهدد الجهود المبذولة في سبيل الإصلاح؛ لذلك فإن بناء هذه الشراكات لا يعزز فقط كفاءة التنفيذ، وإنما يضمن أيضًا المتابعة المستمرة، وتبادل الخبرات، وتقييم الأثر بشكل يرسّخ الاستدامة ويجعل تمكين الفتيات واقعًا ملموسًا.
البعد الاجتماعي للمبادرة
ما يميز مبادرة “هي” أنها لا تخاطب الفتيات بوصفهن متلقيات فقط، وإنما باعتبارهن شريكات في بناء مجتمع أكثر عدلًا واستقرارًا، حيث إن رفع وعي الفتيات، وتعزيز ثقتهن بأنفسهن، ودعم مشاركتهن الاقتصادية والسياسية، ليس فقط حقًّا لهن، وإنما ضرورة لبناء مجتمع صحي وعادل؛ فكل فتاة على وعي بحقوقها، وتعلمت أدوات حمايتها، هي لبنة في صرح مجتمع يرفض التهميش والإقصاء.
وتمثل المبادرة استجابة مباشرة للتحديات الاجتماعية التي تواجه الفتيات في مصر، خصوصًا في مرحلة البلوغ، حيث تظهر الحاجة الماسة إلى معلومات صحيحة، وإرشاد نفسي واجتماعي داعم، كما أنها تدعم تحقيق أهداف التنمية المستدامة خاصة الهدف (10) الذي يدعو إلى الحد من أوجه عدم المساواة.
وختامًا تؤكد مؤسسة حماة الأرض أن مبادرة “هي” تمثل توجهًا إيجابيًّا نحو تمكين الفتيات، والاستثمار في وعيهن، وتعزيز دورهن في بناء المجتمع، خاصة في ظل ما تواجهه الفتيات من تحديات متشابكة تتطلب استجابات شاملة ومتعددة الأبعاد، ومن هنا فإنَّ حماة الأرض تثمن هذه الجهود المبذولة، كما تأمل أن تسهم هذه المبادرة في فتح مسارات جديدة للفتيات في جميع المحافظات، وأن تشكّل نموذجًا يُحتذى به في بناء جيل أكثر وعيًا وثقة وقدرة على المشاركة الفعّالة في مسيرة التنمية، وأن يتواصل العمل نحو تطوير مثل هذه المبادرات، وربطها برؤية تنموية أوسع تضمن الاستدامة الشاملة.






