خطى مستدامة

الغابات في خطر.. دور القطاع الخاص في مكافحة إزالة الغابات

الغابات في خطر.. دور القطاع الخاص في مكافحة إزالة الغابات

رغم تزايد الوعي العالمي بأهمية الغابات في مكافحة تغير المناخ والحفاظ على التنوع البيولوجي، فإنَّ عمليات إزالتها لا تزال تتسارع بمعدلات تنذر بالخطر؛ فالغابات ليست مجرد مساحات خضراء، وإنما هي درع حيوي يمتص كميات هائلة من ثاني أكسيد الكربون، ويوفر موائل ضرورية لملايين الكائنات الحية؛ مما يجعلها ركيزة أساسية لاستقرار الأنظمة البيئية واستدامة الحياة على الأرض.

ومع تفاقم هذه الأزمة البيئية، أصبح من الواضح أن الحكومات وحدها لا تستطيع مواجهة المشكلة دون مشاركة فعالة من جميع الجهات الفاعلة، وعلى رأسها القطاع الخاص؛ فالشركات الكبرى التي تعتمد على مواد خام تأتي من مناطق تتعرض لإزالة الغابات تواجه ضغوطًا متزايدة لاتخاذ إجراءات فورية بشأن هذا الأمر.

وفي سبيل البحث عن حلول فعالة لمواجهة تلك المشكلة سوف تتناول حماة الأرض في هذا المقال أبرز الاستراتيجيات الفعالة التي يمكن للشركات أن تتبناها للقيام بدورها في الحد من إزالة الغابات وضمان مستقبل أكثر استدامة؛ فتابعوا القراءة.

مسئولية الشركات في مكافحة إزالة الغابات

لم يعد الانتظار حتى تفرض الحكومات مزيدًا من القيود خيارًا متاحًا، وإنما أصبح على الشركات أن تتحمل مسئوليتها وتبادر إلى تبني استراتيجيات صارمة لمواجهة هذه المشكلة، ويشمل ذلك إعادة النظر في سياسات التوريد، واعتماد سلاسل إمداد مستدامة، والاستثمار في حلول بيئية مبتكرة؛ لضمان استمرارية الموارد الطبيعية وتقليل الأثر البيئي لنشاطها.

وفي هذا السياق حذرت منظمة “مايتي إيرث” (منظمة عالمية للدفاع عن البيئة وحماية الطبيعة وتأمين مناخ مستقر يسمح لجميع أشكال الحياة بالازدهار) في بيان لها من أن التأخير يشكل تهديدًا خطيرًا لغابات العالم، التي تعاني بالفعل من ضغوط شديدة، كما أفاد تقرير تقييم إعلان الغابات لعام 2024 بأنه تم فقدان 15.74 مليون فدان -أي ما يعادل 9 ملايين ملعب كرة قدم- من الغابات خلال عام 2023 وحده.

نحو تحقيق استدامة شاملة

تمثل مكافحة إزالة الغابات تحديًا رئيسيًّا يتطلب التزامًا حقيقيًّا من الشركات، لا سيما تلك التي تعتمد على مواد أولية تأتي من مناطق تتعرض لإزالة الغابات، مثل فول الصويا، ولحوم الأبقار، وزيت النخيل، والورق، والكاكاو، والقهوة، والمطاط. ورغم الوعود المتكررة باتباع سياسات مستدامة، فإن عددًا قليلاً فقط من الشركات قد حدد مواعيد نهائية واضحة للالتزام بتعهدات خالية من إزالة الغابات تغطي جميع هذه السلع، وفقًا لتقرير تقييم إزالة الغابات “سيريس” (Ceres 2023 Deforestation Scorecard).

الأمر اللافت هو أنَّ بعض الشركات حققت تقدمًا ملحوظًا في تطوير خطط أكثر صرامة، غير أن معظم الشركات لا تزال غير شفافة بشأن مدى تقدمها في الامتثال لمعايير لائحة الاتحاد الأوروبي لإزالة الغابات (EUDR)؛ مما يزيد من المخاطر البيئية.

وتجدر الإشارة هنا إلى أنه لا يكفي أنْ تعلن الشركات التزامها بحماية الغابات دون وجود آليات واضحة للتنفيذ، ويجب عليها أيضًا إنشاء أنظمة تتبع دقيقة لسلاسل التوريد، تضمن أن جميع منتجاتها خالية من إزالة الغابات، ويمكنها الاستفادة من أدوات مثل مبادرة “إطار المساءلة” (Accountability Framework Initiative)، التي تقدم خارطة طريق واضحة لمعالجة جميع السلع المسببة لإزالة الغابات.

ومن الجدير بالذكر أنه لم تعد مراقبة سلاسل التوريد كافية لضمان الاستدامة البيئية، وإنما يتطلب الأمر نهجًا أكثر شمولًا يمنع إزالة الغابات من جذورها؛ فلا يكفي أن تكون المنتجات النهائية مستدامة في حين تظل بعض مراحل الإنتاج مرتبطة بالتدمير البيئي؛ لذلك يجب أن يشمل الالتزام البيئي جميع الجهات الفاعلة في سلسلة التوريد، بحيث لا تتعامل الشركات إلا مع الموردين الملتزمين بحماية الغابات.

وتؤكد “أماندا هورويتز” المديرة التنفيذية في منظمة “مايتي إيرث” أن على الشركات اتخاذ موقف حاسم بوقف التعامل مع أي مورد يشارك في إزالة الغابات، بغض النظر عن نوع السلعة التي يوفرها؛ مما يستدعي استثمارات جادة في إعادة هيكلة عمليات الشراء والتعاون الوثيق مع الموردين لضمان الامتثال الكامل للمعايير البيئية.

دروس من تجارب مكافحة إزالة الغابات

وقد شهدت بعض المناطق تحسنًا ملحوظًا في جهود مكافحة إزالة الغَابات مثل إندونيسيا، حيث أدت التزامات القطاع الخاص إلى انخفاض حاد في إزالة الغَابات المرتبطة بزيت النخيل والورق، غير أن الأمر يختلف تمامًا في أمريكا اللاتينية، حيث لا تزال إزالة الغَابات مستمرة بمعدلات تنذر بالخطر بسبب زراعة فول الصويا وتربية الماشية.

ووفقًا لـ”رودريجو بوتيرو” مدير مؤسسة الحفاظ والتنمية المستدامة (Fundación para la Conservación y el Desarrollo Sostenible) في كولومبيا، فإن 13٪ من غابات الأمازون قد اختفت بسبب عمليات إزالة الغَابات غير القانونية، التي ترتبط غالبًا بشبكات الجريمة المنظمة.

ولا تقتصر هذه التحديات على النشاط الزراعي فحسب، وإنما تشير الدراسات إلى أن إزالة الغَابات في أمريكا الوسطى تُستغل لتحقيق أرباح هائلة من تجارة المخدرات، حيث يتم تحويل الأراضي الحرجية إلى مزارع للماشية بتمويل من أرباح المخدرات، وفقًا لما أوضحته “كيندرا ماك سويني” أستاذة الجغرافيا في جامعة ولاية أوهايو.

وفي ظل هذه التحديات يتعين على الشركات اتخاذ قرارات حاسمة، مثل وقف التعامل مع الموردين المتورطين في إزالة الغَابات، وزيادة مستويات الشفافية، والاستثمار في بدائل زراعية مستدامة تقلل من الحاجة إلى تدمير الغَابات.

توسيع نطاق مشروعات استعادة الغابات

ولا تقتصر مكافحة إزالة الغَابات على وقف عمليات التدمير، وإنما تشمل أيضًا استعادة المناطق المتضررة وإعادة زراعتها، حيث تؤكد “ديرك فان دي بوت” الرئيسة التنفيذية لشركة مونديليز (Mondelez)، أن الشركات بحاجة إلى اتباع نهج قائم على المناظر الطبيعية، ويدمج بين جهود الحماية ومشروعات إعادة التشجير. وتُعد مبادرة “تحالف الغَابات الإيجابية” (Forest Positive Coalition)  نموذجًا بارزًا لهذا النهج؛ إذ تدعم استثمارات الشركات في مشروعات مجتمعية تهدف إلى استعادة الغَابات وتعزيز دورها البيئي.

إلى جانب ذلك، تؤدي التكنولوجيا دورًا أساسيًّا في مراقبة التغيرات البيئية وضمان الامتثال للقوانين البيئية؛ فعلى سبيل المثال تعتمد “مؤسسة صندوق الحفاظ على الغَابات”(Forest Conservation Fund)  على تقنيات الأقمار الصناعية، مثل مراقبة القمر الصناعي ستارلينج (Starling Satellite Monitoring)؛ لرصد تطورات الغابات وتقييم مدى الالتزام بالإجراءات المستدامة.

لذلك فإنَّ التوسع في استخدام هذه التقنيات، بالتوازي مع تعزيز التعاون مع المجتمعات المحلية، يمكن أن يسهم في إيجاد حلول دائمة للحفاظ على الغَابات، وجعل استدامة الغطاء الحراجي واقعًا ملموسًا وليس مجرد شعار.

نحو حلول أكثر استدامة

إن تعزيز تقنيات الذكاء الاصطناعي وتحليل البيانات الضخمة يمكن أن يؤدي دورًا رئيسيًّا في مكافحة إزالة الغَابات، عبر تحسين الشفافية في سلاسل التوريد ورصد الانتهاكات البيئية؛ ففي ظل تشديد القوانين البيئية وتزايد الضغوط المجتمعية، أصبحت التكنولوجيا والابتكار البيئي ركيزتين أساسيتين لالتزام الشركات بمعايير الاستدامة.

إضافةً إلى ذلك، يدفع تصاعد الاستثمار في الاقتصاد الأخضر نحو تطوير مواد أولية مستدامة وتقنيات تقلل الاعتماد على الموارد المسببة لإزالة الغَابات، مما يسهم بشكل مباشر في مكافحة إزالة الغَابات وتعزيز الحلول المستدامة، ومع تزايد التحديات، أصبح تبني نماذج أعمال صديقة للبيئة خيارًا لا غنى عنه.

 ومن هذا المنطلق تؤمن حماة الأرض بأن التصدي لإزالة الغَابات جزء أساسي من تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ولا يمكن بلوغ ذلك دون تعاون حقيقي بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمعات، لضمان استدامة الموارد الطبيعية وحماية الكوكب لنا وللأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى