خطى مستدامة

التنوُّعُ البيولوجي أمامَ مستقبلٍ صعبٍ في ضوْءِ التغيُّراتِ المناخيَّة

التنوُّعُ البيولوجي

التنوُّعُ البيولوجي أمامَ مستقبلٍ صعبٍ في ضوْءِ التغيُّراتِ المناخيَّة

يمكنُ وصفُ مصطلح «التنوع البيولوجي» بأنَّهُ جميعُ أنواعِ الحياةِ المختلفةِ التي ستَجدُها حولَك، ويَشملُ مَجموعةً مُتنوعةً مِنَ الحيواناتِ والنباتاتِ والفطرياتِ وحتى الكائناتِ الحيَّةِ الدقيقةِ مثلَ البكتيريا التي تُشكلُ عالَمَنا الطبيعي. حيثُ يعملُ كلُّ نوْعٍ منْ هذهِ الأنواعِ والكائناتِ معًا في النُّظمِ البِيئية؛ للحفاظِ على التوازُنِ ودعمِ الحياة.

التنوُّعُ البيولوجي هو شيءٌ ضَروريٌّ جدًّا للعملياتِ التي تَدعمُ كلَّ أشكالِ الحياةِ على الأرض، بما في ذلكَ البشر، فبدونِ مجموعةٍ واسعةٍ مِنَ الحيواناتِ والنباتاتِ والكائناتِ الحيَّةِ الدقيقة، لا يُمكنُنَا الحصولُ على النظمِ البيئيةِ الصحيةِ التي نعتمدُ عليها لتزويدِنا بالهواءِ الذي نَتنفَّسُهُ والطعامِ الذي نتناولُه، ولكن لسوءِ الحظ، فإنَّ الرؤيةَ المستقبليةَ للتنوعِ البيولوجي على كوكبِ الأرضِ تبدُو حالكةً للغَاية.

الحاجةُ إلى اتفاقٍ وإطارٍ دولي

يُعدُّ التلوثُ وفقدانُ الموائلِ وتغيرُ المناخِ مِنْ بينِ عواملِ الإجهادِ التي لا تُعَدُّ ولا تُحصَى التي تُهددُ الآنَ عشراتِ الآلافِ مِنَ الأنواعِ في جميعِ أنحاءِ الكوكب، فمِنْ بينِ أكثرَ من «150.000 نوع» تمَّ تَقييمُها منْ قِبلِ «القائمةِ الحمراءِ للأنواعِ المُهدَّدةِ بالانقراضِ» الصادرةِ عَنِ الاتحادِ الدوليِّ لحفظِ الطبيعة (IUCN)، أكثرُ منْ رُبعِ هذهِ الأنواعِ مهدَّدٌ بالانقراض، وذلك كما يقولُ «كريج هيلتون تيلور»، الذي يَرأُسُ وحدةَ القائمةِ الحمراءِ للاتحادِ الدوليِّ لحفظِ الطبيعة، وهو ما يَعني أنَّ الأمورَ تزدادُ سوءًا.

تَأتي هذهِ الأخبارُ خلالَ وقتٍ تَجري فيهِ مُفاوضاتٌ دوليةٌ حاسمةٌ في مؤتمرِ التنوعِ البيولوجي COP15  بمونتريال لصِياغةِ اتفاقيةٍ عالمية؛ تَهدفُ إلى حمايةِ التنوعِ البيولوجي، وذلك على غِرارِ اتفاقِ باريس للمناخِ الذي حدَّدَ أهدافًا لخفضِ انبعاثاتِ غازاتِ الاحتباسِ الحراري والحدِّ منها. وعادةً ما تُلقِي حالةُ الطوارئِ المناخيةِ بظِلالها على محنةِ الأنواعِ المختلفةِ التي تَتلاشَى بسرعةٍ على الأرض، لكنْ هذهِ الأزماتُ هيَ وجهانِ لعُملةٍ واحدة، ومعالجةُ أحدِهِمَا يُساعدُ في التخفيفِ مِنَ الآخر.

تضمُّ القائمةُ الحمراءُ شبَكةً منْ آلافِ الباحثينَ حولَ العالمِ الذينَ يَقومونَ بتقييمِ المَخاطرِ التي تُواجِهُ كلَّ نوْع، يتمُّ بعدَ ذلكَ دمجُ هذهِ البياناتِ في تصنيفٍ لدرجةِ الخطورةِ التي يَتعرَّضُ لهَا كلُّ نوْعٍ، وتَتَراوحُ درجاتُ التصنيفِ مِنْ «أقلِّ قدرٍ مِنَ القَلَق» إلى «المهدَّدةِ بشدَّة»، لتُعطيَ صورةً واقعيةً لتلكَ الأنواعِ التي لا تزالُ موجودةً في البرية، علاوةً على ذلك، هناكَ تصنيفاتٌ تُحصِي الأنواعَ المُنقرضةَ بالفِعل.

وعلى الرغمِ أنَّ القائمةَ لا تحملُ أيَّ وزنٍ قانوني، إلَّا إنَّها يمكنُ أن تكونَ بمثابةِ الدعوةُ الأُولى لاتخاذِ إجراءاتٍ للحفاظِ على البيئة؛ ممَّا يَمنحُ الحكوماتِ وجمعيَّاتِ الحفاظِ على البيئةِ المعلوماتِ الهامَّةَ اللازمةَ لصياغةِ خططِ الحفاظِ على التنوُّعِ البيولوجي.

ما بينَ التَّعافي والتدهوُرِ لبعضِ الأنواع

نأخذُ على سبيلِ المِثال «أُذُنُ البَحر» وهو بَحريٌّ رخويٌّ يعتبرُ على نطاقٍ واسعٍ مِنَ المأكولاتِ البحريةِ الشَّهيةِ في عددٍ كبيرٍ مِنَ البُلدانِ حولَ العالم، إلَّا إنَّ ما يقرُبُ من 40 في المائةِ من 54 نوعًا منْ أُذُنِ البحرِ في العالمِ مهدَّدةٌ الآنَ بالانقراض؛ ويَرجعُ ذلك بشكلٍ أساسيٍّ إلى الصيدِ الجائرِ والتربيةِ غيرِ المستدامةِ لأنواعِه، كما أدَّى التلوثِ والأمراضِ ومَوجاتِ الحرارةِ البحريةِ التي تَفَاقمَتْ بسببِ تغيُّرِ المناخِ إلى تفاقُمِ محنةِ أنواعِ هذَا الكائنِ الحَي.

الاتحادُ الدوليُّ لحمايةِ الطبيعةِ سلَّطَ أيضًا الضَّوءَ على تشكيلاتِ المَرْجَانِ العموديةِ الموجودِ في جميعِ أنحاءِ منطقةِ البحر الكاريبي، والتي انخفضَ عددُها بأكثرَ منْ 80 في المائةِ عبرَ معظمِ المناطقِ منذُ عام 1990، ليتحوَّلَ تصنيفُها منْ «نوْعٍ ضعيف» إلى «معرَّضٍ لخطرٍ شديد»، أيضًا منْ دواعي القَلقِ ظهورُ مرضِ فقدانِ الأنسجةِ المرجانيَّة، وهوَ شديدُ العَدوَى، ظهرَ في السَّنواتِ الأربعةِ الماضيةِ والذي يُؤثِّرُ بشكلٍ كبيرٍ على هذَا النَّوْع.

يمكنُ لارتفاعِ درجاتِ حرارةِ المحيطاتِ والتلوُّثِ جعلُ الشُّعُبِ المَرجانيَّةِ أكثرَ عرضةً لمثلِ هذهِ الأمراض، والشعابُ المرجانيةُ العموديةُ في الحقيقةِ تُعتبرُ بمثابةِ قمةَ جبلِ الجليدِ عندمَا يَتعلقُ الأمرُ بمِحنةِ الشعابِ المرجانية.

كانَ هناكَ بعضٌ منْ بَصيصِ الأملِ في المعلوماتِ الصادرةِ عَنِ القائمةِ الحمراء، حيثُ شهدَتْ سبعةَ أنواعٍ في وضعٍ جيِّد، نجدُ مثلًا أنَّ «ضفدع يوسمايت» انتقلَ منْ تصنيفٍ «مهدَّدٍ بالانقراض» إلى «نوعٍ ضعيف»، وذلكَ بفضلِ خُطةِ الحفظِ الشاملةِ التي شملَتِ العديدَ مِنَ الوكالاتِ الحكوميَّة، بالإضافةِ إلى السكانِ المحليين.

وبالمثل، كانَ إشراكُ المجتمعاتِ المحليَّةِ عاملًا رئيسيًّا في إنتاج «الواق الأسترالي»، وهو نوعٌ مِنَ الطُّيور، انتقلَ منْ تصنيفِ «المهدَّدةِ بالانقراض» إلى «أنواعِ الضعيفة»، ويزدهرُ الطائرُ في الأراضي الرَّطبَة، ويعملُ دُعاةُ الحفاظِ على البيئةِ في أستراليا معَ مُزَارِعي الأُرزِ المحليينَ لجعلِ حُقولِهم صديقةً لهذا النوع.

التنوُّعُ البيولوجي بينَ الواقعِ والمَأمُول

يضيف «تيلور»: «إنَّ هذهِ النجاحاتِ في حفظِ وزيادةِ بعضِ الأنواع، تُظهِرُ أنَّ خِططَ الحفظِ المُتقَنَةَ جيدًا هي تلكَ التي تشملُ المجتمعاتِ المحليةَ والتي لديْها مواردُ كافيَة، والتي يُمكنُ أنْ تُحْدَثَ فرقًا في انخفاضِ فقدانِ الأنواع. نأملُ جميعًا في أنْ تُساعِدَ اتفاقيةُ حمايةِ التنوعِ البيولوجي التي يتمُّ التفاوُضُ عليها في ديسمبر 2022 خلال COP15 في مونتريال في جعلِ هذهِ الجهودِ مُمكنةً على نطاقٍ أوسعٍ بكثير، فنحنُ حقًّا بحاجةٍ إلى خطةٍ عالميةٍ لحمايةِ الحياةِ على الأرض، ويجبُ أن يكونَ لهَا أهدافٌ طَموحةٌ وجريئةٌ وقابلةٌ للقِياس».

أحدُ هذهِ الأهدافِ التي يتمُّ النظرُ فيها في مفاوضاتِ مونتريال الحاليةِ هو حمايةُ 30 في المائةِ منْ أراضي ومحيطاتِ الكَوكبِ بحُلولِ عام 2030. وفي بيانٍ صادرٍ عنْ جمعيةِ الحفاظِ على الحياةِ البريةِ غيرِ الرِّبحيَّة، قالَتْ نائبةُ رئيسِ السياسةِ الدوليةِ للجَمعيَّة: «إنَّه منْ أجلِ إجراءِ المفاوضاتِ للنَّجاح، يجبُ على الحكوماتِ الالتزامُ بما يَلِي: الحفاظُ على السلامةِ البيئيةِ والنظمِ البيئيةِ السليمةِ للغايةِ وحمايتُها (من الغابات إلى الشعاب المرجانية) وصيانةُ ما لا يقلُّ عن 30٪ من الأراضي والمُحيطاتِ بشكلٍ جيِّدٍ بحلُول عام 2030، والقضاءُ على استغلالِ وتجارةِ واستخدامِ الأحياءِ البريةِ غيرِ القانونيةِ أو غيرِ المستدامةِ أو التي تُشكِّلُ خطرَ انتشارِ مُسبباتِ الأمراضِ على البشرِ أوِ الحياةِ البريةِ أوِ الحيواناتِ الأخرى».

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى