علوم مستدامة

تقرير علمي.. 3 سنوات تفصلنا عن انهيار مناخي يهدد الاقتصاد والكوكب

تقرير علمي

تقرير علمي.. 3 سنوات تفصلنا عن انهيار مناخي يهدد الاقتصاد والكوكب

في الوقت الذي تتسارع حرارة الأرض نحو مستويات خطيرة، كشف تقرير علمي جديد -بمشاركة أكثر من 60 عالم مناخ- عن تحذير صارخ، يشير إلى أن أمام البشرية ثلاث سنوات فقط قبل استنفاد “ميزانية الكربون” المتبقية التي تتيح البقاء دون الحدّ المناخي الحرج، أي مستوى الارتفاع في درجة حرارة الأرض بمقدار 1.5 درجة مئوية، مقارنة بعصر ما قبل الثورة الصناعية، وهو المستوى الذي تعتبره اتفاقية باريس آخر نقطة يمكن عندها تجنب أسوأ آثار التغير المناخي.

وتزداد المخاوف حدة عندما ندرك أن العالم قد تجاوز بالفعل حاجز 1.2 درجة مئوية من الاحترار منذ بداية العصر الصناعي، نتيجة مباشرة للأنشطة البشرية، لا سيما في قطاعات الطاقة والصناعة والنقل. هذا الارتفاع أدى إلى اضطرابات مناخية متسارعة، تهدد بشكل مباشر الدول النامية والجزرية، التي تعاني أصلًا من الهشاشة الاقتصادية والبيئية. ومع ذلك، لا تزال هناك فرصة سانحة –بحسب ما يؤكده العلماء– لتقليل درجة الاحترار تدريجيًّا، إذا ما اتخذت إجراءات عاجلة وواسعة النطاق لخفض الانبعاثات العالمية بشكل جذري.

الاحترار العالمي لن يتوقف فورًا

غير أن التحدي لا يقتصر على خفض الانبعاثات فحسب؛ إذ تؤكد الإدارة الوطنية للمحيطات والغلاف الجوي بالولايات المتحدة أن حتى الوصول إلى انبعاثات صفرية الآن لن يوقف ارتفاع الحرارة فورًا، بسبب الكمّ الهائل من الحرارة المخزنة في المحيطات، ما قد يؤدي إلى ارتفاع إضافي يُقدَّر بنحو 0.5 درجة مئوية خلال العقود المقبلة، هذه الحقيقة تكشف حجم الإرث المناخي الثقيل الذي تحمله الأجيال الحالية، وتفرض مراجعة شاملة لنماذج الإنتاج والاستهلاك عالميًّا.

فهل ستنجح البشرية في تفادي هذا السيناريو المظلم؟ وهل يتحول هذا التحذير العلمي إلى نقطة تحوّل حقيقية في السياسات المناخية؟ أم أن الضغوط الاقتصادية الراهنة ستظل حجر عثرة أمام أي مسار جاد نحو تحول أخضر وعادل؟ هذا ما سوف تناقشه حماة الأرض في هذا المقال فتابعوا القراءة.

تجاوز 1.5 درجة يهدد مستقبلنا

تشير تقديرات التقرير إلى أن تجاوز عتبة 1.5 درجة مئوية لا يعني فقط ارتفاع درجات الحرارة، وإنما احتمال تخطي نقاط التحول المناخية، وهي تغيرات جذرية في النظام البيئي يصعب التراجع عنها. من هذه النقاط، انهيار الطبقة الجليدية في جرينلاند، وتحول غابات الأمازون من مناطق مطيرة إلى أراضٍ جافة، وهو ما سيؤدي إلى خلل بيئي واقتصادي هائل.

تعتبر هذه النقاط مفصلية؛ لأن تخطيها يؤدي إلى تسارع في وتيرة الاحترار، ويهدد قدرة الدول النامية على التكيف، ويؤكد “مايكل مان” مدير مركز العلوم والاستدامة والإعلام بجامعة بنسلفانيا، أن تفادي كل جزء من الدرجة المئوية هو استثمار في البقاء، مشيرًا إلى أن تقليل الاحترار أسهل وأرخص من عكس مساره لاحقًا، هذه الكلمات تضع صناع القرار أمام مسئولية تاريخية، في وقت تتضارب فيه المصالح بين النمو الاقتصادي والحد من الانبعاثات.

من يتحمل المسئولية؟

في صلب هذه المواجهة المصيرية، تقع على عاتق الاقتصادات الكبرى المسئولية الأكبر تاريخيًّا عن الانبعاثات، في حين تتحمل الدول النامية -وإن أسهمت بأقل قدر في هذا الخطر- النصيب الأكبر من تداعياته، ومن هنا تبرز قضية العدالة المناخية باعتبارها من أبرز تحديات المرحلة؛ إذ تتطلب مقاربات عادلة في توزيع الأعباء، وتمويلًا مناسبًا من الدول الصناعية لسد الفجوة المناخية المتفاقمة، ومن دون التزام حقيقي بهذا النهج، ستغدو تجاوزات العتبة المناخية الحاسمة أمرًا شبه مؤكد، ليظل الأضعف دومًا هو من يدفع الثمن.

وإذا كان العالم يقف اليوم أمام مفترق طرق لا يسمح بالتردد، فإما التحرك العاجل أو مواجهة الانهيار، فإن السؤال الذي يفرض نفسه هو: هل تستطيع أدوات التمويل المناخي والاستثمار الأخضر أن تُحدث التحول المنشود خلال السنوات الثلاث الفاصلة؟ وهل تملك المنظومات الاقتصادية الحالية الإرادة الكافية لتغليب مصلحة الكوكب على حساب المكاسب الآنية؟

الاحترار العالمي

إفريقيا تدفع الثمن رغم قلة انبعاثاتها

ومن بين المناطق الأكثر تأثرًا بهذا الأمر، تبرز القارة الإفريقية باعتبارها واحدة من أكبر ضحايا الأزمة، رغم إسهامها الضئيلة في الانبعاثات العالمية؛ فمع محدودية الإمكانات وتفاقم التحديات البيئية، تواجه إفريقيا واقعًا مناخيًّا واقتصاديًّا محفوفًا بالمخاطر، يجعلها في طليعة المناطق المهددة بتداعيات الاحترار العالمي.

ومن بين أكثر هذه التحديات إلحاحًا، تدهور الأراضي الرطبة، وهو ما يكشفه تقرير حديث صادر عن اتفاقية “رامسار”يبيّن أن القارة الإفريقية تشهد حاليًّا أسرع وتيرة تدهور للأراضي الرطبة على مستوى العالم، هذه الأراضي التي تمثل شريان حياة للملايين، من حيث الغذاء والمياه والحماية من الكوارث الطبيعية، تواجه الآن ضغوطًا بيئية واقتصادية خانقة. التوسع العمراني، والبنية التحتية غير المستدامة، والتصحر، كلها عوامل تهدد هذه النظم البيئية الفريدة.

تدهور الأراضي الرطبة يهدد حياة الملايين

جنوب إفريقيا -على سبيل المثال- تُعد نموذجًا للأزمة المتفاقمة، حيث تفوق وتيرة التدهور ما يمكن استعادته، ومع تراجع قدرة الدول على إعادة التأهيل، تظهر الحاجة إلى سياسات استباقية وشراكات دولية لتعزيز البنية البيئية. أما في بلدان إفريقيا جنوب الصحراء، فإن الأراضي الرطبة تُفقد بوتيرة متسارعة؛ مما يفاقم مشكلات الأمن الغذائي، والصحة العامة، والاقتصادات المحلية.

الأمر الأهم هنا هو العلاقة الوثيقة بين الوضع الاقتصادي للدول وحالة أراضيها الرطبة؛ فبحسب التقرير، فإن الدول ذات الاقتصادات الأضعف تشهد انهيارًا أكبر في نظمها البيئية، وهو ما يعني أن الأزمات البيئية لا تنفصل عن أزمات الفقر وسوء التخطيط، وإذا ما استمر هذا التراجع دون تدخل سريع، فستواجه إفريقيا خسائر بيئية تقدر بمئات المليارات من الدولارات، ناهيك عن النزوح المناخي وانعدام الاستقرار.

الاقتصاد المناخي

وفي ظل هذه الخسائر المتسارعة، يتضح أن الأزمة ليست بيئية فحسب، وإنما اقتصادية في جوهرها؛ إذ ترتبط صحة النظم البيئية ارتباطًا مباشرًا بقدرة الدول على تحقيق التنمية المستدامة، وهنا يبرز مفهوم “الاقتصاد المناخي” بوصفه مدخلًا لإعادة التفكير في العلاقة بين البيئة والتنمية، خصوصًا في القارة الإفريقية التي تملك موارد طبيعية هائلة لم تُستثمر بعد على النحو الأمثل.

فعلى الرغم من أن الأراضي الرطبة في إفريقيا توفّر خدمات بيئية تُقدَّر قيمتها بنحو 825.7 مليار دولار، فإن هذا الرقم يظل متواضعًا مقارنة بالقيمة العالمية التي تتجاوز 39 تريليون دولار. الفجوة هنا لا تكمن في الموارد، وإنما في غياب السياسات المستدامة، وشُحّ التمويل، والافتقار إلى التكنولوجيا المناسبة.

 ومع ذلك، فإن استثمارًا ذكيًّا في حماية هذه النظم –عبر الترميم البيئي والابتكار، وتوفير فرص عمل خضراء وغيرها- يمكن أن يحقق مكاسب اقتصادية كبيرة، ويضع إفريقيا على مسار أكثر عدالة وكفاءة في التعامل مع أزمة المناخ؛ فبحسب دراسات التنمية المستدامة، فإن كل دولار يُستثمر في النظم البيئية يمكن أن يدر ما بين 4 إلى 10 أضعافه في العوائد المباشرة وغير المباشرة.

وختامًا، تؤكد مؤسسة حماة الأرض أن السنوات القليلة المقبلة تمثل منعطفًا حاسمًا في مصير الكوكب، بما يستدعي إعادة صياغة الأولويات على المستوى العالمي؛ فاستمرار ارتفاع درجات الحرارة، وتدهور النظم البيئية، وتنامي التكاليف الاقتصادية، جميعها مؤشرات تُحتم تحركًا جماعيًّا عاجلًا، يقوم على توزيع عادل للمسئوليات والالتزامات. وتُبرز التجربة الإفريقية -خاصة في ملف الأراضي الرطبة- مدى الترابط العميق بين ضعف البنية البيئية والهشاشة الاقتصادية، وهو ما يجعل التحول إلى نموذج تنموي مستدام فرصة استراتيجية لتعزيز القدرة على التكيف، وبناء مستقبل أكثر استدامة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى