السور الأخضر العظيم وتحديات الاستدامة في أفريقيا
السور الأخضر العظيم وتحديات الاستدامة في أفريقيا
يختلف تعريف مصطلح «حقوق الإنسان» من ثقافة إلى أخرى ومن مجتمع إلى آخر، هذا المصطلح الذي ظل يتطور عبر القرون المتعاقبة ليصبح أكثر شمولًا، بما في هذا الحق في حياة كريمة، ومساواة بين الجميع أمام القانون، وغيرهما من الحقوق الكثيرة التي لا يتسع المقال لذكْرِها، ولكن في الآونة الأخيرة -ونظرًا إلى ما يشهده العالم من تغيرات متسارعة في الجوانب المناخية- تهددت بشكل واضح حقوق الإنسان بين الأجيال الحالية، وستتهدد أيضًا بين الأجيال القادمة.
يشكل تغير المناخ خطرًا جسيمًا على الحقوق الأساسية في الحياة، مثل: الصحة، والغذاء، ومستوى المعيشة اللائق بالأفراد والمجتمعات في جميع أنحاء العالم؛ وبسبب هذا تتخذ عديدٌ من البلدان خطى مستدامة جادة في سبيل الحد من التغير المناخي، وحفاظًا على حقوق شعوبها المكتسبة.
بلدان منطقة الساحل الأفريقي ليست خارج السرب فيما يتعلق بأخذ خطى مستدامة كبيرة، حيث تبذل جهودًا ملحميةً ضمن مبادرة «السور الأخضر العظيم»، هذه المبادرة التي يقودها الاتحاد الأفريقي تهدف إلى زراعة سور من الأشجار واستعادة الغابات على مسافة تمتد لـ 8000 كيلومتر عبر القارة.
«السور الأخضر العظيم» مبادرة رائعة تهدف إلى مساعدة الناس والطبيعة على التعامل مع التأثير المتزايد لحالة الطوارئ المناخية وتدهور النظم البيئية الحيوية، بالإضافة إلى منع الصحراء الكبرى من التمدد بشكل أعمق في واحدة من أشد مناطق العالم فقرًا.
التنمية الشاملة للريف الأفريقي
بدأ «السور الأخضر العظيم» -الذي أطلقه الاتحاد الأفريقي- في عام 2007، وقد نمت هذه المبادرة منذ هذا الحين من مجرد حملة طموحة لغرس الأشجار إلى مبادرة شاملة للتنمية الريفية في بلدان الساحل الأفريقي. لقد تحول الهدف من زراعة جدار فعلي من الأشجار إلى إنقاذ ملايين الأرواح، من خلال إنشاء مساحات الأراضي الطبيعية الخضراء والمنتجة في 11 دولة، وتمت -حتى الآن- استعادة ما يقرب من 7,5 مليون فدان من الأراضي المتدهورة.
الدور المحوري للمبادرة والتأثير الإيجابي الكبير لها جعلها تحظى باعتراف الأمم المتحدة ضمن 10 مبادرات عالمية أخرى لاستعادة النظام البيئي في «عقد الأمم المتحدة لإصلاح النظام الإيكولوجي»، ويعتبر العقد حركة عالمية تابعة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) ومنظمة الأغذية والزراعة (FAO)، ويهدف إلى استعادة المساحات الطبيعية ومنع تدهورها.
بحلول عام 2030، يهدف «السور الأخضر العظيم» إلى استعادة 42 مليون فدان تقريبًا من الأراضي، وعزل 250 مليون طن من الكربون، وخلق 10 ملايين فرصة عمل؛ لذا فإنَّ للمبادرة إسهامًا كبيرًا في حفظ أمن غذاء ومياه القارة السمراء، وحفظ الموائل من النباتات والحيوانات البرية، ودعم المناطق التي تعاني الجفافَ والفقرَ.
تعزيز المبادرات المحلية
علَى الرغم مِن أنَّ المجتمعات الضعيفة علَى طول الطريق من السنغال في الغرب إلى إثيوبيا في الشرق مستفيدةٌ مِن «السور الأخضر العظيم»، فإنَّ المناطقَ الأكثر استفادةً مِن المبادرة متركزةٌ بصورة أكبر في بوركينا فاسو والنيجر.
إنَّ مدينةَ «كولو» في النيجر واحدةٌ مِن عدة مدن ستتلقى مساعدةَ منظمة الأغذية والزراعة (FAO) التابعة للأمم المتحدة وبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والسلطات الحكومية، والشركاء الآخرين في المجتمعات المحلية؛ وذلك لاستعادة الغابات والتربة.
بدعم من المانحينَ -بما في هذا فرنسا وألمانيا- تساعد المبادرة مجتمعات النيجر وبوركينا فاسو على بدء مشاريع استعادة الأراضي، وتطوير قدرة وتخطيط وتنفيذ استثماراتهم الخضراء بشكل أيسر.
يـد العـون للطبيعة
استخدم المزارعون في «كولو» تقنيةً تقليديةً لاستعادة الأراضي المتدهورة ومنع التصحر، وهذا عن طريق حفر خنادق على شكل هلال، حيث يمكن لهذا الخنادق التقاط مياه الأمطار النادرة وتوجيهها نحو النباتات النامية.
طريقة أخرى لاستعادة الأراضي بشكل طبيعي، تتضمن حماية مناطق من الأرض والأشجار والنباتات الأخرى من حيوانات الرعي وغيرها، مما يسمح لهذه المساحات بالتجدد؛ ومِنْ ثَمَّ يمكن أنْ توفر هذه الأراضي المُسْتَعَادَةُ ظروفًا جيدةً لزراعة المحاصيل أو تربية النحل.
كانت هذه الأراضي جافة وعارية تمامًا، وهذه الأشجار والأعشاب التي توجد بها الآن هي نتيجة عمل شاق من المزارعين، ليصبحوا بهذا أصحاب إسهام مباشر في دعم جهود الحد من التغير المناخي، بالإضافة إلى توفير فرص العمل ومصدر مستدام للدخل.
أَخْذُ المرأةِ زمامَ المبادرة
بما أنَّ التدريبَ جزءٌ مِن المبادرة، يتم تدريب الرجال والنساء علَى ممارسات الحراجة الزراعية، وطرق أخرى لزيادة دُخُوْلِهم.
ومكَّن المشروعُ النساءَ في «كولو» مِن تأمين الأراضي التي يَزْرَعنَ فيها أشجارَ المورينجا، وهي أشجار يمكن تناول أوراقها وبذورها بصفتها خَضْرَوَاتٍ ذات قيمة غذائية عالية، أو تحويلها إلى زيت، وحتى استخدامها في ترشيح مياه الشرب.
إنَّ مبادرةَ «السور الأخضر العظيم» إحدى النقاط المضيئة في العمل المناخي داخل القارة السمراء، فمن ناحية تمثل خطوات مستدامة نحو الحد من التغير المناخي، ومن ناحية أخرى تعزز حماية حقوق الإنسان التي يمكن أن تُسحق بين عشية وضحاها بسبب التغيرات المناخية، ولعل المجاعة الأخيرة في مدغشقر خير دليل على ذلك.