أخبار الاستدامة

الأمم المتحدة تمرر قرارًا مناخيًّا دون ذكر الوقود الأحفوري

الوقود الأحفوري

الأمم المتحدة تمرر قرارًا مناخيًّا دون ذكر الوقود الأحفوري

في مشهد دبلوماسي يعكس طبيعة التوازنات المناخية الدولية، مرّر مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة قرارًا جديدًا بشأن التغير المناخي وحقوق الإنسان، بعد أن سحبت جزر مارشال تعديلًا جوهريًّا كان سيدعو إلى إعادة الالتزام الصريح بالتخلص التدريجي من الوقودِ الأحفوريّ، ورغم أن القرار مرّ بالإجماع، فإن الصيغة النهائية للقرار تجنبت الإشارة المباشرة إلى الوقود الأحفوري؛ مما أثار تساؤلات حول جدية الالتزامات الدولية في مواجهة الأزمة المناخية.

وسوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال تفاصيل الأمر، وتُسلّط الضوء على ما يعنيه تغييب الوقود الأحفوري عن النصوص الأممية الخاصة بالمناخ، وعلى كيف يؤثر ذلك في مسار العدالة المناخية، خاصة بالنسبة للدول التي تعاني من تهديد وجودي نتيجة ارتفاع مستوى سطح البحر.

ملامح القرار وتطوراته

جزر مارشال هي من الدول الأكثر عرضة لتأثيرات ارتفاع منسوب سطح البحر، وقد تضمن المقترح الأصلي الذي تقدمت به، دعوة إلى ترجمة ما تم الاتفاق عليه في قمة المناخ “كوب 28” إلى التزامات حقوقية واضحة، غير أن الاعتراضات التي تقدّمت بها الدول المُنتجة للنفط مثل السعودية والكويت دفعت جزر مارشال إلى سحب التعديل، تفاديًا لانقسام داخل المجلس كان من شأنه أن يعطل تمرير القرار بالكامل.

اعتراضات الدول المُنتجة للنفط على الوقود الأحفوري.

وفي الصيغة المعتمدة، اقتصر النص على دعوة الدول إلى الإسهام في الجهود العالمية لمواجهة التغير المناخي، مع تضمين مصطلح “إلغاء الكربون” في الهامش فقط، بدلًا من ذكر مرحلة التخلص من الوقود الأحفوري في المتن الرئيسي للقرار، ورغم بساطة الصياغة، فإن دلالاتها السياسية عميقة، خاصة وأن هذا التراجع حدث في وقت يتعرض فيه العالم لموجات حر قياسية.

السفيرة/ دورين ديبروم، المندوبة الدائمة لجزر مارشال لدى الأمم المتحدة في جنيف، أوضحت أن قرار التراجع جاء انطلاقًا من رغبة بلادها في الحفاظ على التوافق الدولي، مؤكدة أهمية التعاون والنهج التشاركي، إلا أن هذا الموقف قوبل بانتقادات من نشطاء بيئيين يرون أن مثل هذه التنازلات تُضعف من فاعلية القرارات الأممية في معالجة الأسباب الجذرية لأزمة المناخ.

التوازنات السياسية تعرقل القرار المناخي

السياق العام للنقاشات داخل مجلس حقوق الإنسان عكس واقعًا مألوفًا: أي حديث عن الوقود الأحفوري لا يزال يواجه مقاومة سياسية، حتى في أكثر المحافل المخصصة لحقوق الإنسان، وقد أكد ثلاثة دبلوماسيين لوكالة رويترز أن السعودية والكويت عبّروا عن رفضهم لتضمين فقرة تدعو إلى التخلص من الوقودِ الأحفوريّ، وبدلًا من ذلك طالبوا بعبارات أكثر مرونة مثل تعدد المسارات في تقليص الانبعاثات.

الولايات المتحدة، التي انسحبت من المجلس هذا العام، لم تشارك رسميًّا في النقاشات، في مؤشر آخر على تراجع بعض القوى الكبرى عن الانخراط الفعلي في صوغ الحلول المناخية متعددة الأطراف، وفي المقابل تستمر أصوات من داخل المجتمع المدني بالمطالبة بقرارات أكثر جرأة، تضع مصالح الكوكب فوق الحسابات الاقتصادية الآنية.

وجاءت تصريحات “سيباستيان دويك” مدير حملات المناخ وحقوق الإنسان في مركز القانون البيئي الدولي؛ لتُعبّر عن هذا التوجه، حين قال: “نشعر بالأسف إزاء استمرار المجلس في تجنّب المطالبة الصريحة بتخلي عادل عن الوقود الأحفوري، وهو السبب الأساسي في أزمة المناخ الحالية”.

من المهم التذكير أن قرارات مجلس حقوق الإنسان، رغم أنها غير ملزمة قانونيًّا، فإنها تُسهم في تشكيل الأطر المرجعية التي تعتمد عليها السياسات البيئية الدولية؛ ولهذا السبب يُنظر إلى هذا القرار باعتباره اختبارًا للنية السياسية الحقيقية للدول، لا سيما بعدما اعترف المجلس سابقًا في 2021 بأن البيئة النظيفة تُعد حقًّا من حقوق الإنسان.

ويطرح هذا الواقع تساؤلات جوهرية: إلى أي مدى يمكن للمنظومة الحقوقية الدولية أن تواكب تسارع الكارثة المناخية؟ وهل تكفي الإشارات الرمزية لتوجيه سلوك الدول، أم أن اللحظة تتطلب تحوّلًا أعمق في آليات صناعة القرار الأممي؟ إن استمرار اللغة التوافقية الفضفاضة، وتجنّب تسمية الأسباب الحقيقية للأزمة، يعكس فجوة متزايدة بين حجم التحديات البيئية وبين جدّية التعاطي الدولي معها، ويُظهر أن الحسابات السياسية لا تزال تتغلّب على صوت العلم والمجتمع المدني.

وختاما تؤكد مؤسسة حماة الأرض أن تغييب الإشارة الصريحة إلى الوقود الأحفوري في القرار الأممي الأخير يُعدّ مؤشرًا بالغ الخطورة، يكشف عن مدى التأثير الذي تمارسه الدول المنتجة للطاقة على مسار العدالة المناخية؛ ففي الوقت الذي تُجمِع فيه الأدلة العلمية على أن الوقود الأحفوري هو العامل الأول في تسريع الانهيار البيئي، يواصل المجتمع الدولي إصدار قرارات تراعي مصالح الكبار على حساب مستقبل الكوكب، وهو ما يُفرغ تلك القرارات من مضمونها، ويُفقدها قدرتها على إحداث التغيير الحقيقي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى