نحو الاقتصاد الأخضر.. الجهود التي تبنتها مصر لمواجهة التغيرات المناخية
بقلم د/ هدى هلال مدرس بقسم العلوم الاقتصادية والقانونية والإدارية جامعة عين شمس
نحو الاقتصاد الأخضر.. الجهود التي تبنتها مصر لمواجهة التغيرات المناخية
قبل أن أتعرَّض للمشكلات البيئيَّة وما تبذله الدولة من جهود متميزة لحل كل ما يَمسُّ المجتمع المصري، لنبدأ أولًا برسالة تنبيهيَّة:
لا بدَّ من تغيير سلوك البشر؛ لأنه أسرع حل للقضاء على أي قضية بيئيَّة وعالمية.. فلتبدأ بنفسك؛ فما قيمة أننا نتكلَّف مليارات لتحسين المستوى البيئي والمعيشي وسلوك الفرد ثابت لا يتغير؟!
تبذل مصر دائمًا جهودًا غير عادية في محاولةٍ منها لمواجهة التغير المناخي الذي يواجهه العالم، إن 30% من المشروعات الاستثمارية التي تنفِّذها الدولة عبارة عن مشروعات خضراء، وسوف تصل إلى 50% خلال عام 2024.
ويُعدُّ ملف تغير المناخ من أهم الملفات في العالم، حتى أصبحت مصر رائدة بدورها في ذلك الملف والأولى على العالم؛ لما اتَّخذته من سياسات وإجراءات لمواجهة التغيرات المناخية؛ لذلك نقترح أن نقوم بتكوينِ قسم للبحث والتطوير وحل مشكلات التغيرات المناخية.
إنشاء قسم البحث والتطوير في مجال البيئة والتغيرات المناخيَّة:
تم إنشاء قسم البحث والتطوير في مجال البيئة والتغيُّرات المناخيَّة عام 2020؛ لمواجهة التغيُّرات المناخية المختلفة التي يواجهها العالم، ويكون معنيًّا بالأبحاث الدائمة في مجال البيئة وعن التغيُّرات المناخيَّة المستقبليَّة التي ستواجه مصر خلال الأعوام القادمة، وإيجاد الحلول لمواجهتها.
لا بدَّ من رفع الوعي البيئي بضرورة التصدِّي لمخاطر التغيُّرات المناخيَّة، وتعزيز شَراكة القطاع الخاص في تمويل الأنشطة الخضراء والصديقة للبيئة.
كما تم إطلاق الإستراتيجيَّة الوطنية للتغيُّرات المناخية 2050؛ لرفع مستوى التنسيق بين كافة الوزارات والجهات المعنيَّة؛ لمواجهة مخاطر وتهديدات التغيُّرات المناخية؛ من خلال وضع سياسات وبرامج مختلفة تساعد على التكيُّف مع تهديدات تغيُّر المناخ، عن طريق تعزيز حوكمة وإدارة العمل في مجال التغيُّرات المناخيَّة، وزيادة المرونة والقدرة على التكيُّف مع التغيرات المناخيَّة، وتحسين البِنية التحتيَّة؛ لدعم الأنشطة المناخيَّة، وتعزيز البحث العلمي .. ونقترح لمواجهة تحديات ومشكلات التغيرات المناخية عدة أمور في نقاط.
مؤسسات التمويل الدوليَّة:
تعاونت مصر مع العديد من مؤسسات التمويل الدوليَّة لمواجهة التغيُّرات المناخيَّة، ومنها البنك الدولي لتوفير الدعم المالي اللازم لمشروعات التنمية المُستدامة.
نحو الاقتصاد الأخضر:
نجد أن البعد البيئي ضمن شروط تمويل المشروعات الحديثة، بحيث لا يتمُّ تمويل أي مشروع يمكن أن يزيد من حدة ومخاطر التغيُّرات المناخيَّة؛ بهدف التوسُّع في المشروعات الصديقة للبيئة، والتحول للاقتصاد الأخضر؛ لحماية الموارد البيئيَّة، والحدُّ من التلوث وتقليل انبعاثات ثاني أكسيد الكربون والغازات الأخرى المُضرِّة بالغلاف الجوي، والمسبِّبة للاحتباس الحراري، للحدِّ من ارتفاع درجات الحرارة.
قضية الموارد المائيَّة:
أصبحت قضية الموارد المائيَّة من القضايا الهامة على الساحة السياسيَّة خلال فترة الستينيات وما بعدها من القرن الماضي، حيث أصبحت من الموضوعات الهامة على مائدة المفاوضات الدولية، وكذلك نالت اهتمام الباحثين من مختلف الأطياف، وبدأ البحث عن حلول موضوعية ومبتكرة لترشيد استخدام المياه، وكذلك البحث عن بدائل عن طريق تحلية مياه البحار وما شابهها، وخاصة مع ظهور أزمات مائية في مناطق متعددة من العالم بسبب نُدرة الموارد المائيَّة، وزيادة حدة التغيرات المناخيَّة، فضلًا عن تزايد الطلب على المياه؛ بسبب النمو الديموغرافي في شكل غير متوازن على مستوى العالم، وكذلك نمو القطاعات الاقتصادية المستهلكة للمياه؛ ممَّا أدَّى إلى ظهور النزاعات الدوليَّة على الموارد المائية.
وتزداد حِدة المشكلة مع الدول النامية، وتأخذ منعطفًا مختلفًا؛ باعتبار أن قضية التنمية والنمو بالنسبة للدول النامية هي أهم القضايا على الإطلاق، في ظل معاناةِ معظم تلك الدول من قضايا هيكليَّة؛ أهمها البطالة والتضخم، والتزايد السكاني، وزيادة معدلات الفقر، وما إلى ذلك من قضايا تجعل هدف زيادة النمو هدفًا إستراتيجيًّا، ولا بديل عن تحقيقه.
وترجع أهم أسباب تدهور مصادر الموارد المائيَّة إلى تزايد الطلب والاستهلاك بسبب الأنشطة البشرية، والتدهور الناجم عن التلوث، وتزايد حدوث الأمراض المرتبطة بالمياه، وفقدان وتدهور النظم الإيكولوجية للمياه العذبة، والتغير المناخي العالمي الذي يؤثر على العرض والطلب على المياه.. أضف إلى ذلك محدوديَّة الموارد المائيَّة المحليَّة في كثير من الدول؛ ممَّا يعني تزايد الاعتماد على الموارد المائية المشتركة.
وفي ظل تلك الضغوط المتزايدة أصبحت إدارة المياه بصفة عامة وندرتها بصفة خاصة تشكِّل صعوبة متزايدة؛ لذلك نقترح إضافة دور المحاسبة المائيَّة كمدخل لإدارة ندرة المياه في جمهورية مصر العربية.
وعلى الرغم من أن مفهوم محاسبة المياه في حد ذاته يعد جديدًا نسبيًّا، إلا أن المعلومات الخاصة بموارد المياه في مصر قد تم الاهتمام بتجميعها منذ عهد الفراعنة؛ لتحديد توقيتات الفيضان، ولكن المشكلة الأساسية تكمن في قطاع الموارد المائيَّة في مصر، في غياب الترابط بين تلك البيانات؛ لتحديد مدى كفايتها وشموليتها ودقتها، والفجوة المعلوماتية الواجب تغطيتها، وأوجه القصور للتغلُّب عليها.
أضف إلى ما سبق: أن ما لا يمكن قياسه لا يمكن إدارته بكفاءة وفاعلية، ومن هنا تظهر أهميَّة حساب مؤشرات أكثر دقة ووضوحًا باستخدام نظام معلومات المحاسبة المائية؛ ومن ثَمَّ تهدف المقالة إلى طرح منهجيَّة منطقيَّة؛ لربط المعلومات.
تعاني مصر من عجز في الموارد المائيَّة؛ كونها من دول المناطق شبه الجافة؛ حيث لا يتعدى نصيب الفرد في مصر (500) متر مكعب، في حين بلغ نصيب الفرد من مياه النيل دوليًّا (1000) متر مكعب سنويًّا لكل فرد، وهو ما يُؤكِّد أن مصر تعاني من مشكلة ندرة حقيقيَّة في الموارد المائيَّة، ومن أهم الأسباب في زيادة حِدَّة تلك المشكلة التضخُّم السكاني، حيث بلغ معدل نمو تزايد السكان في مصر خلال العقد الأول من الألفية الثانية حوالي (2,5%)، وهي من أعلى النسب العالميَّة، وإن كانت انخفضت تلك النسبة في الفترة الأخيرة، بالمواكبة مع برنامج الإصلاح الاقتصادي، حيث تضافرت مجهودات العديد من الجهات كوزارة الصحة، ووزارة التضامن الاجتماعي، ووزارة الأوقاف وغير ذلك؛ في محاولة منهم لتخفيض تلك النسبة، إلى أن وصلت إلى حوالي (1,5%) سنويًّا.
كذلك تُعدُّ قضية التغيرات المناخية من القضايا التي أثَّرت سلبًا، وزادت من حدة مشكلة ندرة المياه عالميًّا وإقليميًّا وعلى المستوى المحلي .. وإن كان أيضًا هناك العديد من الأسباب الأخرى لا تقل أهميَّة، والمتعلقة بالظروف الاجتماعية والبيئيَّة، والتي تؤثِّر سلبًا في زيادة معدلات تلوُّث الموارد المائيَّة المصرية، وتساهم في سوء استخدام تلك الموارد، وممَّا يزيد من هذه الإشكالية -أيضًا- هو زيادة الضغط على استخدام الموارد المائيَّة لأغراض برنامج التنمية الاقتصادية الطموح، الذي تتبنَّاه الحكومة المصرية، والذي يعتمد على زيادة معدلات النمو الاقتصادي في كافة القطاعات الصناعيَّة والزراعية والعمرانية، وغير ذلك مما سيزيد الطلب على استخدام الموارد المائيَّة، والتي تعاني منها أصلًا بعجز حادٍّ يُهدِّد الأمن المائي المصري، ويزيد من تحدياته.
خاصة في ضرورة تحديات أولويات الاستخدام الأمثل للموارد المائيَّة، وحساب التَّكلفة والعائد للاستخدامات المختلفة للموارد المائيَّة، باستخدام منهجيَّة المحاسبة المائيَّة، عن طريق دمج وتحليل البيانات المائيَّة بالبيانات الماليَّة؛ من خلال استخدام أسلوب التحليل المحاسبي لتلك البيانات المائية، من واقع الاستخدامات الفعلية والمتوقعة، وكذلك تحليل تكاليف الحصول على تلك الموارد المائية وتوزيعها بهدف الاستخدام الأمثل لكافة الموارد المائيَّة، وتحقيق أعلى عائد اقتصادي من توزيع تلك الموارد المشار إليها، فضلًا عن تقليل معدلات الهدر المائي، وتحسين مؤشرات الأمن المائي في جمهورية مصر العربية.
تساؤلات مطروحة:
- هل يمكن استخدام مدخل المحاسبة المائية لإعادة التخصيص وترشيد الهدر المائي بهدف الاستخدام الأمثل للموارد المائية، وتقليل معدلات الهدر المائي، ومن ثَمَّ تحسين مؤشرات الأمن المائي في مصر؟
- هل سياسات إدارة الموارد المائية تتفق مع أصول النظرية الاقتصادية؟
- هل يمكن الاستفادة من أصول المحاسبة المائيَّة في تقليل معدلات الهدر المائي في جمهورية مصر العربية؟
- هل الاستعانة بأساليب التحليل المالي المائي يساعد في إعادة تخصيص الموارد المائية؛ مما يساهم في تعظيم قيمة الاستخدام الرشيد للموارد المائيَّة وتحسين مؤشرات الأمن المائي في مصر؟
انتظرونا مع المزيد من القضايا البيئيَّة وكيفية إيجاد حلول لها في الأعداد القادمة.