عبر رئاستها لمبادرة دولية.. مصر تقود مسار التنمية المستدامة
عبر رئاستها لمبادرة دولية.. مصر تقود مسار التنمية المستدامة
في خطوة جديدة تعكس التزام الدولة بدعم التنمية المستدامة وتعزيز الشراكات الإقليمية، تسلمت مصر الرئاسة المشتركة لمبادرة الحوكمة والتنافسية من أجل التنمية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، للفترة من عام 2026 إلى عام 2030، خلفًا لتونس، وبالشراكة مع كل من إيطاليا وتركيا.
وتأتي هذه الخطوة ضمن رؤية طموحة تهدف إلى ترسيخ مكانة مصر باعتبارها مركزًا لصياغة السياسات التنموية القائمة على الأدلة، وتفعيل أدوات الحوكمة الاقتصادية والتكامل الإقليمي، بما يتفق مع رؤية مصر 2030، خاصة في أبعادها والاجتماعية والاقتصادية.
مصر تتسلم الرئاسة في لحظة فارقة
جاء الإعلان خلال اجتماع لجنة التسيير الذي عُقِدَ في فرنسا منذ أيام، تحت عنوان “التعامل مع التحولات العالمية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا”، وهو ما يُبرز أهمية الدور المصري في صياغة استجابات مرنة وفعّالة للتغيرات الدولية، بالتعاون مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تُعد من أبرز منصات تنسيق السياسات بين الحكومات.
وتسلط حماة الأرض الضوء على هذه اللحظة باعتبارها منعطفًا استراتيجيًّا في بنية العمل التنموي الإقليمي؛ إذ تشير إلى أن المشاركة المصرية النشطة في مثل هذه المبادرات تعزز قدرة المنطقة على مواجهة التحديات العالمية برؤية جماعية ومستندة إلى المعرفة.
مصر تمتلك رؤية تنموية متعددة الأبعاد
وقد أشارت الدكتورة/ رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، خلال كلمتها الافتتاحية في الاجتماع، إلى أن مصر ستعمل على تعميق التعاون متعدد الأطراف، وتطوير الحوار السياسي بين دول المنطقة، انطلاقًا من التزامها الراسخ ببناء اقتصادات أكثر شمولًا واستدامة؛مما يعكس رغبتها في تعزيز التكامل الإقليمي وتحقيق تنمية مستدامة تشمل جميع الأطراف.
ويُبرز هذا التصريح التحول النوعي في الخطاب التنموي المصري، الذي لم يعد يقتصر على التوجهات الداخلية فقط، وإنما أصبح منفتحًا على المحيط الإقليمي، ويهدف إلى تحقيق تنمية مشتركة مع دول المنطقة، كما يعكس هذا التوجه التزام مصر بالمبادئ الأساسية لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، التي تؤكد أهمية التعاون بين الدول من أجل تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
نحو مرحلة جديدة من التنمية المستدامة
تأتي هذه الرئاسة في إطار برنامج الشراكة القُطرية بين مصر ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، الذي تم إطلاقه في 2021، ويشمل 35 مشروعًا تنمويًّا تتنوع محاورها بين النمو الاقتصادي الشامل، والحوكمة، والإحصاء، والابتكار، والتنمية المستدامة.
هذه المجالات تتفق بشكل وثيق مع توجهات رؤية مصر 2030 التي تركز على إصلاحات هيكلية بعيدة المدى، تهدف إلى تعزيز العدالة الاجتماعية، وتحسين بيئة الأعمال، فضلًا عن الاستثمار في رأس المال البشري. ويُعد هذا البرنامج نموذجًا للتعاون الإقليمي المدعوم بالبيانات والأدلة، ويشكل إطارًا أساسيًّا لصياغة سياسات قابلة للتنفيذ تتوافق مع تطورات الواقع وتواكب التحديات المستقبلية.
وتنعكس مخرجات البرنامج في مبادرات عملية تتجسد في دعم تمكين المرأة اقتصاديًّا واجتماعيًّا، وزيادة فرص العمل اللائق، وتطوير الكفاءات البشرية، إلى جانب الارتقاء بكفاءة الإدارة الاقتصادية والمؤسسية، وتُشكل هذه المبادرات محاور استراتيجية لبناء اقتصاد أكثر توازنًا وشمولًا، يُعطي الأولوية للفئات الأقل تمثيلًا، ويُوفر بيئة محفزة للابتكار وريادة الأعمال.
مصر تتحرك نحو التكنولوجيا المتقدمة
ولم تكتفِ مصر بدورها التنسيقي، وإنما امتد تأثيرها إلى مجالات مستقبلية بالغة الأهمية، أبرزها التحول الرقمي والذكاء الاصطناعي؛ فقد قادت مصر تطوير الاستراتيجية الوطنية للذكاء الاصطناعي بالشراكة مع منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، وأطلقت المرحلة الثانية منها في 22 يناير من العام الجاري، وذلك في إطار دعم الابتكار والتحول التكنولوجي.
كما ترأست مصر مجموعتي العمل المعنيتين بالذكاء الاصطناعي في كل من الاتحاد الإفريقي وجامعة الدول العربية؛ مما يسلط الضوء على دورها القيادي في تعزيز التعاون الإقليمي في هذه المجالات المتقدمة، ويعد هذا التطور خطوة محورية لتحقيق أهداف التنمية المستدامة، بما يتوافق مع رؤية مصر 2030 التي تسعى إلى بناء اقتصاد رقمي مرن قادر على الاستجابة للتحديات المستقبلية.
تعزيز سلاسل القيمة والتكامل مع إفريقيا
وبالإضافة إلى ذلك تشارك مصر في مبادرة “التجارة في القيمة المضافة” ، وهي أداة إحصائية مهمة تقدمها منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، بهدف تعزيز اندماج الدولة في سلاسل القيمة العالمية، وتُعد هذه المبادرة خطوة نوعية تسهم في فتح آفاق جديدة أمام الصناعات الوطنية، ودعم تنافسيتها في الأسواق الخارجية، عبر فهم أعمق لمسارات الإنتاج والتجارة الدولية، كما تمثل هذه المشاركة بوابة لبناء شراكات فعَّالة مع الدول الإفريقية، من خلال تبادل الخبرات الفنية، وتيسير حركة التجارة العابرة للحدود، وتعزيز التكامل الاقتصادي الإقليمي.
ويأتي هذا التوجه باعتباره جزءًا من استراتيجية مصرية شاملة تسعى إلى استغلال الموقع الجغرافي المتميز للبلاد باعتبارها جسرًا بين قارتي آسيا وإفريقيا؛ لتحويله إلى منصة لوجستية واستثمارية استراتيجية تخدم القارة الإفريقية وتدعم التنمية المستدامة فيها.
ويعتبر تعزيز سلاسل القيمة الإقليمية ركيزة أساسية لتحقيق هذا الهدف، حيث يفتح المجال أمام التعاون في مجالات مثل نقل التكنولوجيا، وتنمية المهارات البشرية، وتطوير البنية التحتية الصناعية، بما يتوافق مع أولويات رؤية مصر 2030 ، وأهداف التنمية المستدامة.
تمكين المرأة
وقد ركزت الدكتورة/ رانيا المشاط في كلمتها الافتتاحية أيضا على الشراكة القائمة مع المنتدى الاقتصادي العالمي لإطلاق محفز سد الفجوة بين الجنسين، الذي يمثل خطوة نوعية نحو تعزيز الشمول المالي وريادة الأعمال للنساء، وأشارت إلى أن مصر قد استضافت في نوفمبر 2024 إطلاق مشروع مشترك مع الاتحاد الأوروبي؛ من أجل تعزيز الشمول المالي للمرأة في جنوب المتوسط.
وأوضحت أن هذا المشروع لا يمثل استجابة لمتطلبات المساواة فقط، وإنما يُعد أداة فعالة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة عبر تقليص الفجوات الهيكلية، وتعزيز مشاركة المرأة في النشاط الاقتصادي، بما يتفق مع أهداف التنمية المستدامة ويعد ركيزة أساسية لرؤية مصر 2030.
وعلى ذلك ترى حماة الأرض أنَّ رئاسة مصر المشتركة لهذه المبادرة الإقليمية الكبرى ليست تعكس دورًا شرفيًّا، وإنما تعكس استراتيجية واضحة، تستند إلى تبادل المعرفة، وتنسيق السياسات، وتمكين الدول من أدوات النمو المستدام؛ فهي خطوة تُمثل امتدادًا لمسار بدأته مصر منذ سنوات؛ لتؤكد أنَّ التنمية المستدامة ليست هدفًا محليًّا فحسب، وإنما مشروع إقليمي تشاركي، تتقاطع فيه الجهود وتتوحد فيه الرؤى.