اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف.. إصلاح الأرض يفتح آفاق التنمية
اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف.. إصلاح الأرض يفتح آفاق التنمية
تشكل قضية تدهور الأراضي واحدة من أبرز التحديات البيئية والاجتماعية التي تواجه البشرية في عصرنا الراهن، حيث تتفاقم آثار التصحّر والجفاف بفعل التغير المناخي والضغوط التنموية المتزايدة، مما يستدعي استحضار مفهوم التنمية المستدامة كإطار شامل لمعالجة الأسباب الجذرية لهذه الظاهرة.
تؤثر هذه الظاهرة بشكل مباشر في سبل العيش، وتفاقم الفقر، وتزيد من احتمالات النزاعات المرتبطة بالموارد الطبيعية الشحيحة؛ ولذلك نحتاج إلى فهم أبعاد هذه المشكلة وتحديد سبل معالجتها، وهذا ما سوف تتناوله حماة الأرض في هذا المقال، بالتزامن مع اليوم العالمي لمكافحة التصحر والجفاف؛ فتابعوا القراءة.
التصحر والجفاف وتداعياتهما
ولفهم خطورة هذه الأزمة على النحو الأعمق، ينبغي التوقف أولًا عند طبيعتي التصحر والجفاف بوصفهما تحديين عالميين متفاقمين، حيث يُعد التصحّر والجفاف من أخطر الظواهر التي تهدد استدامة الكوكب، وهما نتاج لتفاعل معقد بين التغيرات المناخية والأنشطة البشرية غير المستدامة، حيث تشير الإحصائيات الحديثة إلى أن 77.6% من أراضي الأرض شهدت أحوالًا مناخية أكثر جفافًا خلال العقود الثلاثة التي سبقت عام 2020، كما توسعت الأراضي الجافة بنحو 4.3 مليون كيلومتر مربع، وهي مساحة أكبر بنحو الثلث من مساحة الهند؛ لتغطي الآن 40.6% من إجمالي مساحة الأرض.
وتترتب على التصحّر والجفاف تداعيات اجتماعية واقتصادية وبيئية وخيمة، حيث يتأثر ملايين الأشخاص بفقدان الأراضي المنتجة، مما يؤدي إلى تفاقم الفقر وانعدام الأمن الغذائي والمائي. كما تدفع هذه الظواهر السكان إلى النزوح والهجرة بحثًا عن سبل عيش بديلة؛ مما يزيد من الأعباء على المناطق الحضرية ويفاقم التحديات الاجتماعية والاقتصادية. إن استمرارية هذه التحديات تستلزم استراتيجيات متكاملة وعابرة للحدود، تهدف إلى معالجة الأسباب الجذرية لهذه الظواهر والحد من انتشارها، وهو ما يدفعنا للبحث عن حلول مبتكرة وفعالة؛ لمعالجة مثل هذه الظواهر.
استضافة كولومبيا لاحتفال هذا العام
أمام هذا الواقع البيئي القاتم، برزت استجابات دولية عملية، من أبرزها تخصيص يوم عالمي لمكافحة التصحر والجفاف، حيث تستعد المجتمعات الدولية في السابع عشر من يونيو كل عام للاحتفال باليوم العالمي لمكافحة التصحّر والجفاف، ويأتي الاحتفال هذا العام تحت شعار “استعادة الأرض فتح الفرص”؛ ليؤكد الأهمية الحيوية لإصلاح الأراضي المتدهورة باعتبارها ركيزة أساسية لبناء مستقبل مستدام.
يمثل هذا اليوم فرصة سنوية لتسليط الضوء على التحديات الهائلة التي يفرضها تدهور الأراضي، فضلًا عن تعزيز الوعي بضرورة العمل الجماعي للحفاظ على هذه الموارد الطبيعية الثمينة. إن معالجة هذه الظواهر ليست مجرد واجب بيئي، وإنما هي استثمار مباشر في الأمن الغذائي، والاستقرار المجتمعي، والنمو الاقتصادي، بما يتوافق مع الأهداف الشاملة للتنمية المستدامة التي تسعى إليها الأمم المتحدة.
وقد أعلنت سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة التصحّر (UNCCD) أن الاحتفال الرسمي ليوم مكافحة التصحّر والجفاف 2025 سيُعقد في مدينة بوجوتا، بدولة كولومبيا، تحت إشراف الحكومة الكولومبية، وسيتضمن الحفل جدولًا حافلًا يعرض قصص نجاح مُلهمة لإصلاح الأراضي، وجلسات حوارية حول تمويل المشروعات، ومبادرات تفاعلية مع الخبراء والجمهور.
إصلاح الأراضي أساس مكافحة التصحر والجفاف
وتبقى الشعارات والاحتفالات ناقصة دون خطوات فعلية على الأرض، وهنا تبرز أهمية إصلاح الأراضي بوصفه مفتاح التغيير، حيث يمثل إصلاح الأراضي المتدهورة حجر الزاوية في بناء قدرة المجتمعات والنظم البيئية على الصمود في وجه التغيرات المناخية وتحديات الجفاف. لا تقتصر عملية الاستعادة على إعادة تأهيل التربة والنباتات فحسب، وإنما تشمل أيضًا استعادة وظائف النظم البيئية الحيوية، مثل تنظيم دورة المياه، وتثبيت التربة، وتعزيز التنوع البيولوجي، وتخزين الكربون. هذه الجهود تسهم بشكل مباشر في التخفيف من آثار التغير المناخي والتكيف معها، من خلال زيادة قدرة الأراضي على امتصاص غازات الاحتباس الحراري وتحسين جودة الهواء والماء.
وقد أظهرت التجارب العالمية أن إصلاح الأراضي يمكن أن توفر فرصًا اقتصادية واجتماعية كبيرة، لا سيما في المناطق الريفية؛ فمن خلال إعادة تأهيل الأراضي، يمكن للسكان المحليين استئناف الأنشطة الزراعية والرعوية المستدامة، وتطوير السياحة البيئية، وتوفير فرص عمل جديدة؛ مما يعزز الاقتصادات المحلية ويحسن مستويات المعيشة.
وفي الوقت الذي يصل فيه عقد الأمم المتحدة لاستعادة النظم الإيكولوجية (2021–2030) إلى منتصف الطريق، تتزايد الحاجة إلى تسريع وتيرة العمل العالمي لعكس مسار التدهور البيئي قبل فوات الأوان. فالمؤشرات الراهنة تُظهر أن العالم سيكون بحاجة إلى استعادة ما لا يقل عن 1.5 مليار هكتار من الأراضي بحلول عام 2030.
وهذا سوف يتطلب استثمارات ضخمة في اقتصاد الترميم الذي تُقدّر قيمته التراكمية بتريليون دولار، ويعد هذا التحول فرصة تاريخية لإعادة توجيه مسارات التنمية نحو نماذج أكثر توازنًا واستدامة، تتكامل فيها صحة النظم البيئية مع رفاه الإنسان، وتتوفر فيها مساحات جديدة للفرص الاقتصادية والمجتمعية على السواء.
آفاق التنمية المستدامة عبر استعادة النظم البيئية
ولا يمكن فصل جهود الإصلاح عن الرؤية الأشمل التي ترسمها أجندة التنمية المستدامة، حيث تتصل جهود إصلاح الأراضي والنظم البيئية اتصالًا وثيقًا بالعديد من أهداف التنمية المستدامة التي أقرتها الأمم المتحدة؛ مما يجعلها محورًا استراتيجيًّا لتحقيق التنمية الشاملة؛ فعلى سبيل المثال، يسهم إصلاح الأراضي المتدهورة في القضاء على الفقر (الهدف 1)، وذلك من خلال توفير سبل عيش مستدامة، وتحسين الأمن الغذائي بزيادة إنتاجية المحاصيل والرعي، وتوفير المياه النظيفة والصرف الصحي (الهدف 6)، عبر بتحسين قدرة التربة على الاحتفاظ بالمياه وتنقيتها.
علاوة على ذلك، يلعب إصلاح الأراضي دورًا حاسمًا في العمل المناخي (الهدف 13)، وذلك من خلال احتجاز الكربون في التربة والغطاء النباتي، وإلى جانب حماية الحياة في البر (الهدف 15) من خلال استعادة الموائل الطبيعية والتنوع البيولوجي؛ ولذلك ترى حماة الأرض أن اليوم العالمي لمكافحة التصحّر والجفاف تذكيرًا قويًّا بأنَّ صحة أراضينا هي أساس صحة مجتمعاتنا وكوكبنا، وأنَّ إصلاح الأراضي المتدهورة تعد فرصة هائلة لإطلاق العنان للقدرات الكامنة في الطبيعة والبشرية لتحقيق مستقبل أكثر استدامة.